معهد السلام الأمريكي: المسألة الشائكة لتخفيف العقوبات عن السودان

ليس الأمر بالسهل عندما نتطرق إلى سياسة الولايات المتحدة إزاء السودان، فإننا من ناحية نتعامل مع حكومة ارتكبت انتهاكات خطيرة لحقوق…

 

شهادة أمام اللجنة الفرعية للشؤون الخارجية عن إفريقيا والصحة العالمية وحقوق الإنسان الدولية والمنظمات الدولية

السفير المتقاعد برنستن ن. ليمن كبير المستشارين

ترجمة مختصرة عن المصدر الإنجليزي: معتصم الحارث الضوّي

مقدمة

ليس الأمر بالسهل عندما نتطرق إلى سياسة الولايات المتحدة إزاء السودان، فإننا من ناحية نتعامل مع حكومة ارتكبت انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، وتُقيّد من حرية التعبير والتجمع، وسعت لمعارضة الإصلاح الديمقراطي الذي يوفر السلام والرخاء للبلاد…

في ذات الوقت، فإن السودان دولة محورية في المنطقة، وليس في منطقة القرن الإفريقي فحسب، بل في منطقة شمال إفريقيا والساحل أيضا، علاوة على أنها مساهم رئيس في الأزمة في جنوب السودان، وعلى الرغم من العقوبات الاقتصادية الأمريكية على الحكومة، ورغم جهود المقاتلين للإطاحة بها، إلا أن الحكومة الحالية لم تسقط، وما زال مستقبل السودان متعلقا بها بشكل كبير. أرى أن سقوط الحكومة أو إسقاطها بالقوة لن يحقق الأهداف الرئيسة للولايات المتحدة الأمريكية، وأكاد أجزم أنه لن يحقق السلام والديمقراطية والرخاء الذي يستحقه الشعب.

كيف يمكننا إذن الجمع بين العوامل؛ الاعتراض على الحكومة من مناحي شتى، وفي ذات الوقت اعتبارها لاعبا إقليميا ذو أهمية كبرى لنا؟

إن المشكلة الكبرى في السودان هي أن من يمتلكون زمام القوة، وخاصة المهتمون بأمن النظام، هم جزء أصيل من نظام الحكمية التقليدي الذي وصفته أعلاه، ولذا فإن مخاطر التغيير تبدو ضخمة للغاية بالنسبة لهم.
إن التحدي الكائن أمام الحكومة هي أن تدرك وجود عدة مسارات نحو السلام والتشارك والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وبأن المعادلة ليست صفرية…

لقد تفهمت حكومات أوتوقراطية أخرى تلك المسارات واستطاعت تحقيق التحولات بنجاح، ومن الأمثلة كوريا الجنوبية وإسبانيا وإندونيسيا وجنوب إفريقيا، ويُعد ارتياد تلك المسارات السبيل الوحيد لخروج السودان من حالته الحالية المتميزة بالحروب الأهلية والتنمية المحدودة.

كيف يمكن للولايات المتحدة أن تحقق التأثير الأعظم على مسألة إحداث التغيير في السودان؟

إحدى النقاط فائق الأهمية هو أن حكومة السودان تعوّل كثيرا على علاقتها مع الولايات المتحدة، وهذا بشكل رئيس بسبب العقوبات الاقتصادية الأمريكية التي تحاصرها اقتصاديا، وتعزلها سياسيا، وتقلل من خياراتها. لكن العقوبات تكون مفيدة إذا حققت التغيير فحسب، ونرى هنا أنها لم تحقق بعد عقود من تطبيقها نهاية لديكتاتورية النظام، ولم تنه الحرب في دارفور، ولم تؤدي لحل الصراع في المنطقتين، أو حتى تؤدي إلى التعاون في المجال الأمني.
قد يرى البعض أن إضافة المزيد من العقوبات قد تدفع الحكومة باتجاه التغيير البسيط، ولكن رغم أن العقوبات تحفز الحكومات على تغيير سياساتها، ويشمل ذلك التغييرات الكبرى مثال منح الاستقلال لجنوب السودان، إلا أن الحكومات الديكتاتورية لا ترتكب الانتحار السياسي بسبب العقوبات.

يجدر أن تركز السياسة الأمريكية على إيجاد وسائل تجعل الحكومة ومناصريها علاوة على المعارضة تلتزمان بإحداث التغيير المطلوب، وهذا يتطلب حوارا عميقا، ويعد وجود العقوبات أسلوبا يساعدنا على الضغط بخصوص هذا الحوار، ولكن هذا يتطلب استمرار العقوبات.

