خزان جبل أولياء: مزيد من المخاطر إذا لم يعد مهندسو وزارة الري
أمستردام: 23 ديسمبر 2024: راديو دبنقا
تواجه مناطق النيل الأبيض، وعلى وجه الخصوص الجزيرة أبا، فيضانات غير معهودة في هذا الوقت من العام بالنظر إلى الارتفاع الكبير في منسوب النيل الأبيض. ويقول الخبراء أن إلى أن وارد المياه اليومي في النيل الأبيض عند محطة ملكال في جنوب السودان وصل إلى ما يعادل 200 مليون متر مكعب في اليوم في شهر ديسمبر الحالي، بينما تتراوح المعدلات العادية في شهر ديسمبر ما بين 110 إلى 120 مليون متر مكعب من الماء.
وغمرت مياه فيضان النيل الأبيض أجزاء واسعة من ولاية النيل الأبيض التي تقع جنوب خزان جبل أولياء بجنوب الخرطوم. وقال مواطنون من النيل الأبيض لراديو دبنقا إن مياه الفيضان اجتاحت منذ الأسبوع الماضي عددا من الجسور الواقية في “الجزيرة أبا” كما تسببت في كسور على الجانب الشرقي من المدينة مما أدى لغمر المدينة بالمياه.
وأشار المواطنون إلى أن السيول اجتاحت شبشة وود النجومي كما اقتحمت المياه مدينتي كوستي والدويم في النيل الأبيض وعدد كبير من القرى، وهددت مدينة القطينة. ووصلت مياه النيل الأبيض إلى مسجد كوستي العريق وبعض المناطق المتاخمة للنيل، كما غمرت المياه منازل المواطنين. وأفاد عدد من المواطنين أن مياه النيل دخلت إلى مقابر مدينة الدويم.
تحذير يوغندي مبكر
بتاريخ 14 مايو 2024، أصدرت الحكومة اليوغندية تحذيرا للمجتمعات التي تعيش على شواطئ البحيرات وضفاف الأنهار، محذرة إياها من زيادة حجم المياه في تلك المسطحات المائية، والتي وصلت إلى مستويات مثيرة للقلق.
ونقل تقرير لوكالة شينخوا الصينية عن وزير المياه والبيئة في الحكومة اليوغندية، سام تشيبتوريس، قوله للصحفيين إن منسوب المياه في بحيرة فيكتوريا ارتفع إلى أعلى مستوى له. وفقا للوزير، ارتفع منسوب المياه في بحيرة فيكتوريا إلى 13.66 متر، ارتفاعا من 13.5 متر في عام 2020.
وقال الوزير إن بحيرة فيكتوريا تتلقى المياه من 23 نهرا في جميع أنحاء المنطقة، والتي تشهد حاليا أمطار ظاهرة النينو.
وأشار الوزير إلى أنه بسبب ارتفاع منسوب المياه في البحيرة، اضطرت الحكومة إلى إطلاق المزيد من المياه في نهر النيل، الذي يغذي أحواض البحيرات الأخرى، مما قد يتسبب في حدوث فيضانات هناك.
خزان جبل أولياء هدفا عسكريا
تعتبر منطقة جبل أولياء الواقعة على بعد 44 كيلومتر جنوب الخرطوم على الضفة الشرقية للنيل الأبيض من المواقع العسكرية الحيوية للجيش السوداني. حيث توجد في هذه المنطقة قاعدة النجومي الجوية التي تعتبر واحدة من أهم أربع قواعد جوية بالبلاد. كما تُعد حامية جبل أولياء من أقدم الحاميات العسكرية للجيش السوداني بالخرطوم. ومن موقعها الاستراتيجي المذكور عُهد إليها حراسة البوابة الجنوبية للخرطوم.
تبعاً لذلك، فإن السيطرة على المنطقة تعني التحكُّم بشكل كبير في جزء مهم من المداخل الجنوبية للعاصمة السودانية. والمتابع لمجريات الصراع يجد أن احتدام المعارك حول المنطقة اشتعل بشراسة بعد وقت قصير من الدمار الذي لحق بجسر شمبات الرابط بين مدينتي الخرطوم بحري وأم درمان نوفمبر الماضي.
