ناصف بشير الأمين: حول حرب النظام المزعومة ضد الإرهاب وإستقبال الداعشيّن العائدين للخرطوم ..

يهدف هذا المقال الى مناقشة موقف و موقع النظام الحاكم في السودان من الإرهاب و منظماته و المنتمين و الداعمين لها، و مدى جديته في مكافحة الإرهاب …

ناصف بشير الامين(وكالات)

 

بقلم: ناصف بشير الأمين  

 

يهدف هذا المقال الى مناقشة موقف و موقع النظام الحاكم في السودان من الإرهاب و منظماته و المنتمين و الداعمين لها، و مدى جديته في مكافحة الإرهاب. يناقش المقال ذلك على ضوء واقعة إستقبال النظام مؤخرا لعدد من أعضاء تنظيم داعش العائدين للسودان، دون إخضاعهم لأي نوع من التحقيق و المسآئلة الجنائية. يتضمن ذلك النظر بصورة مختصرة في الإطار الهيكلي القانوني و المؤسسي الدولي لمكافحة الإرهاب، و كذلك الإطار القانوني الوطني لمكافحة الإرهاب لتحديد مدى إلتزام الأخير بالمعايير الدولية و إتساقه معها. و على ضوء ذلك يتم النظر في ممارسات النظام الفعلية فيما يتعلق بعلاقته بالأفراد والجماعات التي تمارس الإرهاب او تدعمه منذ مجيء النظام الى السلطة، للكشف عن مدى إلتزام النظام السوداني بتطبيق قوانين مكافحة الإرهاب على أرض الواقع، و الى أي مدى يتم توظيف هذه القوانين لأغراض سياسية لا علاقة لها بمحاربة الإرهاب كما تعرفه القوانين و القواعد الدولية، ترتبط أساسا بتجريم المعارضين السياسين و محاكمتهم سياسيا بينما يتم غض النظر عن مرتكبي جرائم الإرهاب الحقيقين الواجب توقيفهم و محاكمتهم.

