نبيل أديب عبدالله/ المحامي: ماذا بعد رفع العقوبات الإقتصادية عن السودان ..

رغم أن الإدارة الأمريكية قد حددت الثاني عشر من أكتوبر موعداً لإصدار قرارها المرتقب حول إبقاء أو إلغاء العقوبات الإقتصادية على السودان، إلا إنها لم …

بقلم: نبيل أديب عبدالله/ المحامي 

 

رغم أن الإدارة الأمريكية قد حددت الثاني عشر من أكتوبر موعداً لإصدار قرارها المرتقب حول إبقاء أو إلغاء العقوبات الإقتصادية على السودان، إلا إنها لم تنتظر حتى ذلك التاريخ، فأعلنت ظهر الجمعة بتوقيت واشنطن و مساء ذلك اليوم بالنسبة للسودان إنهاء العقوبات الإقتصادية بعد عقدين من الزمان، إستمرت فيها تلك العقوبات.

لقد سبق صدور القرار توقعات قوية بقرب رفعها مما أثر على السوق في السودان تأثيراً طفيفاً تمثل في هبوط طفيف في سعر الدولار، وإرتفاع طفيف أيضاً في سعر العقار وهما السلعتان الأكثر تأثيراً على السوق، وتأثراً به، فهو سوق يفتقد العمق والتنوع .ويتوقع عقب تأكيد صدور القرار أن تستمر هذه الحركة، ولا أدري ما إذا كانت ستأخذ درجة اكبر أم لا، ولكن المؤكد أنها ستكون قصيرة الأجل لأنها مبنية على التوقعات والمضاربات وليس على عوامل معينة دخلت السوق وأحدثت هذه التأتيرات.

         
الأثر المباشر لرفع العقوبات
ما تكشف عنه هذه التغييرات هو توقعات السوق بالنسبه لما سيحدثه رفع العقوبات ، أما اثره الحقيقي فيحتاج لبعض الوقت. ويتضح من التوقعات التي تظهرها حركة السوق أن السوق يشعر بالتفاؤل إزاء ذلك القرار وأنه يتوقع تدفق العملات والإستثمارات إلى السودان. وهو في تقديري توقع سببته الدعاية الحكومية التي إستخدمت العقوبات الأمريكية شماعة علقت عليها أخطاءها التي أدت إلى ذلك الإنكماش في الإقتصاد الذي يعيشه السوق السوداني.

لا يبدو لي أن لهذا التفاؤل أساس إقتصادي، فقد تم فرض العقوبات الإقتصادية على السودان في عام 1997 بقرار رئاسي يقضي بتجميد الأرصدة السودانية في أمريكا، ومقاطعة السودان تجاريا. بالنسبة للعلاقات التجارية فلم يكن وقتها هنالك علاقات إقتصادية قوية تربط الإقتصاد الأمريكي بالإقتصاد السوداني، فمنذ أن إشترى طيب الذكر جار النبي إستثمار شيفرون في السودان لم يعد هنالك أي إستثمار أمريكي يمكن إعتباره مؤثراً في الإقتصاد السوداني . أضف لذلك أن الإقتصاد السوداني، رغم تلك العقوبات، مر بتحسن ملحوظ وإنتعاش في السنوات التي أعقبت وقف إطلاق النار في الجنوب وصل إلى أعلى درجاته عقب توقيع إتفاقية نيفاشا التي شهدت حركة ملحوظة في الإستثمار، وظل الجنيه محافظاُ على قوته حتى إنفصال الجنوب في 2011، رغم بقاء العقوبات الإقتصادية على حالها.

أما أرصدة السودان التي جمدت فتبلغ 48.5 مليون دولار أمريكي، وسنرى حالاً أن رفع العقوبات قد يكلف السودان أضعاف هذا المبلغ.

