محمد عتيق: إزاء العقبتين .. أهنالك وقت للتفاوض ؟

مقال سابق في هذه الزاوية تحت عنوان (ظواهر ومخاوف ، ٢٨ ابريل ٢٠١٩) تناول باختصار مراحل تطور “محمد حمدان دقلو حميدتي” وحركته مع الإشارة الي أنه

الجنرال حميدتي

بقلم : محمد عتيق

 

مقال سابق في هذه الزاوية تحت عنوان (ظواهر ومخاوف ، ٢٨ ابريل ٢٠١٩) تناول باختصار مراحل تطور "محمد حمدان دقلو حميدتي" وحركته مع الإشارة الي أنه في كل مرحلة كان يؤدي مهامه ونظره مصوب الي أعلى ، وعندما وصل الي موقع النائب لرئيس المجلس العسكري كانت عناصر قوته تتمثل في المال الوفير (ذهب جبل عامر مثالاً للمصادر) إضافةً الي قوته العسكرية الضاربة والمجهزة تجهيزاً عالياً ، وقد تسنم أعلى رتبة عسكرية في البلاد "فريق أول" وهو بعد في مطلع الأربعينات من العمر ولا زالت أبصاره إلي أعلى ، وفي الختام كان التساؤل : (فالي أين تمتد ابصار الفريق أول حميدتي ؟ .. المقال لم يعجب بعض الإخوة السياسيين وحجتهم أن الرجل مع الثورة حتي الآن فلا يجوز أن نفتح معركةً معه .. وبعض المنابر امتنعت عن نشره بنفس الحجة تقريباً ..

الآن ، وخلال أقل من شهر ، نلاحظ كيف أن شهوة السلطة قد استبدت بالرجل ، وكيف أنه بدأ يطوف على المرافق الحكومية ويلتقي العاملين فيها خطيباً ؛ يلوح بالأعطية ترغيباً ، وبالفصل من العمل تهديداً لمن يقدم علي الإضراب ..

ومن ناحية أخرى ، تواصل قواته (الدعم السريع) الانتشار في العاصمة المثلثة وحولها ، وسيطرتها علي الأوضاع تتزايد ، وسط أنباء تفيد بأنها تعمل علي تأسيس سلاح طيران لها وأن مقاتلين منها يتلقون الآن دورات طيران في إثيوبيا !! في وقت حملت فيه الأخبار مصحوبةً بمقاطع فيديو بالأمس أن لجاناً من قوات الدعم السريع تطوف الأقاليم للترويج والتجنيد لصفوفها وأنها قد أنجزت أولى مهامها في شرق السودان بتجنيد شباب وصبية من أبناء البني عامر والهدندوة والحباب !! هكذا ، وبكل بساطة يصول السيد حميدتي ويجول وهو يؤسس لدولة موازية لدولة السودان داخلها مبتدئاً بالمرفق الأخطر "القوات المسلحة" وعازفاً الأوتار الأكثر حساسيةً "ألاوتار القبلية" ..

أما بقية أعضاء المجلس العسكري ورئيسه فقد تذوقوا السلطة وطاب لهم طعمها ، وقد وجدوا ما يشجعهم علي البقاء كسلطة أمر واقع انتقالية من الجهتين :

الاولي : فلول "الإنقاذ" وأطراف دولتها العميقة ؛ تثق فيهم ، فهم ابناؤها وغرسها في الرتب الرفيعة ، وبالتالي طوع يدها ورهن توجيهاتها ، فلول "الإنقاذ" هي المرجع والمستشار للمجلس العسكري ، وجود هذا المجلس واستمراره كسلطة فيه تأمين لدولة "الإنقاذ" العميقة وضمان لاستمراريتها المستقبلية وصيانة لمصالحها ، والمستشار يشير بالمصالح وللمصالح ..

الثانية : ممثلة في "قوى إعلان الحرية والتغيير " ، وهي تؤدي دورها بنزاهة وصدق ، جانحةً للتفاوض بصبر مع المجلس العسكري ، إنما تشجعه وتعزز فيه الشعور بأنه هو نتيجة الثورة وهو سلطة الانتقال .. سلوك هذا المجلس منذ ١١ أبريل ، تنقله من الموقف الي نقيضه ، مماطلاته ، تعامله "الأستاذي" مع قيادات الثورة ، وتصرفاته كسلطة تدير شأن البلاد داخلياً وخارجياً ، كلها تؤكد ذلك ..

إذاً ، في السودان الآن سلطتين : دولة عميقة ظاهرها المجلس العسكري وباطنها النظام البائد رموزاً ومصالح وحلفاء ، ودولة موازية لها قيد التكوين وأساسها مليشيات عسكرية قبلية بقيادة حميدتي لها امتدادات إقليمية تشجعها وتدعمها .. تمضي حثيثاً لتأسيس جيش تقوم وحداته علي أسس قبلية ، جيش ودولة علي أساس قبلي في القرن الحادي والعشرين ، علي الأسس التي رفضها وركلها رواد الحركة الوطنية السودانية (مدنيين وعسكريين) في عشرينيات القرن العشرين انحيازاً لسودانيتهم !!

تصدى السودانيون لانقلاب الجبهة "الاسلاموية" منذ وقوعه عام ١٩٨٩ ، واجهوا الأهوال في معتقلاته حد الموت تحت آلات التعذيب ، صمدوا أمام العسف والتشريد ، عاشوا نتائج سياساته فقراً ومسغبة ، وبعد ثلاثين عاماً حانت اللحظة التاريخية الفارقة ، لحظة أن تستوي الحياة فيها مع الموت من أجل حياة كريمة ووطن عزيز شامخ ، فكان الانفجار الشعبي الكبير ، حصاد الأعوام الثلاثين من المواجهة ، بقيادة شباب الأجيال الجديدة ، جديدة الروح والفكرة والمعني ، إلهامها ومهرها ، ملاحم متصلة يستعصي إحصاءها ووصفها ، يتخلق في أتونها السودان الذي نحلم به جميعاً ؛ قيماً نبيلةً وصدقاً وإقبالاً بهياً مبتهجاً علي الحياة وعلي العمل والبناء والإبداع .. ثم تركوا القيادة طائعين لقوى الحرية والتغيير وأقاموا في ميادين الاعتصام "صابين" و "مصبوبين" لا تزحزحهم أسلحة الأعداء ولا مؤامراتهم ، ولن يغادروا الساحة الخالدة إلا بعد ترتيبها وتزيينها بعد أن يروا السلطة كاملةً في يد الثورة المدنية السلمية الجبارة ..

هذه المعطيات والأجواء الملبدة لا تترك لنا إلا الالتفات إلي قوي الحرية والتغيير بكل أطرافها ، أننا نواجه عقبتين بدل واحدة : حميدتي ومشروعه ، والدولة العميقة للإنقاذ ومجلسها العسكري ، فاسمحوا لي أن أخرج عليكم ملتمساً تعليق أي إتصال أو تفاوض مع المجلس العسكري والتفرغ تماماً لصناعة الإضراب السياسي والعصيان المدني ، ولا قوة في هذا الكون تستطيع كسر إرادة الشعب ، أي شعب ، فما بالكم بالشعب العجيب وشبابه الباهر المبهر ..

 

 

 

 

Welcome

Install
×