لم تخض الولايات المتحدة حوارا بناء مع حكومة السودان منذ 2013 عندما شاركت في المراحل النهائية من الحوار لإنهاء بعض المسائل بين السودان وجنوب السودان. كانت حكومة السودان غير مكترثة بنا كثيرا، ولكن المبادرة الأحدث، والتي استندت إلى العمل الدؤوب للولايات المتحدة قد حققت إعادة بدء الحوار، ومن الحكمة أن ذلك لم يستند إلى خريطة طريق متكاملة لتطبيع العلاقات، فقد أفادتنا التجارب السابقة والأحداث المتعاقبة الكثيرة علاوة على الاختلافات الكبيرة بصعوبة التأسيس لمثل هذا النوع من خرائط الطريق مع السودان. عوضا عن ذلك لدينا مجموعة محدودة من النقاط الاسترشادية (benchmarks) ورفع محدود للعقوبات، ولذا فإنها مجرد بداية ليس إلا.

إن النقاط الاسترشادية بالفعل محدودة، ولن أعلق على المسار الاستخباراتي. إن الالتزام الإقليمي ضد جيش الرب قد بدأ يتضاءل للأسف، خاصة مع تراجع كلا من الولايات المتحدة وأوغندا. فيما يتعلق بجنوب السودان، فإن الحكومة قد قللت من دعمها للمعارضة، ولكن مسار السلام في جنوب السودان بالغ التعقيد، ويتوجب على الولايات المتحدة بذلك المزيد من الجهود الدولية لإحداث تطور في هذا الملف.

أكثر النقاط الاسترشادية إثارة للجدل هو حق الوصول الإنساني ووقف إطلاق النار… سيتوجب علينا المساع من المنظمات الإنسانية ما إذا كانت التغييرات قد أحثت نتائج ملموسة.

قد يقودني إلى نقطة في غاية الأهمية، فإن تحقيق تطور كبير في حق الوصول الإنساني والعملية السلمية في دارفور والمنطقتين لا يعتمد فقط على الحكومة، بل على المعارضة المسلحة أيضا، وفي الوقت الحالي المعارضة المسلحة بينها خلافات، وفي حالة فوضى في دارفور.

فيما يتعلق بدارفور، ساهمت حركة العدل والمساواة في الحرب الأهلية في جنوب السودان وتعرضت لخسائر كبيرة. أما جيش تحرير السودان/ مني مناوي فيشارك الآن بشكل أكبر في ليبيا من دارفور، وثمة علامة على ضعفهم العام على الأرض هو زعماء المعارضة الدارفورية الثلاثة قد عادوا مرة أخرى للإقامة في باريس. أما الجبهة الثورية السودانية وهي تحالف بين الحركة الشعبية لتحرير السودان والمعارضة الدارفورية فقد شهدت شرخا كبيرا. توجد الآن تصدعات داخل الحركة الشعبية والتي لم تستطع مقاومة أن تكون طرفا في الحرب الأهلية في جنوب السودان.