الإطار الهيكلي القانوني و المؤسسي الدولي لمكافحة الإرهاب
عند النظر في الإطار الهيكلي القانوني و المؤسسي الدولي لمكافحة الإرهاب، نجد أنه يتكون من حوالي 19 إتفاقية و وصكا قانونيا دوليا بالإضافة الى قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة. تشمل المبادئ الموجهة التي تتضمنها هذه الاتفاقيات: تجريم الجرائم الإرهابية و المعاقبة عليها بموجب القانون؛ إجراء التحقيقات الوافية و الفورية في الأفعال الإرهابية و محاكمة المشتبه بهم أو تسليمهم؛ إلغاء التشريعات التي تنص على استثناءات من هذا التجريم استناداً إلى أسس سياسية أو عقائدية أو دينية .. الخ؛ ضرورة اتخاذ الدول تدابير منع الأعمال الإرهابية؛ والتشديد على ضرورة تعاون الدول وتبادلها المعلومات وتزويد كل منها الدول الأخرى بأقصى قدر من المساعدة فيما يتعلق بمنع الأعمال الإرهابية والتحقيق فيها وملاحقتها قضائيا. وقد شددت الدول الأعضاء، في "إستراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب"، التي اعتمدتها الجمعية العامة في 8 سبتمبر 2006، على أهمية الصكوك الدولية القائمة لمكافحة الإرهاب وذلك بتعهدها بالإنضمام لها دون تأخير وتنفيذ أحكامها.
فيما يخص القرارات ذات الطبيعة القانونية الملزمة و الخاصة بتنظيمي داعش و القاعدة و المجموعات و الأفراد المرتبطين بهما على سبيل التخصيص، نشير الى قرار مجلس الأمن الدولي الأخير رقم 2368 (2017)، الصادر بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، و ذلك في جلسة المجلس رقم 8007 المنعقدة في 20 يوليو2017. كرر القرار إدانته القاطعة لتنظيم داعش ولتنظيم القاعدة ومَن يرتبط بهما من أفراد وجماعات ومؤسسات وكيانات، وذلك لما ‏يرتكبونه من أعمال إرهابية إجرامية متواصلة ومتعددة تستهدف قتل المدنيين الأبرياء وغيرهم من ‏الضحايا وتدمير الممتلكات وتقويض دعائم الاستقرار. طالب القرار الدول الأعضاء بأن تلتزم بمحاسبة المسؤولين عن ارتكاب الأعمال الإرهابية أو تنظيمها أو دعمها، و أن الدول الأعضاء مطالبةٌ بأن تزود كلٌّ منها الأخرى بأقصى قدر من المساعدة فيما يتصل بالتحقيقات الجنائية أو الإجراءات الجنائية المتعلقة بتمويل أو دعم الأعمال الإرهابية، ويشمل ذلك المساعدة في حصول كل منها على ما لدى الأخرى من أدلة لازمة للإجراءات القانونية، ويشدد على أهمية الوفاء بهذا الالتزام فيما يتعلق بمثل هذه التحقيقات أو الإجراءات ذات الصلة بتنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة ومن يرتبط بهما من أفراد وجماعات ومؤسسات وكيانات، ويحث الدول الأعضاء على أن تكفل التنسيق الكامل في هذه التحقيقات أو الإجراءات، ولا سيما مع الدول التي ارتُكبت الأعمال الإرهابية في أراضيها أو ضد مواطنيها، وذلك وفقا لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، من أجل العثور على كلِّ مَن يدعم التمويل المباشر أو غير المباشر للأنشطة التي ينفذها تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة ومَن يرتبط بهما من أفراد وجماعات ومؤسسات وكيانات أو ييسره أو يشترك فيه أو يحاول الاشتراك فيه، وتقديم هؤلاء إلى العدالة أو تسليمهم أو محاكمتهم.
تضمن القرار أيضا إلزام الدول بحظر السفر و منع دخول أولئك الأفراد إلى أراضيها أو عبورهم لتلك الأراضي (بإستثناء مواطني الدولة و كذلك اذا كان الدخول بغرض إجراءات قضائية). كذلك كرر القرار التأكيد على التزام الدول الأعضاء بوقف حركة الجماعات الإرهابية، وفقا للقانون الدولي الساري، من خلال عدة وسائل منها فرض رقابة فعالة على الحدود، والقيام، في هذا السياق، بتبادل المعلومات على وجه السرعة، وتحسين التعاون فيما بين السلطات المختصة بهدف وقف حركة الإرهابيين والجماعات الإرهابية