معدنون سودانيون يتهمون الجيش المصري بدخول الأراضي السودانية
أمستردام: الجمعة 8 نوفمبر 2024: راديو دبنقا
دعا معدنون أهليون سودانيون في منطقة جبل العوينات، السلطات السودانية للتدخل وتوفير الحماية لهم بعد أن طردتهم وحدة تابعة للجيش المصري من مناطق عملهم “داخل الحدود السودانية” ومنعتهم من العمل في تعدين الذهب، وصادرت معداتهم.
وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو قصير مدته دقيقة وخمس ثوان، يظهر أشخاصا يتحركون في منطقة جبلية وعرة.
ويقول متحدث في المقطع إن الفيديو صُوِّر بتاريخ 3 نوفمبر 2024، واتهم الجيش المصري بالاعتداء على المعدنين السودانيين في هذه المنطقة ومصادرة ممتلكاتهم بما في ذلك السيارة.
وأضاف المتحدث أن الجيش المصري اطلق النار، الأمر الذي أدى إلى سقوط ثلاثة جرحى، كما اُسر عدد من المواطنين السودانيين ما اضطر بقية المعدنين إلى مغادرة المنطقة والصعود إلى المناطق الجبلية المرتفعة.
وفي مقطع فيديو ثان، مدته 3 دقائق و57 ثانية، يقدم اثنان من المعدنين معلومات أكثر تفصيلا عما حدث بتاريخ 3 نوفمبر 2024، حيث يحددان بدقة موقع الحادث بأنه في جبل “شرق العساري” وهي منطقة مجاورة لجبل “خريف” وجبل “حراق”، وهي جبال تقع داخل الأراضي السودانية وحتى مسمياتها سودانية.
ويقول متحدث آخر إن المنطقة تقع بالقرب من جبل “عيقاد” على الحدود السودانية وعلى خط العرض 24 درجة وهي أراضي سودانية.
ويتهم المعدنون الجيش المصري باحتلال أراضٍ سودانية، مع التأكيد بأنه تدخل لصالح شركة مصرية، لكن صوت آخر شكك في ذلك وتحدث عن شركة تعدين مصرية.
ويطالب المعدنون الحكومة السودانية بالتدخل، خاصة أنهم يدفعون رسوم المعادن للشركة السودانية ما يؤكد أن الأراضي سودانية.
فريق دبنقا للتحقق عمل على مراجعة مقطعي الفيديو وتمكن من التأكد من تصويرهما بتاريخ 3 نوفمبر 2024 وأنهما صورا في منطقة جبل العوينات في مثلث الحدود السودانية المصرية الليبية.
جبل العوينات
وجبل عوينات هو سلسلة جبلية يصل أعلى ارتفاعاتها إلى 1934 مترا، وهي تمتد على مساحة 1500 كيلومتر مربع وتقع في مثلث الحدود السودانية (الولاية الشمالية) – المصرية (محافظة الوادي الجديد) – الليبية (بلدية الكفرة).
ويوجد الجزء الأكبر من السلسلة الجبلية في ليبيا، حوالي 60 في المئة من مساحته الكلية، ولديها امتداد كبير داخل السودان ويوجد جزءً محدودا منها داخل الحدود المصرية، حيث يمثل خط العرض 22 درجة خط الحدود الفاصل بين السودان ومصر في الجزء الغربي من حدودهما المشتركة الممتدة لمسافة 1276 كيلومتراً من مثلث الحدود مع ليبيا غربا وحتى ساحل البحر الأحمر شرقا.
الجزء الغربي من الجبل يتكون من مجموعة من الجبال الجرانيتية وتنتهي بثلاثة وديان باتجاه الغرب هي “كركور حميد”، “كركور إدريس” و”كركور إبراهيم”، يتكون جانبها الشرقي من الحجر الرملي وينتهي بوادي “كركور طلح” و”كركور مور”، وكلمة “كركور” تعني وادي بلغة قبيلة “التبو” كما توجد واحة دائمة تعرف باسم عين البرنس” أو “بير مور”.
التعدين الأهلي
وفي السنوات الأخيرة انتشرت ظاهرة التعدين الأهلي في منطقة جبل العوينات الذي يصفه البعض حاليا بجبل الذهب.
وتقول بعض الدراسات أن جبل العوينات يختزن في داخله ثاني أكبر احتياطي للذهب في أفريقيا.
وينتشر المعدنون في المنطقة دون أن يأخذوا في الاعتبار خطوط ترسيم الحدود بين الدول الثلاث مستفيدين من البعد الجغرافي لهذه المناطق وعدم بسط الدولة لسلطتها عليها بشكل دائم وصعوبة مراقبتها بسبب طبيعتها الجبلية الوعرة.
وفي غياب أي احصائيات عن كميات الدهب المستخرجة وطرق نقلها للأسواق الإقليمية، عملت مصر وليبيا في الفترة الأخيرة على محاربة التعدين الأهلي داخل أراضيهما ومنح حقوق التعدين لشركات كبيرة تستخدم تكنولوجيا متقدمة.
بالمقابل، لم يتخذ السودان أي خطوات في اتجاه تنظيم عمليات التعدين الأهلي وتكتفي الحكومة السودانية عبر وكلاء الشركة السودانية للمعادن في تحصيل الرسوم من المعدنين دون تقديم أي خدمات لهم بما في ذلك خدمات الحماية الشرطية.
