مؤتمر القوى السياسية والمدنية بالقاهرة، تأمين المصالح المصرية أم المصالحة السودانية ..؟!
الثلاثاء : 9 يوليو 2024م: راديو دبنقا
تقرير: سليمان سري
انفض مؤتمر القوى السياسية والمدنية الذي استضافته العاصمة المصرية القاهرة، يوم السبت، حول قضايا الراهن السياسي وبحث كيفية إنهاء الحرب وإيصال المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين، وبحث فرص تحقيق السلام الشامل والدخول في عملية سياسية تقود لمرحلة انتقالية في السودان تحت شعار “معًا لإنهاء الحرب”.
وفشلت الأطراف السودانية، كما كان متوقعًا، في التوصل لاتفاق يوحد مواقفها لمعالجة الأزمة نتيجة للخلافات التي برزت برفض بعض القوى السياسية، التوقيع على البيان الختامي، تحديدًا حركات الكفاح المسلح الموقعة على اتفاق جوبا، الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة، العدل المساواة بقيادة جبريل إبراهيم وزير المالية، وتحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي حاكم إقليم دارفور.
ولم يكن غائبًا عن القاهرة وهي ترتب لعقد المؤتمر طبيعة الخلافات بين الأطراف السودانية وانعكساتها على المؤتمر وربما النتائج التي خرج بها، لكن بالرغم من ذلك كانت لديها رغبة ملحة تتعلق بهدفين أولهما بمعالجة الأزمة السودانية وثانيهما بمصالحها أومخاوفها هكذا بصورة عامة. فهل يحسب ذلك فشلاً ومن يتحمل مسؤوليته القاهرة أم الأطراف السودانية ؟؟.
نجاح جزئي:
غير أن الباحث في الشؤون السياسية والكاتب الصحفي عصام شعبان يقول في حديث لـ”راديو دبنقا ( لانستطيع القول أن مؤتمر القاهرة فشل، لكنه نجح جزئيًا في إيجاد ساحة للنقاش وتعزيز الحوار بين القوى السياسية. نظرًا لاتساع القوى المشاركة من القوى السياسية والاجتماعية.) ويضيف:( لكن الوصول لهدف أبعد يتعلق بوقف الحرب فهذا يتطلب أن يكف طرفي الصراع عن استخدام السلاح كآداة للوصول للسلطة.)
وعبر شعبان عن اعتقاده أن القاهرة سوف تستمر في جهود الوساطة وصولًا لأن يدخل الطرفين في مفاوضات، ويرى أن الوقت يسمح بذلك في ظل توازن القوة بين الطرفين والايقان بأنه لايستطيع طرف لوحده حسم الصراع العسكري.
ويشير شعبان إلى (أن المؤتمر يعد مدخلًا لبذل جهد في مسألة المساعدات والإغاثة الإنسانية والتعامل مع قضية اللاجئين، ومستقبلًا يمكن أن تلعب دول الجوار ومصر، بالتأكيد، والمنظمات الدولية والإقليمية دور في إعادة الإعمار، والحديث عن سودان جديد لأن بعد الحروب الأهلية وحتى وإن كانت تشهد فترات طويلة يكون سؤال ما العمل هو السؤال الحاضر ماذا نريد من الدولة.)
تشكك في نوايا القاهرة:
ويضيف الكاتب الصحفي عصام شعبان (من الطبيعي أن ترى بعض الأطراف ذات المصلحة في استمرار الحرب أن المؤتمر فشل ولم يحقق أهدافه، لأنها تريد ذلك كونها مدفوعة باستمرار الحرب، فتجد أنصار الجيش والدعم السريع يرددوا هذا الحديث.) وتلع (الطرفان لايريدان أي حوار سياسي لأطراف متعددة، وفي النهاية كل طرف يريد تصدير الصورة والموقف الذي يريده وبالتالي مشاركة الأطراف السياسية، القريبة والبعيدة من الطرفين برأي أنصار الطرفين أن المؤتمر فشل.)
