اجراء امتحانات الشهادة السودانية، خطوة قد تصب الزيت على نار الغبن المجتمعي بالبلاد
كمبالا: 10 اكتوبر 2024: راديو دبنقا
تقرير: عبد المنعم مادبو
حينما علمت (ملاك ادم بخيت) باعلان وزارة التربية والتعليم الاتحادية عن موعد إجراء امتحانات الشهادة السودانية انتابها شعور اعادها الى أيام ما قبل اندلاع حرب 15 ابريل 2023.
وقتها كانت ملاك على أهبة الاستعداد للجلوس للامتحانات التي لم يتبق لها سوى اسابيع معدودة، وقد اكملت الاجراءات الخاصة بالجلوس للامتحانات في مدرسة “البير راغب” بمدينة نيالا عاصمة جنوب دارفور.
تقول ملاك- التي اجبرتها الحرب على اللجوء مع والدتها واخوانها الى دولة ليبيا- انها تركت كتبها وكل ما يتعلق بمقرر الصف الثالث الثانوي في مدينة نيالا، لكنها الآن بعد أن سمعت باعلان الوزارة بدأت في البحث عن الكتب عبر الانترنت حتى لا تفوتها فرصة الجلوس للامتحان هذه المرة.
ملاك تقول- في حديثها لراديو دبنقا- “بدأت المذاكرة والاستعداد، وأشعر بأني سأواجه الكثير من الصعاب؛ لكن لا خيار أمامي، هذه فرصتي الوحيدة”، وتساءلت: هل سترسل الوزارة أوراق الامتحانات الى مدينة بنغازي كي نؤدي الامتحان هنا ؟ واضافت: لا اعرف ان كان هنا في بنغازي طلاب آخرون يمرون بذات الموقف الذي أمر به، ولا أدري كيف أجلس وأين اجلس للامتحان؟
الحالة التي تمر بها ملاك يعيشها آلاف الطلاب الذين حرمتهم الحرب من الجلوس لامتحانات الشهادة السودانية 2023- 2024م، فكثير منهم غادروا منازلهم والمناطق التي كانوا يدرسون فيها، كحال الطالبة (سمر عبد الله) التي قذفت بها ظروف الحرب الى مدينة كمبالا بدولة اوغندا.
انزال المقرر من النت:
عندما وجه مراسل راديو دبنقا سؤالاً للسودانيين في مجموعات موقع المراسلات الفورية واتساب يبحث فيها عن طلاب ممتحنين للشهادة السودانية او أولياء أمورهم، سارعت والدة سمر “فاطمة الجبور بشارة” بالرد وكأنها تبحث عن فرصة تمكن ابنتها (سمر) من الجلوس للإمتحان.
تقول فاطمة الجبور عندما وجدت السؤال في “القروب” شعرت أنه سيجيب لي عن التساؤلات التي تدور في رأسي عن مستقبل ابنتي التي حرمتها الحرب من الجلوس للامتحان في منتصف العام 2023م، وذكرت أنها ليست لديها علم بموعد الامتحانات.
وأضافت فاطمة “جئنا هنا الى كمبالا؛ ولدينا محاولات كي تجلس سمر للامتحان، لكن ليس لديها كتب المقرر، وحاولنا أحضار الكتب من بورتسودان أو جوبا لكننا لم نستطع”.
وفي إطار بحثها عن طريقة لإمتحان ابنتها، سمعت (فاطمة) بوجود مدرسة في كمبالا يتلقى فيها الطلاب السودانيون (مراجعات) لمقرر الصف الثالث الثانوي، وأضافت “لكن المدرسة بعيدة؛ ولم استطع إلحاق ابنتي بها، فاضطررنا الى إنزال بعض كتب المقرر من الانترنت”.
وأشارت فاطمة الى أن (سمر) ملأت من قبل الاستمارة التي ارسلتها وزارة التربية والتعليم الى السفارة السودانية في كمبالا، بغرض حصر الطلاب الممتحنين، وتنتظر الآن ما سيحدث في الايام المقبلة.
