وكيل الأمين العام للأمم المتحدة: لن نسمح بتدمير السودان أمام أعيننا
- قتل الناس جوعًا يشكل جريمة إبادة
- وثقوا لكل مظاهر خطاب الكراهية والتحريض على العنف
- على العالم أن يولي اهتمامًا أكبر للسودان
أجري رئيس تحرير “راديو دبنقا” كمال الصادق، لقاءً خاصًا مطولًا مع وكيل الأمين العام للأمم المتحدة والمستشارة الخاصة لمنع الإبادة الجماعية “اليس وريمو نيريتو” حول الأوضاع في السودان، على هامش ورشة دولية حول دور وسائل الإعلام والصحفيين في التصدي لخطاب الكراهية والتي عقدت هذا الأسبوع في العاصمة الرواندية كيغالي.
إلى مضابط الحوار:
دبنقا – كيف ترين الوضع في السودان اليوم وما هي قراءتك وتقييمك ؟
نيريتو – الوضع في السودان يستمر في التدهور من سيء إلى أسوأ. لقد قلت، بما في ذلك لمجلس الأمن، إن جميع عوامل الخطر المؤدية لحدوث جريمة الإبادة الجماعية تتوفر الآن في السودان، خاصة في دارفور، حيث سمعنا تحريضاً خاصاً على العنف. وأن هناك نية لتدمير بعض المجتمعات العرقية كلياً أو جزئياً، بما في ذلك مجتمع المساليت. لقد أصدرت عدداً من البيانات حول السودان في السابق عن النيل الأزرق وكردفان، والآن أصدرت بيانات حول الخرطوم.
لذا، أتحدث بصفتي وكيل الأمين العام والمستشار الخاص لمنع الإبادة الجماعية، ولكن أتحدث أيضاً كامرأة أفريقية، لديها أصدقاء جيدين في السودان، وترى السودان كوطن ليس فقط لأصدقائي بل أيضاً لأشخاص مثلي.
لذا أقول لا أفهم كيف يمكن للجنرال حميدتي والجنرال برهان ألا يتأثرا بالوضع في السودان. لا أفهم كيف يمكن لبلد مثل السودان أن يُدمَّر امامنا اعيننا.
لا أفهم وقلت هذا لهيئة الإذاعة البريطانية أمس. قلت إن العالم والإعلام قد منحا الأولوية لأوكرانيا ولغزة. أين الاهتمام بالسودان؟
يجب أن نستيقظ كل يوم ونرى وجوه الأطفال السودانيين الذين يموتون. يجب أن نرى كل يوم وجوه النساء السودانيات اللاتي تعرضن للاغتصاب، يجب أن نتمكن من رؤية وجوه هؤلاء الجناة الذين يتجولون بأسلحتهم ويقتلون الناس.
ومع ذلك، لا نرى هذه الصور (في اجهزة الاعلام العالمية). لماذا لم نركز على السودان. عندما أقول إن جميع عوامل الخطر للإبادة الجماعية موجودة؟ بصفتي مستشار خاص لمنع الإبادة الجماعية، يجب أن يستيقظ العالم بأسره ويسأل لماذا نستمر في القول إننا نتأسف لما حدث في رواندا؟ لماذا نقول إننا نتأسف لما حدث في البوسنة والهرسك، إذا كان ما يحدث في السودان يحدث الآن؟ ولا يمكننا جذب انتباه العالم إلى السودان.
لذا أود أن أتحدث خصيصًا إلى الضحايا والناجين، وأقول لهم أنني أعرف كيف يبدو العالم من وجهة نظركم الآن.
لكننا هنا نكافح من أجلكم. نحن هنا نبذل قصارى جهدنا وسنستمر في بذل المزيد من أجلكم. سنستمر في حشد كل الدعم الذي يمكننا من أجلكم.
وأقول للجنرال حميدتي والجنرال برهان، يجب أن تجدوا مساحة للجلوس من أجل كل هؤلاء الأشخاص الذين يموتون في السودان. السودان أكبر منكما الأثنين.
