عبد الباقي جبريل: مطالعات حول رفع الاقتصادي الأمريكي على السودان الحظر

هذا المقال يتكون من قسمين … الحلقة الاولى هي محاولة لتوضيح بعض الجوانب التي لم يتم التطرق اليها بصورة كافية في تقديري …

عبد الباقي جبريل

(1 من 2)

هذا المقال يتكون من قسمين … الحلقة الاولى هي محاولة لتوضيح بعض الجوانب التي لم يتم التطرق اليها بصورة كافية في تقديري من قبل بعض المهتمين السودانيين وذلك في المقالات التي عالجت موضوع رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية على السودان وأبعادها وتداعياتهاالحلقة الثانية ستكون محاولة في توضيح علاقة العقوبات الاقتصادية الأمريكية بتدهور الاوضاع ألاقتصادية والتنموية في السودان وكيفية الاستفادة من رفع الحظر في عملية تحول سياسي ومفاهيمي حقيقي تحفظ للسودان أمنه وسلامه ووحدة أراضيه وشعبه

إن الإجراءات الأحادية القسرية والتي طبقتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة ضد حكومة الإنقاذ الوطني في السودان منذ أواخر العام 1997 والاثار العديدة التي ترتبت عليها ستبقى في مركز اهتمام ومتابعة الكثير من المختصين السودانيين على مختلف مدارسهم الفكرية ومكوناتهم الاجتماعية ولفترة ليست بالقصيرة … نسبة للتأثير الكبير لهذه العقوبات على اقتصاديات واحدة من الدول الفقيرة والاقل نموا في العالم، المبتلية بأزمة حكم عميقة والتي اختارت بإرادتها تبديد مواردها الاقتصادية والتنموية المتواضعة في حروبات داخلية طويلة الامد وباهظة التكاليف، فمن المتوقع كذلك أن تتجاوز تداعيات الحوار حول هذه العقوبات الاقتصادية وآثارها إلى خارج حدود السودان لتكون مثار دراسة واهتمام على المستويين الإقليمي والدولي

نعم لقد تم رفع العقوبات الاقتصادية التي فرضت بموجب الإجراءات الاحادية القسرية الأمريكية على السودان بعد أن استنفدت أغراضها وحققت الكثير من الأهداف الأمنية والسياسية التي دعت الإدارات الأمريكية السابقة إلى تطبيق هذه العقوبات وتجديدها بصورة منتظمة طيلة العشرين سنة الماضية … أهم هذه الأهداف تتمثل في إضعاف حكومة المؤتمر الوطني في السودان وشل قدراتها على التأثير كقاعدة رفد للأممية الاسلامية السياسية ووأد أحلامها في تسيد وتغيير العالم وتركيعها واجبارها على دخول بيت الطاعة الأمريكي بلا مواربة … الآن وبعد أن أصبح التعامل المالي والتبادل التجاري بين السودان وبقية دول العالم المتحضر بلا قيود ويمكن القيام بكل هذه المعاملات عن طريق القنوات الرسمية المتعارف عليها عالميا، يبقى السؤال ثم ماذا بعد؟؟

