المطابخ التكافلية بالخرطوم… شريان حياة مهدد بالانقطاع
كمبالا: الاربعاء: 31يوليو2024: راديو دبنقا
تقرير: عبد المنعم مادبو
تترافق الطفلة نوادر ذات الحادية عشرة سنة وشقيقها نادر صباح كل يوم إلى مطبخ “التكية” الذي يبعد بضع كيلومترات عن منزلهما في منطقة جنوب الحزام جنوبي الخرطوم، وهي تحمل في يدها اناءً بلاستيكياً يعرف محلياً بـ (الجك) لعلها تحظى بقليل مما يعده المطبخ التكافلي بالحي من وجبه تسد بها اسرتها المكونة من 5 افراد حاجتهم من الغذاء.
تقول والدة نوادر لراديو دبنقا عبر الهاتف إنها ترسل بنتها برفقة ابنها في الصباح الباكر لضمان حصولهما على وجبة اليوم، واضافت “تكية الحي بقت لينا الملاذ الوحيد الذي يوفر لنا لقمة العيش”.
لكن والدة نوادر باتت تخشى الآن من توقف التكية عن العمل بعد ان نشرت غرفة طوارئ جنوب الحزام السبت الماضي تنبيهاً يفيد بأن جميع مطابخ جنوب الحزام ستخرج عن الخدمة بسبب العجز المالي، الامر الذي اكده مسئول المطابخ بشرق النيل مصطفى صالح بقوله “في البداية كانت المطابخ تعد الوجبات ليتم توزيعها على الأسر في الاحياء، لكن الآن أصبح العكس قبل ما تولع نار المطبخ في الصباح بتلقى صف الاواني قد بدأ” واضاف: “يبدأ رص الاواني في الصف بعد صلاة الصبح مباشرة.”
فكرة المطابخ التكافلية
تستند فكرة المطابخ التكافلية او التكايا على ثقافة النفير او التكافل الاجتماعي والتكايا التي عرف بها الشعب السوداني، وانتشرت التكايا بعد حرب 15 ابريل في السودان في جميع محليات الخرطوم السبع بمبادرات من غرف الطوارئ التي انشأها شباب متطوعون بعد اندلاع الحرب لتغطية النقص في الخدمات الذي خلفته الحرب إضافة إلى الخيرين ورجال الدين مثل تكية شيخ الأمين المشهورة بمدينة ام درمان.
تحديات
طيلة فترة الحرب التي تجاوزت 14 شهراً باتت الأسر التي تضررت من الحرب في مدن (الخرطوم بحري ام درمان) تعتمد اعتماداً كلياً في وجباتها الغذائية من المطابخ التكافلية، والتي تعتمد بدورها على مساهمات الخيرين وتمويل المنظمات الانسانية، لكن بزرت مؤخرا مجموعة تحديات أمام استمرار تلك المطابخ الأمر الذي بات يهدد حياة آلاف الأسر بالجوع. بحسب مسئول المطابخ بغرفة طوارئ شرق النيل مصطفى صالح في مقابلة مع راديو دبنقا، فإن الاسباب الاساسية لتوقف بعض المطابخ هي تراجع التمويل، بجانب عدم توفر المعينات مثل “المياه والكهرباء” وارتفاع اسعار المواد الغذائية وندرتها، بجانب بعض التعقيدات التي يفرضها واقع التعامل مع طرفي الحرب، في وقت تضاعفت فيه اعداد المواطنين المعتمدين على التكايا للحصول على وجباتهم الغذائية، بسبب تطاول امد الحرب وفقدان المواطنين لكل ما يملكون، واضاف: “في السابق كانت المطابخ مقسمة إلى صغيرة ومتوسطة وكبيرة من حيث عدد الاسرة المستفيدة منها، لكنها الان أصبحت كل المطابخ بمستوى واحد لان عددها تقلص بينما ازدادت أعداد الأسر المعتمدة عليها.”
ارتفاع الاسعار
بحسب متطوعين في عدد من غرف الطوارئ بولاية الخرطوم فان ارتفاع اسعار المواد الغذائية ادى بدوره إلى تراجع عمل المطابخ التكافلية، ووفقاً لغرفة طوارئ جنوب الحزام فإن سعر جوال العدس زنة 20 كيلوجرام بلغ 90 الف جنيه، وسعر جوال الارز 20 كيلو بمبلغ 85 ألف جنيه، بينما بلغ سعر جوال السكر زنة 50 كيلو جرام مبلغ 175 الف جنيه، وجوال الدقيق 25 كيلو جرام بمبلغ 70 ألف جنيه، وجوال البليلة 7 كيلو جرام بمبلغ 300 ألف جينه، بينما بلغ سعر جوال الفول المصري 430 الف جنيه، وجوال الفحم 55 ألف جنيه وجركانة الزيت 100 ألف جنيه، وجوال البصل 45 ألف جنيه وكيلو اللحمة 12 ألف جنيه.
ارتفعت اسعار بعض السلع في بعض المناطق مثل شرق النيل ارتفعت اكثر حيث بلغ سعر جوال العدس 95 ألف جنيه، وجوال الفول المصري 450 ألف جنيه، وجوال الأرز 88 الف جنيه حسب متابعات راديو دبنقا.