صحيح ان العقوبات الإقتصادية قد أدت إلى التضييق على الإقتصاد السوداني عن طريق وقف المعاملات المصرفية بالدولار في السنين الأخيرة، ولكن المسألة كانت تتم معالجتها بشكل أو بآخر في علاقات السودان المصرفية الثنائية مع الدول الأخرى. ويعيب التوقعات الإقتصادية المتفائلة أنها تخلط بين رفع العقوبات وتحسن العلاقات، ولا تتحسب لما قد يترتب على العلاقات الثنائية من مشاكل تعرقل العلاقات الإقتصادية، كما وأنها تتجاهل العيوب الرئيسية التي تقعد بالإقتصاد السوداني والتي لن يؤدي رفع العقوبات إلى تغييرها.

قرار رفع العقوبات والمسارات الخمس
القرار برفع العقوبات عن السودان تم تحديده بموقف السودان من مسارات خمس لا يبدو أنها كانت تشكل مشكلة كبيرة للحكومة، بالأخص في المسارات الثلاث التي كان إنجاز الحكومة فيها واضحاً، وأولها التعاون في مكافحة الإرهاب. فهذا الملف قطعت فيه حكومة السودان أشواطاً عديدة، قبل ان تكون هنالك أي مبادرة نحو رفع العقوبات. ولم تفعل حكومة السودان ذلك طمعاً في ذهب المعز، ولكنها فعلته إتقاء لسيفه. فقد مر زمن طويل على تلك الأيام التي كانت التهويمات في أهازيج الحركة الإسلامية، تتحدث عن غزو العالم أجمع، ولا أعتقد أن ضرب مصنع الشفاء كان خطأ إستخباري، بقدر ما كان درساً عملياً يوضح النتائج الكارثية التي يمكن ان يؤدي إليها إستدخدام اليد الطويلة لأمريكا. ويأتي بعد ذلك المسار الخاص بعلاقة السودان بجيش الرب وهي أصلاً لم تكن علاقة مريحة لأي من طرفيها والمسار الثالث والتعلق بدعم الحركات المسلحة التي تعمل في جنوب السودان .

وإذا كان بعض المراقبين يعتقدون أن السودان كان أقل تجاوباً في المسارين المتعلقين بتوصيل المساعدات الإنسانية، ووقف العدائيات في المنطقتين ودارفور، إلا أن سكوت أصوات المدافع في تلك الجهات يعتبر تقدماً كافياً يبرر رفع العقوبات. ولكن الناظر إلى المسارات الخمس، يرى أنها ليست في واقع الأمر هي كل المسائل التي تعرقل العلاقات بين البلدين، بل ولا يمكن عتبارها أهم تلك المسائل، وهذا ما لم يحاول أن يخفيه البيان الرسمي الذي صدر مساء الجمعة.

محاذير يجب قراءتها في البيان الرسمي
يلاحظ أن وقف العقوبات سيبدأ تنفيذه في الثاني عشر من أكتوبر وليس في ذلك مشكلة ولكن يبدو أيضا أن القرار صدر في إطار أكبر من المسارات الخمس، بل ومن العلاقة الثنائية بين البلدين، كما ويظهر أنه قابل للمراجعة. فالبيان يذكر"تظهر الإجراءات التي اتخذتها حكومة السودان خلال الأشهر التسعة الماضية أنها جادة في التعاون مع الولايات المتحدة. فقد اتخذت خطوات هامة لوقف الصراع، وتحسين وصول المساعدات الإنسانية داخل السودان، وتعزيز الاستقرار الإقليمي. غير أنه يلزم إحراز مزيد من التقدم لتحقيق السلام بصورة كاملة ومستدامة في السودان، والتعاون مع الولايات المتحدة بشأن مجموعة من الأولويات التي تراها الإدارة، بما في ذلك زيادة توسيع نطاق وصول المساعدات الإنسانية، وتحسين ممارسات حقوق الإنسان والحريات الدينية لحكومة السودان، وضمان أن حكومة السودان ملتزمة بالتنفيذ الكامل لقرارات مجلس الأمن الدولي بشأن كوريا الشمالية." وهذه المسائل الثلاث لم تكن ضمن المسارات الخمس.