الإجابة على الأسئلة التي تدور حول الجوانب المتعددة لموضوع العقوبات الاقتصادية الأمريكية على السودان وآثارها تتطلب قراءة متأنية لقرار رفع الحظر والأخذ في الاعتبار بالظروف التي ادت إلى فرض العقوبات وتلك التي قادت إلى إلغائها … ربما كانت هناك عدة اسباب ادت الى فرض العقوبات الاقتصادية الأمريكية على السودان لكن يبقي اكثرها تداولا وأهمية هو محاولة حكومة الإنقاذ في سنينها الأولى تنظيم أممية اسلاموعربية” كبديل للأممية الشيوعية والدخول في عداء وصدام مع دول شرقية وغربية حول قضايا كبرى مثل العدالة الدولية وانتزاع الحقوق وانهاء الظلم والاحتلال لبلاد الاسلام ومناهضة الهيمنة السياسية والاقتصادية والثقافية للدول الغربية والمناداة بإصلاح انظمة اتخاذ القرار السياسي الدولية والاقليمية وبصورة خاصة اعادة صياغة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة … كان مركز التحكم  لهذا المشروع الطموح في الخرطوم مقر “المؤتمر الشعبي العربي والإسلامي” والتي استضافت اعدادا كبيرة من الأصوليين الجهاديين من كل أنحاء العالم للإقامة والتخطيط لغزو العالم ولزعزعة استقراره أو لحضور المنتديات للتشاور والتنسيق وذلك بصورة منتظمة وعلى مستويات قيادية عليا وفى كثافة لا تخطئها العين مما دعا احد المعلقين الغربين ان يعلن لمحطة الاذاعة البريطانية – خلال اعمال الدورة الاستثنائية الثالثة للمؤتمر الشعبي العربي والإسلامي في مارس/ابريل 1995 – بان العالم يمكنه ان يرتاح خلال ثلاثة أيام وذلك لان “الارهابيين” كلهم مجتمعين الآن في الخرطوم … توالت احداث العنف ضد المصالح الأمريكية في عدد من دول العالم في العقد الأخير من الألفية السابقة وترتب علي احداث العنف هذه وعلى كل ذلك النشاط التعبوي السياسي والأيديولوجي المحموم في الخرطوم ان قامت حكومة الولايات المتحدة بتصنيف السودان كدولة راعية للإرهاب وذلك في أغسطس 1993 واصبح إتهام السودان بدعم منظمة القاعدة بالمال والرجال وبالضلوع في تنظيم وتمويل العمليات الإرهابية ضد المصالح الأمريكية في أنحاء العالم أمر شبه ثابت في الغرب … يضاف الى ذلك إتهام السودان بالضلوع في محاولات لقلب أنظمة الحكم في بعض دول جواره الإقليمي بما فيها محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق حسنى مبارك في أديس أبابا في العام 1995 … السبب الرئيسي الآخر الذى دعا حكومة الولايات المتحدة الأمريكية الى فرض العقوبات الاقتصادية على السودان هو اتساع دائرة الحرب الأهلية في جنوب السودان وفى دارفور وما ترتب على ذلك من مأساة إنسانية تثير الاشمئزاز ومن انتهاكات فظيعة وواسعة النطاق للقانون الدولي الإنساني ولقوانين حقوق الإنسان الدولية والإقليمية

إن قرار رفع الحظر الاقتصادي الأمريكي وإن كان يبدو انه قرار نهائى وفى مصلحة السودان، إلا أنه وفى جوهره قرار براغماتي يعالج بعض جوانب العقوبات بما يخدم أهداف الولايات المتحدة الأمريكية ومصالحها وعليه فقد جاء القرار جزئيا ومشروطا بالتأدب السياسي وبحسن السير والسلوك ومعززا بسلاح المراقبة اللصيقة لأداء حكومة المؤتمر الوطني واستخدام وسائل مختلفة لتأديبها وإرجاعها إلى جادة الطريق متى ما دعت الضرورة إلى ذلك … لم توضح الادارة الأمريكية تفاصيل خططها حول كيفية ضبط سلوك حكومة المؤتمر الوطني لكن السيد ستيفن كوتسس، القائم بالأعمال الأمريكي في الخرطوم، كان قد المح الى بعض الإجراءات القسرية التي يمكن أن تتخذها حكومة بلاده في حالة إخلال المؤتمر الوطني بالإملاءات المفروضة عليه وذلك في مؤتمره الصحفي في يوم 8 أكتوبر 2017 عندما قال  “في حال تقاعست الخرطوم عن أداء التزاماتها فإن الإدارة الأمريكية تملك آليات اقتصادية وسياسية للضغط عليها” …

