التوترات الأخيرة في شرق السودان.. هل تنسف جهود السلم المجتمعي؟
أمستردام: 1 نوفمبر 2024: راديو دبنقا
أثارت التصريحات الغاضبة التي أدلى بها الناظر سيد محمد الأمين ترك، ناظرعموم قبائل الهدندوة، مخاوف من عودة شرق السودان إلى مربع التوتر بعد هدوء استمر لأكثر من عام بجهود من مبادرات التعايش السلمي. فيما تشهد ولاية البحر الأحمر تصاعدا لحدة الخلافات بين شيبة ضرار رئيس تحالف أحزاب وحركات شرق السودان وحركتي العدل والمساواة بقيادة جبريل وحركة تحرير السودان بقيادة مناوي.
وقال الناظر ترك، في كلمة خلال افتتاح مقر مكاتب قوات الاحتياط والاستنفار بمحليات غرب ولايات البحر الاحمر (سنكات، هيا، دروديب) بحضور حشد من أنصاره بجانب العميد عبد القادر الشاذلي رئيس لجنة الاستنفار يوم الاثنين الماضي في سنكات ، إن نشر قوات جرى تدريبها في إرتريا، بشرق السودان، أمر غير مقبول، وذلك في إشارة إلى قوات الأورطة الشرقية.
واعتبر تزامن نشر القوات مع وصول مستشاري الدعم السريع المنشقين، في إشارة إلى الدكتور عبدالقادر إبراهيم ( اقيراي)، ووصول قادمين من تركيا، في إشارة إلى رئيس المؤتمر الوطني المحلول إبراهيم محمود، أمراً خطيراً ويشكل تحديات جديدة في شرق السودان وربما يعيده إلى نقطة الصفر.
كما أعلن ترك رفضه فتح معسكرات استنفار جديدة في مناطق لم يسبق لها الاستنفار ملمحا إلى مطالبات بفتح معسكرات جديدة في همشكوريب التي يشرف عليها الزعيم الديني المعروف سليمان علي بيتاي وهو على خلاف مع الناظر ترك في إطار العمل الأهلي.
وتأتي هذا التطورات بعد أن كان شرق السودان قد طوى توترات استمرت لأعوام وذلك إثر التوقيع على ميثاق مبادرة أبناء البجا في الخدمة العامة للسلم المجتمعي بكسلا أواخر العام الماضي، والتي جمعت لأول مرة بين ناظرعموم الهدندوة سيد محمد الأمين ترك، وناظر عموم البني عامرعلي إبراهيم دقلل بعد أعوام من القطيعة، فيما نشطت مبادرة منصة نادي البجا في البحر الأحمر في إطار المصالحات المجتمعية.
نشر قوات الأورطة الشرقية
أعلنت قوات الأورطة الشرقية التي تتبع للجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة بقيادة الأمين داوود القيادي في الكتلة الديمقراطية خلال الأيام الماضية نشر قواتها في شرق السودان بالتنسيق مع الجيش مما اثار جدلاً واسعاً، كما أعلن مؤتمر البجا بقيادة موسى محمد المستشار السابق للرئيس المخلوع عمر البشير نشر قواته في شرق السودان.
ومنذ بداية العام الجاري، أنشأت عدد من الحركات معسكرات تدريب في دولة إرتريا المجاورة وهي قوات الأورطة الشرقية بقيادة الأمين داوود، وقوات مؤتمر البجا بقيادة موسى محمد أحمد، وحركة تحرير شرق السودان بقيادة إبراهيم دنيا، والحركة الوطنية لشرق السودان بقيادة محمد طاهر بيتاي، بجانب أطراف أخرى، وفرغت هذه الحركات من تدريب عدد من الدفعات قبل أن تعيد الأورطة الشرقية ومؤتمر البجا قواتها إلى شرق السودان، فيما تتحفظ قوات تحرير شرق السودان والحركة الوطنية لشرق السودان من إعادة قواتها.
ووفقا لمصادر راديو دبنقا فإن الأمين داوود تخلى عن موقف الحياد وأعلن مساندته للجيش بعد لقائه ياسر العطا في أمدرمان في الأسبوع الأخير من سبتمبر الماضي برفقة عدد من مستشاريه. واتفق الطرفان على إنشاء مقرات إدارية للأورطة الشرقية في ولايات شرق السودان الثلاثة وتوفير ميزانيات ومركبات.
وبموجب هذا الاتفاق، أعادت الأورطة الدفعة الأولى من قواتها إلى كسلا وخُصص لها مقر في المعسكر الشمالي التابع للجيش بكسلا، وظلت تواصل تدريبها هناك.
ولكن بحسب المصادر، فإن قوات تحرير شرق السودان والحركة الوطنية لشرق السودان تتحفظان على نشر قواتهما. ولكنهما أعلنتا في ذات الوقت استعدادهما للدفاع عن شرق السودان في حال تعرضه لأي مهددات.
ووفقا لذات المصادر، فإن القوات المسلحة كانت تبدي في بداية الأمر تحفظات على فتح معسكرات التدريب في إرتريا، وناقشت هذا الأمر مع الحركات المعنية دون أن تخاطب الحكومة الإرترية مباشرة وذلك تجنباً لاثارة حفيظتها لاسيما وأن الأخيرة أعلنت تأييدها للجيش خلال الحرب الحالية.