الطيران يحرمها الدراسة:
وفي السودان، اضطرت نهال آدم شين الى منع ابنتها (عُلا) من الذهاب الى المدرسة بعد ان كثف الطيرن الحربي غاراته الجوية على مدينة نيالا، وقالت نهال لراديو دبنقا “ابنتي واصلت الدراسة لفترة 43 يومياً بعد أن توقفت المعارك في مدينة نيالا، لكنني اوقفتها عندما اشتدت الهجمات الجوية على المدينة”، واضافت “أوقفتها حرصاً على سلامتها” واشارت الى ان ابنتها لم تكن مستعدة، رغم انها ملأت استمارة الامتحانات ولم تستلم رقم الجلوس.
ويقول الطالب حسن اسماعيل ابكر برمة من منطقة كيلنق بمحلية رهيد البردي انه سمع بأن الامتحانات ستجرى في نهاية ديسمبر القادم، لكن لا يوجد اي تحرك اداري من الوزارة الولائية او ادارة التعليم بالمحلية، واضاف “أنا الآن ما عارف نفسي هل سأجلس للامتحان ام لا ؟” وعبر عن اعتقاده بأن الظروف المحيطة بالبلاد لا يمكن أن تسمح باجراء الامتحان لأن ترحيل الامتحان من بورتسودان الى رهيد البردي سيواجهه الكثير من المخاطر.
وتساءل قائلا “كيف لنا ان نتنافس مع طلاب في ولايات مثل نهر النيل، بورتسودان والشمالية، هم مواصلون لدراستهم؛ واكملوا الامتحانات التجريبية، والآن في معسكرات للقراءة استعداداً للامتحانات، على العكس منا؛ فقد توقفنا عن الدراسة منذ اندلاع الحرب”، وأضاف “في النهاية هذه امتحانات شهادة سودانية يفترض ان يتساوى فيها كل طلاب السودان”.
المدارس غير مهيأة:
بينما ينتظر آدم بشار من محلية الردوم بولاية جنوب دارفور جلوس إثنين من أبنائه لامتحانات الشهادة الثانوية، وقال لراديو دبنقا “لقد تضرر أبنائي من توقف الدراسة، هذا التوقف هو قتلٌ لمستقبل الأبناء” وطالب بشار بفتح المدارس لمواصلة ابنائهم الدراسة، واجلاسهم لامتحان الشهادة السودانية.
ويقول المعلم بالمرحلة الثانوية بمحلية الردوم ابراهيم احمد انهم سمعوا بالحديث عن مواعيد للامتحانات عبر الوسائط، لكن لم يصلهم رسمياً ما يفيد بموعدها.
وأكد ان المدارس الآن غير مهيأة للأمتحانات، اضافة الى ان معظم الطلاب لم يكملوا المقررات الدراسية، وأن بعض الطلاب والمعلمين شردتهم الحرب خارج البلاد، فضلاً عن أن المعلمين لم ينالوا للآن حقوقهم المالية من الحكومة.
وأوضح مدير ادارة التعليم الثانوي الهادي أحمد محمد أن محلية الردوم بها خمس مدارس ثانوية، تفتقر للمعلمين والاجلاس، بسبب ان كل المعلمين موجودون الآن خارج المحلية وبعضهم لجأ الى خارج البلاد، مشيراً الى ان كل هذه الظروف تجعل هناك صعوبة في اجراء الامتحانات بالمحلية.
كذلك، أكد معلمون في محليتي الدلنج وهبيلا بولاية جنوب كردفان صعوبة إقامة امتحانات الشهادة السودانية في ظل الظروف الحالية التي يمر بها السودان.
الظروف المعيشية والأمنية:
وقالت معلمة في مدينة الدلنج لراديو دبنقا ان هناك إمكانية لقيام امتحانات الشهادة السودانية في المنطقة، ولكنها استدركت قائلة ان سلبيات إقامة الامتحانات أكثر من ايجابياتها.
