هل تصبح ولاية النيل الأزرق مسرح التصعيد المتوقع؟
أمستردام: 19 أغسطس 2024: راديو دبنقا
أعلنت القوات المسلحة أنها نجحت في صد هجوم كبير لقوات الدعم السريع على منطقة قلي، الواقعة على بعد 94 كيلومترا إلى الغرب من مدينة الدمازين في الثالث من أغسطس 2024، واعتبر ذلك إعلانا بوصول الحرب إلى الولاية رقم 13 من أصل 18 ولاية في السودان.
جاء ذلك بعد أسابيع قليلة من اجتياح قوات الدعم السريع لولاية سنار وفرض سيطرتها على مناطق جبل مويه وسنجة والسوكي. ألحقت قيادات للدعم السريع ذلك بتهديدات للقوات المسلحة، ممثلة في الفرقة الرابعة مشاة، ومقرها الدمازين، عاصمة ولاية النيل الأزرق، للانسحاب من المدينة ومطالبات للإدارات الأهلية للتدخل لإقناع الجيش بمغادرة المنطقة لتجنيبها خطر المعارك.
تهديد مباشر لولاية النيل الأزرق
وبعد أسبوعين من الهدوء على هذه الجبهة، عاد الحديث من جديد عن احتمالات هجوم الدعم السريع على ولاية النيل الأزرق ومحاولة فرض سيطرته على الدمازين. وبثت المواقع الرسمية لقوات الدعم السريع مقطعي فيديو يحملان تهديدات مباشرة بالهجوم على ولاية النيل الأزرق.
مقطع الفيديو الأول مدته 3 دقائق و51 ثانية وتم بثه بتاريخ 15 أغسطس 2024 ويصور زيارة اثنين من قيادات قوات الدعم السريع إلى مسيد الشريف محمد الأمين الخاتم في “كركوج”. ويظهر في مقطع الفيديو المك أبو شوتال، قائد محور النيل الأزرق، وحمودة البيشي، قائد محور سنار.
مقطع الفيديو الثاني مدته دقيقتين و52 ثانية ونشر يوم 17 أغسطس 2024 ولم يتم تحديد مكان تصويره ويظهر فيه حمودة البيشي برفقة عدد من عناصر قوات الدعم السريع.
قام فريق دبنقا للتحقق بمراجعة مقطعي الفيديو واتضح أنهما من انتاج وحدة الإعلام الرسمية لقوات الدعم السريع ولم يتم تصويرهما كالمعتاد بالهواتف النقالة وتم نشرهما على الحساب الرسمي لقوات الدعم السريع على منصة اكس. كما أن المحتوى والرسالة تم إعدادها جيدا وبعناية وخصوصا خلال زيارة المسيد لتفادي التسبب في أي مشاكل للشيخ محمد الشريف التجاني.
مقطع الفيديو الأول تم تصويره فعلا في كركوج، فيما تم تصوير مقطع الفيديو الثاني في مقر قيادة الفرقة 17 في سنجة، وهي مقاطع صحيحة مكانا وزمانا ولم يتم التلاعب في محتواها باستخدام الوسائل الفنية.
الأوضاع في إقليم النيل الأزرق
رغم تواجد قوات الدعم السريع في محلية واحدة، محلية التضامن، من أصل 6 محليات في الإقليم، لكن الأوضاع الأمنية في الإقليم ما تزال مستقرة حتى الآن وفي جميع المحليات، بما في ذلك مدينة الدمازين التي يعيش سكانها تحت وطأة حظر التجوال من ساعات المساء الأولى إلى فجر اليوم التالي.
بالمقابل، تعيش الولاية أوضاعا إنسانيا حرجة وفق تقارير لجان المقاومة في المدينة بسبب صعوبة إيصال المواد الغذائية والاحتياجات الضرورية، إما بسبب إغلاق الطرق من طرفي الحرب أو بسبب الأمطار الغزيرة التي تشهدها كافة أجزاء الولاية. وتسبب ذلك في ندرة في السلع الضرورية وارتفاع متواتر لأسعارها الأمر الذي انعكس شظفا في المعيشة خصوصا مع تدفق أعداد كبيرة من النازحين من ولاية سنار المجاورة بعد دخول قوات الدعم السريع إليها.
وتشهد مختلف محليات الولاية بما في ذلك العاصمة الدمازين انقطاعا في شبكات الاتصالات منذ أكثر من 50 يوما الأمر الذي يؤثر على التحويلات المالية عبر التطبيقات البنكية في ظل عدم توفر السيولة بسبب امتناع الأفراد والمؤسسات عن التعامل بالسيولة النقدية لأسباب أمنية. ورغم أن الاتصالات قد بدأت في العودة تدريجيا لبعض المحليات، لكنها العودة تنحصر في خدمة المكالمات لشبكتي زين وسوداني الأمر الذي يفاقم من معاناة المواطنين.
من جانبها، أعلنت الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال بقيادة عبد العزيز الحلو مؤخرا المجاعة في مناطق سيطرتها، بما فيها المناطق التي يتولى قيادتها جوزيف توكا في جنوب ولاية النيل الأزرق.
الأهمية الاستراتيجية لولاية النيل الأزرق
تقع ولاية النيل الأزرق في جنوب شرق السودان وتبلغ مساحتها الكلية 45844 كيلومتر مربع ولا يتجاوز عدد سكانها 1 مليون و 200 ألف نسمة مما يجعلها واحدة من أقل الولايات من حيث تعداد السكان. ونتيجة للأوضاع الأمنية في ولاية سنار المجاورة، نزح إلى المدينة ما يزيد عن 100 ألف مواطن وفق تقديرات المنظمات الدولية مما يفرض عبئا كبيرا على الخدمات العامة في الولاية.
