هل من الممكن نشر قوة لحماية المدنيين في السودان أو تسليم المطلوبين للعدالة الدولية…؟!

قوات حفظ السلام التابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في أبيي، المنطقة المتنازع عليها بين السودان وجنوب السودان - المصدر الأمم المتحدة


امستردام: الثلاثاء 17/ سبتمبر/2024م: راديو دبنقا

اعتبرت المتحدثة السابقة باسم البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي و الباحثة بالمركز العربي للأبحاث، د. عائشة البصري، أن الأزمة في السودان ليست في وقف العنف وإنما في بناء الدولة وهو المشروع الذي يواجه العديد من الدول العربية.

وقالت لـراديو دبنقا “للأسف المشكلة في السودان كما في باقي الدولة العربية في الأساس، هي فشل دول ما بعد الاستقلال في بناء الدولة الوطنية”. وتابعت: “لا توجد دولة مؤسسات تقوم على المواطنة وتحترم تعدد الإثنيات والأديان والثقافات دولة تقوم على احترام وسيادة حكم القانون، ودولة مدنية طبعاً هذا هو المشروع الذي يواجه العديد من الدول في المنطقة سواء أن تعلق الأمر بالسودان أو ليبيا أو اليمن أو سوريا أو العراق، والنتيجة هي فشل بناء دولة وطنية حديثة”.

وأشارت إلى أن بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة، رصدت انتهاكات واسعة النطاق من طرفي الحرب في السودان واعتبرت، البعثة، أن تلك الانتهاكات قد ترقى لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وخلصت في تقريرها إلى أنه من الضروري حماية المدنيين لذلك أوصت بنشر قوة مستقلة لحفظ السلام من أجل حماية المدنيين في السودان.

الاعتداء على البعثات
ورأت، الخبيرة الإعلامية د. عائشة البصري في المقابلة مع “راديو دبنقا” أنه كان متوقعًا أن تخلص بعثة تقصي الحقائق إلى هذه التوصية التي وصفتها بغير الواقعية، بناءً على عدد من المعطيات لخصتها في ثلاثة نقاط تمثلت في تاريخ علاقة حكومة السودان في التعامل مع الأمم المتحدة، وتاريخها أيضًا في التعامل مع بعثات حفظ السلام الدولية، بالإضافة إلى تاريخها وتجربتها مع بعثة الاتحاد الافريقي لحفظ السلام في دارفور.

ووصفتها كلها بالتجارب السلبية التي انتهت بالاعتداء على البعثات الأممية ومرافقها وأرجعت السبب إلى أن حكومة السودان لم تكن في يوم من الأيام متقبلة لقوة دولية، مؤكدة أنه أنها قامت باستقبالها واستضافتها تحت ضغوط كبيرة، حين فرضت البعثة المختلطة من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي “يوناميد” عام 2006، وقبلها في 2005 حين اضطرت لتوقيع اتفاق سلام شامل.

وأوضحت “البصري” أنه هذا الموقف لم يتغير من قبل الحكومة السودانية الحالية، معتبرة أنه ليس هنالك حقيقة حكومة سودانية وأن الوضع في السودان فيه انقسام في ظل انهيار الدولة وأرجعت ذلك إلى أن رئيس مجلس السيادة الفريق عبدالفتاح البرهان، يعبر عن موقف الجيش السوداني الذي يرفض فكرة نشر قوة لحفظ السلام، وعمل على إخراج كل البعثات التي تم نشرها بموافقته وكانت آخرها بعثة الدعم السياسي “يونيمتاس”، وأيضًا أخرجت رئيسها وقالت إنَّ الحكومة السودانية لم تقبل ابدا بأي وجود خارجي، وعزت ذلك لرغبته في عدم وجود شهود على ما يقع وما يرتكبه من جرائم في حق المدنيين.

واعتبرت أنه بالنظر إلى تاريخ الاتحاد الإفريقي فإنه لا يتوقع منه أن يقدم من ناحيته قوة لحفظ السلام في السودان مرة أخرى بناء على تجربته السابقة، وقالت: “فقد شهدت بعثته في دارفور “يوناميد” اعتداءات وتعطيل خدمتها واحتجاز جنودها كرهائن، وأخرجت رغمًا عن أنفها.”