الجدير بالملاحظة انه ليس هناك اجماع سياسي كامل داخل الولايات المتحدة الأمريكية حول رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان وهناك تباين في وجهات النظر بين اركان الأجهزة التنفيذية والتشريعية الأمريكية رفضا وقبولا بيد أن هناك معارضة تامة من قبل الكثير من جماعات الرأي العام الأمريكية المستقلة والمؤثرة على رفع العقوبات وبصورة نهائية في هذا التوقيت وفى ظل تردي الأوضاع الأمنية والإنسانية في أرجاء واسعة من القطر لاسيما في دارفور وإقليمي جبال النوبة وجنوب النيل الازرق ولتفشي انتهاكات حقوق الإنسان والحريات الأساسية بما فيها حرية المعتقد والضمير وارتفاع وتيرة عدم التسامح الديني والذي تمثل في الهدم المتواصل لبعض بيوت العبادة المسيحية واعتقال وإهانة عدد من رجال الدين المسيحي … في هذا الوضع والذى يبدو انه متأرجح لا يجدر بنا من الناحية النظرية أن نستبعد أن تقوم الإدارة الأمريكية بالعدول عن قرار إلغاء العقوبات كليا او جزئيا أو أن تبحث عن إجراءات عقابية بديلة وموجهة تتسم بالذكاء والفعالية كما اقترح عدد من الخبراء من منظمة كفاية الأمريكية في آخر إصداراتهم في شأن رفع الحظر الاقتصادي الأمريكي عن السودان

على نسق تفكير خبراء منظمة كفاية , في بيانه الذى شجب فيه قرار الرئيس ترمب برفع العقوبات عن السودان، اعلن السيد جيم ماكقفرن وهو أحد اهم الأعضاء الديمقراطيين في مجلس النواب الأمريكي (الكونغرس) أنه بصدد إيداع مشروع قانون جديد حول السودان وأنه سيسلم مسودة القانون الى الكونغرس في نهاية شهر أكتوبر 2017 … اوضح السيد جيم ماكقفرن بان الغرض من مشروع القانون الذي سيقوم بإيداعه الى منضدة الكونغرس هو وضع شروط محددة تلتزم بها حكومة المؤتمر الوطني وفى حالة فشلها في الإيفاء بتلك الشروط سيكون القانون المقترح كفيلا بإيقاف تنفيذ رفع الحظر الاقتصادي وتعطيله … اذا سارت الامور في هذا المنحى فمن المتوقع أن ينضم إلى السيد ماكقفرن أكثر من خمسين نائبا عن مجلسي الشيوخ والنواب الأمريكيين سبق وأن عبروا عن عدم رضاهم عن قرار الرئيس ترمب برفع الحظر الاقتصادي عن السودان في هذا التوقيت … مثل هذا السيناريو الذى بشر به السيد ماكقفرن يمكن حدوثه كذلك في حال شعرت الإدارة الامريكية بأي تهديد جدى يصدر من السودان ضد المصالح الغربية أو إذا عادت حليمة الإنقاذ إلى قديمها في العداء والإساءةقولا وفعلا – لكل من يختلف معها في الرأي او التوجه السياسي داخليا أو خارجيا وستقع الفأس في الرأس إذا نفض داعمي حكومة المؤتمر الوطني الدبلوماسيين والسياسيين الحاليين ايديهم عنها

إن أي تغيير سياسي عن طريق انقلاب عسكري إيديولوجي جديد أو أي اجراء اخر غيره يهدف الى جر البلاد الى الوراء او محاولة إعادة الزخم إلى فكرة تصدير الثورة إلى خارج حدود السودان او لتفعيل الأممية “الاسلاموعربية” أو إعادة احياء سوء السلوك والصلف الذى لازم اداء حكومة الإنقاذ منذ سنينها الأولى وادبيات العداء غير المبرر للغرب والشرق (امريكا .. روسيا قد دنا عذابها) والإساءة الى الجيران (الفهد المروض) أو ترميم أوهام مشروع التوجه الحضاري والثقافي القديم ستهدم البناء الهش الذى نراه الآن ولا يستبعد ان تعود الأمور إلى المربع الاول … كذلك يجب ملاحظة أنه وحتى الآن لم تنتفى وبصورة كاملة كل الأسباب التي دعت الإدارات الأمريكية السابقة إلى اتخاذ الإجراءات العقابية الاقتصادية ضد السودان حسب ما ورد في الأمرين التنفيذيين رقم (13067) بتاريخ 3 نوفمبر 1997 إبان عهد الرئيس بيل كلنتون ورقم (13412) بتاريخ 13 أكتوبر 2006  بواسطة الرئيس جورج بوش الابن … أضف إلى ذلك ان القرار الذى بموجبه تم الغاء الحظر الاقتصادي على السودان يتعلق، من حيث الشكل والمضمون، بالعقوبات الاحادية الاقتصادية والمالية والتي تقع بصورة أساسية ضمن دائرة اختصاصات الرئيس الأمريكي وطاقم إدارته التنفيذية ولكن ليس له كبير اثر على الإجراءات العقابية ضد السودان الحالية او المستقبلية – التي تقع ضمن سلطات الكونغرس والتي يمكن القيام بتعزيزها وإعادة تفعيلها بصورة مستقلة من الإدارة الأمريكية مما يضع الإدارة القائمة في حرج بالغ ويجبرها على مراجعة مواقفها أو يضعفها في اغلب الاحوال خاصة إذا قررت الأخيرة استخدام صلاحياتها في عدم التعامل مع او المصادقة على أي قانون صادر من الكونغرس بخصوص تجديد العقوبات على السودان