ونبهت الى ان الظروف المعيشية والأمنية المتردية التي يعيشها الطلاب ستكون سبباً في تدنى روحهم المعنوية؛ الأمر الذي سيؤثر على تحصيلهم الأكاديمي، إضافة إلى صعوبة استيعاب الطلاب للمقررات بسبب طول الفترة التي تركوا فيها مقاعد الدراسة.
وأشارت إلى أن أغلب الطلاب الآن أصحبوا نازحين ولاجئين وعمالاً ويمارسون اعمالاً في الأسواق، وبالتالي ستصبح عملية أعادة نمطهم واسلوبهم مجدداً كطلاب في حاجة إلى وقت؛ خاصة وان الوقت المحدد لقيام الامتحانات قصير جدا.
من جهة ثانية أكد خبير تربوي في محلية هبيلا صعوبة قيام امتحانات الشهادة السودانية في الوقت الحالي، وأضاف أنها لو أجريت في الموعد الذي حددته الوزارة فلن تحقق اغراضها الحقيقية.
كما أكدت الادارات المدنية بولايات جنوب وغرب وشرق دارفور أن وزارات التربية والتعليم بالولايات لم تُخطر بامر امتحانات الشهادة السودانية التي اعلنت وزارة التربية والتعليم عن عقدها في الثامن والعشرين من ديسمبر المقبل.
وحذرت من انه اذا ذهبت الوزارة في طريق اجراء امتحانات لطلاب ولايات دون أخرى، فان ذلك قد يؤسس لمزيد من الغبن في البلاد، وازدياد الفجوة بين فئات المجتمع السوداني.
إعادة الأمل للطلاب:
وقال رئيس الادارة المدنية بغرب دارفور التجاني كرشوم لراديو دبنقا إنهم سمعوا بالحديث عن الامتحانات كغيرهم من السودانيين عبر وسائل الاعلام.
وأكد ان الادارة المدنية بالولاية لا تمانع من اجراء الامتحانات لتشمل كل الطلاب السودانيين، لكنه نبه الى ان اجراء الامتحانات يحتاج الى ترتيبات كبيرة، بسبب أن اغلب الطلاب فقدوا الأمل في الامتحانات بسبب الحرب التي تشهدها البلاد.
وذكر كرشوم ان ولاية غرب دارفور حاولت هذه الايام اعادة جانب من الأمل للطلاب والتلاميذ عبر انشاء مراكز للامتحانات وتهيئتها للامتحانات المتوقعة في المرحلة المقبلة.
واضاف قائلا “في الفترة الماضية بذلت الادارة المدنية عبر الوزارة والمبادرات المجتمعية والشركاء من المنظمات الدولية جهودا، فتمكنت من فتح بعض المدارس، وانخرط عدد كبير من تلاميذ المرحلة الابتدائية في مواصلة دراستهم”، إلا انه اشار الى ان هناك تحديات كبيرة تواجه التعليم بسبب أنه لا توجد دولة تتحمل مسؤولية التعليم بالبلاد.
وعاد كرشوم وأكد أن إجراء امتحانات الشهادة السودانية في هذه الظروف يتطلب ترتيبات كبيرة تتعلق بتوفير الكتاب المدرسي واعطاء فترة زمنية كافية لاستعداد الطلاب، لانهم توقفوا لفترة طويلة جداً عن الدراسة، اضافة الى عملية اعداد مراكز للامتحانات.
وأضاف قائلا “نحن الآن نفكر أن تكون مدينة الجنينة مركزاً للامتحانات بالولاية، في حال قررت الوزارة اجراء امتحانات شاملة لكل السودان”، وأضاف “نحن كادارة مدينة للولاية سنقوم بتأمين واعداد هذه المراكز”.
