عودة الجنرال صلاح القوش وتوازن القوى.
عودة الفريق صلاح عبدالله الملقب ب ( القوش) إلى إلى قاعدته فى امبراطورية جهاز الأمن الوطنى قد تكون مفاجئة لكثير من الدوائر السياسة والدبلوماسية ورجالات الصحافة على الأصعدة المحلية والإقليمية
عودة الفريق صلاح عبدالله الملقب ب ( القوش) إلى إلى قاعدته فى امبراطورية جهاز الأمن الوطنى قد تكون مفاجئة لكثير من الدوائر السياسة والدبلوماسية ورجالات الصحافة على الأصعدة المحلية والإقليمية
عودة الفريق صلاح عبدالله الملقب ب ( القوش) إلى إلى قاعدته فى امبراطورية جهاز الأمن الوطنى قد تكون مفاجئة لكثير من الدوائر السياسة والدبلوماسية ورجالات الصحافة على الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية بل ويكون مكان الاهتمام لعامة السودانيين لما لهذا الرجل تاريخ حافل بقصص مؤلمة فى حق الشعب السودانى وعلى رأسها قصص بيوت الأشباه وقصص أخرى فيها تجاوزات غريبة بدءاً بزيارته إلى مقر CIA وانتهاءاً بمغامرته الجريئة في المحاولة الانقلابية التي سببت له متاعب جمة .
اذاً عودة الجاسوس رقم 1 فى السودان إلى قمة الجهأز مرة أخرى تثير تساؤلات عدة وخاصة إذا ربطنا عودته بالمنحى الذي تمر فيه السودان اليوم.
المرء يتساءل عن مغزى هذه الخطوة وفى ذهنه الجانب الأهم الذي يتعلق باستعادة الوطن المختطف من قبل عصابة الانقاذ. ارتبط جهاز الأمن الوطنى بممارسات قبيحة ودون أدنى تردد أنه وكر الشر عند أهل السودان، ولكن عودة الجنرال إلى الجهاز تزيد المخاوف اكثر وفى كل الأحوال ليست من مصلحة القضية السودانية بل هو محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه لمنظومة سلطة الاسلامويبن فى الخرطوم.
عودته ليست جزء من سياسة تدوير النفايات فى مؤسسة الحركة الاسلامية فحسب ،كما قاله أحد المستنيرين فى منبر الاستنارة إنما، من وجهة نظرى هى اعادة تعبئة قوارير بمواد سامة أكثر ضرراً من ذى قبل، وبالتالى بهذا الفهم عند عامة الناس ليس بأمر غريب أن يعاد الرجل إلى منصبه مرة أخرى وفق سياسية الانقاذ، كلما ضاقت ذرعاً كلما لجأت إلى أساليب اشدّ قسوة، ولكن هل هذه هى الرسالة المراد توصيلها لاهل السودان أم هناك اسرار في بلد لا تعرف الاسرار؟
بالرجوع الى خلفية اعفائه ومن ثم اتهامه بمحاولة انقلابية والزج به فى الزنازين يجعل المراقب أن يثير عدة تساؤلات من بينها، هل من وراء عودة الرجل إلى الجهاز نفوذ قبلية؟ أو أجنحة سياسية؟ أو أجندات خارجية؟ أو حتى لوبيهات من قدامى الجواسيس الذين شردهم الرئيس عمر البشير انتقاماً منه أو كل ما جاء في التساؤل صواب حتى نكتفي بالمثل الشائع(ووراء الأكمة ما وراءها).
كل هذه التساؤلات واردة واىّ منها لا يخدم قضية السودان أكثر من انه يخدم مصلحة النظام الآيل إلى السقوط.
إن لم تخنى الذاكرة ،كانت ظروف خروج الفريق القوش من اللعبة السياسية قبل 5 أعوام معقدة جداً وجانب منها دراماتيكية وخاصة ما له العلاقة بالمحاولة الانقلابية وحتماً عودته أكثر دراماتيكية من المغادرة، إذ لا يمكن أن يتصور المرء قط أن شخصاً بطموحاته التى قادته إلى مؤامرة انقلابية يصبح يوماً جزء من منظومة القرار السياسي في الدولة ومدير لجهاز يعتبر من أكثر الأجهزة حساساً في إدارة الدولة، والأمر قد لا يخرج من تفسيرين لا ثالث لهما.
أولهما، هو ربما تمكن الجنرال القوش وفى إطار الصراع الإثني الخفى( الجعلى-الشايقى) حول السلطة، فرض شروطه على الرئيس عمر البشير الذى أنهكه صراع الاجنحة داخل المنظومة الحاكمة فضلاً عن قلة حيله الرئيس فى إدارة شئون الأمن الخارجى إلى درجة مدير مكتبه الخاص يصبح عنصر أختراق لدولة صديقة. أما الفرضية الثانية هي عودة الجنرال القوش إلى دائرة السلطة من ضمن صفقات واسعة تمت ما بين أجنحة الحركة الإسلامية وبالتالى دخل القوش مرة أخرى الى دائرة الضوء مستخدماً قوة ماكينة الحركة الإسلامية .مع ترجيح الاحتمالين فإن حتمية وجود قوة طردية كبيرة دفعت بشدة الرجل إلى مركز القرار كي ينتزع ويستحوذ وبمفاجئة على دائرة النفوذ فى الدولة أمر لا جدال فيه.
