تفكيك البنية القضائية جوهر مطالب الثورة
في محاولة لتعطيل تنفيذ الغايات الأساسية للثورة رفض المجلس العسكري قبول ترشيح مولانا عبد القادر محمد أحمد رئيسا للقضاء في الفترة الانتقالية. وفي الأثناء راجت أنباء عن ترقية أكثر من ستة وأربعين قاضيا للمحكمة العليا.
بقلم: صلاح شعيب
في محاولة لتعطيل تنفيذ الغايات الأساسية للثورة رفض المجلس العسكري قبول ترشيح مولانا عبد القادر محمد أحمد رئيسا للقضاء في الفترة الانتقالية. وفي الأثناء راجت أنباء عن ترقية أكثر من ستة وأربعين قاضيا للمحكمة العليا. ولعل معظمهم رضى عنهم البشير ورضوا عنه. وهذه الخطوة الأخيرة محاولة استباقية واضحة لتنفيس العدالة في الفترة المقبلة. أي أن البرهان وحميدتي – ومن ورائهما محيط – يقولان للثوار الذين يشكلون غالبية أهل السودان: خمو وصرو.
والحقيقة أن كثيرين أشاروا إلى الحاضنة الإسلاموية العميقة في الدولة، ومن ثم حذروا قوى الحرية والتغيير من التساهل معها حين تكوين حكومتها. ولكن الحقيقة التي تقف عارية أن لدى البرهان، وحميدتي، أنفسهما مصلحة لتعويق عدالة الفترة الانتقالية، على الأقل. ولذلك تبدو خطوة رفض ترشيح مولانا عبد القادر، وترقية القضاة، محاولتين كذلك لتأمين عضوية المجلس العسكري بعد أن سقط بند الحصانة من الإعلان الدستوري.
-٢-
إن القضاء الجالس كان سببا جوهريا لتعميق تدهور البلاد إلى الحضيض. ولم يحدث في كل عهودنا الوطنية أن ذبحت العدالة، وانتهكت استقلالية للقضاء، والقضاة، مثلما حدث في الثلاثين عاما الماضية. فتعيين القضاة استند على خلفيات ايديولوجية، وكانت ثمة محاباة في تطبيق العدالة. ولا شك أن القوانين التي طبقها القضاء كانت جائرة، وأسوأها قانون النظام العام، حيث جلد النساء بدلا عن جلد البشير نفسه، إذ كان الجلد يمثل حلا عقابيا، أو تربويا عميق الأثر.
كما أن معظم القضاة صمتوا حين شاهدوا قانون التحلل من المال الحرام الذي خصص لمواجهة مفسدي المؤتمر الوطني. وكذلك جبن القضاة من مواجهة المحاكم الخاصة التي تعقد خارج اختصاصهم بالشكل الذي تحقق انتقام قوش من عبد الغفار. وصمتوا أمام تمرير قوانين الحصانة عبر البرلمان، والتي تبعد تحقيق القصاص عند منزلة الأقوياء، وتحققه عند قفر الفقراء. بل إن قضاة النظام عزلوا أنفسهم عن سماع، أو مشاهدة، الموبقات التي ارتكبتها السلطة، وحرصوا على تحقيق العدالة الناجزة لما يخص مصلحة النظام، وغضوا الطرف عن انتهاكات جهاز الأمن، والدعم السريع. وهكذا صار قضاة مرحلة الثلاثة عقود مهنيين بلا ضمير، ولم يرتقوا إلى أن يكونوا بشرا يحسون بمحن شعبهم العظيمة.
أما وظيفة النائب العام، أو وزير العدل، فمنذ أن تقلدها د عبد السميع عمر أحمد ظل المسؤول عنها يتجاهل شكاوى المظلومين فيسد أذنه بطينة، والأخرى بعجينة. فكل ما تثيره الصحف، وشهادات الناس، عن فساد، واغتصاب، وجرائم، واعتداء على المال العام، لا يجد اهتماما في دوائر العدل. أما في ما يتعلق بانتهاكات الحرب في دارفور، وبورتسودان، وكجبار، ومناطق النزاع الأخرى، ففدونك مساءلة جلال المستقيل، وحميدتي. باختصار كان كل شئ متعلق بإقامة فسطاط الحق في تجربة الحركة الإسلامية هو ضد العدل، أو الحق عينه.
-٣-
لقد مثلت غالبية القضاة ضلعا أساسياً في تزوير أوضاع الثلاثة عقود الماضية. وحتى لا نعمم فربما توجد أقلية شريفة من القضاة، ومع ذلك لم نلمس لها مواقف مشرفة كما فعل المهندسات، والأطباء، والصحافيات، والمعلمون، والأكاديميون. ولذلك ينبغي أن يستمر ضغط الشارع بوصفه مظهرا ديموقراطيا لتنظيف ساحات القضاء، والعدل، من كل المعوقين للعدالة.
إننا نعول كثيرا على حكومة قوى الحرية والتغيير أن تحقق برئاسة د. حمدوك أهداف الثورة، واستعادة المهنية المنضبطة للمؤسسات الخدمية للدولة، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب. وبجانب الحكومة نعول على الشارع العريض أن يستخدم كل إمكانياته لتحريك المسيرات للتعبير ضد كل ضعف في مواجهة أساطين الدولة الإسلاموية العميقة.
إن تحقيق العدالة ضد الظالمين أمر ضروري لإعادة بناء البلاد، واستمرار استقرارها، وتطورها. وتعد أي محاولة لعرقلة محاسبة منتهكي حقوق الإنسان، والفاسدين، ارتدادا حقيقيا، وبائنا، عن تنفيذ المطالب التي نشدتها غالبية السودانيين الذين التفوا حول شعار “حرية، سلام، وعدالة”. ونعتقد أن استجابة قوى الحرية والتغيير لرفض المجلس العسكري ترشيحها لمولانا عبد القادر لمنصب رئيس القضاء هي بداية الانهزام أمام مخططات الدولة العميقة للإسلاميين. ولذلك ينبغي أن يقاوم الشارع هذا الرفض إذا قبلت به التنظيمات السياسية التي اضطلعت بتنفيذ شعارات الثورة. وعلى تجمع المهنيين السودانيين الذي قرر أن يضع نفسه رقيبا للثورة أن يفعل دوره في هذا الاتجاه. أللهم قد بلغنا فأشهد.