الطبيبات في الحرب .. معاناة وعجز وتشرد
امستردام: كمبالا: 30مايو2024: راديو دبنقا
تقرير: عبد المنعم مادبو وفاطمة بريمة
طالت المآسي التي خلفتها الحرب شريحة الأطباء وهي شريحة مهمة يعتمد عليها كثيراً في ظروف الحرب التي تمر بها المجتمعات، وهو ما يعكس حجم الأضرار التي الحقتها الحرب على المجتمع السوداني بصورة عامة برنامج كنداكات وميارم الذي يبثه راديو دبنقا تناول في حلقته الاسبوعية اوضاع الطبيبات والعاملات في الحقل الطبي من النساء وكيف أثرت الحرب على حياتهن المهنية والشخصية.
شهور الحرب الصعبة في الخرطوم
من بين هؤلاء الطبيبات دكتورة نهلة عمر التي قضت عدة اشهر في العاصمة الخرطوم وهي تشهد فصولاً مروعة من الحرب والدمار والخراب الذي يطال عاصمة البلاد جزءً تلو جزء من اركان المثلثة، دكتورة نهلة قالت لراديو دبنقا إن الشهور التي قضتها في الخرطوم بعد اندلاع الحرب عاشت فيها وضعاً مأساوياً جداً وظروفاً قاسية ومحزنة، كانت تحت القصف المدفعي العشوائي.
واشارت إلى انه بحكم انها طبيبة حاولت البقاء في مدينة ام درمان لمساعدة المرضى والمصابين في ظل وضع مأساوي انقطعت فيها خدمات الكهرباء والماء وانعدمت الأدوية المنقذة للحياة، حتى القليل من المعينات الطبية لم تتكن موجودة، وتابعت: رغم ذلك كنا نحاول ان نقدم الخدمة الانسانية لشعبنا، تحت ظروف عدم الامان والاحساس بالخوف على النفس والاسرة والجيران.
واضاف “هذا الوضع اضطرنا بعد ذلك إلى الخروج من ام درمان، وظللنا ننزح مع اسرتي من مدينة لمدينة إلى ان خرجنا من السودان، والان يعتصرني الحزن على فراق وطني مجبرة” وذكرت انها استقرت الآن في القاهرة تحاول ان تبدأ حياتها من جديد في ظل عدم وجود فرص عمل وحياة صعبة ينعدم فيها المسكن ومقومات معيشة.
دكتورة نهلة التي كانت تمتلك عيادة خاصة في ام درمان وتعيش حياة مليئة بالعمل تكاد ساعات اليوم لا تكفيها، تقول “أبحث الان عن فرصة عمل تمكني من العيش في وضع أفضل مما اعيشه الآن في مصر، وأتمنى ان تتوفر وظيفة لأتمكن من العيش في الخارج إلى حين العودة لبلدي”
حالة مماثلة
لم يكن الوضع الذي تعيشه دكتورة نهلة أفضل مما ترويه دكتورة عفاف بشر عبد الشافع التي كانت تعمل بمستشفى زالنجي التعليمي، دكتورة عفاف قالت لبرنامج كنداكات وميارم الذي يبثه راديو دبنقا انها موظفة بمستشفى زالنجي منذ نحو ثلاثة اعوام إلى ان اندلعت الحرب وانتقل اوارها من الخرطوم إلى وسط دارفور، واشارت إلى ان اول ما خلفته الحرب تدمير كامل لمستشفى زالنجي الذي تعمل فيه ونهب كل معداته وادواته الطبية، واضافت: اطلقنا بعد ذلك مبادرة طوعية لإسناد المستشفى لإعادته إلى العمل لكن تم تهديدنا عدة مرات وواجهنا صعوبات اضطرتنا إلى الخروج من الولاية بعد ان اشتدت المعارك في المدينة خاصة الاحياء الغربية منها “حي الحصاحيصا”
معاناة في للجوء
استقر الحال بالدكتورة عفاف في معسكر اردمي للاجئين السودانيين شرقي دولة تشاد، الذي وصفته بأنه يفتقد للخدمات الاساسية ولا توجد فيه فرص عمل، واضافت: “نحن الان كوادر طبية موجودين في المعسكر مكتوفي الأيدي وعاجزين عن القيام بأي عمل انساني تجاه اهلنا اللاجئين هنا، واشارت إلى انه بجانب عدم وجود فرص للعمل انها لم تتمكن من صرف راتبها من وزارة الصحة السودانية منذ اندلاع الحرب في ابريل 2023.
طبيبة أخرى لاجئة مع دكتورة عفاف في معسكر اردمي تقول انها كانت تعمل في زالنجي بدوامين في اليوم في مؤسستين طبيتين، لكنها الآن تمر بظروف قاسية جداً بسبب هذه الحرب، مشيرة إلى انها اضطرت إلى اللجوء لدولة تشاد من شهر يونيو بعد ان ساء الوضع في مدينة زالنجي، بيد انها وجدت الوضع المعيشي في تشاد كذلك صعباً جداً مقارنة بما كانت تعيشه في السودان قبل الحرب، واضافت انا الان لاجئة في تشاد لما يقارب العام لكني لم اجد فرصة عمل، وهذه حاجة مؤسفة جداً كل الكوادر الطبية الموجودين في المعسكر الان ما قادرين يخدموا اخوانهم اللاجئين.
وطالبت المنظمات الانسانية بان توفر فرص للأطباء السودانيين في المعسكرات لتقديم الخدمات الطبية للاجئين وقالت هذا شيء محزن ان ترى مريض سوداني امام اعينك وليس لديك القدرة على تقديم اي شئ إليه.