ليس بوسع الجنرال القوش بمفرده تحريك كل البيادق على رقعة اللعبة السياسية لتطويق عمر البشير حتى يتنازل هكذا عن اهم مؤسسة لنظام ( أمنجى) مثل المؤتمر الوطنى، علماً الجاسوس القوش، كما أشرنا إليه من قبل ظل يحلق طيلة فترة وجوده فى الجهاز على أجنحة من الطموح تحقق له فرصة الوصول إلى كرسى الرئاسة. عندما عبر اطلنطك على متن طائرة CIA ليناقش معهم ملفات الارهاب لم يكن وحده، عندما أُبعد من منصبه لم يكن وحده وعندما أُعتقل لم يكن وحده واليوم يدخل رئاسة الجهاز دخول الفاتحين ومن ورائه قوم أشداء ،غلاظ، بأسهم بينهم شديد، وفى سيماهم أثر سنين الانقاذ العجاف.
هذا الظهور المفاجئ لرجل التجسس الأول فى السودان هو ببساطة حصيلة صراع الاجنحة داخل المؤتمر الوطنى والذى بدأ فى نوفمبر 2012 فى اروقة المؤتمر الثامن للحركة الإسلامية وقد راحت فى هذه المعركة ضحايا من أقطاب الحركة الإسلامية أمثال الدكتور غازى صلاح الدين العتبانى وصمد آخرون واستمروا فى معركتهم حول السلطة ما بين الكر والفر أمثال الأستاذ على عثمان والدكتور نافع ويبدو الجنرال القوش يقود الحرب معهما من خلال سرايا خاصة اوكلت اليه مهمة الانقلاب وفشل وقتئذ ولكن الواضح ظل يشحذ سيوفه ليوم آخر.
هذه العودة بأية حال من الأحوال تُحسب للمجموعة بكاملها وفي هذه الحالة مراكز قوى كثيرة تضربها هزّات عنيفة ولا سيما المراكز التى تقف كخطوط دفاع امامية لنفوذ الرئيس عمر البشير من أمثال الجنرال بكرى حسن صالح والجنرال عبدالرحيم حسين وبذلك قد يتشكل توازن جديد فى اللعبة السياسة داخل أجهزة المؤتمر الوطنى الحزبية والدستورية.
فى إطار هذا السيناريو ايضاً يبرز سؤال مهم للغاية وقد يكون سؤال مصيري للمؤتمر الوطنى من هو الطرف الذى يمسك بأعنة جموح التدهور الاقتصادى فى البلاد وبالتالى كيف يتعامل مع الغضب الجماهيري فى وجه الضائقة الاقتصادية وفى إطار التوازن الجديد كيف يتم التعامل مع الجبهة الدبلوماسية بتعقيداتها الخليجية والمصرية والتركية ومحكمة الجنايات الدولية؟
المؤتمر الوطنى الآن يقف عاجزاً دون أية القدرة على التحرك فى مواجهة الازمة المالية و التى بدورها نتاج الحرب الدائرة فى دارفور وجبال النوبة والمنطقتين والمدخل الرئيسى لإحراز التقدم فى الجبهتين الاقتصادية والحرب هو ترميم العلاقات الدولية ومن بينها مسألة محكمة الجنايات الدولية ICC وفى سياق هذا الواقع أن عودة الجنرال القوش( وبزفة) من صقور المؤتمر الوطنى قد تعمق الخلافات داخل منظومة الانقاذيين بفضل تعدد وتضارب مراكز النفوذ فى معالجة الأزمة السودانية وخاصة عندما تأتى مبادرات دولية وإقليمية مسنودة بحوافز مغرية مثل الرفع الفعلي للعقوبات وإيجاد مخرجٍ للرئيس المطالب فى جرائم ضد الإنسانية مع ضمانات أممية لاخرين شركاء في الجرائم ضد الإنسانية.
مثلما ذكرت، عُرف الاسلاميون فى السودان بشدة البأس بينهم، حينما ضرب الخلاف الصف الاسلامى بحادثة القصر والمنشية، كانت درجة الخلاف مؤلمة للغاية ولم يسلم حتى شيخ الحركة الإسلامية الدكتور حسن الترابى، هذا على مستوى القيادات العليا ولكن الذى حدث على مستوى الكوادر الوسيطة فوق الاحتمال إذ يقال تمت تصفية أولئك الذين فشلوا فى مهمة اغتيال الرئيس المصرى حسنى مبارك عن بكرة أبيهم وكم شاهدنا مواقف محزنة أخرى كتلك مسيرات الفرحة والابتهاج لخبر استشهاد الدكتور خليل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة ، وهو الرجل الذى وهب جزء كبير من حياته فى خدمة تنظيمهم.
يعود صلاح القوش إلى امبراطورية المعلومات ومن وراءه قيادات نافذة ولكن الفترة ما بين تركه للجهاز والعودة اليه جرت مياه كثيرة تحت الجسر وهى فترة فيها قضى الجنرال القوش نفسه مصفداً بالاغلال داخل زنازين الجهاز وتم إنهاء خدمات مجموعات كبيرة ممن يقفون معه فى المؤسسة والمضايقات لم تكن حصرياً على الجنرال القوش إنما طائفة كبيرة من رجال الحركة الإسلامية بما فيهم قيادات عليا، إذاً بعودة هؤلاء إلى المنصة مرة أخرى لا بدّ كفة الميزان تتأرجح خافضة رافعة وقد لا ينامون على ثأراتهم .