من أراضيها وإليها، ووقف إمدادات الأسلحة إلى الإرهابيين، والتمويل الذي يساند أولئك الإرهابيين. و قد عبر مجلس الأمن في القرار عن قلقه من تزايد عدد المقاتلين الإرهابيين الأجانب الذين يغادرون مناطق النزاع المسلح، عائدين إلى بلدانهم الأصلية، أو عابرين من دول أعضاء أخرى أو مسافرين إليها أو منتقلين إليها أو منها، وإذ يشجع الدول الأعضاء على تبادل المعلومات ذات الصلة، حسب الاقتضاء، داخل الحكومات وفيما بينها بشأن تدفقات التمويل وحركة المقاتلين الإرهابيين الأجانب من أجل التخفيف من الخطر الذي يشكلونه.
و كما هو معلوم، هناك لجنة خاصة تسمى "لجنة مجلس الأمن" و هي اللجنة المنشأة بموجب القرارات 1267 (1999) و 1989 (2011) و 2253 (2015) الصادرة عن مجلس الأمن بشأن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وتنظيم القاعدة، وما يرتبط بهما من أفراد وجماعات ومؤسسات وكيانات، و تضم عضويتها جميع أعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر. ترصد لجنة مجلس الأمن تدابير الجزاءات التي فرضها مجلس الأمن و مدى إلتزام الدول بتنفيذها و التي تشمل، من بين أشياء أخرى، الطلب من جميع الدول القيام دون إبطاء بتجميد الأموال والأصول الماليــــــة أو المــــــــوارد الاقتصادية الأخرى للكيانات والأفراد المذكورين، يتوجب على الدول كذلك حظر سفر هولاء الأفراد و منع دخولهم إلى أراضيها أو عبور أراضيها، و كذلك حظر توريد الأسلحة لهذه الجماعات و الأفراد المرتبطين بها. هناك أيضا معايير لإدراج أسماء أي أفراد أو جماعات أو مؤسسات أو كيانات مرتبطة بهذه التنظيمات الإرهابية في قائمة الجزاءات المفروضة على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وتنظيم القاعدة في الفقرات من 3 إلى 5 من القرار 2253 (2015). وتتضمن الأعمال أو الأنشطة التي تدل على ارتباط فرد أو جماعة أو مؤسسة أو كيان بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) أو تنظيم القاعدة ما يلي: (أ) المشاركة في تمويل أعمال أو أنشطة فرد أو جماعة أو مؤسسة أو كيان مرتبط بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) أو تنظيم القاعدة أو أي خلية أو جماعة مرتبطة بهما أو منشقة عنهما أو متفرعة منهما، أو التخطيط لتلك الأعمال أو الأنشطة، أو تيسير القيام بها، أو الإعداد لها، أو ارتكابها، أو المشاركة في ذلك مع تلك الكيانات، أو باسمها، أو نيابة عنها، أو دعما لها؛ (ب) توريد أو بيع أو نقل الأسلحة وما يتصل بها من عتاد إليها؛ (ج) التجنيد أو أي شكل آخر من التصرفات أو الأنشطة لصالحها.
في هذا الخصوص هناك عدد من الشخصيات المعروفة في السودان و التي تنشط في تجنيد الأفراد خاصة الشباب لصالح تنظيم داعش و تسهيل حركة مرورهم و سفرهم الى ميدان القتال في سوريا و ليبيا للعمل في صفوف التنظيم، و كذلك إرسال الفتيات للمشاركة في ما يعرف "بجهاد النكاح." على سبيل المثال، وفي أواخر أغسطس من العام 2015 رصدت كاميرات مطار الخرطوم مغادرة أربعة فتيات بينهن التوأم منار وإبرار عبد السلام العيدروس، للالتحاق بتنظيم داعش. وغادرت الفتيات وقتها عبر رحلة طيران العربية خط "الخرطوم ـ الشارقة ـ إستانبول"، وجرت محاولات مع الجهات الأمنية بمطار الشارقة لتوقيفهن، لكنها باءت بالفشل (سودان تريبون 4 أبريل 2018). لم تقدم الحكومة السودانية طلبا لإدراج ايا من هولاء الأفراد و كذلك بعض المؤسسات في هذه القوائم (يتم الإدراج بطلب من الدول) او إتخاذ أي إجراءات داخلية تذكر في مواجهتهم، مما يشير الى تورط السلطات السودانية اوعلى الأقل تواطئها و تعاطفها او إرتباطها بشكل من الأشكال بهذه الشبكات الداعمة للإرهاب و الناشطة داخل البلاد تحت سمع و بصر السلطات و الأجهزة الأمنية.