وتدعو جهات عديدة حركات شرق السودان لتشكيل قوة مشتركة اسوة بالحركات المسلحة في دارفور وذلك تجنباً لتفاقم التباينات بينها مما يمكن أن يهدد الاستقرار في شرق السودان .
وبادرت قوات تحرير شرق السودان وفقا لبيان مجلسها المركزي الذي عقد اجتماعه في أكتوبر المنصرم بإجازة ميثاق حماية شرق السودان، وقالت إنها ستعرضه كمسودة للفاعلين بالإقليم خاصة الحركات المسلحة، والقوى السياسية، ومنظمات المجتمع المدني. من جانبها أعلنت الجبهة الشعبية المتحدة برئاسة الأمين داوود تكليف آلية من المجلس القيادي بصياغة مذكرة اولية تكون بمثابة خارطة طريق لكل فصائل شرق السودان وإعلان تنسيق سياسي وعسكري فيما يلي قضايا وتحديات إقليم شرق السودان.
ورغم كل هذه التطورات تتصاعد المخاوف من العواقب الوخيمة لإنشاء قوات ذات تركيبة قبلية وسط تحذيرات من تأثيرها على الأوضاع في شرق السودان.
ويرى إبراهيم اسماعيل القيادي في مبادرة منصة نادي البجا في حديث لراديو دبنقا إن انتشار قوات الأورطة الشرقية قوات مؤتمر البجا بقيادة موسى محمد أحمد تأتي في إطار مساندة الجيش للدفاع عن شرق السودان.
وكشفت مصادر لراديو دبنقا إن مبادرات التعايش السلمي تحركت بصورة واسعة لاحتواء آثار تصريحات ترك ، وتوجت بصدور بيان عن أمين الإعلام بالمجلس الأعلى لنظارات البجا عبدالباسط منصور ود حاشي الجمعة نفى خلاله ادلاء الناظر ترك “بأي تصريح لأي واجهة اعلامية بهذا الخصوص وان قوات الاورطة الشرقية كغيرها من الواجهات المسلحة تعمل تحت إمرة القوات المسلحة وبتنسيق كامل معها حسب إفادة قادتها”. ويأتي هذا النفي على الرغم من أن التصريحات التي أدلى بها ترك موثقة بالفيديو ومنشورة في صفحات مؤيديه على فيسبوك.
من جانبه، اعتبر سيد أبو آمنة الأمين السياسي للمجلس الأعلى لنظارات البجا نشر القوات التي يقودها الأمين داوود محاولة من ” نظام الخرطوم للمضي في مشروع الفتنة والدماء، بل وترفيعه من حد الصراع السياسي التنافسي إلى مستوى الاقتتال المسلح”. وقال إن نشر القوات يأتي في إطار التغيير الديمغرافي.
واعتبر نشر هذه القوات بمثابة إعلان الحرب داعيا لاستنفار عام لشباب البجا من أجل رفض أي وجود عسكري لهذه القوات.
المستشارون المنشقون عن الدعم السريع .. أزمة جديدة
وأعلن الناظر ترك تحفظه على عودة المستشارين المنشقين من قوات الدعم السريع في إشارة إلى الدكتور عبدالقادر ابراهيم، واتهمهم بالضلوع فيما وصفه بإشعال الفتنة والحرب في شرق السودان خلال الأعوام الماضية. وأضاف ” لا معنى لمحاربة الدعم السريع في ظل استقبال مستشاريه”.
ووصل الدكتور عبد القادر إبراهيم ، مستشار قائد الدعم السريع السابق لشئون الشرق إلى بورتسودان الأسبوع الماضي، وعقد مؤتمراً صحفياً برفقة عدد من المستشارين معلنا انشقاقه عن الدعم السريع، كما التقى رئيس مجلس السيادة، ولكن قوات الدعم السريع نفت صلة المستشارين بها.
وعمل الدكتور عبدالقادر إبراهيم قبل اندلاع الحرب مستشارا لحميدتي لشئون شرق السودان ، كما أنه كان قد أسس في وقت سابق حزبا باسم حزب الشرق للعدالة والتنمية .
وفي ذات سياق حديث الناظر ترك ، طالب عبد الله اوبشار مقرر المجلس الأعلى لنظارات البجا قيادة الدولة بالتحقيق مع مستشاري قائد الدعم السريع المنشقين وتقديمهم لمحاكمة عاجلة متهماً إياهم بمساعدة قائد الدعم السريع فيما وصفها بالجرائم في الشرق مشيرا إلى الإشكاليات القبلية ومسار الشرق ومروراً بما سماه بتفتيت وحدة الإدارة الأهلية والمجلس الأعلى وانتهاء بمحاولة إنشاء ميناء أبوعمامة ومعسكرات تدريب خفر السواحل”.
ولكن بالمقابل دافعت مجموعات أخرى عن الدكتور عبدالقادر اقيراي نافية ضلوعه في أي توترات موجهة الاتهامات لجهات أخرى. و أخذت التباينات بين الأطراف المدافعة والمهاجمة طابعاً اثنيا.