في هذا المناخ السائد، فإن الحركة الشعبية كانت معارضة لاتفاقية للدخول الإنساني إلى المنطقتين بذات القدر الذي كانت عليه حكومة السودان، وكان أحد شروطها أن يأتي جزء من العون من خارج السودان أي عبر إثيوبيا. من العسير النظر إلى ذلك باعتباره أهم من وصول المساعدة الإنسانية فائقة الضرورة إلى السكان الذين يعانون ستة سنوات من الحرب…
إنني أعتقد بأن هذه النقطة ليست إلا خدعة، وبأن قيادة الحركة الشعبية ليست على استعداد حتى الآن للمشاركة في هذا النوع من الحوارات والعمليات السياسية التي تقدمها  خريطة الطريق للتغيير التي يدفعها الاتحاد الإفريقي، والتي يترأسها ثابو أمبيكي. ثمة الكثير من العمل الذي ينبغي أداؤه مع الحركة الشعبية ومع حكومة السودان أيضا.
كل ذلك لا يعفي حكومة السودان، فإن هجماتها العسكرية قد أدت إلى معظم الضعف الذي حدث للمجموعات المعارضة الدارفورية، ويمكنها بكل يسر أن توافق على وصول جزء من الدعم عبر إثيوبيا لإنهاء حالة الجمود. لكن النقطة المهمة هي أن استخدام تلك العقوبات ضد حكومة السودان بغرض حل النزاعات المعقدة لن يكون كافيا دون اعتبار دور المعارضة.
بالنسبة للعقوبات، والتي تم تجميدها وقد يتم إنهاؤها في يوليو، فإنها أقل مما يبدو، ورغم أنها ستفتح الطريق للتجارة وتنعش الاهتمام بالاستثمار، إلا أنه في ظل وجود عقوبات أخرى مطبقة، وبالنظر إلى استمرار وجود السودان على لائحة الدول الداعمة للإرهاب، فإن من غير المرجح أن تحدث استثمارات طويلة الأجل، وستظل المؤسسات المالية تنظر بتحفظ، بينما يحتاج المستثمرين إلى ضمانات طويلة الأمد، كما أن إعفاء الديون لن يتم النظر فيه.
إجمالا، فإن هذه فاتحة لحوار جاد، ووسيلة لدعم التحول السياسي الجاد في السودان، وهي خطوة صغيرة ولكنها بداية مهمة، وقد أدى إليها فرض العقوبات التي لم تكن ذات تكلفة تُذكر. أما السؤال المهم فهو ما الذي يمكن أن تقود إليه، وقد يقودنا إلى ما سيحدث بعد يوليو، وخاصة إذا تم تحقيق النقاط الاسترشادية الخمسة.

الخطوات التالية

إحدث نقاط النقد الرئيسة لهذه المبادرة هي أنها تغفل أي متطلبات من حكومة السودان بخصوص حرية التعبير والتجمع، والصحافة، وإطلاق السجناء السياسيين، وغيرها من الخطوات التي تتيح الفرصة لحوار سياسي حقيقي ولمشاركة سياسية واسعة، ويجب أن تكون تلك النقاط جزء من المرحلة القادمة من الحوار ومن أي رفع إضافي للعقوبات، وتمثل تلك النقاط التحدي الأكبر للقيادة السودانية بخصوص ما إذا كانت مستعدة لبدء تحول جوهري في النظام السياسي، ولا يوجد إجماع لدى القيادة السودانية بهذا الخصوص، وعليه ثمة حاجة للحوار المكثف والنقاش والعزيمة للانطلاق إلى الأمام، ويمكن للولايات المتحدة أن تضطلع بدور كبير في هذه العملية…
ثانيا، يجب إجراء حوار جاد مع المعارضة المسلحة، فإن تشظيها وصراعاتها الداخلية ومواقفها المتشددة لا تخدم الموقف، ويمكن للولايات المتحدة الاضطلاع بدور كبير في هذا المجال أيضا… ويجدر بمجموعات الدعم (advocacy groups) ألا تتوقف عن مجابهة المجموعات المسلحة بأوجه ضعفها وربما بسياساتها المتخبطة.

ختاما، ثمة شيء يمكن للكونغرس أن يضطلع به لجعل عودة التجارة مفيدة لشعب السودان وليس فقط للصفورة. تخضع يو أس أيد حاليا لقيود بخصوص الأعمال التنموية خارج مناطق النزاع والحدود، وينبغي أن تُمنح التفويض للعمل بشكل أوسع في مجالات الزراعة والصحة والتعليم لتسيير الاستيراد الذي سيبدأ في تلك القطاعات إلى المناطق الأكثر احتياجا….
إجمالا، فإن المبادرة الخاضعة للنقاش حاليا مع السودان هي بداية لحوار جاد ومكثف مع حكومة السودان بخصوص السلام والديمقراطية والتنمية، وليست هذه مهمة الولايات المتحدة فحسب، بل والاتحاد الإفريقي ايضا…

تمنح العقوبات للولايات المتحدة أسلوبا للضغط، ومن المهم استخدامها بشكل استراتيجي…

تحتاج الولايات المتحدة إلى تحقيق اتفاق مع السودان يأخذ بعين الاعتبار أبعاد التغير الذي تسعى إليه، والتحديات التي تعنيها للأطراف المختلفة في السودان، ولذا سيكون من الضروري أن تأتي العملية وتُطبق خطوة بخطوة، ولكن التواصل هو الأسلوب الأوحد لتحريك العملية إلى الأمام، وتُعد المبادرة الأحدث خطوة صغيرة ولكنها مهمة في هذا الاتجاه.

الآراء الواردة في هذه الشهادة خاصة بمؤلفها فقط، ولا تمثل معهد السلام الأمريكي.

Welcome

Install
×