القوانين السودانية لمكافحة الإرهاب
عند النظر في الإطار الهيكلي القانوني الوطني الخاص بمكافحة الإرهاب، تعرف المادة (2) من قانون مكافحة الإرهاب لسنة 2001 مصطلح "الإرهاب" بأنه: "يقصد به كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أياً كانت بواعثه أو أغراضه يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردى أو جماعي ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بالأموال العامة أو الخاصة أو بأحد المرافق أو الممتلكات العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو تعريض أحد الموارد الوطنية أو الإستراتيجية القومية للخطر." و تعرف "الجريمة الإرهابية " بانها يقصد بها أي فعل أو الشروع فيه يرتكب تنفيذاً لقصد إرهابي ويشمل الأفعال والجرائم الإرهابية المنصوص عليها في الاتفاقيات التي وقعت عليها حكومة جمهورية السودان وصودق عليها وفق أحكام الدستور عدا ما تم استثناؤه أو التحفظ عليه .حسب نص المادة (3)(أ)، ينطبق قانون مكافحة الإرهاب 2001 على كل شخص يتهم بارتكاب جريمة إرهابية أو بالشروع في ارتكابها أو التحريض عليها داخل السودان أو خارجه متى كانت الجريمة ماسة بمصالح السودان أو اقتصاده أو أمنه القومي أو أمنه الاجتماعي. أذا مفهوم الجرائم الإرهابية المعاقب عليها بموجب هذا القانون يشمل الجرائم الإرهابية المنصوص عليها في القوانين السودانية و كذلك تلك المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية التي وقعت و صادقت عليها حكومة السودان، حتى وإن لم تكن مضمنة في القوانين السودانية. القانون ينطبق كذلك على الجرائم الإرهابية المرتكبة داخل السودان أو خارجه، بما يعني شموله الأفعال الإرهابية المرتكبة في الخارج من قبل منتسبي داعش العائدين للسودان موضوع هذا المقال. المادة 5 من القانون (الجرائم الإرهابية) تعتبر مرتكبا جريمة إرهابية كل من يقوم أو يحرض أو يشرع في القيام أو يسهل فعلاً أو قولاً أو نشراً بارتكاب فعل تنفيذاً لغرض إرهابي على الدولة أوامنها الاجتماعي أو رعاياها أو ممتلكاتها أو مرافقها أو منشأتها العامة أو الخاصة بارتكاب جريمة إرهابية أو سياسية، و يعاقب عند الإدانة بالإعدام أو السجن المؤبد. كذلك تجرم المادة 6 من القانون منظمات الإجرام الإرهابية، وتعتبر كل من يدير أو يحرض أو يشرع أو يشارك في إدارة أو يسهل قولاً أو فعلاً أو نشراً في إدارة شبكة منظمة ومخططة لارتكاب أي جريمة أو جرائم إرهابية سواء كانت هذه الشبكة تعمل على نطاق السودان أو على النطاق الخارجي أو على نطاق أي ولاية من ولايات السودان أو مدينة أو قرية أو أي مكان محدد تقيم فيه جماعة معتبرة بحيث يشكل فعله خطراً على النفس أو المال أو على الطمأنينة العامة , يعد مرتكباً جريمة إرهابية ويعاقب عند الإدانة بالإعدام أو السجن المؤبد .بالإضافية لعقوبتي السجن و الإعدام يجوز القانون عند الإدانة إيقاع عقوبة مصـادرة العقارات والأموال والمعدات التي يثبت إستخدامها في ارتكاب الجرائم الإرهابية، و كذلك تلك المملوكة لكل من تثبت إدانته بإرتكاب تلك الجرائم (المادة (18(1) و (2) من القانون). المادة 65 من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991 (منظمات الإجرام و الإرهاب) تنص أيضا على أن: "من ينشئ أو يدير منظمة تدبر لارتكاب أي جريمة ومن يشارك أو يعاون قصداً في تلك المنظمة ، سواء كانت تعمل داخل السودان أم خارجه ، يعاقب بالسجن مدة لاتجاوز خمس سنوات أو بالغرامة أو بالعقوبتين معاً ، فإذا كانت الجريمة التي تدبر لها المنظمة هي الحرابة أو النهب أو من الجرائم المعاقب عليها بالإعدام أو الإرهاب بتهديد الجمهور أو السلطة العامة ، يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز عشر سنوات كما تجوز معاقبته بالغرامة."