ونجحت قوات الدعم السريع في نوفمبر 2023 في السيطرة على كل المنشئات العسكرية في المنطقة ما أتاح لها تحييد القاعدة الجوية الرئيسية لطائرات الهيلوكوبتر والثالثة من حيث الأهمية في ولاية الخرطوم بعد قاعدة الخرطوم الجوية (مطار الخرطوم) وقاعدة وادي سيدنا الجوية (أمدرمان).
واتاحت سيطرة الدعم السريع على منطقة جبل أولياء لقواته التقدم جنوبا والاستيلاء على مدينة القطينة وصولا إلى الأطراف الشمالية لمدينة الدويم، كما أنها سمحت له بقطع طرق الإمداد الخاصة بالقوات المسلحة عبر الطريقين المتجهين من الخرطوم إلى ولاية النيل الأبض على الضفة الشرقية والغربية للنيل الأبيض.
ومن المعروف أن القوات المسلحة تسيطر على الجانب الغربي من الجسور الثلاث التي تربط مدينة أمدرمان بكل من الخرطوم بحري (كبري الحلفاية) والخرطوم (كبري النيل الأبيض وكبري الفتيحاب) وبالتالي لم يتبق أمام قوات الدعم السريع سوى الجسر الذي يربط بين طرفي خزان جبل أولياء للعبور بين الضفة الشرقية والغربية للنيل الأبيض.
إدارة الخزان في زمن الحرب
سادت الكثير من المخاوف بعد سيطرة الدعم السريع على منطقة جبل اولياء بشأن إدارة الخزان من الناحية الفنية في ظل غياب المهندسين المتخصصين وتأثيرات ذلك على مناسيب المياه واحتمالات أن يتسبب ذلك في حال لم يتم اتباع النهج السليم في كوارث بشرية وبيئية سواء في المناطق الواقعة شمال أو جنوب الخزان.
وعندا سأل راديو دبنقا خبير في مجال السدود طلب عدم الكشف عن هويته أجاب بأنه من الواضح أن السد تمت إدارته في الفترة من شهر نوفمبر 2023 إلى سبتمبر 2024 على نفس النسق الذي كان يدار به في السابق. حيث تم فتح البوابات في شهري مارس وأبريل لتفريغ الخزان وتخفيض مناسيب المياه، حيث وصلت المناسيب إلى أدنى مستوى في شهري مايو ويونيو 2024، ومن ثم أعيد قفل البوابات في الأول من يوليو كالمعتاد لإعادة ملء الخزان.
وعند مراجعة موقع Global Water Watch المتخصص في رصد عمل الخزانات والسدود على مستوى العالم، بدا واضحا من المعلومات والرسومات البيانية الموجودة على الموقع أنه لم يحدث اختلاف في طرق إدارة السد وبالتالي في مناسيب المياه في بحيرة الخزان. ويمكن مراجعة ذلك على الرابط التالي: https://www.globalwaterwatch.earth/reservoir/90625
إيرادات مياه استثنائية
منذ منتصف شهر سبتمبر الماضي ارتفعت إيرادات المياه في النيل الأبيض إلى مستويات استثنائية وكنتيجة منطقية للارتفاع الكبير في مستويات المياه في بحيرة فيكتوريا، تم فتح بوابات الخزان بشكل طبيعي. لكن في شهر نوفمبر، زادات إيرادات المياه عن أعلى منسوب تشغيل للخزان والمحدد بما يعادل 377.4 متر، لكن الزيادة لم تكن مفرطة.
لكن الملفت أنه في شهر ديسمبر لم يتم زيادة فتحات بوابات الخزان لتمرير الزيادة الكبيرة في المياه. البعض يعزي ذلك إلى تعطل الانظمة الهايدرولوكية للبوابات وأن فتحها بشكل يدوي يستغرق وقتا طويلا. علما بأن قوات الدعم السريع لديها الإمكانية لقفل وفتح أبواب الخزان كما ظلت تفعل منذ شهر نوفمبر 2023، الأمر الذي يطرح تساؤلات بشأن أسباب تأخره في التعامل مع هذه الكارثة.
