الحرب تفسح للأدوية المغشوشة وتدمر الصناعة المحلية
امستردام: الخميس 9/ مايو/ 2024: راديو دبنقا
أصدرت الأمانة العامة للجلس القومي للأدوية والسموم تحذيرا بتاريخ 8 مايو 2024 بشأن عبوات مجهولة المصدر لمستحضر Amidol 500 mg Tablet الذي يحتوي على مادة باراسيتامول المستخدم كمسكن للألم. وأعاد هذا التحذير لفت الأنظار لأوضاع صناعة الدواء في السودان وأنشطة الشركات المستوردة ومدى تأثرها بالحرب التي أدت إلى توقف صناعة الدواء المحلي كليا ودخول لاعبين جدد إلى سوق استيراد الدواء.
وحذر ناشطون في وقت سابق من تحول الدواء لسلعة بعد أن قامت السلطات الصحية في أمدرمان بإغلاق صيدلية مستشفى النو التي توزع الأدوية مجانا وفتح صيدلية بديلة تقوم ببيع الدواء للمرضى بالرغم من ظروف الحرب الحالية.
بجانب توقف مصانع الدواء وتراجع الدور الرقابي لوزارة الصحة، تواجه الحكومة في بورتسودان من مصاعب كبيرة في توفير تمويل لاستيراد الدواء في وقت تقدر فيه احتياجات البلاد بحوالي 300 مليون دولار سنويا. وأدى إغلاق ثلثي المستشفيات والمراكز الصحية ونهب الألاف من الصيدليات إلى شل القنوات التقليدية لتوزيع الدواء وظهور قنوات موازية لا تخضع للرقابة.
توقف الإنتاج المحلي بالكامل
وحول أوضاع صناعة الدواء في فترة ما قبل الحرب، أكد الدكتور صيدلي، يوسف ميرغني شكاك، صاحب معامل CDS للصناعات الدوائية، أن صناعة الدواء في السودان قديمة جدا منذ سبعينات القرن الماضي والسودان من أوائل الدول الأفريقية في هذا المجال، ولكن هذه الصناعة مرت بفترة جمود طويلة جدا. وأشار يوسف ميرغني شكاك في حديث لراديو دبنقا إلى وجود 21 مصنع للدواء في فترة ما قبل الحرب وأن انتاج هذه المصانع كان يكفي حاجة البلاد بالكامل من 200 صنف من الأدوية التي توقف السودان عن استيرادها تماما.
وأضاف الدكتور الصيدلي أن صناعة الدواء في السودان تركزت بالكامل في ولاية الخرطوم، وقد توقفت جميعها في يوم 15 أبريل 2023 مع بداية الحرب. وقاد ذلك إلى توقف انتاج 200 صنف من الدواء كانت تصنع محليا مما خلق فجوة كبيرة في أصناف الادوية التي يعتمد على تصنيعها محليا. وتشمل هذه الأصناف من الأدوية أنواع مختلف من بينها مسكنات الألم وصولا إلى الأدوية المخصصة لعلاج الأمراض المزمنة مثل الضغط والسكري والتي يتم تصنيع كل الادوية الخاصة بها الشائعة الاستعمال في السودان.
التصنيع خارج السودان
ومضى الدكتور يوسف ميرغني شكاك في حديثه لراديو دبنقا قائلا إن هذه الفجوة تسببت في ربكة لفترة من الوقت وصلت إلى 5 أشهر ما دفع المصانع لحمل ملفاتها إلى الخارج والبدء في تصنيع الأدوية خارج السودان بتعاقدات مع مصانع في الهند وفي مصر بشكل أساسي وبدأت هذه الأدوية تتدفق في شهري أكتوبر ونوفمبر. وكما يحدث في كل مناطق الحروب في العالم، نشط في هذه الفترة تجار الأدوية المغشوشة وتم إغراق السوق السوداني بكميات كبيرة من الأدوية المغشوشة. ونوه إلى أن المزورين استخدموا في هذه الفترة العلامات التجارية للمصانع السودانية بالنظر إلى أنها معروفة لدى المرضى. حيث قاموا بتصنيع هذه الأدوية بصورة ما وأصبحت تعرف في الأوساط المهنية بأدوية “بئر السلم” حيث يتم تعبئة الدواء في عبوة مماثلة للعلامة التجارية المعروفة من دون أن تكون المواد المستخدمة في تركيبة الدواء معروفة.