هجوم على رئيس المؤتمر الوطني المحلول
وقال الناظر ترك في ذات الخطاب ” نفس المجرمين الذين عملوا ضد مكونات معينة عندما كانوا في السلطة أتوا الآن من تركيا لإشعال الفتنة” في إشارة إلى ابراهيم محمود رئيس المؤتمر الوطني المحلول .ويضيف ” لو أصبح هذا الشخص رئيسا للمؤتمر الوطني فإن حزب شارون أفضل من هذا الحزب” وتابع قائلا “هذا أسوأ من حميدتي .. حاربنا عندما كان في السلطة ولم يترك شيئاً .. وهو واهم لو ظن أنه سيحكم الشرق” .
ويقلل إبراهيم إسماعيل القيادي في مبادرة منصة نادي البجا في مقابلة مع راديو دبنقا من تأثير هذه التطورات على السلم المجتمعي في شرق السودان، حيث أكد أن تصريحات الناظر ترك الغاضبة وانتقاداته لابراهيم محمود تأتي في إطار الخلافات بين عضوية المؤتمر الوطني ولا علاقة لها بالشأن المجتمعي.
ويفسر بعض المراقبين تصريحات ترك بأنها تأتي في إطار التباين بين جناحي إبراهيم محمود وعلي كرتي في المؤتمر الوطني حيث يصنف التيار الأخير بأنه الأقرب للجيش.
وقبل سقوط النظام السابق، شهدت العلاقات بين ترك وإبراهيم محمود توترات خاصة خلال تولي الأخير منصب والي كسلا لفترتين وايضا خلال توليه نائب رئيس المؤتمر الوطني.
ويحذر المحلل السياسي خالد محمدنور من خطورة الخلافات في شرق السودان في الوقت الراهن وقال إن ما يميز الوضع الحالي هو أن القبائل أصبحت تمتلك فصائل مسلحة ومدربة، في ظل ضعف أمني كبير وغياب واضح للدولة، مع تربص إقليمي بالسودان وصراع قائم.
واضاف إن اندلاع صراع أهلي جديد في المنطقة قد يكون بمثابة إعلان لنهاية السودان.
معسكرات استنفار جديدة في شرق السودان
وأعلن الناظر ترك في كلمته رفضه فتح معسكرات استنفار جديدة لمناطق وجهات لم تشارك من قبل في الاستنفار. ودعا لعدم ترضية من وصفهم بالخونة على حساب المستنفرين الذينوقفوا مع الجيش منذ إطلاق الرصاصة الأولى .وتابع “لا مكان للعودة الآن لأنصار الإطاري”. وقال إن بعض القوات التي تدربت في ارتريا تسعى للدخول عبر مظلة فتح معسكرات استنفار جديدة، مبينا إنها أعلنت مساندتها للجيش بعد أن رأت تلك الانتصارات.
وتأتي هذه التصريحات في اعقاب إعلان نظارة عموم قبائل الجميلاب والكرياتي، التي يرفض ترك الاعتراف بها ، عن حالة الاستنفار والتعبئة العامة لشباب قبائل الجميلاب في المحليات الشمالية بولاية كسلا، ومناطق القاش (أروما، وقر، تلكوك، همشكوريب، ورباب، وطوكر)، وقطاع بورتسودان من مناطق (درديب، هيا، تهاميم، جبيت، سنكات، وسواكن).
ودعت النظارة في بيان قيادة اللواء 43 في أروما بالتعاون الكامل والاستعداد لاستقبال المستنفرين من أبناء القبيلة، وتقديم كافة أشكال الدعم اللوجستي والمعنوي لضمان نجاح هذه المهمة. ولكن العميد عبدالقادر الشاذلي قائد قوات الاستنفار أيد حديث الناظر ترك بشأن عدم فتح معسكرات جديدة مبينا إنهم لن يتعاملوا مع الجهات التي تحاول الالتحاق مؤخرا.
شيبة ضرار وحركات دارفور
كما تشهد مدينة بورتسودان توترات بين شيبة ضرار رئيس تحالف أحزاب وحركات شرق المسلحة وحركتي العدل والمساواة بقيادة جبريل وحركة تحرير السودان بقيادة مناوي.
وواصل شيبة ضرار الخميس هجومه على الحركات المسلحة داعيا أبناء شرق السودان لعدم مساندة الحركتين.
ولكن ابراهيم اسماعيل يؤكد لراديو دبنقا أن تحركات شيبة ضرار وانتقاداته لحركتي مناوي وجبريل تأتي في إطار خلافات بموجب رئاسته للمقاومة الشعبية في البحر الأحمر. وأشار إلى جهود تبذلها منصة نادي البجا في هذا الإطار لنزع فتيل التوتر عبر الجلوس مع شيبة ضرار.
خلاصة القول إن شرق السودان يعيش أوضاع تنذر بالخطورة في جميع في ظل نشر قوات عسكرية ذات طابع قبلي مما يمكن أن يؤدي إلى انفلات الأوضاع.