د. سعاد مصطفي لـ”راديو دبنقا”: ما يحدث في الفاشر وضع أشبه بالحصار وصور مؤلمة وقاتلة لكل مظاهر الحياة
المرأة وخاصة في دارفور وقع عليها العبء الأكبر عندما وقعت الحرب لأنها الركيزة الأساسية في الإنتاج
إغلاق الطرق وعدم السماح بوصول المساعدات الإنسانية للمتضررين من الحرب يعني الموت البطيء للمواطن
بالرغم من تعدد المنابر إلا ان السودانيون قادرون على حل خلافاتهم وعليهم إلا يستسلموا للإحباط
حوار: محمد سليمان
• ما تعليقك على الوضع الذي تشهده مدينة الفاشر من أوضاع إنسانية ووضع أشبه بالحصار ؟
باعتباري مواطنة من الفاشر وأهلي كلهم من الفاشر لم تعد المدينة حالياً الفاشر ذات الحدود المعروفة. تمثل الفاشر في هذه اللحظة كل دارفور وهي السودان المصغر بكل المكونات الاجتماعية الموجودة في السودان، واتخذت هذه الوضعية بسبب الحرب عندما نشبت الخراب في كل دارفور لذلك لجأ الناس اليها باعتبارها الأم الحنون.
وجد الناس بالرغم من الجوع والعطش والمسغبة وكل الأشياء الأخرى شيئا من السلامة والطمأنينة وسط هذا المجتمع الأصيل المضياف. وبالرغم من المصادمات ما بين الجيش والدعم السريع إلا أن أهل الفاشر استطاعوا أن يعملوا على إبرام هدنة بين المتحاربين لأن الحرب تحصد أرواح المواطنين العزل. لكن بعد ذلك انفجرت الأوضاع وساءت الأحوال. وبعدها أصبحت الفاشر محاصرة وكل يوم يضيق عليها الحصار الذي ظهرت آثاره على حياة المواطنين في الغذاء والعلاج وبصور مؤلمة.
• د. سعاد كمهتمة بقضايا المرأة والسلام، تتعرض المرأة السودانية عموماً وخاصة في دارفور والفاشر التي نزحن اليها، للانتهاكات والعنف ما تعليقك ؟
هذا سؤال مهم جداً وفي السودان هناك قرابة الـ 25 مليون مواطن تضرروا من هذه الحرب وغالبيتهم من الموجودين داخل السودان بخلاف الملايين الذين لجأوا الي دول الجوار ومنهم أهل دارفور بالطبع، وكلهم يعانوا لكن المعاناة وقعت على المرأة وخاصة في دارفور. ولماذا وقعت على المرأة لأنه عندنا المرأة في دارفور هي العاملة وعملها ليس عمل وظيفي تتقاضي علية الأجر وإنما عمل يعتمد على الزراعة والرعي وعلى الأعمال الهامشية البسيطة وهذه تعتمد عليها الأسر ويمكن أن أقول أن أكثر من 80% من الأسر في دارفور تعتمد على المرأة لأنها الركيزة الأساسية في الإنتاج، ومهما هاجر الرجال تظل المرأة الركيزة الأساسية. وعندما وقعت الحرب وقع عليها العبء الأكبر. وأغلب الأسر التي نزحت الي الفاشر جاءت برعاية النساء. والمنظمات التي كانت تساعد المواطنين في الفاشر حدث لها إخلاء بفعل الحرب وتركت المنظمات الوطنية وهذه ليست لها موارد لتساعد النازحين، والآن أصبحت كل الأبواب مغلقة ولا يوجد مورد قادم لهؤلاء النازحين بسبب إغلاق الطرق. لذلك تحاول المرأة القيام ببعض الأعمال الهامشية لتوفير الطعام لأسرتها. وهناك أكثر من 180 في الفاشر وهذه المراكز تفتقد للأمن وللكثير من أسباب الحياة. ونأمل أن تكون التعهدات التي التزمت بها الدول في مؤتمر باريس أ، تنصب في مصلحة النازحين وخاصة النساء والأطفال.