حماية قوة حفظ السلام
اعتبرت المتحدثة السابقة باسم البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي و الباحثة بالمركز العربي للأبحاث د. عائشة البصري، أن تاريخ قوة حفظ السلام في الأمم المتحدة تعرض للعديد من النكسات. وأشارت إلى تقرير مكتب تحقيقات داخلية “يو ويس” الذي نشر في شهر مارس 2014، أوضح دون لبس أن بعثات حفظ السلام الأممية حتى عندما تنشر تحت البند السابع والذي يجيز استخدام القوة لحماية المدنيين، لا تحرك ساكنًا في 80% من حالات الاعتداءات التي تطال المدنيين في المناطق التي نشروا فيها.

وقالت البصري في المقابلة مع “راديو دبنقا”، إنَّ الأمم المتحدة منذ العام 2016 قررت تقليص بعثات حفظ السلام، خاصة تلك المتعلقة بحماية المدنيين تحت البند السابع وفضلت زيادة البعثات السياسية. مشيرة إلى أن رئيس قوة حفظ السلام في الأمم المتحدة جونابرو، قال عدة مرات هنالك حدود لقوات حفظ السلام وهنالك حد لا يمكن أن تتجاوزه قوات حفظ السلام، وهي جلب السلام لبلد ما.

وأكدت أن القيادة الحالية لقوات حفظ السلام ترى أن يتم الاستثمار أكثر في فرص السلام، وأشارت إلى أن هنالك عودة إلى المبادئ التقليدية لحفظ السلام التي تدور حول التوصل لاتفاقية سلام حقيقية بين الأطراف وبعدها يمكن أن يتم نشر قوات لحفظ السلام، لتنفيذ هذه الاتفاقية حسب ما جاء فيها.

وخلصت “البصري” في هذا الصدد، إلى استحالة نشر قوة لحفظ السلام بحسب التوصية التي قدمتها بعثة تقصي الحقائق وقالت إن هذا الطرح غير وارد في السياق الحالي، خاصة وأنه من أهم الشروط نشر أي قوة دولية لحفظ السلام سواءٌ كان من طرف الأمم المتحدة أو الاتحاد الإفريقي، أو أي جهة أخرى، هو تعهد الدولة المضيفة بحماية هذه القوات، ورأت أن هذا الشرط غير متوفر في السودان نظرًا لرفض الجيش السوداني الآن لاستضافة هذه القوات.

توصية مثالية:
ووصفت المتحدثة السابقة باسم البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي في السودان د. عائشة البصري، التوصية الواردة في تقرير بعثة تقصي الحقائق الدولية والمتعلقة بتوسيع نطاق حظر الأسلحة القائم في دارفور بالمثالية وأنه لم يكن أصلا ناجعًا.

وقالت لـ”راديو دبنقا” في خضم هذه التوصية حذرت اللجنة من الجهات التي قد تزود الطرفين بالأسلحة بأنه يمكن أن ينظر إليهم كمتواطئين في انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي في السودان.

واعتبرت أن هذا الحظر لم يتم احترامه من دولتين عضوتين في مجلس الأمن هما روسيا والصين، وقالت: “إنَّ هنالك العديد من تقارير لجنة الخبراء التي تنظر في تطبيق هذا الحظر، كل عام وفي 2005 وثقت عدد من هذه التقارير بأن الصين ورسيا تنتهكان هذا الحظر” والجيش السوداني يبرهن كل يوم أنه سليل النظام السابق بنفس هذا النهج.

استحالة تسليم المطلوبين:
وقالت الباحثة في المركز العربي للأبحاث د. عايشة البصري لـ”راديو دبنقا” إنّ التوصية الثالثة التي أيضًا أثارت انتباهي والتي تؤكد مثالية هذه التوصيات تتعلق بالجانب القضائي وتطبيق العدالة، حيث شدد التقرير على ضرورة تعاون السلطات السودانية مع المحكمة الجنائية الدولية بتسليم جميع الأشخاص المتهمين بمن فيهم الرئيس السابق عمر البشير.

وأشارت “البصري” إلى أن اختصاص هذه المحكمة، نابع من قرار مجلس الأمن 1593 وقالت: “إنَّ بعثة تقصي الحقائق أوصت بأن بتوسيع ولاية المحكمة لتشمل كامل الأراضي السودانية بالإضافة لدارفور. واعتبرت أن هذه التوصية لم تختلف عن فكرة حظر الأسلحة بتوسيع نطاق الحظر، التي قالت بأنها لم تنجح.