العمل في ظروف الحرب
في ظل هذه الحرب وما خلفته من دمار للبنية التحتية في القطاع الصحي ومعاناة للعاملين فيه تقوم السستر “رانيا محمد احمد ادم” التي تعمل في مستشفى الصداقة الصيني بمدينة الفولة بولاية غرب كردفان بعمل جبار مع رفقائها لخدمة انسان الولاية الذي يعاني هو الآخر جراء هذه الحرب، تقول رانيا ان ولاية غرب كردفان كغيرها من الولايات تمر بظروف صعبة جراء هذه الحرب والنزوح، لكنها اشارت إلى انها وبقية الكوادر الطبية بالمستشفى تقوم بكامل عملها وواجبها الانساني رغم المهددات الأمنية، حين انها تعمل وتتوقع في اي لحظة ان يحدث ما لا يحمد عقباه اثناء العمل، واضافت: الاطباء يبذلون جهوداً رغم كل تلك الظروف غير الآمنة والتي لا تتوفر فيها اي من الاجور مقابل العمل في ظل الاوضاع الاقتصادية الراهنة، رغم ذلك نحن الان مستمرين نعمل لخدمة المواطنين.
واوضحت ان مستشفى الصداقة بالفولة يستقبل في اليوم حالات من مختلف مناطق الولاية اضافة إلى النازحين الذي تستضيفهم البالغ عددهم نحو 32 الف موزعين في المدارس والمرافق الحكومية يقدمون لهم الخدمات الطبية.
فقدان مواقع العمل
وتشير دكتورة ندى حمد النيل اخصائي طب المجتمع بوزارة الصحة الاتحادية ان الحرب خلفت دماراً كبيرة في القطاع الصحي وآثاراً على العاملين فيه خاصة من شريحة النساء، وذكرت ان اعداداً كبيرة منهن نزحن من مواقع عملهن إلى مواقع اخرى، حتى اللائي ثبتن في اماكنهن يعشن في وضع صعب لجهة انهن يعملن في مناطق فيها عمليات حربية ونزاعات اثرت بصورة كبيرة عليهن، وكشفت عن تعرض اعداد كبيرة من الطبيبات إلى انواعا من العنف سواء ان كان نفسيا او جسدياً
وذكرت دكتورة ندى ان نزوح الطبيبات إلى اماكن اخرى لم يتوفر لهن فيها سكن ولا دخل ولا استقرار اقتصادي، الامر الذي تسبب لهن في ضغوط نفسية، على عكس ما كن يعشنه قبل الحرب، حيث لديهن عمل مستقر وعيادات خاصة، وقالت الان الطبيبات يحتجن لتأهيل نفسي جراء ما تعرضن له جراء هذه الحرب.
وذكرت ان هذه الحرب اجبرت بعض الطبيبات على التوقف عن العمل الامر الذي سيكون له تأثيرات على مسيرتهن المهنية، واضافت: “الان توجد مجموعة كبيرة من الطبيبات السودانيات في الدول المختلفة بلا عمل لم يتم استيعابهن في النظم الصحية لتلك الدول”.
عودة للوراء
واشارت دكتورة ندى إلى ان هناك طالبات طب في السنوات الاخيرة من الدراسة واجهن كذلك صعوبات كبيرة ولم يستطع بعضهن اكمال دراستهن والتخرج، والبعض الآخر سافر إلى دول أخرى لمواصلة الدراسة، لكنهن تم ارجاعهن لعامين إلى الوراء، وهذا كان خيارا صعباً اما ان يقبلن به او ينتظرن فتح جامعاتهن وهذه مشكلة وفيها ضياع عدد من سنين العمر بالنسبة لهن.
كيفية الحماية
تقول دكتورة ندى الموظفة بوزارة الصحة الاتحادية ان حماية الطبيبات من الاعتداءات اللائي يتعرضن لها من قبل طرفي الحرب يتم بواسطة تثبيت النظام الصحي في البلاد، واضافت: “كلما كان النظام ثابت كلما وجدت الطبيبة حماية من النظام الذي تعمل فيه، لذلك نحن نحاول الآن نثبت النظام الصحي سواء ان كان في الولايات الآمنة او شبه الآمنة او تلك التي يصعب الوصول اليها.”
آثار نفسية
وكشفت دكتورة ندى حمد النيل اختصاصي طب المجتمع بوزارة الصحة عن سعى الوزارة لإقامة دورات تدريبية وتأهيل نفسي للطبيبات لتجاوز الصدمات النفسية التي تعرضن لها وتدريبهن على كيفية التعامل معها، بينما اتفقت معها اختصاصية الطب النفسي دكتورة لبني علي محمد رئيس منظمة بت مكلي القومية التي اشارت إلى ان الطبيبات السودانيات تعرضن لصدمات نفسية كبيرة جراء هذه الحرب، وقالت ان الطبيبة السودانية معتادة على ان تعيش وضعاً اجتماعياً ومالياً مميزاً عن غيرها من شرائح المجتمع، والآن تحولت إلى وضع كارثي، ونبهت إلى من بين الصدمات والاعراض النفسية التي يتعرض لها الاطباء في السودان بصورة عامة والطبيبات بصورة خاصة الأثر النفسي غير المباشر، وذلك بسبب تواجدهن مع الاسر في مراكز الايواء او معسكرات اللجوء وهن غير قادرات على تقديم اي شيء لتلك الاسر، اضافة إلى ان هناك طبيبات يعانين من احباط وتشتت ذهني وضغط نفسي، وهي امراض تتطلب التدخل العلاجي بحسب دكتورة لبنى، التي اكدت في الوقت نفسه استعدادها للتواصل مع اي طبيبة تشعر بانها في حاجة للاستشارة والدعم النفسي.