احد أهم مكاسب الادارة الامريكية من قرار رفع الحظر الاقتصادي عن السودان هو انه يعطيها سلطة مطلقة للمراقبة المباشرة وبصورة عملية على تصرفات نظام المؤتمر الوطني خاصة تلك التصرفات ذات الأبعاد الأمنية والايدولوجية والمالية داخليا وخارجيا … هذا يفسر اصرار الإدارة الأمريكية على الاحتفاظ ببعض الإجراءات المؤلمة الأخرى ضد حكومة المؤتمر الوطني والتي لم تلغى أو ترفع بعد وعلى أقل تقدير من الناحية السياسية والقانونية … إن قبول المراقبة على سلوكها من دولة أخرى هو تنازل كبير عن السيادة الوطنية وقد اقدمت عليه حكومة الإنقاذ الوطني وهى في حالة رعب كبير لم نشهده في سلوك الدول التي خضعت أو مازالت تخضع للعقوبات الأحادية القسرية الأمريكية مثل جزيرة كوبا الفقيرة إلى الموارد الطبيعية والتي تعايشت بكبرياء وشجاعة ونجاح مع مثل هذه الظروف لأكثر من خمسة وخمسين عاما … وعليه فمهما تظاهرت حكومة المؤتمر الوطني بالانتصار وبالدبلوماسية والعقلانية تبقى هي الخاسر الاكبر في معركة رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية … يكفى انها خرجت من هذه المعركة وهى عارية تماما من اوراق التوت التي كانت تجملها وتحميها من منافسيها السياسيين في الداخل ومناهضي فكرها الأممي واعدائها في الخارج … فبعد الرضا الأمريكي الكامل عنها وعن تبدل مواقفها والتكرم عليها برفع العقوبات الاقتصادية بشروط قاسية مهينة، فلا يمكنها بعد اليوم  مواصلة خديعة العقلاء من شعب السودان وما اكثرهم بانها جاءت لربط قيم السماء بالأرض وانها حامية حمى الدين والقيم العروبية في السودان وان حكومة الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الأوربي الملحد عموما لم ولن يرضى عنها لتلك الأسباب المبدئية … كذلك لن تستطيع بعد اليوم من إقناع أصدقائها وحلفائها الصادقين في الخارج بأنها ضحية صلف واستهداف الإمبريالية الأمريكية الغربية وأنها أهل للدعم والمساندة الدبلوماسية والسياسية لتواصل المقاومة دفاعا عن قناعاتها وخياراتها السياسية … هذه الخسارة المعنوية والسياسية لا تقل اهمية عن الخسائر الاقتصادية والتنموية الفادحة طيلة العشرين عاما الماضية – أضف إلى ذلك دور العقوبات الاقتصادية الأمريكية المباشر او غير المباشر في الضغط على المؤتمر الوطني وترجيح كفة خيار استقلال جنوب البلاد في العام 2011 وبالتالي خسارة ربع مساحة أرض السودان وثلث عدد سكانه وكثير لا يحصى من ثرواته الطبيعية ودوره الإقليمي  واهميته الجيوسياسية

