محجوب محمد صالح : البحث عن الحلول الجذرية للصراعات القبلية

قضية الصراعات القبلية في السودان حظيت باهتمام كبير في كثير من المقالات المنشورة في مختلف الوسائط الاعلامية وكانت حاضرة في كثير من ورش العمل ويزيد الاهتمام بها كلما انفجر صراع قبلي مأساوي مثلما حدث مؤخرا عندما تجددت حروب المعاليا والرزيقات المستمرة- غير ان كل ذلك السجال الذي يدور في اللقاءات او ينعكس في المقالات لم يحدث تغييرا يذكر لان الواقع الذي انتج هذه الصراعات لم يتغير ومازال الخيار المفضل لدى الحكومة يتراوح بين مؤتمرات الصلح التقليدية او التدخل لفض النزاع عبر القوات النظامية وكلا الامرين اثبت عدم جدواه نتيجة لمتغيرات عديدة حدثت على الأرض.

محجوب محمد صالح

 

قضية الصراعات القبلية في السودان حظيت باهتمام كبير في كثير من المقالات المنشورة في مختلف الوسائط الاعلامية وكانت حاضرة في كثير من ورش العمل ويزيد الاهتمام بها كلما انفجر صراع قبلي مأساوي مثلما حدث مؤخرا عندما تجددت حروب المعاليا والرزيقات المستمرة- غير ان كل ذلك السجال الذي يدور في اللقاءات او ينعكس في المقالات لم يحدث تغييرا يذكر لان الواقع الذي انتج هذه الصراعات لم يتغير ومازال الخيار المفضل لدى الحكومة يتراوح بين مؤتمرات الصلح التقليدية او التدخل لفض النزاع عبر القوات النظامية وكلا الامرين اثبت عدم جدواه نتيجة لمتغيرات عديدة حدثت على الأرض.

وللنزاع القبلي في السودان تاريخ طويل، بل وكان واضحا في التاريخ الاحدث وهناك رصد كامل للصراعات التي حدثت خلال القرن الماضي سواء تحت الحكم الثنائي او دولة الاستقلال ولكن هناك فرق كبير بين تلك الصراعات المحدودة والصراعات الحالية- الصراعات السابقة كانت تحدث تحت دولة تفرض سيطرتها على كافة ارض السودان والصراعات الحالية- وبعد انفصال الجنوب- تدور في دولة تتجاذبها حروب في ثلث عدد ولاياتها ولا تبسط سيطرتها على كافة اراضيها وتصاعدت فيها ثقافة الحرب وانتشر السلاح غير القانوني وزاد عدد المليشيات وتدهور الاقتصاد وزاد الغبن الاجتماعي واتسعت الهوة بين اصحاب الثراء المستحدث وعامة الناس وارتفعت درجة احساس الاقاليم بالظلم والتهميش.

وفوق هذا وذاك انتشر السلاح الحديث بصورة غير مسبوقة خاصة والسودان يقع وسط منطقة موبوءة بالنزاعات الداخلية المسلحة- بدءا من ليبيا مرورا بتشاد وافريقيا الوسطى وانتهاء بدولة جنوب السودان الوليدة.

واضاف النظام الفدرالي المختل المطبق في السودان جديدا للصراع لانه انتهج سياسة (تفتيتية) للوطن حينما قسم اقاليمه الستة التقليدية المجربة الى ثمانية عشر ولاية فزاد التشظي في وقت ارتفعت فيه حدة المنافسة بين القبائل اولا حول الموارد الطبيعية الشحيحة والمتناقصة بالجفاف والتصحر مع الزياد ةغير المسبوقة في عدد السكان وزاد الطين بله منهج(المحاصصة) القبلية في توزيع المناصب الدستورية والتعيينات السياسية بصورة جعلت المركز يفتقد حياده بالنسبة لعدد كبير من القبائل التي تحس انه ينحاز بصورة واضحة لقائل منافسة لهم وبالتالي لم يعد المركز هو الحكم الذي ترضى حكومته.

اي حديث عن تقليل حدة المواجهات القبلية واستعادة السلم الاجتماعي والتعايش السلمي لن يكتب لها النجاح اذا لم تتصدى لكل هذه الاسباب التي تشكل جذور المشكلة ما لم يحدث توافق وطني على تغيير شامل في نظام الحكم وفي التنمية المتوازنة وفي العدالة ليس فقط في تقسيم الموارد بل ايضا في تقديم الخدمات والمشروعات التنموية والمشاركة السياسية في صناعة القرار.

الأمر لم يعد أمر(جودية) ولا مجالس صلح تنمق الكلمات ولابد من عملية جراحية شاملة تعيد للجسم السياسي والاقتصادي والاجتماعي صحته وعافيته ودون ذلك ستتصاعد المواجهات ولن تجدي المواجهة العسكرية كما تعلمنا من درس جنوب السودان وكل محاولة للحل عبر مؤتمرات صلح تقليدية لن تنتج الا حلولا مؤقتة قصيرة العمر تهدد باندلاع الصراع من جديد عند وقوع اي حادث قبلي!!

محجوب محمد صالح

Welcome

Install
×