• فيما يخص تعهدات مؤتمر باريس بتقديم مساعدات للسودان، وفي الوضع الذي تعيشه مدينة الفاشر كيف تدخل الإغاثة في ظل منع وصول وتدفق المساعدات والاحتياجات الي الفاشر ؟
هنا سؤال كبير جداً بالنسبة للمسلحين وأخص هنا الجيش والدعم السريع والحركات الأخرى المسلحة التي قامت من أجل حماية المواطن. نسأل الدعم السريع ما المقصود من قفل الطرق التي توصل المدد الغذائي للمواطن ونسأل نفس السؤال للحركات المسلحة والجيش. يعني ذلك ببساطة الموت البطيء للمواطن. وكل المجموعات المسلحة موفرة لنفسها العتاد الحربي والمواد الغذائية وتمنع وصولها للمواطنين. وهم يريدون غلق الطرق لبعضهم البعض لكن المواطن هو الضحية، وإذا استمر الحصار ذلك يعني حصار دارفور داخل مدينة الفاشر. وكيف يكون تفسير ذلك إذا مات الناس. لذلك أدعو كل المقاتلين الي الاستماع لصوت العقل والتوصل الي صيغة تسمح بوصول الغذاء للمجتمع في الفاشر. وحتى إذا صفت الأجواء وهذه الحرب مهما استمرت سوف تتوقف ولكنها ستنتهي بخسائر وتكلفة إنسانية باهظة. نريد أن تكون في أدبياتهم أنهم حاصروا المدينة ولكن في نفس الوقت فتحنا طرق لإيصال المساعدات الإنسانية للمحافظة على الحياة حتي لا يموت الناس جوعاً.
• الحرب دخلت في السودان عامها الثاني ما هو السبيل لوقف الحرب وتحقيق السلام من أين نبدأ ؟
بالرغم من أن الحرب بدأت بعد الخلاف الذي حدث بين أبناء السودان المتقاتلين، توقعت في مرحلة من المراحل أن تكون لهم المقدرة ويكون لديهم الاستعداد الأخلاقي لوقف الحرب التي وصلت الي مرحلة أفرزت ملايين النازحين واللاجئين. والنزوح الذي تم في الجنينة بولاية غرب دارفور لا يوجد له مثيل في تاريخ السودان ونسفت أي قيمة لها علاقة بالإنسانية في هذه الحرب. وتوقعت أن يجلسوا ويناقشوا للمحافظة على هذا السودان كوحدة وحدة المجتمع السوداني والعملية السياسية تستمر. ولكن المسألة لم تتم وتدخل المجتمع الدولي عبر عمليات متعددة وعبر مبادرات للاتحاد الأفريقي وغيرها حتى وصلنا الي منبر جدة بين السعودية وأمريكا والآن توسعت الفكرة لتضم مصر والإيقاد والمجتمع المدني وغيرها. الرؤية للحل مع وجود هذه المبادرات والمجتمع الدولي تحرك حتى سمنار باريس كان المقصود منه دعم المجتمع المدني للمساعدات الإنسانية والتي قدمتها الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الامريكية وجاءت هذه بعد حركة قمنا بها كأفراد ومجموعات للعمل على حث المجتمع الدولي لتقديم المساعدات للمحتاجين. وبعدها نظم المجتمع المدني السوداني لقاءات لبلورة رؤي وأفكار لتوصيلها الي منبر جدة والذي لم يتحرك في إطار التردي الذي يحدث للحرب في السودان. وكما هو معلوم أن أهل الفاشر استطاعوا إيقاف الحرب والوصول الي هدنة ما بين الجهات المتقاتلة واستمرت لأكثر من شهر. ونفس النموذج كان ينبغي أن يعمم في كل السودان، وان يدخلوا فيه كل من ينادي بوقف الحرب من السودانيين لأنه لدينا كذلك نسبة من السودانيين ينادون باستمرار الحرب وهذا شيء غريب. لكن السودانيين الذين هم مع وقف الحرب وقلبهم مع السلام والسودان يسترد عافيته ويكون هناك سلام واستقرار كان عليهم أن ينتظموا في هذه العملية ويقومون بتوسعتها على أساس حلها كسودانيين، وكما حدث في السابق وبالرغم من كل الخلافات إلا أن منبر جوبا استطاع أن يجمع السودانيين بغض النظر عما حققه منبر جوبا إلا أنه أثبت أن السودانيين قادرين بأنفسهم من حل خلافاتهم دون أن يستسلموا للإحباط.