إن تفاصيل ما فرضته الولايات المتحدة من شروط على السودان قبل رفع العقوبات لم تتضح بصورة كاملة حتى الآن ولكن يبدو جليا بأنها شروط معقدة وشاملة لعدة جوانب منها الظاهر الذى يمكن رؤيته بالعين المجردة ومنها المستتر وان حكومة المؤتمر الوطني قد قدمت تنازلات قيمية غير منظورة كبيرة جدا لا تقل أهمية، من وجهة نظر منسوبيها ووجهة نظر استراتيجي التنظيم العالمي للإسلام السياسي، عن ما سبق ذكره من خسائر اقتصادية وسياسية مقابل رفع العقوبات … كل الشواهد توحي بأن التنازلات غير المنظورة  تشمل قضايا مبدئية في الإسلام السياسي وتتحدى الأسس العقائدية والفكرية التي قام عليها نظام الحكم الحالي في السودان … استشعارا منهم بعظم الانزلاق والاستسلام فقد عبر عدد من أتباع الإسلام السياسي في السودان، بما فيهم زعيم المؤتمر الشعبي الدكتور على الحاج، عن قلقهم على ما اقدم عليه حزب المؤتمر الوطني من تنازلات للإدارة الأمريكية مع ارسال تحذير مبطن بأن الحركة الاسلامية لن تسمح بالمساس بالمبادئ العقائدية التي قام عليها نظام الحكم الحالي في السودان أو التخلي عنها … من المنتظر ان تظهر الكثير من الأبعاد الخفية وكذلك الآثار الحقيقية لهذه التنازلات في الشهور القريبة القادمة … يجب ان لا ننسى كذلك بأن التنازلات التي اقدم عليها المؤتمر الوطني لمصلحة الادارة الامريكية سيكون عليه، من ناحية المبدأ، تقديم ما يشابهها الى دول اخري لعبت ادوارا محورية – مستترة كانت أم علنية – من أجل رفع الحظر الاقتصادي عن السودان خاصة بعض دول الشرق الاوسط كالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وربما دولة إسرائيل، مما يعطي هذه الدول، منفردة ام مجتمعة، مقدرة معتبرة على التأثير على مجريات الأمور في البلاد … تجدر الإشارة إلى أن بعض الدول الأفريقية العربية مثل الجزائر قد ساعدت السودان بصورة كبيرة في الدعم الدبلوماسي على رفع العقوبات الاقتصادية وقد تمكنت الجزائر من تصعيد أحد مواطنيها (السفير ادريس الجزائري) إلى منصب أممي مرموق ليتم تعيينه من قبل مجلس حقوق الإنسان في جنيف في مارس 2015 كأول مقرر خاص دولي حول “التأثير السلبى للإجراءات الاحادية القسرية على التمتع بحقوق الانسان” واوكلت إليه مهمة الدفاع عن سجل حكومة السودان … لقد دشن السفير إدريس الجزائري عمله بزيارة إلى الخرطوم في نوفمبر 2015 وقد تبع زيارته بكتابة تقرير مفصل حول تبعات الحظر الاقتصادي الأمريكي على وضع حقوق الانسان والوضع الإنساني في السودان ودعي فيه حكومة الولايات المتحدة الأمريكية إلى إلغاء العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد من قبلها

إن قرار رفع الحظر الاقتصادي الأمريكي عن السودان يعنى في بعض جوانبه أن تقف حكومة المؤتمر الوطني موقفا داعما للمواقف السياسية للولايات المتحدة الأمريكية وان تعادى من يعاديها وذلك على نسق ايقاف التعاون مع كوريا الشمالية حسب ما ذهب اليه نص قرار رفع الحظر … ومن باب العرفان بالجميل فلابد أن تتماهى مواقف حكومة المؤتمر الوطني دعما لا محدود لسياسات دول الخليج العربي وبقية الدول التي وقفت معها في مساعيها إلى رفع العقوبات الأمريكية … من المتوقع ان تكون بعض هذه المواقف مؤلمة ومحرجة للحكومة السودانية لكن لن يكون لها مخرج غير الإذعان إذ ينطبق عليها المثل السوداني “خادم الفكي مجبورة على الصلاة” … من المتوقع كذلك أن تترجم بعض التنازلات والالتزامات التي قطعتها حكومة المؤتمر الوطني على نفسها الى أفعال وقرارات تثير الدهشة والتساؤلات في القريب العاجل … سينجلي هذا الأمر اذا تأزم الخلاف بين دولة قطر من جانب وكل من مصر والبحرين والإمارات والسعودية من الجانب الاخر ووصل هذا الخلاف الى نقطة المواجهة وفرز الصفوف