هل لعبت كوريا الشمالية دورا في القرار؟
سنرجئ الحديث الآن عن ممارسات حقوق الإنسان، والحريات الدينية لحكومة السودان، ولكن فيما يتعلق بكوريا الشمالية صرح مسؤولون ان ادارة ترامب اكدت ايضا التزام السودان بانها "لن تواصل صفقات الاسلحة" مع كوريا الشمالية وان واشنطن لن تقبل أي درجة من التسامح فيما يتعلق بامتثال الخرطوم. يبدو أن السودان كان في رأي الإدارة الأمريكية قد عقد صفقة في العام الماضي لشراء أسلحة من كوريا الشمالية. يرى البعض أن مسألة كوريا الشمالية تحتل موقعا هاما في تفكير الرئيس ترمب. ظهر ذلك مساء الجمعة حين أدلى بتصريح خلال التقاط صور قبل مأدبة عشاء مع قادة عسكريين أميركيين وزوجاتهم في البيت الأبيض، وصف فيه المأدبة بقوله "الهدوء الذي يسبق العاصفة". وعندما سئل عما كان يقصده عندما قال ذلك إكتفى الرئيس الأميركي بقوله "سوف ترون" وإزداد الأمر غموضاً حين رفضت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارا ساندرز توضيح ماذا كان يقصد ترامب، ولكنها نفت أنه كان يمزح عندما سئلت هل كان الرئيس "يعبث مع الصحافة" فقالت "أعتقد أن لدينا بعض القضايا العالمية المهمة. أعتقد أن كوريا الشمالية وإيران لا يزالان فاعلان سيئان والرئيس شخص يبحث دائما عن سبل لحماية الأميركيين".

وقد لا تشكل مسألة كوريا الشمالية عائقا في مستقبل العلاقات ولكننا تشير فقط إلا أنها لعبت دوراُ في القرار رغم أنها لم تكن جزء من المسارات الخمس.

ولكن مسألة حقوق الإنسان تشكل عائقاً قوياً فيما يتعلق بتحسين العلاقات، وهو ماسنعود له لاحقاً، أما بالنسبة للمسألة العاجلة والتي تلي رفع العقوبات، والتي تهم المرتقبون لحركة الدولار والعقار صعوداً وهبوطاً ــ وهم يشكلون قطاعات مؤثرة على الإقتصاد السوداني ــ فتأتي العوائق القانونية الأخرى التي لن تزول مع رفع العقوبات.

هل يمسك الرئيس بكل الخيوط؟
أهم تلك المسائل هو أنه رغم نجاح السودان في مسار التعاون مع الحكومة الأمريكية في مناهضة السودان يعني بشكل تلقائي خروج السودان عن قائمة الدول الراعية للإرهاب، إلا أن الأمر ليس كذلك، لسبب بسيط وهو أن القرار بالنسبة لرفع العقوبات يستقل بأخذه الرئيس الأمريكي، في حين أن قائمة الدول الراعية للإرهاب تحددها وزارة الخارجية، وفي أحيان كثيرة لا ينظرالإثنان بمنظار واحد، أو بالتعبير الإنجليزيeye to eye للمسألة قيد النظر . صحيح أن الرئيس ترمب هو الرئيس المنتخب والذي يختص بإتخاذ كافة القرارات، ولكنه لا يفعل ذلك بمعزل عن مستشاريه الفنيين. وحتى وزارة الخارجية لا تضع كشف الدولة الداخلة في قائمة الدول الراعية للإرهاب بمفردها، بل تلجأ للمعلومات المتوفرة لدى وكالة المخابرات الأمريكية ووزارة الدفاع وغيرها من الجهات التنفيذية الأخرى.

