التكايا” موروث صوفي قديم يعود من جديد لسد رمق الجوعى في حرب السودان
إعداد وتحرير – سودان تربيون
أم درمان 8 أغسطس 2024 – لاذ من تبقى من سكان الأحياء في ولاية الخرطوم ب “التكايا” التي وفرت المأكل والملبس والعلاج وأحيانا المأوى في ظل تطاول أمد الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع واقترابها من أن تبلغ سنة بالكمال.
والتكايا مصطلح صوفي قديم مشتق من المتكأ حيث يجد الفقراء والمساكين ملاذا يوفر لهم ما يسدون به رمقهم، لكن هذه التكايا كموروث اجتماعي تكافلي عاد من جديد في السودان بسبب الحرب ليسد فجوة غياب السلطات الحكومية والمنظمات الإنسانية.
وخلف القتال أوضاعا إنسانية بالغة السوء خاصة بين سكان الخرطوم الذين فضلوا البقاء في أحيائهم على النزوح لكنهم يكابدون خطر الموت بالقذائف والرصاص وضنك المعيشة الذي تسبب فيه تآكل موارد المواطنين وانقطاع الاتصالات والانترنت ما حرم قطاع واسع من التحاويل المالية.
وفي خضم انشغال الجيش والسلطات الحكومية بالمعارك انتبه الجميع في فبراير إلى أدوارهم التي قام بها نشطاء مدنيون عبر التكايا، ليقوم عضو مجلس السيادة مساعد القائد العام للجيش ياسر عطا ووالي ولاية الخرطوم أحمد عثمان حمزة بتفقد ودعم عدد من التكايا في مناطق سيطرة الجيش شمالي أم درمان في فبراير الماضي.
وقبلها دعمت قوات الدعم السريع مسيد الشيخ الأمين في بيت المال حيث وفر المسيد تكية لسكان أحياء أم درمان القديمة وفرت المأكل والرعاية الطبية، قبل أن يبسط الجيش سيطرته على المنطقة خلال مارس الحالي.
التكايا في مناطق الجيش
في شمال أم درمان انتشرت التكايا لتلبية احتياجات الأسر المتعففة والنازحين من الأحياء المتأثرة بالحرب.
ومن أبرز التكايا مبادرة “فكة ريق” لصاحبها الإعلامي عثمان الجندي والتي دشنها في أول نوفمبر من العام الماضي لمواجهة تداعيات الحرب وتلافي آثارها الكارثية.
ويقول الجندي لسودان تربيون إن فكرة مبادرته قامت على توفير وجبة صباحية مع الشاي، لكنها مع مرور الوقت تطورت بدعم الخيرين السودانيين بالداخل والخارج وعدد من الجهات الرسمية العامة والخاصة.
ويضيف الجندي أن تكية “فكة ريق” ظلت تقدم باستمرار شاي الصباح بالحليب مع الزلابية وتطورت وصولا لمرحلة تقديم وجبة غداء يوميا وفطور يوم الجمعة لأكثر من 300 أسرة متأثرة بالحرب موزعين على البيوت وأربعة دور إيواء بأحياء الحتانة والمنارة والواحة.
وطبقا للجندي فإنه يعمل في المبادرة 22 متطوعا ومتطوعة كل يقوم بدوره المخصص له. وخلال شهر رمضان واصلت تكية “فكة ريق” تقديم خدماتها المجانية للوافدين وبعض السكان المقيمين بمنطقة الحتانة شمال أم درمان بتوزيع وجبة إفطار يومية مع مشروب الكركدي أو العرديب وتقديم وجبة سحور متنوعة توزع يوميا بعد صلاة التراويح.
كما قدمت التكية ملابس للأسر المتضررة التي غادر أفرادها بيوتهم من دون أخذ أمتعتهم، وتستعد المبادرة لتجهيز فرحة عيد الفطر بتوزيع مخبوزات وحلويات ووجبة فطور أول أيام العيد.
وعلى غرار تكية “فكة ريق” تنتشر تكايا أخرى تتفاوت من ناحية الامكانيات لكن ما يجمع بين مؤسسيها هو الإصرار على إعانة السكان المتضررين من الحرب.
وفي شارع الأبراج بضاحية الثورة تعمل تكية بانقا منذ ستة أشهر بالرغم من صعوبات التمويل، حسب مجتبى عصام الدين أحد المشرفين على التكية.