ولاية النيل الأزرق ولاية زراعية في المقام الأول وتصل مساحات الأراضي المستصلحة فيها إلى حوالي 4 مليون فدان ويمتهن 65% من سكان الولاية الزراعة كمهنة أساسية بجانب الرعي حيث تقدر ثروتها الحيوانية بحوالي 6 مليون رأس. تعمل أعداد أقل من السكان في صيد السمك والتعدين حيث تتمتع ولاية النيل الأزرق بثروة هائلة من الكروم والذهب والنحاس الأصفر والماغنسيوم وحجر الرخام وحجر الاسمنت.
لكن المنشأة الأهم في الولاية دون شك هي سد الروصيرص الذي يتحكم في عمليات الري في مشروعي الجزيرة والمناقل، كما أنه يمثل أحد أهم مصادر الكهرباء زهيدة الثمن لمناطق واسعة في السودان.
لولاية النيل الأزرق حدود مشتركة مع دولتي إثيوبيا وجنوب السودان الأمر الذي يتيح لقوات الدعم السريع، حال سيطرتها على الولاية، التحكم في كامل الحدود مع جنوب السودان، ما عدا مناطق سيطرة الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، في النيل الأزرق وجنوب كردفان. كما أن الوصول للحدود مع إثيوبيا يوفر منفذ اسناد لوجستي قريب يقلل الاعتماد على الاسناد القادم من الحدود الغربية للسودان.
تتواجد في الولاية حاليا ثلاث قوات عسكرية في مقدمتها الجيش السوداني الذي يتمركز في مدينة الدمازين وبعض المواقع المتقدمة في المدينة ومنطقة باو التي كانت تسيطر عليها في السابق قوات مالك عقار ومنطقة قلي. بينما تتواجد قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال بقيادة عبد العزيز الحلو في المناطق المحيطة بالكرمك واولو ويابوس.
في الأول من أغسطس 2024، تجددت الاشتباكات بين الجيش الشعبي لتحرير السودان (جوزيف توكا) والقوات المسلحة السودانية في بلدة دنديرو بمحلية الكرمك، النيل الأزرق. ووفقا لمنظمة الهجرة الدولية فإن 25 أسرة نزحت من بلدة دنديرو إلى مواقع أخرى داخل محلية الكرمك.
أما قوات الدعم السريع فينحصر وجودها في منطقتي رورة وجريوة الواقعتين على بعد 75 و 82 كيلومتر إلى الشرق من الدمازين، وقد أكدت مصادر في لجان مقاومة الدمازين لفريق دبنقا للتحقق تواجد قوات الدعم السريع في محلية التضامن.
الدعم السريع يشدد الحصار
منذ دخولها ولاية سنار، تتقدم قوات الدعم السريع بحذر شديد في اتجاه ولاية النيل الأزرق. ويبدو أن ذلك مرتبط بالعديد من العوامل الخاصة بالتركيبة السكانية في الولايتين والتوترات بين المجموعات السكانية المختلفة.
ويؤكد الهجوم التي ارتكب يوم الجمعة الماضي 16 أغسطس 2024 في قرية جلقني في جنوب ولاية سنار وجود هذه المصاعب، مثلما تؤكدها أيضا زيارة قيادات عسكرية من الدعم السريع لمسيد الشيخ محمد الأمين الخاتم في كركوج.
يضاف إلى ذلك، نجاح الجيش السوداني في قتل عبد الرحمن البيشي في نهاية شهر يوليو الماضي في غارة جوية، وهي خسارة فادحة لقوات الدعم السريع لقائد له قدرات كبيرة ومن أبناء المنطقة وكان يعمل في قيادة قوات الدعم السريع في مدينة الدمازين قبل اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023، الأمر الذي وفر له معرفة جيدة بالمنطقة وتعقيداتها.
وتمثل مدينة الدمازين الهدف الرئيسي لقوات الدعم السريع في ولاية النيل الأزرق حيث ستقود السيطرة عليها إلى التوسع في كامل الولاية من دون أي مصاعب. ويوجد في الدمازين مقر الفرقة الرابعة المشاة، كما أن بها مطار تستخدمه القوات المسلحة لإيصال الامدادات للولاية، وتستخدمه كقاعدة انطلاق لبعض مهماتها العسكرية الجوية.
وتنتشر قوات الدعم السريع في نصف دائرة تمتد من مناطق جنوب الدندر إلى الشرق من مدينة الدمازين، مرورا بمدينة سنجة والسوكي إلى الشمال من المدينة وعلى ضفتي النيل الأزرق وانتهاء بالمزموم ورورة وجريوة إلى الغرب من مدينة الدمازين.
ومن المؤكد أن فصل الخريف يعوق تحركات القوات والمعدات في مختلف مناطق الولاية ويجعل من الصعب شن هجوم واسع متزامن على مدينة الدمازين، بينما يعرض استخدام الطريق الرئيسي القادم من الشمال قوات الدعم السريع لخطر القصف بالطيران.
وفي انتظار التطورات على الصعيد العسكري، تستمر معاناة المواطنين في ولاية النيل الأزرق، التي أصبحت ولاية تحت الحصار وليس مدينة تحت الحصار كما هو الحال في الفاشر والأبيض وسنار وغيرها من المدن المحاصرة. معاناة بلا حدود للمواطن: نقص في الغذاء وارتفاع في أسعار الضروريات وغياب الخدمات الأساسية وانقطاع الاتصالات، وفوق هذا وذاك المخاوف الأمنية.