ويجدر بنا أن نشير في هذا الصدد إلى العلاقة المضطربة التي تحكم ترمب بوزير خارجيته حسبما رشح في أجهزة الإعلام، فقد تناولت صحيفة واشنطن بوست الأميركية أزمة الخليج الراهنة والحصار المفروض على دولة قطر، وخاصة ما تعلق برد فعل الولايات المتحدة في هذا السياق، وقالت إن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب ترسل برسالتين متباينيتن بهذا الخصوص.
نشرت الصحيفة مقالا للكاتب جوش روغن قال فيه إن إدارة ترمب ترسل برسالتين متضاربتين بخصوص سياستها تجاه دولة قطر، الأمر الذي يعكس وجهتي نظر مختلفتين لكل من ترمب ووزير خارجيته ريكس تيلرسون بشأن قطر. وأضاف المقال أنه بينما يعمل تيلرسون وراء الكواليس للتوسط بين حلفاء الولايات المتحدة المتخاصمين في الخليج، فإن مسؤولين ومراقبين يقولون إن موقف الرئيس ترمب الأكثر عدوانية يمكن أن يعيق قدرة وزير خارجيته على النجاح.

ورغم ان وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون قد نفى الخبر الذي أوردته وكالة انباء ان بي سي الاخبارية والذي جاء فيه أنه كان قد فكر في الإستقالة من منصبه، إلا أن ذلك لم يمنع القلق السائد في واشنطن حول تلك العلاقة فقد صرح السيناتور ريتشارد بلومنتال انه يشعر بالقلق من ان تعيق العلاقة بين تيلرسون والرئيس دونالد ترامب الجهود الدبلوماسية في كوريا الشمالية وغيرها في أنحاء أخرى من العالم.

إذاً فالمسألة ليست برمتها في يد الرئاسة الأمريكية، وحتى لو كانت، فإن شخص الرئيس الأمريكي من حيث كونه متقلب المزاج، ولا يلتزم كثيراً بما يراه الفريق المكون لمجموعة البيت الأبيض، تجعل الإطمئنان لإستمرار العلاقة بين حكومتين تختلف نظرتهما للأشياء بهذا الشكل لا تكشف عن فطنة.

نتائج بقاء السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب
كون ان السودان مازال ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب يترتب عليه تبعات، أولها خضوعه لقانون مكافحة الإرهاب وعقوبة الإعدام الفعلية، وهو قانون أصدره الكونجرس عام 1996م عدل فيه قانون حصانات السيادة الأجنبية FSIA لعام 1976، وهو القانون الذي عدد مسألة حصانات الدول الأجنبية أمام المحاكم الأمريكية، وهذه مسألة يمكن أن توضح تعقيداتها الحكم الصادر في مواجهة السودان، والذي تم تأييده بواسطة أحد محاكم الإستئناف الفيدرالية ( محكمة إستئنافات مقاطعة كلولومبيا )، حيث قضى الحكم بمسؤولية السودان عن سداد مبالغ تصل لمبلغ يفوق البليونان من الدولارات، كتعويضات لعائلات ضحايا الهجوم على سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام، بعد أن أسقطت مبلغ 403 بليون دولار كانت محكمة أول درجة حكمت به كتعويض عقابي، لم تقرر بعد في مبلغ يقارب الأربعة بليون دولار، أعادته للمحكمة الأولى لتقرر في إستحقاقه، لأنه يخص أهالى ضحايا غير أمريكيين، مما يعني أن السودان مطالب بسداد مبلغ ققد يصل لستة بليون دولار بحكم قضائي أمريكي .

ورغم أن هذا الحكم قد ساهمت فيه حكومة السودان، حين إستكبرت ولم تقاوم الدعوى لدى محكمة الموضوع، فقطعت علاقتها بمكتب المحاماة الذي كلفته في أول الأمر بتمثيلها، واستمرت الإجراءات في غيابها لمدة سته سنوات حتى صدر ذلك الحكم، إلا ان ذلك لن يغير من الأمر شيئاً لأن محكمة الإستئناف الفيدرالية رفضت طلب السودان في إعادة فتح ملف الدعوى. ولن نحتاج للحديث عن المبالغ المالية المتصلة بدعوى تفجير المدمرة كول ضد حكومة السودان.