واوضح شعبان (هنالك دائرة تعتبر أن المؤتمر فشل وهنالك سبب موضوعي لذلك وهو مواقف القاهرة المرتبطة بمواقف مرتبكة من الثورة السودانية، ومرتبكة من بعض القوى والفصائل السياسية، نظرًا لموقف القاهرة الحذر، في أحيان والمحافظ في أحيان أخرى. بالتالي بعض الأطراف تنظر بتشكك إلى القاهرة .. هل فعليًا تريد حوارًا سياسيًا أم تريد تحقيق مصالح ما.)
ويرى شبعان، بعيدًا عن الموقف من الثورة، تحديدًا في هذا الظرف،( موقف القاهرة من الحرب واضح فهي مضرة لها، بكل تداعياتها فالقاهرة من ضمن ملفاتها الأساسية الهم الأمني فالحرب في السودان تؤثر على الحدود بين البلدين ومع ليبيا وأمن البحر الأحمر.) وتابع قائلا ( هذه الدائرة التي أشرت إليها آنفًا، أيضًا تسمح لأطراف بالتدخل بما يضر بوزن القاهرة دبلوماسيًا وسياسيًا، ).
وينوه شعبان أن دخول أطراف للوساطة يخصم من قدرات مصر الدبلوماسية، ويؤكد، أيضًا، مصر مرتبطة بأطراف دولية تريد أن تظهر دورًا وقدرة في إدارة حوار بين الأطراف السودانية. ويعتقد بأن التنافس الإقليمي والأفريقي يدفع تلك الدائرة لأن تكون متشككة وتأخذ موقف من أي مبادرات تقوم بها القاهرة.
ويؤكد الباحث في الشؤون السياسية والكاتب الصحفي عصام شعبان في حديثه لـ”راديو دبنقا” ( أن القاهرة الآن تستطيع أن تكرر الدعوة مرة أخرى لمؤتمر لاستكمال الحوار، وتستطيع أن تدفع بعض القوى الإقليمية أيضًا لمسألة الحوار وليس إعلاء صوت السلاح ودعم الحرب )
منبر جدة أم القاهرة:
وحول مايتردد عن أن مصر ربما أرادت باستضافة مؤتمر القوى السياسية والمدنية، إنشاء منبر بديل لمنبر جدة، يقول الكاتب الصحفي خالد محمود في رده لـ”راديو دبنقا”( أن القيادة السياسية المصرية تخطيطها السياسي أنها تبقى جزء من جدة أو تلحق بها لكنها لاتبقى بديلًا له.) ويقول: إن جدة تمثل ترجمة إقليمية ودولية للصراع، وجدة تملك مظلة إقليمية ودولية. يمكن أن تخلق توافق بين كل هذه الأطراف.
وبينما اعتبر الباحث في الشؤون السياسية في حديثه لـ”راديو دبنقا” أن مصر حينما تتدخل في الملف السوداني تعزز فكرة ودور الوساطة سواء بعلاقتها مع واشنطن أوبعلاقتها مع الاتحاد الأوربي وهم الأقرب في العلاقات الدولية والأكثر قوة، أيضًا هي تتفاهم مع الرياض في هذه المسألة وليست في حالة تنافس مع الرياض كما يرى البعض، لأنها في حالة حوار مع الرياض.
ويقول أيضًا (ان القاهرة تتحاور مع الإمارات وإن كان الوضع مختلف كما يعلم الجميع لكن لا أظن التحركات الحالية، هي بمعزل عن حالة حوار بين الأطراف الثلاثة، خاصة الرياض فليست في حالة مواجهة أو تنافس بالمعنى الرائج أو كما يروج البعض.)
كيانات رسمية:
وحول التغيير في الموقف المصري بالانفتاح على القوى السياسية ومن ضمنها تنسيقية القوى المدنية والديمقراطية “تقدم”، ربما يثير غضب بورتسودان، يؤكد الكاتب الصحفي خالد محمود في حديثه لـ”راديو دبنقا” أن مصر غير محايدة هنالك تناقضات في الدور المصري متعلقة بفكرة الدولة المركزية لديها، فهي مسألة أساسية في اتخاذ القرار، في ذات الوقت وجود الإسلاميين المعاديين التاريخيين لمشروع سلطة دولة يوليو في مصر هذا بسهم عكسي.
