قصة أب.. فقد أسرته بين غابات أولالا في اثيوبيا ومعسكرات اللجوء
كمبالا : 4 سبتمبر 2024: راديو دبنقا
تقرير :ساره تاج السر
بعد مرور 90 يومًا في غابات أولالا الإثيوبية وتحت وطأة صوت الرصاص المدوي، اضطرت زوجتي وأطفالي إلى المغادرة. لم أكن أعرف وجهتهم الجديدة، لكنني سمعت من بعض المعارف أنهم قد يكونون في معسكر ترانزيت بالقرب من الحدود السودانية. وعندما وصلت إلى هناك، لم أتمكن من العثور عليهم. عبرت إلى الجانب السوداني ولكن خاب أملي، حيث لم أجد أي أثر لزوجتي وأبنائي: غسان (10 سنوات)، حسان (7 سنوات)، ولقمان (سنتين).
يروي دكتور علم الحشرات جامعة هاريانا الزراعية بالهند مالك محمد عبد السلام، بمرارة لراديو دبنقا، تفاصيل ما مر به، وهو واحد من آلاف اللاجئين السودانيين الذين فروا إلى إثيوبيا بعد اندلاع حرب منتصف 15 أبريل بين الجيش وقوات الدعم السريع.
الأمان في إثيوبيا
عندما قرر عبد السلام الذهاب إلى إثيوبيا، كان هدفه الأول هو تأمين مستقبل أطفاله، خاصة بعد أن تعطلت الحياة في السودان نتيجة الحرب التي أثرت على التعليم والدراسة، كان يأمل أن يتمكن أبناءه، من الحصول على قسط من التعليم في إثيوبيا لحين العودة بعد انتهاء الحرب، او إذا تم اعادة توطينهم في اي دولة أخرى.
قال عبد السلام: كنا مستعدين للاندماج مع المجتمع الإثيوبي إذا اقتضى الأمر، ولكن سرعان ما اكتشفت صعوبة ذلك، فالسيولة الأمنية والتجاهل الأممي الكامل، ووجود اللاجئين أنفسهم في معسكرات بإقليم يعاني حالة الطوارئ أجبرهم لإعلان خروجهم سيرا على الأقدام من غابات اولالا إلى نقطة التسجيل الحدودية في المتمة، للحفاظ على ما تبقى من أرواحهم.
الرحلة القاسية إلى السودان
رحلتهم الطويلة نحو نقطة التسجيل الحدودية في المتمة لم تكن سهلة، بل كانت مليئة بالمخاطر كما سرد عبد السلام في حكايته حيث. واجه اللاجئون السودانيون، بمن فيهم عبد السلام، اعتداءات جسدية من قبل السلطات الإثيوبية التي استخدمت العصي لضربهم ووجهت لهم إهانات قاسية والفاظ جارحة وتم تخييرهم ما بين العودة إلى بلدهم أو الانتقال إلى معسكر ترانزيت، وأكد عبد السلام ان الضرب لم يستثنِ أحد، وفي الاشتباك أصيب العديد من الشيوخ، من بينهم رجل مسن تجاوز الثمانين من عمره، وهو مريض بالقلب والسكري، تعرض لإصابة خطيرة في رأسه. كما ضرب النساء وشتت الأطفال، واعتقل الشباب، الأمر الذي اجبر العديد من اللاجئين على العودة إلى السودان هربًا من الإذلال والإهانة التي تعرضوا لها. عند وصولهم إلى السودان، تم استقبالهم في معسكر للطوارئ في منطقة القلابات في أوضاع صعبة ومعقدة.
بينما علق نحو 1500 لاجئ بمعسكر ترانزيت بضغط من القوات الإثيوبية. والآن كلا الطرفين ينتظر تدخل المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية للنظر في أوضاعهم وحل المشكلات التي دفعتهم للعودة إلى السودان بالقوة.
بالمقابل قالت إن مفوضية اللاجئين في تصريحات سابقة لراديو دبنقا بداية أغسطس الماضي إنها لا تقوم بتسهيل عودة اللاجئين إلى السودان. نظراً للوضع الأمني السائد هناك، ” ومع ذلك، إذا رغب اللاجئون في العودة إلى بلدهم الأصلي، فلهم الحرية في العودة بوسائلهم الخاصة”.” مشيرة إلى موافقة الحكومة الإثيوبية على السماح بمرور آمن للاجئين الذين يسيرون من أولالا باتجاه نقطة دخول المتمة الحدودية.