عموما إذا قلنا أن الحكم الآن قد أصبح شبه نهائي بمبلغ إثنين بليون دولار أمريكي قابل للزيادة إلى 6 بليون، فإن ذلك يعني أنه في المدى قصير لن يؤدي رفع العقوبات الإقتصادية إلى تحسين الحالة الإقتصادية، إن لم يؤدي إلى عكس ذلك، لأن الحكومة قد تعمد لتسديد هذا المبلغ لتحسين صورتها، أذ أنه معلوم أن المسألة تخضع لنشاط مكثف تقوده المكاتب المتخصصة التي تعمل في حشد الدعم lobbying والتي إستأجرها الضحايا للقيام بحملات لحشد الرأي العام خلف دعاويهم، والتي صرح أحد العاملين بها "أنه إذا كان السودان يرغب في أن يتاح له طريق للإستفادة من نظامنا المالي، فإن جزء من ثمن رفع العقوبات يجب أن يكون سداد التعويضات المستحقة للضحايا" وهو مبلغ بالتأكيد غير متاح للحكومة في الميزانية، مما يلزم معه بحث عن تمويل قد يضاعف نفقات السداد. على أي حال فإن الأموال والأصول الخاصة بحكومة السودان لن تكون كافية لسداد هذه المبالغ. وهي الأموال و الأصول التي كان يأمل الحالمون في أن تحسن موقف العملة السودانية، فأسرعوا في التخلص من الدولار الذي كانوا يحتفظون به لليوم الأسود. وحتى لو لم يتيسر للحكومة السداد فإن ذلك لن يمنع أن يتم إقتضاء الحكم جبراً عنها عن طريق الأصول والأموال المحجوزة لدى الحكومة الأمريكية، والتي لن تكفي لذلك فيتم حجز كل ما يخص الحكومة السودانية بما في ذلك التحويلات المصرفية، وذلك سيعقد العلاقات التجارية مع أمريكا.

الحاجة لإصلاح الإقتصاد
ولكن هذه ليست هي المسألة الأكثر أهمية بالنسبة لمستقبل العلاقات ومدى إنعكاسها على الإقتصاد السوداني، إذ أن المسألة الحاسمة في هد الصدد هي إصلاح الإقتصاد بحيث يمكنه إجتذاب رؤوس الأموال الأمريكية والغربية إلى إستثمار صحي يؤدي إلى زيادة حجم الإقتصاد السوداني وتطويره. ولا يكفي في هذا الصدد رفع العقبات التي تحول دون التبادل التجاري، فهذا أمر يبدو أنه في طريقه للتنفيذ ففي 23 يونيو الماضي أضافت الخدمة الزراعية الأمريكية السودان إلى قائمة البلدان المؤهلة لبرنامج ضمان إئتمان الصادرات المعروف ب GSM_102 . وهو برنامج يركز على أفريقيا والشرق الأوسط ويوفر ضمانات إئتمانية لتشجيع تمويل الصادرات التجارية من المنتجات الزراعية الأمريكية. ومثل هذه التسهيلات قد تخفف الضغط على الميزانية في الوقت الراهن، ولكنها تضيف أعباء على الإقتصاد بدلاً من تطويره. ما يمكن أن يؤدي إلى تطوير الإقتصاد هو مساهمة الرأسمال الأجنبي في التنمية، وهذا يتطلب إصلاح قانوني يساعد على تدفق رأس المال الأجنبي. هذا الإصلاح يتناول جوانب قانونية مثل سهولة التحويلات، وعدم التدخل في سعر الصرف بشكل لا يتلائم مع مع ما يفرضه السوق من أسعار، وإصلاح واسع للنظام المصرفي السوداني، وغير ذلك من المتطلبات التي يحسن بي أن أتركها للمختصين من الإقتصاديين .