وبعد اندلاع الحرب وتوقف العمل في مؤسسات الدولة والقطاع الخاص ونزوح سكان المدن الكبرى، لجأت أعداد كبيرة من الشباب للخروج للعمل في مناجم التعدين الأهلي كمصدر دخل سريع لتغطية احتياجات أسرهم المتأثرة بالحرب، وذلك في استمرار لظاهرة تنامت في السنوات الأخيرة.
مزيد من التصعيد
بتاريخ 7 نوفمبر 2024، وبعد 4 أيام من تداول مقطعي الفيديو، ظهر مقطع فيديو ثالث قصير مدته 20 ثانية فقط ويظهر ضابط يرتدي زي الجيش المصري محاط بعدد من الجنود المسلحين وشخص بلباس مدني وهم يحاولون التحدث مع عدد المعدنين السودانيين في نفس المنطقة التي صور فيها مقطعي الفيديو بتاريخ 3 نوفمبر، لكن التصوير انقطع بشكل مفاجئ ما يرجح أن القوة المسلحة هي التي منعت التصوير.
وتزامن ذلك مع تداول خبر على عدد من الحسابات على تطبيق التراسل الفوري “واتساب” يؤكد “توغل مجموعة تتبع للجيش المصري لمسافة 50 كيلومتر داخل الأراضي السودانية وتجاوزت الحدود الشمالية للسودان متخطية المعابر البرية بمزاعم تأمين حدودها الجنوبية أثر تصعيد اجرامي للسلطات المصرية وقوات حرس الحدود تجاه مواطنين سودانيين يمارسون مهنة التعدين”.
هل توغل الجيش المصري داخل الأراضي السودانية
بعد التحقق من صحة مقاطع الفيديو وعدم التلاعب في محتواها وكذلك من صحة تواريخ التصوير، عمل فريق دبنقا على التحقق بدقة من موقع تصوير مقاطع الفيديو ورصد الملاحظات التالية:
- التفاصيل التي تظهر في المقاطع الثاني والثالث تظهر خياما خضراء تم تفكيكها ما يؤكد أن المقاطع صورت في منطقة واحدة.
- أسماء الجبال الثلاث التي تم ذكرها في مقطع الفيديو الثاني جميعها توجد جنوب خط العرض 22 درجة شمال ما يؤكد أن منطقة التصوير داخل حدود السودان.
-يتفق كل المتحدثين على أن المنطقة داخل الحدود السودانية، لكن أحدهم يتحدث عن أن المنطقة جنوب خط العرض 24 درجة شمال، بينما الخط الحدودي الفاصل بين مصر والسودان في هذه المنطقة هو خط العرض 22 درجة شمال.
- المسافة بين خط العرض 22 درجة شمال وخط العرض 24 درجة شمال تبلغ 222 كيلومتر، ما يعني أن المنطقة تقع داخل الحدود المصرية حسب هذه الرواية ويثير شكوكا بشأن موقع التصوير.
-خط العرض 24 درجة يمثل الحد الشمالي للحدود السودانية في منطقة مثلث حلايب على الجانب الشرقي للحدود بين مصر والسودان.
-من الصعب في هذه المنطقة الجبلية الوعرة وضع نقاط حدودية تحدد مسار خط الحدود بين مصر والسودان.
- منذ اندلاع الحرب، تسيطر قوات الدعم السريع على مناطق واسعة من شمال دارفور والمناطق الشمالية الغربية من الولاية الشمالية ويبدو أن الجيش السوداني غائب عن هذه المنطقة.
- من غير المستبعد أن تحاول الغرف الإعلامية لقوات الدعم السريع الاستفادة من مثل هذه الأحداث وتجييرها لصالح حملتها ضد التدخل المصري في الحرب السودانية.
- من غير الوارد في ظروف الحرب الحالية والدعم المصري للجيش السوداني أن تستجيب السلطات السودانية لمطالب المعدنين، كما أن التجارب السابقة مع الجيش المصري تؤكد أنه ينتهز مثل هذه الظروف لتحقيق مكاسب مثل ما حدث في مثلث حلايب بعد حادثة محاولة اغتيال حسني مبارك في أديس ابابا واضطر حينها نظام الإنقاذ للصمت.
على ضوء هذه الشكوك بشأن تحديد موقع تصوير مقاطع الفيديو بدقة وقبل الوصول إلى خلاصات، حاول فريق دبنقا للتحقق التواصل مع المفوضية القومية للحدود على أرقام الهاتف الموجودة على صفحة المفوضية على منصة فيسبوك، لكن الهواتف لا ترد، مع العلم أن صفحة المفوضية القومية للحدود على منصة فيسبوك صفحة نشطة.
كما تعذر الاتصال مع المعدنين في المنطقة للحصول على المزيد من المعلومات بسبب مصاعب الاتصالات الهاتفية.
قرر فريق دبنقا للتحقق وضع كل هذه المعلومات أمام متابعي منصات راديو دبنقا المختلفة ومواصلة التواصل مع الجهات المعنية لتحديد المواقع المطلوبة بدقة كاملة.