سيف الدولة حمدنالله: يوم الرفع !! ..
أينما يدور مؤشّر البحث في مواقع الخبر، لا يجد المرء غير سُخرية وإستهزاء المواطنين من حفاوة النظام برفع العقوبات عن بلادهم، والذين …
بقلم: سيف الدولة حمدنالله
أينما يدور مؤشّر البحث في مواقع الخبر، لا يجد المرء غير سُخرية وإستهزاء المواطنين من حفاوة النظام برفع العقوبات عن بلادهم، والذين إنتشوا من المواطنين بالحدث، فهموا أن العقوبات كانت شر وإنزاح، هكذا، دون أن يعرفوا ماهية هذه العقوبات وأثر رفعها على حياتهم، فقد إستمعت في ليلة الرفع براديو "بي بي سي عربي" إلى تحقيق جرى مع عدد من المواطنين السودانيين الفرِحِين لرفع العقوبات، من بينهم صاحب جزارة قال أن سبب فرحته يعود إلى أن رفع العقوبات سوف يُمكِّن الدولة من إستجلاب سلالات جيدة من البهائم الأمريكية، وسئل آخر فقال أنه سعيد لأن رفع العقوبات سوف يتيح توفير قطع الغيار للطائرات والسفن السودانية التي توقفت بسبب العقوبات، ومن يقول جنس هذا الكلام يُسمّى باللغة البلدي "الرجل البَوْ"، وهو الذي يُوحي لك بأنه صاحب رأي وكلامه فطير، فلا الجماعة تركوا للبلد سفن وطائرات تنقصها إسبيرات، ولا أمريكا تُصدّر سلالات البهائم.
لو أن لأهل النظام عقل لما فعلوا كل هذه الزيطة برفع العقوبات، فهذه خيبة لا إنتصار، مثل اللص الذي ضُبِط بمسروقات وعندما أخذته الشرطة ليُرشدها على المنزل الذي قام بسرقته، رأى فيه فتاة جميلة ويريد التقدم لخطبتها، فالعقوبات التي أوقعتها أمريكا على النظام كانت من صُنع يديه، وكان الهدف منها هو حماية الشعب من بطش النظام وعسفه وجبروته، وإجباره على الموافقة على توصيل الخبز والغذاء لأبنائه المسئول عنهم في مناطق الحرب، والضغط عليه حتى يُوقف إنتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها على أبناء الوطن وتحقيق حرية الصحافة والأديان .. إلخ، وهي تُهم لم يُنكرها النظام، والدليل على ذلك أن رفع العقوبات قد تمّ – بإعتراف النظام – نتيجة تقديمه دلائل يثبت بها توقفه عن ممارسة تلك الإنتهاكات وتعهده بعدم الإساءة إلى مواطنيه في المستقبل، كما أن القرار نفسه قد حوى فقرة تقول أن أمريكا سوف تظل تراقب إلتزام النظام بتعهداته، وأنها سوف تُرجِع العقوبات متى ثبت لها تكرار هذه الإنتهاكات، ثم يأتي النظام ويريد من ضحاياه أن يحتفوا معه بأنه قد عتقهم نتيجة الضغط عليه بواسطة الأغراب.
الشعب لا يعنيه أن تسمح أمريكا للمواطنين بدخول أراضيها أو السماح بإجراء التحويلات البنكية بالدولار، فالذين يسافرون لأمريكا ويقومون بإجراء التحويلات البنكية هم الفئة التي يتمنى أيّ مواطن أن تُمنع من مغادرة البلاد ويجري التحقيق معها بشأن مصادر الأموال التي يقوم بتحويلها، فالذين بيدهم الأموال التي سوف تُحوّل عبر البنوك هم سبب قبول الشعب بتلك العقوبات، كما أن أقصى سفرية يحلم بها مواطن من العوام اليوم هي التي يستطيع أن يُدبّر لها ثمن تذكرة بص لزيارة أهله في كوستي أو الدمازين.
الذي لا شك فيه أن رفع العقوبات سوف يزيد من حالة الإحتقان الداخلي بزوال أمل كثيرين كانوا ينتظرون حدوث التغيير بمثل هذه الضغوط الخارجية، بعد أن فقدوا الأمل في الأحزاب السياسية التي تساقط رموزها واحداً بعد الآخر، بعضهم بمنصب وآخرين لقاء قطعة سكنية، كما أن الذين وضعوا الأمل على الجبهة الثورية قد خفت صوتها بعد التصدّع الذي حدث بين صفوفها، وسوف تؤدي حالة اليأس وإنسداد الأفق وتلاشي الأمل في حدوث إنفجار من قوة لم يحسب النظام حسابها، ذلك أن أكثر من ضعفي الشكاوى التي يئن الشعب بسببها ليست لها علاقة بأسباب توقيع العقوبات التي رُفِعت، وهي إنتشار الفساد والمحسوبية وإنتشار الفقر والبطالة وفرض الضرائب والرسوم ورفع الدولة يدها عن الصحة والتعليم وقصر الوظائف العامة على أبناء التنظيم مشايعيه … إلخ