ويشرح ( السياسة المصرية عادة تتعامل مع سلطة الدولة في السودان أيًا ما كانت هذه السلطات، ومن يمثل الدولة المركزية بالنسبة لها هو الأساس اياً ماكانت شكل هذه السلطة فكرة دولة ديمقراطية أو غير ديمقراطية هذا لايعني السلطة المصرية. في نفس الوقت لديها اتجاه عكسي بأن في إسلاميين لايزالون موجودين، وهذا يجعل القرار المصري مركب ومعقد. لاتستطيع التعامل معه.)
ويعتقد أن الحكومة السودانية ( لن يحصل تطابق بينها والحكومة المصرية .. في كل الأحوال سيكون هنالك حالة تشكك في إسلامية السلطة السودانية عند المصريين، بالتالي ليس كل قرار مصري سيكون مرضيًا عنه.)
وفي ذات السياق يعتقد الكاتب الصحفي عصام شعبان أن مصر لديها رؤية في التعامل ( مع كيانات رسمية هي أصلا موجودة وهي لاتحبذ ولاتفضل التعامل مع المليشيات، حيث كان هنالك فارق في التعامل مع البرهان وقائد قوات الدعم السريع الفريق “حميدتي”.)
ويؤكد (هنالك إدراك لخطورة حضور المليشيات أو التنظيمات التي لاتمثل دولة بشكل عام، وهذا ظاهر في تعامل القاهرة مع التكوينات السياسية في المنطقة العربية بشكل حذر خاصة في الدول، التي شهدت صراعات أو حروب أهلية في كل الدول تقريباً.)
استضافة حميدتي:
وحول إمكانية دعوة القاهرة لحميدتي في مؤتمرات لاحقة على ضوء انعقاد المؤتمر الذي أنهى أعماله، السبت، واستضاف قوى سياسية ومدنية وحركات مسلحة، اعتبر الباحث في الشؤون السياسية عصام شعبان أن مسألة استضافة حميدتي أو من يمثله في القاهرة في مسألة التفاوض هذا أمر ضروري. وعبر عن اعتقاده بإمكانية أن يحدث ذلك مستقبلاً
جزئيًا يتفق الكاتب الصحفي خالد محمود مع عصام شعبان في هذا الرأي حول احتمال وإمكانية استضافة القاهرة لحميدتي، لكنه أيضًا، رهن ذلك، حال ظهور بوادر ومساحة بين الطرفين، ويقصد الجيش والدعم السريع، غير أنه استدرك قائلًا( لا القاهرة ولا غيرها تمتلك أدوات حاسمة، ويرى أن القاهرة يمكن أن تمتلك أدوات ضغط محدودة، ويمكن جهات إقليمية أوعالمية تمتلك أدوات ضغط محدودة.)
ويقول محمود في حديثه لـ”راديو دبنقا” ( إذا كان هناك بلد في حجم الولايات المتحدة وسلطة بحجمها لاتملك أدوات ضغط حاسمة ، فهل ستستطيع السلطات المصرية التقريب بين الطرفين، ويرهن ذلك بقوله أتصور أن اللحظة التي سيبدو فيها هذا ممكنًا، وهذا أمر، متعلق بالوضع الميداني أصلًا ويرى أن كل طرف يعتقد أنه قادر على انجاز نقلة نوعية في الواقع الميداني.)
ويمضي الكاتب الصحفي خالد محمود في ذات السياق ويشير إلى أن تصريحات البرهان في حوار مع قناة الجزيرة الانجلزية، الذي قال فيه البرهان: “إن سقوط المدن لايعني بالنسبه لي هزيمة وأرى ما لاترون”.
ويقول محمود تعليقًا على حديث البرهان أنه كلما تقدم له مبادرة سياسية لوقف الحرب والعودة للتفاوض يحاول البرهان أن يحسن وضعه الميداني. واعتبر ان الوضع الميداني مالم يحسم أو يتصور أحد الطرفين أن هذا أقصى ما يمكن أن يأتي به الميدان لن يتم تقارب.
ويقول خالد في هذه الحالة يمكن أن تلعب السلطات المصرية دورًا، لكن، أيضًا، في هذه الحالة ستسبقها جهات أو أطراف أخرى كثيرة، والسلطات المصرية يمكن تبقى جزء من آخرين لكنها لاتملك حسم المسألة.