نصوص قانون مكافحة الإرهاب المذكورة بها عيوب ظاهرة في الصياغة، لأنها تُضيق من مفهوم الفعل الذي يتم بقصد إرهابي و من ثم تضيق من مفهوم الجريمة الإرهابية، و يرجع ذلك بشكل رئيسي، من بين جملة أسباب، الى قصر المفهوم على الأفعال الموجهة ضد الدولة. بما يجعل هذه النصوص غير قطعية في نصها على تجريم الأفعال الإرهابية التي يرتكب خارج السودان سواء من قبل سودانين او أجانب، بما يغفل حقيقة عولمة شبكات التنظيمات الإرهابية و عملياتها العابرة للدول و القارات، و يتناقض أيضا مع مبدأ الإختصاص العالمي فيما يخص الجرائم الإرهابية. و سبب هذه الصياغة الرديئة و المقيدة واضح و هو أن هدف النظام الرئيسي من سن قانون الإرهاب هو إستخدامه كأداة لتجريم المعارضين السياسين و ليس محاربة الإرهاب و الجماعات الإرهابية الدينية المتطرفة المعروفة مثل داعش و القاعدة و المجموعات المرتبطة بها داخل و خارج السودان و كذلك الأفراد المرتبطين بها. و السبب في النهاية وراء كل ذلك سبب سياسي – لا يسع هذا المقال او يسمح بالدخول فيه تفصيلا- يرتبط بطبيعة النظام كنظام جماعة إسلام سياسي تجمعها مشتركات ايديولوجية وسياسية كثيرة مع هذه الجماعات الإرهابية المعنية و تداخلات مجموعات و أفراد و مؤسسات..الخ. لكن بالرغم من العيوب الظاهرة في صياغة هذا القانون، فإن أفعال أعضاء تنظيم داعش العائدين للسودان (الإنتماء للتنظيم و المشاركة في نشاطاته و أعماله الإرهابية) تعتبر إفعالا إرهابية بموجب هذا القانون، بسبب و ضوحها كوقائع و وقوعها ضمن التعريف الوارد في القانون، وأيضا بسبب أن الإنتماء لداعش و القاعدة يعتبر عملا إرهابيا حسب المعايير الدولية لمحاربة الإرهاب، و لذلك يعتبر عملا إرهابيا بموجب القانون السوداني، حسب نص المادة 2 من قانون مكافحة الإرهاب، كما اوضحت بعاليه. يجب لذلك أن تتحرك النيابة المعنية و تقوم بالتحقيق مع أعضاء داعش العائدين للسودان و توجيه تهم لهم تحت المواد 5 و 6 من قانون مكافحة الإرهاب و المادة 65 من القانون الجنائي، متى ما توفرت لها بينة مبدئية تثبت التحاقهم طواعية بتنظيم داعش و مشاركتهم في أنشطته الإرهابية، و بلوغهم السن القانونية للمسآلة الجنائية.
و كما سبقت الإشارة، بينما يمارس أعضاء تنظيمات السلفية الجهادية و الإرهابية نشاطاتهم و يتحركون بحرية تامة داخل السودان، و كذلك يغادرون البلاد عبر المنافذ الرسمية و يعودون اليها بذات المنافذ دون ان يتم اتهام أي منهم او تقديمه لمحاكمة، نجد أن مواد قانون الإرهاب توظف بشكل رئيسي في ملاحقة المعارضين السياسين و محاكمتهم سياسيا. وقد تمت محاكمة عدد لا يحصى من المعارضين بعد أن وجهت لهم تهم الإرهاب، نذكر منهم على سبيل المثال محاكمات أعضاء حركة العدل و المساواة بعد عملية الذراع الطويلة 2009. و من المصادفات ذات الدلالة في هذا الصدد انه وفي الوقت الذي يستقبل فيه النظام أعضاء داعش العائدين للخرطوم إستقبال الفاتحين، تزامن ذلك مع توجيه تهم الإرهاب و تكوين منظمة إرهابية للسيد الصادق المهدي رئيس تحالف نداء السودان. و حسب موقع سودان تريبون، 3 أبريل 2018، تقدم الأمن السوداني، بشكوى إلى نيابة أمن الدولة ضد رئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي وآخرين، و وجه وكيل النيابة الأعلى معتصم عبد الله بتقييد دعاوى تحت المواد (21/ 25/ 26/ 50/ 51/ 53/ 63/ 66) من القانون الجنائي والمادتين (5 "جرائم الإرهاب" و6 "إدارة شبكة او منظمة إرهابية") من قانون مكافحة الإرهاب. جاء ذلك بالرغم من أن نداء السودان هو تحالف لأحزاب سياسية يتبنى برنامجا يعتمد على الوسائل السياسية السلمية لإحداث التغيّر عبر انتفاضة شعبية سلمية أو تسوية سياسية.