السودان بلد قدم للعالم الكثير في العديد من الأمور. السودان كان مركزًا للعلم. قدم السودانيون الكثير للعالم، والآن نراهم يعيشون كلاجئين في مصر، في أوغندا، في السعودية منتشرون في جميع أنحاء العالم. لأن الجنرالين لا يجلسان معًا ويتحدثان.
لا أفهم بأي لغة يمكنني التحدث باستثناء التحدث إليكما من المنصب الذي أشغله الآن وأقول لكما أنه لم يفت الأوان بعد لكي تجلسا معًا وتضعا أسلحتكم وتنقذا السودان.
:المجاعة ووضع طرفي الحرب عراقيل أمام توصيل الإغاثة
دبنقا – كما تعلمون في السودان هنالك 25 مليون سوداني يواجهون المجاعة وحوالي 10 ملايين سوداني الآن نازحون، الطرفان برهان وحميدتي، لم يسمحا بوصول الإغاثة إلى السودانيين لوقف هذه المجاعة داخل السودان، لذا كمستشار خاص، كيف ترين هذا وما هي الاجراءات القانونية التي يمكنك اتخاذها؟
نيريتو – أعتقد أنه من غير المعقول أن يموت الناس من الجوع في عالم يملك الكثير وأعتقد أننا نحتاج كأمم متحدة إلى تشجيع الحكومات وأيضاً القطاع الخاص.
يجب أن نتمكن من جمع المواد الغذائية وإرسالها إلى السودان. أعلم أن بعض وكالات الأمم المتحدة موجودة بالفعل على الأرض، تقدم الطعام، ولكنني أعلم أيضًا أن الوضع الأمني كان صعبًا جدًا في بعض الأماكن من حيث توصيل هذا الطعام. ولكن من المهم جداً لمن يقاتلون في السودان، لأي شخص يحمل سلاحًا في السودان أن يعلم أنه يمكن محاسبته وأن عجلات العدالة بطيئة، ولكنها حتمية. وأن موت الناس من الجوع هو بالفعل عامل خطر للإبادة الجماعية.
الإبادة الجماعية ليست فقط عندما تُقتل الناس بالرصاص، بل يمكنك أيضاً أن تقتلهم جوعاً وتُحاسب على تجويع الناس. إذا كان الوضع الأمني الذي خلقته سيئاً لدرجة أن الطعام لا يمكن أن يصل إلى الناس، يجب أن تفهم أنك تشارك في موتهم وأنك فعلاً تقتلهم. ويمكن محاسبتك على الإبادة الجماعية.
:الجهود والإجراءات التي اتخذتها لمنع وقوع إبادة جديدة
دبنقا – بشأن حالة الإبادة الجماعية، التي حدثت مرتين، في عام 2004 في دارفور والعام الماضي في الجنينة، ما هي الإجراءات التي ستتخذونها وما هي الجهود التي تبذلونها لمنع إبادة جماعية أخرى؟
نيريتو – قانونيًا، يمكن المحكمة هي التي تحدد إذا كانت الإبادة الجماعية قد حدثت أم لا. لذا لا أستطيع فعل ذلك، ولكن الأمين العام عين مبعوثاً خاصاً، رمطان لعمامرة، وقد كان يعمل على محاولة جمع الجنرالين والفصائل معًا للتحدث.
تعرفون أن الاتحاد الأفريقي يبذل جهودا مضنية في هذا الاتجاه وكانت هناك محاولات أيضًا، في جدة في السعودية وأيضًا في القاهرة لجمع الناس معًا.
لأننا نقول دائماً إننا نحاول التحدث إلى الناس عن منع وتجنب (نشوب الحرب) بالتوعية. لنضع في الاعتبار التحذيرات والمؤشرات المبكرة ونرى ما يمكننا فعله للتعامل مع التحذير المبكر لكن الناس لا يأخذون هذه المؤشرات بجدية.