احصائيات
وتفيد متابعات راديو دبنقا بأنه كانت في ولاية الخرطوم أكثر من 200 مطبخا في محليات الولاية السبع، تقلصت إلى 121 مطبخا فقط وفقاً لمسئول المطابخ بغرفة طوارئ شرق النيل مصطفى صالح بسبب عدة عوامل أبرزها ضعف التمويل، وتردي الوضع الامني، ومغادرة بعض القائمين على أمر هذه المطابخ، فضلاً عن الاعتقالات المتكررة للمتطوعين. وأشار إلى أن تلك العوامل أدت إلى تقليص المطابخ مرة أخرى إلى أن صارت الآن 39 مطبخاً بعد توقف 82 مطبخاً عن العمل في الأيام الماضية.
ويقول المتحدث باسم غرفة طوارئ جنوب الحزام محمد عبد الله كندشة لراديو دبنقا إن عدداً كبيراً من المطابخ في منطقة جنوب الحزام توقف عن العمل بسبب توقف الدعم المالي وفراغ خزينة الغرفة من الأموال وإن توقف هذا المطابخ عن العمل سيكون كارثياً بالنسبة لمواطني جنوب الخرطوم، لأن عدداً كبيراً منهم يعتمدون بشكل أساسي على (التكايا) التي يبلغ عددها نحو 30 تكية موزعة ما بين قطاعي (الازهري والنصر) وأضاف: “توقف هذه المطابخ سيحرم ما لا يقل عن 10 آلاف أسرة من الوجبات التي تقدمها لهم، في ظل معاناة الناس من الوضع الاقتصادي وارتفاع اسعار السلع التموينية.”
فيما اشار عضو غرفة الطوارئ بشرق النيل محمد عادل لراديو دبنقا إلى ان محلية شرق النيل يوجد بها 76 مطبخاً موزعه على احياء المنطقة بحسب كثافة السكان ويستفيد منها اكثر من 148 ألف شخص، لكنه اشار إلى ان منطقة الجريف غرب فيها العدد الأكبر من المطابخ، لأن معظم السكان فيها لا زالوا باقين، بينما هناك أحياء لم تستطع غرفة الطوارئ ان تقيم فيها مطابخ بسبب الظروف الأمنية، ونبه إلى ان عدد المطابخ التي توقفت عن العمل بلغ 40 مطبخاً، وذلك بسبب تراجع التمويل والظروف الأمنية وارتفاع اسعار المواد الغذائية. مبيناً ان هناك مناطق يتم فيها تقديم وجبتين ومطابخ أخرى تقدم وجبة واحدة، وهناك مطابخ تقدم وجبتين او ثلاث في الاسبوع، مشيراً إلى ان اغلب الغرف تتبع طريقة ان تأتي الأسر لجميع المواعين في المطابخ لتأخذ حصتها في كل وجبة.
التمويل
أغلب المطابخ بولاية الخرطوم باتت تواجه مشاكل في التمويل بعد الارتفاع الجنوني في اسعار المواد الغذائية التي تعتمد عليها غرف الطوارئ في إعداد الوجبات للأسر، وقال مسئول المطابخ بشرق النيل مصطفى صالح ان المطابخ كانت في البداية تعتمد بصورة مباشرة على مساهمات المواطنين والخيرين والمنظمات الدولية والمحلية، وإن انقطاع شبكات الاتصالات كان له اثر كبير على عمل المطابخ لكن بفضل ظهور اجهزة الانترنت الفضائي حلت المشكلة تدريجياً، لكن ظهرت بعد ذلك مشكلة انعدام الأمن ومداهمة مجموعات مسلحة لمواقع الاتصالات ونهب تلفونات المواطنين، فاصبح هناك خوف من الذهاب إلى محلات الاتصالات.
عقبات
وذكر عضو في غرف طوارئ ولاية الخرطوم، فضل حجب اسمه، ان تزايد الارتكازات الأمنية في الآونة الأخيرة أجبر كثير من المطابخ على التوقف، واضاف: “المبالغ النقدية التي يتم التبرع بها تنقص كثيرا بسبب الرسوم العالية التي تدفع مقابل تحويل التبرعات من التطبيقات المصرفية إلى نقد والتي تصل لحوالي 10%، واضافة إلى خصم مالك جهاز الانترنت الفضائي الذي يسهل التحويل، علاوة على الرسوم التي تفرضها الارتكازات الأمنية كي تسمح بمرور المواد الغذائية إلى المطابخ.
واشار عضو الطوارئ انهم تلقوا في اليومين الماضيين معلومات عن اجراءات جديدة تفرض استخراج تصديقات لأجل استمرار عمل المطابخ التكافلية.
وذكر مسئول الاعلام بغرفة طوارئ شرق النيل ان الكثير من المطابخ توقفت عن العمل بسبب هذه العقبات وهناك مطابخ تتوقف مؤقتاً وتعاود العمل عندما يتوفر التمويل، بينما اوضح احد اعضاء غرفة طوارئ بحري ان معظم المطابخ في بحري لا زالت تعمل لكنها تواجه مشكلة نقص التمويل والمشكلات الأمنية المتعلقة بتحركات اعضاء الغرفة والمنسقين في الميدان.