انهيار الجسور يفاقم المشكلة
ويقول خبير السدود الذي تحدث لراديو دبنقا وطلب عدم الكشف عن هويته أنه بالإضافة للإيرادات الضخمة لمياه النيل الأبيض وعدم فتح بوابات الخزان في الوقت المطلوب، فإن الأضرار التي أصابت الجسور الترابية فاقمت من المشكلة. حيث اعتادت فرق مهندسي وزارة اري على صيانة هذه الجسور بشكل سنوي قبل موسم الخريف، لكن منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، لم تستطع فرق الصيانة أداء مهمتها الأمر الذي أدى إلى انهيار وتصدع عدد منها خصوصا في مناطق الجزيرة أبا والملاحة وشبشة.
هذه الجسور هي عبارة عن جسور ترابية يتم تصميمها بحيث تحول دون خروج النهر عن مجراه في المناطق المأهولة بالسكان بغرض حمايتها من الغرق في موسم الفيضان. ويعقد من مهمة صيانتها في الوقت الحالي، أن مناطق واسعة في ولاية النيل الأبيض تشهد عمليات عسكرية وخصوصا المناطق الممتدة من القطينة إلى مدينة الدويم وعلى ضفتي النيل الأبيض حيث تتحرك فيها قوات الدعم السريع بشكل واسع ضمن عملياتها للتقدم نحو مدينة الدويم. وكان من المعتاد أن يتم فتح الخزان لتمرير كميات المياه الزيادة عند تعذر صيانة الجسور الترابية بغرض حماية القرى والمدن من الغرق.
ضرورة عودة الأطقم الفنية لخزان جبل أولياء
ولمواجهة الأوضاع المتأزمة الحالية، يوصي الخبراء بالإسراع بزيادة فتحة الأبواب في الخزان لتسمح بمرور كميات أكبر من المياه. وفي موازاة ذلك يجب استنفار الجهد الشعبي في غياب مؤسسات الحكومة لصيانة وتعزيز جسور الحماية التي تعرضت لأضرار بشكل سريع وباستخدام القدرات المتوفرة.
وحول ما إذا كان فتح بوابات الخزان سيقود إلى إغراق بعض المناطق والجزر الواقعة إلى الشمال منه، استبعد الخبير في مجال السدود الذي طلب عدم الكشف عن هويته حدوث ذلك بالنظر إلى أن مستويات إيراد النيل الأزرق وصلت إلى حدودها الدنيا في هذه الفترة وتتراوح ما بين 100 إلى 150 مليون متر مكعب في اليوم ما يقلل كثيرا خطر غرق المناطق الواقعة شمال خزان جبل أولياء.
لكن الحل المستدام يتمثل في تأمين منطقة خزان جبل أولياء باتفاق بين طرفي الحرب والسماح بعودة المهندسين والفنيين وضمان سلامتهم لاستئناف عملهم وإصلاح الأضرار التي تعرض لها جسر السد وتنظيم عمليات التحكم في انسياب المياه عبر خزان جبل أولياء بشكل علمي ومهني لتجنيب البلاد أي مخاطر مرتبطة بالارتفاع الكبير في مناسيب النيل.
ومن جهة اخرى قالت قوات الدعم السريع في بيان لها اليوم الاثنين، إن فيضان النيل الأبيض نجم عن أعطال في بوابات خزان جبل الأولياء جراء الأضرار الكبيرة التي لحقت ببنية السد بسبب القصف الجوي.
واتهم الناطق باسم قوات الدعم السريع في بيان الجيش بشن 70 غارة جوية منذ سيطرة الدعم السريع على المنطقة العسكرية بجبل الأولياء جنوبي العاصمة الخرطوم، إضافة إلى القصف المدفعي المتواصل بقصد تدمير الخزان.
وحمل الجيش المسئولية الكاملة إزاء فيضان النيل الأبيض وغمره للمناطق والقرى الواقعة جنوب الخزان.
وأشار البيان إلى استهداف الطاقم الفني العامل في الخزان من قبل الجيش وإجبارهم على مغادرة الموقع ما تسبب في مقتل نحو (9) من المهندسين والفنيين العاملين جراء عمليات القصف.
وقالت قوات الدعم السريع إنها استعانت بخبراء وفنيين لمعالجة بعض المشكلات ما ساعد في انسياب المياه بشكل طبيعي، لكن المشكلة عادت بشكل أكبر خلال الموسم الحالي. وقالت إنها تعمل بشكل مكثف لمعالجة.