وتابعت: “تقول بعثة تقصي الحقائق بأن جهود السلطات السودانية في التحقيق وتقديم المسؤولين عن الجرائم الدولية إلى العدالة بأنها انتقائية وغير محايدة، لذلك فإن تحقيق المسائلة سيكون تحدياً كبيراً وهذا شيء معروف.”

وأوضحت بأن البعثة دعت في تقريرها إلى إنشاء آلية قضائية دولية منفصلة تعمل جنباً إلى جنب مع المحكمة الجنائية الدولية، وبشكل متكامل أيضاً، ووصفت هذه التوصية بالمثالية، وسخرت بقولها إنَّها حتى مضحكة للأسف.

ورأت استحالة تعاون السلطات السودانية في هذه الظروف بتسليم جميع الأشخاص المتهمين بمن فيهم الرئيس السابق للمحكمة الجنائية الدولية، وقالت إنَّ هذا الشيء يصعب توصيفه ورأت أن الأمر ليس بجاد. وقطعت باستحالة تسليم المطلوبين من قبل من وصفتهم بـ “جنرلات البشير” سواء كان يتعلق الأمر بالبرهان أو ياسر العطا أو شمس الدين كباشي، أو غيرهم لن يفعلوا ذلك.

واعتبرت أن سيطرتهم على الثورة وتعطيلها كان من ضمن أسبابه تفادي العدالة الدولية وتفادي تقديم الرئيس ومن معه إلى العدالة الدولية، وارجعت ذلك إلى أن هذه المنظومة عملت مع بعضها، وتساءلت كيف يعقل أن تطلب لجنة تقصي الحقائق جنرالات دافعوا عن البشير ورددوا في أكثر من محفل بأنهم لن يقدموه ومعاونيه إلى العدالة الدولية.

وقالت: “إذًا جميل طبعًا أن يتقدموا بهذا المطلب لكنه غير واقعي وكذلك توسيع قرار مجلس الأمن بشأن دارفور ليشمل كامل الأراضي السودانية لا رأي إمكانية لفعل ذلك خاصة في هذه الظروف”.

انهيار الدولة:
وشككت في جدية السلطات السودانية في التعاون وتحقيق تقديم المسؤولين وكل هذا الكلام لا يأخذ بعين الاعتبار وقالت أن الوضع الآن في السودان يشهد انهيار الدولة بمؤسساتها خاصة المؤسسة القضائية والمؤسسات الأخرى الانهيار موثق.

وحين تعجز دولة ما عن تقديم الحماية للمدنيين فإن هذه أولى المؤشرات بالإضافة طبعا إلى عجزها عن تقديم الأمن والحماية والخدمات والحياة اليومية حتى الوثائق الإدارية لا يمكنها ليس بمقدورها أن تقدم المواطنين في السودان وخارج السودان الدولة منهارة وتساءلت عن أي سلطات تتحدث بعثة تقصي الحقائق، وقالت: “حتى أمريكا لا تعترف بالحكومة السودانية عقب انقلاب 25 أكتوبر”.

واعتبرت أن الحديث عن إنشاء آلية قضائية دولية منفصلة جائزا واستدركت قائلةً: “إن أي آلية سواءً أن كانت دولية أوربية أو أممية أو آلية من العدالة الدولية لا يمكن أن تعمل إلا بتعاون السلطات السودانية ورأت أن هذه هي المعضلة أيضًا في تحقيق العدالة في السودان طالما هناك طرف أو اطراف في السلطة متورطين في انتهاكات.”

كما استبعدت أن تدفع قوات الدعم السريع باتجاه تحقيق العدالة نظرًا للجرائم المنسوبة لعناصرها في دارفور وحتى في مناطق أخرى، وكررت القول بأن: “الحديث عن العدالة في هذه الظروف أمر صعب، لذلك أعود لما قلته في البداية أن التركيز يجب أن يكون على تحقيق السلام بالضغط على الجيش السوداني وعلى الدعم السريع و أيضًا على الأطراف الأخرى جمع شمل كل الأطراف والاعتراف بأنه السودان بلغ حداً من الانهيار ينبغي معه الاتفاق على بناء الدولة”.

Welcome

Install
×