من ناحية اخرى وكما تم الإشارة اليه في بداية هذا المقال فيجب أن نتذكر بأن رفع العقوبات الاقتصادية على السودان والتي كانت قد فرضتها الإدارات الأمريكية السابقة بأوامر تنفيذية، لا يؤثر على الإجراءات المترتبة على تصنيف السودان كدولة راعية للإرهاب أو وضعها على قائمة الدول التي تتقاعس في محاربة الاتجار بالبشر وما يرتبط بذلك من عقوبات صارمة وخطيرة وان كانت أقل عنفا ودمارا على الاقتصاد السوداني من الحظر التجاري والمالي المفروض عن طريق الأوامر التنفيذية للإدارات الأمريكية … قياسا على ما سبق، فلا يؤثر قرار رفع العقوبات كثيرا على الاجراءات العقابية المترتبة على القوانين الاخرى التي تبناها الكونغرس الأمريكي في السابق حول الوضع في السودان مثل قانون سلام السودان وقانون سلام دارفور وتوابعهم … كذلك لا يؤثر القرار على الإجراءات الدولية العديدة المفروضة على السودان من قبل مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة خاصة تلك القرارات التي تم اعتمادها تحت البند السابع من ميثاق المنظمة الدولية والملزمة للحكومة الأمريكية ويشمل ذلك العقوبات على الأفراد المتهمين بارتكاب جرائم وانتهاكات للقانون الدولي الجنائي وللقانون الإنساني في اقليم دارفور … لن تستطيع الحكومة الأمريكية أن تتراجع عن التزاماتها الدولية تجاه مجلس الأمن في موضوع العدالة الجنائية الدولية في السودان او ان تعيد النظر في موقفها المؤيد للتعاون مع الدول الأخرى على إلقاء القبض أو التهديد بذلك ضد الاشخاص المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية بما فيهم الرئيس عمر البشير وبعض كبار أركان حكمه وهى من أهم القضايا التي تواجه السودان والإقليم الأفريقي في هذا الوقت

بعض أهم النقاط الإيجابية في هذا الحراك الذى تبع قرار رفع الحظر الاقتصادي الأمريكي على السودان والتي سيحتفى بها الكثير من الناشطين في مجال حقوق الانسان ودعاة السلام هي أن رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان سيسلب حكومة المؤتمر الوطني أحد اهم مبررات فشلها في احترام وتعزيز حقوق الإنسان والحريات الاساسية في السودان وفى تحسين الوضع الإنساني، خاصة موضوعات الحق في التنمية ومكافحة الفقر والضائقة المعيشية الطاحنة أضف إلى ذلك حرمانها لملايين السودانيين من الاستقرار بالتشريد من وظائفهم او اجبارهم على النزوح من اراضيهم ومنعهم من الحصول على سبل الحياة الكريمة والرفاهية … من ناحية أخرى فان ما يترتب على قرار رفع الحظر الاقتصاديالأمريكي من رقابة مباشرة على سلوك حكومة المؤتمر الوطني من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وربما من الدول الأخرى الداعمة لرفع العقوبات مثل السعودية والامارات وإسرائيل سوف يعطي الناشطين والقوى السياسية السودانية هامش اضافي للتحرك وتوفير الادلة حول ممارسات حكومة المؤتمر الوطني غير المنظورة وذلك حتى يتم التأكد من خططها ونواياها …

يتبع في الجزء 2.

Welcome

Install
×