ويؤكد عصام الدين لسودان تربيون إن التكية بدأت في ظرف صعب بإناء صغير لغلي البليلة لكن التكية تمكنت لاحقا من التوسع وتحضير أربعة أواني كبيرة لتحضير البقوليات. ويتابع “خلال رمضان نقوم بتحضير أربعة حلل كبيرة، إثنتان عدس ومثلها بليلة. البليلة مرغوبة للغاية”.
ويشير إلى أن التكية تعرضت لصعوبات كبيرة إبان فترة انقطاع الاتصال والإنترنت لأن التكايا قامت على دعم الأفراد من الخارج والداخل الذي يصل غالبة عبر التطبيقات البنكية، وأوضح أن الفترة الأخيرة بدأت السلطات المحلية في دعم التكايا.
ويقول إن أغلب القائمين على أمر التكايا اضطروا للاستدانة للإيفاء بتقديم الوجبات خلال فترة انقطاع شبكات الاتصال، لكن الأمور بدأت تعود إلى نصابها بعد عودة خدمات الاتصالات.
وحسب مجتبى عصام الدين فإن التكية تستهدف سكان أحياء أم درمان القديمة وأم بدة الذين نزحوا إلى محلية كرري هربا من القتال إلى جانب فقراء المنطقة.
ويذكر أنهم في حاجة إلى دعم حكومي أكبر للتوسع في إطعام المحتاجين، قائلا “نحن نقوم بواجب الحكومة ويجب على السلطات دعم هذه التكايا بشكل مؤسسي وكافي”.
التكايا في مناطق الدعم السريع
تبدو الأوضاع في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع في أحياء جنوب وشرق الخرطوم وأحياء الخرطوم بحري أكثر صعوبة لصعوبة الحركة وانقطاع خدمات المياه والكهرباء لفترات طويلة فضلا عن استمرار قطع الاتصالات والانترنت.
وضاعفت هذه الأوضاع من الصعوبات التي تواجه القائمين على أمر التكايا في مناطق الخرطوم والخرطوم بحري، ويقول المتحدث باسم غرفة طوارئ جنوب الحزام جنوبي العاصمة السودانية الخرطوم محمد كندشة إن الأوضاع المعيشية تزداد سوءا في مناطق جنوب الحزام التي تضم أحياء الأزهري ومايو والنهضة والإنقاذ.
ويشير كندشة إلى أعباء إضافية أخرى ترهق كاهل مواطني هذه الأحياء تتمثل في توقف خدمات الكهرباء والمياه والاتصالات، وفي ظل عدم توفر غاز الطهي يضطر السكان لشراء الفحم.
ووصل سعر جوال الفحم في منطقة جنوب الحزام إلى 40 ألف جنيه “حوالي 40 دولار”، وبرميل المياه 6 ألاف جنيه جنيه “نحو 6 دولارات” ولوح الثلج 16 أكثر من ألف جنيه “حوالي 16 دولار”.
وفي ظل كل هذه الظروف تعمل تكية مائدة الرحمن خلال شهر رمضان لتقدم وجبة إفطار رمضاني لنحو 522 أسرة من أهالي حي الإنقاذ بضاحية أبوجا.
وطبقا لمحمد كندشة فإن الإفطار يحتوي على كبسة أرز باللحمة وسلطة خضراء بمسحوق الفول السوداني والبليلة إلى جانب عصائر بلدية.
وفي ضاحية شمبات تنتشر العديد من التكايا لإطعام من تبقى من السكان – أغلبهم من الرجال والشباب الذين آثروا حراسة منازلهم -.
وحسب مصطفى بحاري أحد المشرفين على تكية مربع 15 في شمبات الأراضي شمال، فإن التكية تعمل منذ شهور طويلة على توفير وجبات مجانية للسكان.
ويفيد بأن تكاليف التكية يقوم بها سكان الحي الذين فروا من الحرب إلى الولايات الآمنة رغم ظروفهم المعيشية المتعثرة لعدم صرف الرواتب أو فقدان الوظائف.
ويضيف أن أبناء وبنات الحي المغتربين في الخارج يقدمون مساهمات كبيرة من أجل استمرار التكية في تقديم خدماتها للسكان الذين فضلوا عدم مفارقة شمبات بسبب الحرب.
(*) تنشر هذه المادة بالتزامن في منصات 27 مؤسسة ومنظمة صحفية وإعلامية مشاركة في حملة (منتدي الإعلام السوداني):
#ساندوا_السودان
Stand with Sudan #