حرب النظام المزعومة ضد الإرهاب
النظام الحاكم في السودان ليس فقط لا يحارب الإرهاب جديا و إنما هو من الأنظمة التي تمارس إرهاب الدولة المنهجي، وهو أيضا من الداعمين الرئيسين للإرهاب إقليميا و دوليا. و ذلك ببساطة لأن النظام الأخواني الحاكم يشترك مع داعش و القاعدة و غيرها من التنظيمات الإرهابية المتطرفة ليس فقط في ذات الشعارات الآيديولوجية الإسلاموية المستندة على فهم سلفي متطرف للإسلام يدعو لقيام دولة إسلامية تطبق الشريعة و الحدود و تمجد الجهاد المقدس و العنف كوسيلة لفرض مشروعها للدولة الدينية، و إنما في التطبيق العملي لهذا المشروع الداعشي في السودان عبر فرض أحكام الحدود و القصاص و ترسانة القوانين القمعية تحت إسم الشريعة الإسلامية، حسب تفسير النظام لها، و ذلك في إطار برنامج أسلمة الدولة والمجتمع (المشروع الحضاري)، و كذلك شن الحروب الجهادية ضد شركاء الوطن في الهامش تحت لافتة الجهاد المقدس وكافة أشكال العنف السياسي و القمع و التعذيب ضد المخالفين. التغيّر الوحيد الذي حدث في السنوات الأخيرة هو أن النظام اصبح يتحدث بإستمرار عن محاربته للإرهاب، و يحاول أن يرسم صورة جديدة له تبرزه كأحد الأنظمة المنخرطة جديا في الجهود الدولية الرامية لمحاربة الإرهاب، وذلك نتيجة للتحولات الداخلية و الخارجية العديدة التي حدثت بعد أحداث 11 سبتمبر 2001. يحدث ذلك في الوقت الذي توجد فيه دلائل عديدة تشير الى العكس بأن النظام ما يزال متورط في دعم و رعاية الإرهاب او التواطؤ معه سرا، بينما يزعم محاربته علنا. الوضع شبيه بإعلان رئيس النظام مؤخرا عزمه على محاربة الفساد، في الوقت الذي يمثل فيه رأس النظام نفسه و بعض أفراد أسرته و المقربون منه أكبر أركان الفساد في البلاد، في نظام ظل طوال سنواته يتربع على رأس قائمة الدول الأكثر فسادا في العالم، حسب مؤشرات الفساد العالمية و حتى تقارير المراجعة الداخلية.
بعد نجاح الإنقلاب في يونيو1989، اصبحت الخرطوم عاصمة الدولة الإسلامية الوليدة محجا لكل الجماعات الإرهابية المتطرفة المعروفة في حينها، بما في ذلك أسامة بن لادن و جماعته. جاء بن لادن الى السودان بدعوة من قيادة النظام في العام 1991 ، و استمر يدير نشاطاته من السودان حتى إستبعاده في العام 1996م. و خلافا لناشطه في تقوية و توسيع الشبكة العالمية لتنظيمه الخاص "القاعدة"، كان بن لادن من الداعمين المالين الرئيسين للمؤتمر الشعبي العربي الاسلامي الذي اسسه حسن الترابي كمظلة تجمع كل جماعات الإسلام السياسي في مركز الدولة الإسلامية الجديدة. حسب بعض المصادر، اصدر البشير قرارا بإعفاء مختلف المعدات التي كان يستوردها بن لادن من الجمارك و الضرائب و عدم خضوعها للتفتيش، انظر في ذلك (Don Petterson, Inside Sudan, 2003, Westview). الجماعات الإسلامية التي تواجدت في الخرطوم من مصر، فلسطين، الجزائر، تونس، أريتريا، سوريا ودول أخرى لم يتمتع أعضائها بحرية الإقامة و الحركة في السودان فحسب، وإنما زودتهم الحكومة السودانية أيضا بجوازات السفر السودانية و سهلت عبورهم للحدود الدولية. أثناء هذه الفترة قامت عناصر من أمن النظام مع بعض أفراد الجماعة الإسلامية المصرية بمحاولة فاشلة لتصفية الرئيس المصري حسني مبارك في أثيوبيا عام 1995. هذه العملية خططت لها قيادة النظام العليا حسب شهادة حسن الترابي، وبسبب تورط النظام في التخطيط و التنفيذ فُرضت العقوبات الأمريكية على السودان في العام 1996. اصبح تورط النظام في رعاية الإرهاب و التنظيمات الإرهابية مصدر قلق رئيسي للسياسة الغربية بلغ التعبير عنه قمته بالقصف الأمريكي لمصنع الشفاء في الخرطوم عام 1998، و الذي جاء كرد فعل لتفجيري سفارتي الولايات المتحدة في شرق أفريقيا.
