الباقر العفيف: *العقوبات الاقتصادية*
موضوع العقوبات الاقتصادية موضوع خلافي ومثير للجدل ليس في السودان فقط وانما في كل العالم. أذكر على أيام تاتشر، رئيسة وزراء …
الباقر العفيف
موضوع العقوبات الاقتصادية موضوع خلافي ومثير للجدل ليس في السودان فقط وانما في كل العالم. أذكر على أيام تاتشر، رئيسة وزراء بريطانيا، في حقبة الثمانينات من القرن الماضي، أنها رفضت مقاطعة حكومة الفصل العنصري بنفس الحجة. وهي أن المقاطعة لا تؤثر على الحكومة، وانما ستؤثر على الشعب وبالذات على الغالبية الأفريقية السوداء. كان نيلسون مانديلا وجميع قادة حزبه ينادون بالمقاطعة. وكانت المسيرات الجماهيرية في شوارع لندن وميادينها تدين تاتشر على موقفها. وقد انتقدتها ويني مانديللا بكلمات قاسية جدا. وكان الإعلام يسخر من تاتشر ويقولون عنها "أنها أكثر عطفاً على شعب جنوب أفريقيا من مانديلاً". فالجميع يعرفون أن تاتشر كانت حارسة مصالح الرأسمالية البريطانية وأن هذا هو السبب الحقيقي وراء استمرار علاقاتها الاقتصادية مع حكومة الأبارتيد.
الان نفس الحجة تردد بشأن العقوبات في السودان فالحكومة وكل من يناصرها وكل مؤيد لرفع العقوبات، حتى من خارج صفوف الحكومة، يقولون "أن العقوبات غير ذات جدوى لأنها تؤثر على الشعب لا على الحكومة".
ومن جانبي، ودحضاً لهذه الحجة، أوجه الأسئلة الاتية: لماذا هذا الفصل ما بين الشعب والحكومة؟ وما هو المقصود بالقول إن الحكومة لا تتأثر بذلك؟ هل يقصدون أن الفئة الحاكمة من رئيس ووزراء ودستوريين مثلا لا يتأثرون بالعقوبات؟ هل يقصدون أن هؤلاء سوف لن يتضوروا من الجوع كما يتضور منه الشعب؟ هل معنى هذا أن العقوبات لن تكون مجدية إلا عندما لا يجد الرئيس وأهل بيته ما يأكلونه؟ هل هذا هو الأثر الذي يقصدونه؟ وهل جوع الشعب لا يؤثر في الرئيس؟ وإذا صح هذا، وهو صحيح، فهل هو مما يشرف هذا الرئيس؟
المفترض في أي حكومة أن تكون مسئولةً عن شعبها، ولذلك يجب عدم الفصل بين أي حكومة وشعبها، اللهم إلا إذا كانت الحكومة محتلة لشعبها ولا تمثله. ولذلك فإني أقول، لكي تكون حجة هؤلاء صائبة، لا بد أن يترتب عليها اعترافهم بأن حكومة الخرطوم إنما هي حكومة احتلال غاشم ولا تمثل الشعب. وهذا يترتب عليه أنها جديرة بأن تذهب الى مزبلة التاريخ اليوم قبل الغد. لكن إذا كانت الحكومة تشعر بأنها مسئولة عن الشعب، أو تدعي ذلك، يجب أن تؤثر عليها العقوبات. فقد مزق هؤلاء القوم آذاننا بالرواية المأثورة عن عمر بن الخطاب: "لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله تعالى عنها لِمَ لَمْ تمهد لها الطريق يا عمر؟".
فاذا كانت هناك حكومة لديها أدنى شعور بالمسئولية تجاه شعبها يجب أن تؤثر عليها العقوبات.
وهنا ينطرح السؤال لماذا فرضت العقوبات على حكومة الخرطوم أصلاً؟ والسبب لأنها كانت تقتل شعبها في الجنوب وفي دارفور وجبال النوبة. وكانت تأوي الارهابيين وتقدم لهم كل المعونات المطلوبة لتسهيل وانجاح مخططاتهم الإرهابية في كل دول العالم. كما أن الحكومة أقصت كل الشعب في سياسات التمكين المستمرة حتى الآن بناءً على وجهة نظر أيدلوجية ضيقة. هذا هو السبب. وبالتالي عُوقبت الحكومة رأفةً بالشعب السوداني لتوقف الحرب ولتحقق السلام ولترحم شعبها وتوقف دعمها للإرهاب. إذاً العقوبات كانت في مصلحة الشعب. لكن الحكومة هي التي اختارت لنفسها هذا الوضع ضد مصلحة الشعب السوداني.
الان رفعت العقوبات بدون أن تغير الحكومة سياساتها وذلك بنفس طريقة تاتشر لأن الموضوع (بزنس). والرئيس ترامب رجل بزنس لا يقيم وزنا لقضايا حقوق الانسان والسلم العالمي، وحماية البيئة. وأمريكا تريد رفع العقوبات في سبيل فتح الاسواق والاستثمار في الاسواق السودانية. لذلك فان رفع العقوبات سيستفيد منها فئتان: الشركات الأمريكية التي ستجلب منتجاتها للسودان، والفئة الحاكمة الفاسدة في الخرطوم والتي يسيل لعابها الآن لتملك الفرانشايز الأمريكي. سيتحول قادة الإنقاذ وأتباعهم الى وكلاء لهذه الشركات الأمريكية. وهؤلاء هم المستفيدون الحقيقيون. فسيراكمون المزيد من الأموال. وسيبنون المزيد من القصور. وسيتزوجون المزيد من النساء. أما شعب السودان فأحسن فائدة ربما يجنوها، ربما إذا توفرت للبعض الامكانات، أن يشتري ساندويتش ماكدونالد، أو قطعة كنتاكي تشكن، مما يضاف لإنجازات أهل الانقاذ التي جعلت الشعب يأكل الهوت دوق والبيتزا.