رسوم حكومية مرتفعة على الدواء
وشدد الصيدلي يوسف ميرغني شكاك في حديثه لراديو دبنقا إلى أنه بعد عودة الأدوية ذات المصادر المعروفة تبدأ الأدوية المغشوشة في الاختفاء وأن هناك مشاكل أخرى تواجه هذا القطاع حاليا. وأضاف أن الجهة الفنية ممثلة في وزارة الصحة تقوم بدورها بشكل مهني في منح تصديقات إدخال الدواء للسودان وتقوم بتسهيل الإجراءات بقدر المستطاع وبتواصل مستمر مع المعنيين في هذا القطاع.
أما الجهات المالية التابعة لوزارة المالية مثل الجمارك فتقوم بفرض رسوم كبيرة جدا في الموانئ لم تكن موجودة من قبل، كما أن هناك رسوم تفرض على شحنات الدواء في المعابر بالإضافة إلى فرض كل سلطة ولائية منفردة رسوم على الدواء. وتتسبب هذه الرسوم إلى زيادة كبيرة في تكلفة الدواء قد تصل وفق بعض الدراسات إلى حوالي 12 في المائة من القيمة الكلية.
ارتفاع تكلفة شراء الدواء
واستطلع راديو دبنقا عددا من المواطنين داخل السودان حول توفر الأدوية. حيث شكت المواطنة فاطمة الصافي التي تقيم في أمدرمان من أن الأدوية متوفرة الآن ولكنها غالية جدا. وضربت مثلا بدواء المعدة الذي وصلت قيمة الشريط الذي يحتوي على 10 حبات منه إلى 3 ألف جنيه، كما أن تكلفة فحص الدم ارتفعت من 4 ألف إلى 5 ألف جنيه، كما وصلت تكلفة فحص التايفود والملاريا إلى 5 ألف جنيه بسبب زيادة تكلفة المعينات الطبية. وقالت فاطمة الصافي أن أدوية السكري والضغط غير متوفرة وحتى في حال توفرها فأسعارها مرتفعة جدا.
شكوك بشأن صلاحية الأدوية
من جانبه أكد المواطن محمد أدم حسين النازح إلى مدينة زالنجي أن المشكلة الآن هي عدم توفر الدواء عبر قنوات وزارة الصحة وأن كل الأدوية الموجودة في الأسواق يتم تهريبها عبر دولة تشاد المجاورة من دول أخرى في غرب أفريقيا. وشكى محمد أدم حسين من أن هذه الأدوية تباع خارج القنوات المهنية من صيدليات ومراكز صحية ومستشفيات وفي ظروف تخزين غير ملائمة للمحافظة على صلاحية هذه الأدوية التي تتطلب حفظها في درجات حرارة منخفضة وبعيدا عن أشعة الشمس. كما أن أسعار هذه الأدوية مرتفعة جدا وتفوق قدرة المواطن على شرائها.
هذه الأوضاع تطرح الكثير من التساؤلات بشأن مستقبل صناعة الدواء بعد وقف الحرب. وإذا كان المسؤولون في هذا القطاع لا يبدون مخاوف من عودة أنشطة هذا القطاع بسرعة بعد انتهاء الحرب بالرغم من عدم القدرة على تقدير حجم الخسائر والدمار الذي حاق بالمصانع، إلا أن جل مخاوفهم تتركز حول فقدان القطاع والمصانع لكوادرها وخبراتها المهنية التي ستضطر مع استطالة أمد الحرب إلى البحث عن مصادر بديلة للمعيشة ما يفقد القطاع المعرفة والخبرة المتراكمة لسنوات.