الإصلاح القانوني
ولكن الإصلاح أيضاً يجب أن يشمل الأحكام التعسفية التي تتضمنها القوانين المختلفة كقانون النظام العام والقانون الجنائي وهي قوانين بما تحمله من احكام تخلط بين التحريم والتجريم ومطاردة النساء بدون سبب، والتدخل في الحياة الشخصية للناس، من شأنها أن تنفر الرأسماليين الأجانب من الإستثمار في السودان .

رغم أن المسارات الخمس قد خلت من مسألة حقوق الإنسان إلا ان تحسين العلاقات بين الحكومتين كمسعى للحكومة السودانية حتى تستطيع أن تجني الفوائد الإقتصادية التي تسعى إليها، لا يتم بدون تحسين جوهري في حالة حقوق الإنسان في السودان . واقع الأمر هو أن عدم وجود حالة حقوق الإنسان ضمن المسارات الخمس لم يكن مرضيا لمنظمات المجتمع المدني في الولايات المتحدة والتي لا تزال تقاوم رفع العقوبات على اساس انها ستمنح الخرطوم "شيكا على بياض" لمواصلة انتهاك حقوق الانسان. صرح أندريا براسو، نائب مدير مكتب واشنطن لهيومن رايتس ووتش: "من الخطأ الجسيم رفع العقوبات بشكل دائم في الوقت الذي لم يحرز السودان أي تقدم في مجال حقوق الإنسان. واضاف ان "الحكومة التي تواصل القصف العشوائي لسكانها وسجن الناشطين في مجال حقوق الانسان يجب الا تكافأ". الواقع أيضاً هو أن الرأي العام الأمريكي غير راض عن مستوى الحريات الدينية في السودان، وهو الأمر الذي جعل بيان رفع العقوبات يضمن هاتين المسألتين كسبب لمراجعة القرار
هذه المسألة لم تكن واضحة في ذهن الحكومة السودانية، بل كان هناك فهماً معاكساً يتمثل في أن المسارات الخمس هي ما يهم الإدارة الأمريكية أما حقوق الإنسان فهي مجرد مسألة لا تستدعي أكثر من المناشدة اللفظية، وهذا هو ما أدى لتعثر رفع العقوبات في يوليو الماضي . مسألة حقوق الإنسان قد لا تكون أولوية لدى الرئيس ترمب ولا حتى بالنسبة لقيادة الحزب الجمهوري ولكنهم لن يستطيعوا تجاوزها لما تحظى به من دعم واسع لدى الرأي العام الأمريكي، و القيادات السياسية في نظام يقوم على إنتخابات حرة لن تستطيع أن تتجاهل مؤشرات الرأي العام وإتجاهاته الرئيسية . في أمريكا هنالك جذور قوية لحقوق الإنسان وسط الناخبين ولذلك فإن تحسين العلاقات مع السودان لن تجد مباركة من الرأي العام الأمريكي إلا إذا تحسنت حال حقوق الإنسان في السودان .

ولا توجد صعوبه حقيقية في أن تلتزم الحكومة بما يتطلبه المستوى الدولي من قواعد الحكم الرشيد، وحقوق الإنسان، وهو الأمر الذي يتطلبه تحسين العلاقة مع أمريكا وغيرها من الدول الديمقراطية الأخرى، ولكن الصعوبة تأتي فقط من الإرادة السياسية، حيث أن الحكومة رغم أنها تتشدق دائما بأنها تتمتع بتأييد ساحق من الشعب، إلا انها لا تجد في نفسها الثقة في أن ترفع القيود والتي تؤثر سلباً على الحريات العامة. وسيظل هذا الأمر يسبب إحتكاكاً بين الحكومتين، رغم المصالح المشتركة التي تجمعهما.

نبيل أديب عبدالله
المحامي

[email protected]

 

Welcome

Install
×