وحول فكرة انشاء مركزين لامتحانات طلاب ولاية غرب دارفور في مدينة ابشي التشادية، قال كرشوم ان “هذه فكرة غير عملية، لانها تحتاج إلى ترحيل الطلاب من المحليات الى رئاسة الولاية، ومنها إلى مدينة ابشي، اضافة إلى حالة الحرب الحالية، لذلك لا يمكن ان تسمح الأسر لابنائها بالسفر الى ابشي من أجل الجلوس للامتحانات”.
تعهدات من الإدارة المدنية:
وقال رئيس الادارة المدنية بغرب دارفور “إذا اجريت الامتحانات خارج حدود الوطن فان هذه مسألة غير عملية، وفيها ظلم”، مشيرا إلى أن الامر بهذه الصورة يحمل شبهة عدم الرغبة في اتاحة فرصة الامتحانات لكل ابناء وبنات السودان”.
واقترح رئيس الادارة المدينة بغرب دارفور أن تكون مراكز الامتحانات في رئاسات الولايات، وأن تشرف عليها الحكومات الموجودة في تلك الولايات.
وفيما يتعلق بعملية ترحيل الامتحانات، قال كرشوم اذا كان ترحيل الامتحانات من بورتسودان الى ابشي ومنها الى الجنينة فإنه ليس هناك صعوبة، وهو الخيار الانسب، ويمكن ان تتبنى الادارة المدنية بالولاية أمر ترحيلها من ابشي الى الجنينة، وتوزيعها على المراكز، وبعد الانتهاء من الامتحانات تُرسل الاوراق الى الموقع الذي تحدده الوزارة الاتحادية بغرض ايصالها الى مركز التصحيح.
وفي جنوب دارفور أكد رئيس الادارة المدنية بالولاية محمد احمد حسن كذلك انهم حتى الآن لم يتلقوا اي اخطار بشأن موعد انعقاد الامتحانات للشهادة السودانية، لكنه أشار الى ان طلاب الولاية على استعداد للجلوس للإمتحان، وأن الادارة المدينة مستعدة كذلك للقيام بدورها في تأمين المراكز والامتحانات، لكنه ذكر ان الوضع المالي قد يقف أمام امكانيات الولاية.
التعامل عبر اليونسكو:
وأشار رئيس الادارة المدنية بجنوب دارفور لراديو دبنقا الى ان عملية ترحيل الامتحانات الى الولاية واعادتها للتصحيح لا يمكن ان تتم الا عبر المنظمة الاممية “يونيسكو” او اي وسيط محايد، لأن أن الحكومة في بورتسودان لا تتعامل مع الإدارات المدنية بالولايات التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، اضافة الى انهم كإدارة مدنية لا يضمنون الأوضاع خارج نطاق سيطرتهم في الولاية.
وحذر رئيس الادارة المدنية بجنوب دارفور من انه اذا سارت الأمور في طريق اجراء الامتحانات لطلاب ولايات دون أخرى، فذلك قد يؤسس لمزيد من الغبن في البلاد وازدياد الفجوة بين فئات المجتمع السوداني، وأضاف “في هذه الظروف نحن نحتاج الى اي عمل يمكن ان يسهم في توحيد الوجدان السوداني”.
بينما قال مدير عام وزارة التربية والتعليم بشرق دارفور لراديو دبنقا ان إجراء امتحانات الشهادة السودانية يحتاج الى اجراءات فنية مثل “ارقام الجلوس، وقاعات، ومراقبين واستحقاقات” اضافة الى ترتيبات امنية ومالية، وهو ما لم يتوفر.
لكنه أكد ان الوزارة بشرق دارفور على استعداد لإجراء الامتحانات في حال توفرت المطلوبات الاساسية لها.
وكانت وزارة التربية والتعليم اعلنت مؤخرا أنها بصدد اجراء امتحانات الشهادة السودانية المؤجلة في الثامن والعشرين من ديسمبر 2024، بينما ستجرى امتحانات الشهادة السودانية للعام 2024- 2025 في فبراير من العام المقبل.