حدث تغيّر دراماتيكي في خطاب النظام بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، حيث بادر النظام بعرض خدماته مجانا و طواعية على الولايات المتحدة عبر تقديم المعلومات الإستخباراتية ضد أخوة الأمس من أعضاء الجماعات الأرهابية التي كانت تحتضنهم الخرطوم، و إعلان النظام انخراطه في حرب المجتمع الدولي ضد الإرهاب. لكن هذا التغيّر لم يتجاوز في الواقع سوى تغيّر لهجة النظام و تكتيكاته، حيث استمر النظام يرعى بعض الجماعات الإرهابية بيد بينما يتعاون في تقديم بعض المعلومات الإستخباراتية للولايات المتحدة باليد الأخرى، متبعا ذات تكتيك المخابرات الباكستانية. و الواقع ان الدافع لهذا التحول التكتيكي كان حرص الإسلاميّن على إستمرار نظامهم بأي ثمن، وتخوفهم من أن يجدوا أنفسهم هدفا لعمل عسكري أمريكي بعد أحداث سبتمبر 2001، و محاولتهم النأي بأنفسهم عن شبهة المساهمة بشكل مباشر او غير مباشر في تلك الأحداث، و لم يكن نتاجا لأي مراجعات فكرية او سياسية لموقف النظام الحاكم من ممارسات الإرهاب و الجهاد و العنف السياسي، والتي استمرت على نطاق واسع ضد السودانين منذ مجيء الإسلاميّن الى الحكم و حتى كتابة هذا المقال. مثلا في العام 2014 تم إعتقال أمينو صادق أحد قيادات مجموعة بوكو حرام النيجرية عندما كان يدرس في الخرطوم و تسليمة للسلطات النيجيرية. استمر أيضا خلال هذه الفترة و بعدها تدفق العشرات من الشباب السودانين (خاصة طلاب جامعة الدراسات الطبية و التقنية المملوكة للقيادي الإسلامي و وزير الصحة في ولاية الخرطوم مامون حميدة) للإلتحاق بصفوف داعش في سوريا و العراق و ليبيا. و يعتبر السودان أحد المراكز الرئيسية لتجنيد المجاهدين للإنضمام لصفوف داعش و تسهيل حركة مرورهم الى تركيا و ليبيا. و لا يمكن أيضا إخفاء تورط النظام فيما يحدث في ليبيا و دوره في تقديم مختلف أشكال الدعم للجماعات الإسلامية المتطرفة في ليبيا. هناك أيضا قيادات نشطة في التنظيم اعلنت مبايعتها جهارا لأمير داعش او دعمها لتنظيم الدولة الإسلامية مثل محمد علي الجزولي و مساعد السديرة. ولم يتم تقديم أي من هولاء لمحاكمة او التحقيق معهم حول إنتمائهم لداعش، بل هم لا يزالون طلقاء يمارسون نشاطاتهم بحرية و ينظمون أحيانا لقاءات و مخاطبات جماهيرية في قلب العاصمة الخرطوم. حسب موقع سودان تريبون 4 أبريل 2018، وصل الخرطوم، ليل الأربعاء 4 أبريل 2018، 10 من الشباب السودانيين المنضوين تحت لواء تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في ليبيا، بعد مساعي بذلها جهاز الأمن والمخابرات السوداني. ووصلت المجموعة المؤلفة من 7 شابات وطفلين وشاب، إلى مطار الخرطوم من ليبيا على متن الخطوط الجوية التركي، وتضم المجموعة العائدة كل من التوأم ابرار ومنار عبد السلام العيدروس، حاجة حسن أبوبكر صغيرون، نورة حسن أبوبكر صغيرون، نورة صابون محمد، حنان عبد الرحمن إسحاق، اصالة حسن عثمان، معاوية عبد الله يحي، سمية آدم محمد، عبد الله بدر الدين التجاني. و قد تم إستقبالهم بحفاوة و ترحيب لافت كما عكست أجهزة الإعلام. بإستعراض هذه الخلفية يتضح أن إستقبال أعضاء داعش العائدين مؤخرا عبر مطار الخرطوم و عدم تعرضهم لأي نوع من المسآلة ليس حدثا معزولا وإنما يأتي ضمن هذا السياق العام لرعاية و دعم الإرهاب، أو على الأقل التواطؤ و التسامح معه، المستمر لقرابة الثلاثين عاما من عمر النظام. لذلك لا يتوقع أن يتعرض هولاء العائدون لأي نوع من المسآلة، بعد أن تم إستقبالهم إستقبال الفاتحين.

[email protected]

 

 

Welcome

Install
×