منظمات دولية ترسل تحذيرات صادمة.. “إذا اخطأت الطلقات فإن الجوع لا يخطىء”
04 سبتمبر 2024: راديو دبنقا
رصد: عمر عبد العزيز
أصدرت ثلاث منظمات إنسانية بارزة عاملة في مجال الإغاثة في السودان تقريرا صادما وبيانا مشتركا يوم الثلاثاء عن المرحلة التي وصلت إليها أزمة الجوع في البلاد.
ودعا كل من المجلس النرويجي للاجئين والمجلس الدنماركي للاجئين وفيلق الرحمة، في بيان مشترك يوم الثلاثاء، المجتمع الدولي إلى معالجة ما وصفوها بأزمة الجوع الهائلة في السودان.
وحذر المسؤولون البارزون في المنظمات الثلاث الموقعون على البيان قائلين “لا يمكن أن نكون أكثر وضوحا، السودان يعاني من أزمة جوع ذات أبعاد تاريخية”.
ويأتي هذا التحذير الصادم والواضح من قبل المنظمات الثلاث، بينما تقترب الحرب في السودان من اكمال شهرها السابع عشر دون أن يلوح في الافق ما يبشر بقرب نهايتها.
“إذا اخطأت الطلقات”
لكن عنوان التقرير الذي اصدرته المنظمات الثلاث كان أكثر وضوحا وبيانا في وصف الحال الذي وصل إليه السودان، حيث جاء على النحو التالي “إذا اخطأت الطلقات، فإن الجوع لن يخطيء”، في إشارة إلى أن من ينجو من الموت بسبب القتال سيواجه خطر الموت جوعا.
وحصل راديو دبنقا على عدد من الإفادات من مناطق ومعسكرات للنازحين في مناطق مختلفة من السودان تؤكد تحذيرات المنظمات الثلاث من وصول أزمة الجوع في السودان إلى تلك المراحل المتدهورة.
واكد محجوب تبلدي، رئيس معسكر السلام في نيالا، أن النساء والاطفال اضطروا إلى اكل أوراق الأشجار لسد رمقهم، مضيفا أنهم يتأكدون فقط أن الأوراق ليست مُرَّةً لكي يأكلوها.
ووصف الوضع في المعسكر بأنه صار صعبا للغاية، مشيرا إلى أنهم لا يتلقون دعما من أي جهة سوى منظمة “أطباء بلا حدود” التي تقدم مواد غذائية للأطفال من عمر ستة أشهر إلى خمس سنوات فقط.
“أزمة تاريخية وصمت مطبق”
وقال كل من المجلس النرويجي للاجئين والمجلس الدنماركي للاجئين وفيلق الرحمة، في بيانهم، إنه على الرغم من أزمة الجوع “التاريخية” التي يشهدها السودان إلا أنه تقابل “بصمت مطبق”.
وأضاف البيان أن “الناس يموتون من الجوع كل يوم، وعلى الرغم من ذلك فإن التركيز لا يزال منصبا على نقاشات دلالية وتعريفات قانونية”، في إشارة على ما يبدو إلى جولات التفاوض المباشرة وغير المباشرة بين طرفي الحرب في السودان، الجيش والدعم السريع.
وظلت العديد من المنظمات الدولية الإنسانية ووكالات الأمم المتحدة تصدر مناشدات ودعوات لطرفي الحرب في السودان للسماح بمرور مواد الإغاثة إلى الفئات الاكثر ضعفا في السودان، وخاصة النساء والأطفال.
“افادات صادمة من كوستي”
وحصل راديو دبنقا الثلاثاء على إفادات صادمة ومروعة من عدد من النساء في أحد مراكز النزوح في مدينة كوستي، عاصمة ولاية النيل الأبيض.
وقالت إحدى النساء إنها نزحت مرتين، من الخرطوم إلى مدني ثم إلى كوستي لتستقر مع أطفالها في داخلية عز الدين، وهي احد مراكز النازحين في المدينة.
واكدت أنهم لا يملكون الغذاء ولا الأموال اللازمة لشرائه، مؤكدة أن ابنائهم يعانون من سوء التغذية.
وأضافت أنها لا تعرف إلى أين تتجه هذه المرة بعد أن نزحت مرتين من قبل.
“أطفال متسولون”
وقالت نازحة أخرى في داخلية عز الدين أنها نزحت من الخرطوم بحري إلى القطينة أولا، حيث وضعت مولودا هناك، مشتكية كذلك من عدم توفر الغذاء والدواء.
وأضافت أن ابنائها وابناء نساء اخريات صاروا يتسولون في سوق كوستي الكبير.
وشددت على أن الكثير من نساء المركز ورجاله يرغبون في العمل لكنهم لا يجدون فرصة، مضيفة أنها تذهب إلى الأحياء القريبة لطلب العمل في غسيل الملابس، كما يذهب زوجه إلى السوق لكي يعمل حمالا، لكنهم لم يوفقوا في الأمر.
وتعتبر هذه الإفادات التي حصل عليها راديو دبنقا من نساء نازحات في كوستي قطرة في بحر من القصص والمآسي التي يعاني منها ملايين النازحين داخل السودان منذ اندلاع الحرب في ابريل 2023.
“من صنع الإنسان”
وحذر تقرير المنظمات الثلاث، الذي صدر يوم الثلاثاء، من أن على العالم أن يتحرك بسرعة لمواجهة أزمة الجوع التي يعاني منها السودانيون “وإلا فإنها ستحصد أرواحا اكثر من تلك التي يحصدها القتال في القريب العاجل”.
وشدد التقرير على أن تلك الأزمة “من صنع الإنسان”، مشيرين إلى أن اطراف القتال تسببت في نزوح أعداد كبيرة من مناطق الانتاج وتدمير سبل كسب العيش.
وأضاف التقرير أن الطرفين عطلوا إيصال مواد الإغاثة عن قصد، مما حرم الملايين ممن هم في امس الحاجة إليها.
“نفي حكومي وتأكيد أُممي”
لكن على الرغم من التحذيرات الدولية المتتالية، التي كان آخرها هذا التقرير المشترك للمنظمات الثلاث، وعلى الرغم من الشكاوى المتكررة والشهادات المروعة للنازحين السودانيين، إلا أن الحكومة السودانية ظلت تنفي وجود مجاعة بالسودان.
ويوم امس الثلاثاء اتهم وزير الزراعة المكلف أبو بكر البشرى المنظمات الانسانية التي تتحدث عن مجاعة في السودان بالتآمر على البلاد.
ونفى البشرى، في مقابلة مع موقع الجزيرة، وجود مؤشرات على المجاعة، مضيفا أن الغرض من كل ما يثار هو فتح الحدود السودانية واستغلال ذلك لإدخال الأسلحة والعتاد إلى قوات الدعم السريع، حسب وصفه.
لكن حديث الوزير يناقض تماما ما توصلت إليه مجموعة من وكالات الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة البارزة، في تقرير لهم في الأول من اغسطس الماضي، حيث اكد على تفشي المجاعة في أجزاء من ولاية شمال دارفور السودانية، لا سيما مخيم زمزم للنازحين.
وذكر التقرير أن القتال في السودان “أعاق بشدة وصول المساعدات الإنسانية ودفع بمخيم زمزم النازحين إلى براثن المجاعة”.