لذا عندما تبدأ الحرب فعلاً، يصبح من الصعب جداً وقفها، ولكنني أصدرت 10 بيانات حول السودان. لم أصدر هذا العدد الكبير من البيانات حول أي حالة أخرى. أكبر عدد من البيانات التي أصدرتها حول أي حالة هو ثلاثة في حالتي عزة وأوكرانيا.
ولكن بالنسبة للسودان أصدرنا عشرة بيانات. لقد ذهبت إلى مجلس الأمن. وإلى كل مكان. لقد ذهبت إلى الكونغرس في واشنطن العاصمة. لقد تحدثت عن السودان إلى الكثير من الناس. ونتحدث حتى الان.
نحتاج للعمل القانوني الآن لأنه إذا لم تتمكن من منعهم، عليك العمل على محاسبتهم. لذا نحتاج الآن إلى لجنة تحقيق للنظر فيما حدث خاصة في دارفور.
المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لديه ولاية قضائية شاملة وقد تم اتهام بعض الأشخاص بالفعل. ولكن يجب أن يتم المزيد من قبل المحكمة الجنائية الدولية، لأنها تحاكم جرائم الإبادة، نحتاج إلى دولة أو شخص ما يتقدم ليأخذ قضية السودان إلى محكمة العدل الدولية لأنه يجب محاسبة الناس على تدمير السودان.
حرب السودان وخطاب الكراهية
دبنقا – نحن في رواندا من داخل هذا المؤتمر، يعزز خطاب الكراهية بالأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لطرفي الحرب، وهو الآن يصل إلى أعلى مستوى من التأثير، ما هو تقييمك وكيف يؤدي ذلك إلى الإبادة الجماعية وكيف يمكننا منعها؟
نيريتو – بالنسبة لخطاب الكراهية الذي هو بالطبع واسع الانتشار، ما قلته لأكبر عدد ممكن من الناس هو التوثيق، توثيق، التوثيق، … توثيق كل هذه الخطابات التي تحرض على الكراهية، لأنه عندما يحين وقت محاسبة الناس، سيتم محاسبتهم على خطاب الكراهية الذي كانوا يروجونه. لقد رأينا حتى الفيديوهات التي تأتي من دول أخرى، من دول أجنبية.
لقد رأينا كل هذه الفيديوهات، تحريض السودانيين على القتال فيما بينهم. لذلك كل هذه المعلومات مهمة جدًا لأغراض المحاسبة ويجب تجميعها.
قلت إن المحاسبة ستحدث. لذلك من المهم جدًا الاستمرار في توثيق كل ما يحدث. إذا قمت بالتقاط صور على هاتفك، يرجى إرسالها إلى شخص آخر. حتى إذا فقدت هاتفك، سيكون هناك سجل في مكان ما. علينا أن نستمر في نشر المعلومات طوال الوقت.
بالنسبة لما يحدث هناك، أعلم أن هناك أماكن كثيرة في السودان لا يملك الناس فيها حتى هواتف محمولة، ولا توجد كهرباء، لذلك حتى التوثيق على الهواتف المحمولة صعب.
لكن لأن هذا سينتهي، أعدكم بأن هذا سينتهي. لأن كل الحروب تنتهي. ويجب أن يبقى الناس على الذاكرة حية. يجب أن يستمر الناس في الحديث عن هذا، يجب أن يعرف الناس أن الوقت سيأتي عندما سيكونون مطلوبين كشهود على ما حدث في السودان.
دبنقا – وما هي النتيجة المرجوة من هذه الورشة مع قطاع الإعلام لمواجهة خطاب الكراهية في كيغالي؟
نيريتو – أطلق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس استراتيجية طويلة المدى وخطة عمل لمكافحة خطاب الكراهية عام 2019 وطلب من مكتبي أن يتولى القيادة في تنفيذها. جزء مما نقوم به في إطار التنفيذ هو العمل مع مختلف المجموعات. لذلك نعمل مع القادة الدينيين، ونعمل مع الرياضيين. وأنا عملت في الماضي كصحفية وأعلم قوة الصحافة، ليس فقط في التعرف على خطاب الكراهية، بل أيضًا في التعرف على دورها في التحريض على العنف الذي يمكن أن يؤدي إلى جرائم بما في ذلك جريمة الإبادة الجماعية.