وأكدت المفوضية إنها عملت مع دائرة الهجرة واللاجئين الإثيوبية وسلطات المنطقة لتشجيع اللاجئين على الانتقال إلى مخيم أفتيت الذي تم افتتاحه مؤخرًا ووصفته بأنه يمثل بيئة أكثر أمانًا ويمكن اللاجئين من الحصول على المساعدة والخدمات.
الحياة في معسكر القلابات
مع عودتهم إلى السودان، وجد اللاجئون أنفسهم في معسكر القلابات بولاية القضارف شرقي السودان الذي يقع شمال غرب المدينة. يستضيف المعسكر نحو 2611 لاجئًا من أصل أكثر من 6000 كانوا قد فروا إلى غابات أولالا، ورغم محاولات الحكومة توفير التسهيلات اللازمة للعائدين، إلا أن الأوضاع داخل المعسكر لا تزال تفتقر إلى الكثير من الخدمات الأساسية.
تم توزيع حوالي 180 خيمة فقط من قبل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وما زال العديد منهم ينتظرون استلام خيامهم. يعاني المخيم من مشاكل في تصريف المياه، مما يزيد من تدهور الأوضاع الصحية. وكما أكد عبد السلام ان الجهود جارية لتحسينه من خلال الردميات، كما تم إنشاء مركز صحي صغير للحالات البسيطة، في حين يتم تحويل الحالات المتقدمة إلى مستشفى القلابات.
عبد السلام رأى ان هذه الجهود لا تزال غير كافية لتلبية الاحتياجات المتزايدة للعائدين الذين قطعوا مسافات طويلة وهم بحاجة ماسة إلى الرعاية الصحية والتغذية.
التساؤلات حول وضع اللاجئين
من بين القضايا الرئيسية التي تواجه اللاجئين العائدين هي التساؤلات حول وضعهم القانوني. يشعر الكثيرون بالقلق من فقدانهم لحق اللجوء بعدما عادوا إلى السودان، خاصة أن القانون ينص على أن من يعود طوعًا يفقد ذلك الحق. لكن هؤلاء العائدين يؤكدون أنهم لم يعودوا طوعًا، بل تعرضوا لضغوط وظروف قاسية أجبرتهم على العبور للأراضي السودانية.
في الوقت الذي ينتظر فيه العائدين تدخلاً من المجتمع الدولي لحل هذه المشكلات، تظل أوضاعهم غير مستقرة، وعلى الرغم من وعود السلطات داخل المخيم بترحيل من يرغب منهم إلى مدن آمنة وتوفير وسائل نقل لهم، إلا أن تلك الوعود لم تنفذ حتى الآن. هذا التأخير دفع بعض الأسر إلى البحث عن حلول أخرى، بما في ذلك الهروب إلى دول مجاورة مثل ليبيا وأوغندا.
بعد زيارة والي القضارف لمخيم الطوارئ، بدأت معظم العائلات والأفراد في الاستعداد لإيجاد حلول بديلة، مثل الانتقال إلى مدينة آمنة داخل السودان أو البحث عن طريق آمن للهجرة إلى دولة أخرى كليبيا، مصر، يوغندا، أو جيبوتي. بينما الذين بقوا عالقين في ساحة معسكر الترانزيت، عاشوا ثلاث ليالٍ مليئة بالخوف نتيجة تفاقم الحرب في إقليم أمهرا، حيث أصبح المخيم ممراً للقوات، مما يثير القلق من احتمال استخدامهم كدروع بشرية.
أما الدكتور المتخصص في علم الحشرات فكما قال لراديو دبنقا هو الآن يتنقل بين الحدود في سعيه المستمر للعثور على أي بصيص أمل يقوده الى عائلته، وخلال بحثه صادف حالات مماثلة لأسر تفرقت بين السودان وإثيوبيا، محملا مسئولية ذلك للسلطات الإثيوبية ومفوضية الأمم المتحدة.