السبب في أن خطة العمل هذه منسقة من قبل مكتبنا هو أنه لا توجد إبادة جماعية واحدة في العالم حدثت لم يسبقها أو يصاحبها أو يتبعها خطاب الكراهية. لذا نحن الآن هنا، مع صحفيين من جميع أنحاء العالم. في هذا الاجتماع، يضع الصحفيون خطة عمل لمواجهة خطاب الكراهية. لقد جلبوا وجهات نظر متعددة. لذلك في القاعة، لدينا وجهات نظر من أوكرانيا، لدينا وجهات نظر من السودان، من البوسنة والهرسك، رواندا، فرنسا، العديد من البلدان في القاعة، والنتيجة ستكون خطة عمل للإعلام والصحفيين والجهات الفاعلة الأخرى لمواجهة خطاب الكراهية.
دبنقا – ما هي رسالتك عبر راديو دبنقا لإرسالها إلى اللاجئين والنازحين السودانيين، والسودانيين الآخرين الذين تم تهجيرهم؟
نيريتو – لقد زرت معسكرات اللاجئين السودانيين في تشاد قريبًا وتحدثت مع اللاجئين في معسكري فورشانا وأدري، ورسالتي لكل السودانيين الموجودين هناك، الذين يشهدون كيف انهار بلدهم.. ورسالتي لهم جميعًا، هي أننا نقوم بجهود كبيرة هنا ونعلم أن كل ما نفعله قد لا يكون كافيًا لأنكم تعانون هناك.
ونحن نحاول بقدر المستطاع لدفع الذين يحملون الأسلحة على وضعها ارضًا، وان يسمحوا للسودان بالعودة إلى ما كان عليه، للسماح بالقيادة المدنية في السودان.
لقد عقدنا العديد من الاجتماعات مؤخرًا، الاتحاد الأفريقي عقد اجتماعًا مع النساء الناشطات من السودان. نحن أيضًا نرتب اجتماعًا مع القادة التقليديين من السودان وسنقوم بجمعهم في أوغندا. وسنجمعهم من حيثما كانوا، سواء في السعودية أو القاهرة، ليروا ما يمكننا مناقشته.
السودان أكبر من الجنرال برهان والجنرال حميدتي. السودان ملك لكل ابنائه. وعلينا أن نبدأ في الحديث مع هؤلاء الناس الآخرين. لنرى في أي اتجاه يمكن أن يتجه السودان. لأنه تحت مراقبتنا.
لن نسمح للسودان أن يصبح دولة فاشلة. لن نسمح للسودان أن يصبح بلدًا بلا قانون تمامًا، لأننا نعرف من أنتم، شعب السودان. نعرف إمكانياتكم.
نعرف ما قدمتموه، ويجب أن نعمل بقدر المستطاع لإعادتكم إلى بلدكم، إلى منازلكم، لكي تتمكنوا من بدء حياتكم من جديد. ومرة أخرى.
أتحدث إليكم كأخت، قلبي محطّم تمامًا. حزينة جدًا، حزينة جدًا. عندما أتذكر الخرطوم، الخرطوم التي عرفتها، وأقول لكم، من فضلكم، تشجعوا.
طالما كنتم تستيقظون كل صباح وتدعون، سيبقى الله معكم. وأود أن أعطيكم الأمل، حتى عندما تشعرون باليأس. أقول لكم، وارجوكم، لا تستسلموا. مهما كان ما تفعلونه ومهما كانت مشاعركم الآن، من فضلكم لا تستسلموا.
يومًا ما، ستعودون إلى السودان، وسيكون السودان كما كان من قبل وأفضل.