الكارثة الإنسانية في السودان تضع المجتمع الدولي في سباق محموم مع أطراف القتال وعجز المنظمات..!!
امستردام: الأحد 17/ مارس/2024: راديو دبنقا
أدرك المجتمع الدولي، أخيرًا، بعد قرابة العام من الحرب المستعرة في السودان، أهمية دوره وضرورة تدخله في حل النزاع بين الأطراف المتقاتلة، وخطورة الموقف بعد أن أضحت الحرب في السودان تهدد الأمن والسلم الدوليين، ولم يكن يتوقع أن تنزلق الأوضاع في السودان إلى هذا الدرك من الانهيار، بتفاقم الوضع الإنساني بصورة كارثية تهدد بحدوث مجاعة شاملة في كل أجزاء السودان. نتيجة لصراعات “شريكي الانقلاب” على كرسي السلطة، لم يكن المجتمع الدولي بعيدًا عن تفاصيل ما يجري في السودان إما بالانحياز لطرف دون الآخر أو الطرفين معًا عبر المحاور المختلفة.
وضعت تقارير المنظمات الدولية ووكالات الأمم المتحدة العاملة في المجال الإنساني المجتمع الدولي أمام مسؤولياته، حيث قدرت منظمات إنسانية احتياجات نصف السكان- نحو 25 مليون شخص- إلى المساعدة المنقذة للحياة. وقد قُتل أكثر من 14 ألف شخص، ومن المرجح أن يكون الرقم الفعلي أعلى بكثير”.
بينما الجوع يحصد أرواح مئات المدنيين في المعسكرات في دارفور والأحياء السكنية في قلب العاصمة الخرطوم، وسط عجز المنظمات الإنسانية في الوصول للمتضررين من الحرب. حذر برنامج الأغذية العالمي من أنه سيضطر إلى تعليق مساعداته لنحو 1.2 مليون لاجئ سوداني وغيرهم من المتضررين من الأزمة في تشاد إذا لم يتم تزويده بالتمويل العاجل.
أزمة إنسانية:
وتتفاقم الأزمة الإنسانية بصورة خطيرة كما يرى المحلل السياسي وخبير السياسات د. الحاج حمد أن الوضع الإنساني أصبح متجه نحو مراحل أزمة عالية جدًا، وحسب وكالات الأمم المتحدة اليونسيف وبرنامج الغذاء العالمي، أن هنالك حوالي 250 ألف طفل مهددين بالموت بسبب الجوع.
ويقول الباحث الحاج حمد لـ”راديو دبنقا” أن المواطنين نزحوا إلى المعسكرات في دارفور وسواء هم أو سكان الخرطوم فجميعهم نزح مرتين أو ثلاث، وسكان الخرطوم نزحوا للولايات ثم وصلوا إلى دول الجوار مشيًا على الأقدام.
ويؤكد بأن الذين نزحوا شمالاً كثيرون منهم من فقدوا أرواحهم وهم في طريقهم إلى الجارة مصر عبر التهريب، البعض اضطر للبقاء في ولاية القضارف لفترات طويلة جدًا لدخول إثيوبيا. كما أن هنالك مجموعات كبيرة دخلت إلى جنوب السودان.
ويشير إلى أن في العاصمة الأوغندية كمبالا معسكران للاجئين والمدهش أيضًا انضمام سكان السودان الشمالي لسكان السودان الجنوبي، وذكر مكتب الإحصائيات الأوغندي تقديرات بأن عدد اللاجئين يبلغ مليون 650 ألف لاجئ، 750 ألف من جنوب السودان والبقية من السودان الشمالي.
ويرى الحاج حمد مما سبق ذكره أن هذا الوضع من نزوح ولجوء المدنيين لدول الجوار مع أزمة إنسانية طاحنة ولازال العسكريين في الدعم السريع أو في الجيش السوداني سادرين في غيهم، على حد وصفه، ويقول إن الحرب العبثية لن تتوقف في القريب العاجل، أما الأمم المتحدة فيصفها بالمشلولة بين قوى السوق العالمي المتصارعة، ويعتقد بأن الوضع الجيوسياسي هو سيد الموقف.
الأمم المتحدة مشلولة:
يعتقد الباحث في السياسات العامة أن مجلس الأمن بقراره 2754 والداعي لوقف الأعمال القتالية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، يؤكد على أنه رفع يده من الطرفين باعتبارهما سبب الأزمة الإنسانية.
واعتمد مجلس الأمن الدولي مشروع قرار مقدم من المملكة المتحدة، بتأييد 14 عضوا وامتناع روسيا عن التصويت، يدعو إلى الوقف الفوري للأعمال القتالية في السودان خلال شهر رمضان وسعي جميع أطراف الصراع إلى التوصل لحل مستدام عبر الحوار.
بيد أن الحاج حمد، يرى أن الأزمة السودانية في بدايتها وإذا كان مجلس الأمن الدولي قد توافق على وقف إطلاق النار فقد حدث ذلك قبلها في اتفاق جدة بعده الإيقاد في جيوبتي، بعدها مفاوضات البحرين، دون نتيجة فعلية على الأرض.
أمل على الورق:
وإزاء تلك السيناريوهات يعتقد المحلل السياسي والباحث في السياسات د. الحاج حمد أن الحل الوحيد هو التدخل الإنساني بوضع قوات دولية تحمي توصيل الاغاثة للمدنيين وحماية توصيل المساعدات الإنسانية.
داعياً القوى الدولية التي تدعو تكرر المناشدات لوقف القتال ألا تعطي السودانيين أملا على الورق، بل يجب أن يكون هنالك شيء ملموس على الأرض وذلك بنشر قوات دولية توصل الإغاثة لمستحقيها.
واعتبر أنه لم يتم التوافق على المسارات المقترحة لدخول المساعدات الإنسانية بين كل المجموعات المسلحة بما فيها طرفي الصراع وقال الحاج حمد أن الجيش لديه مسؤولية أخلاقية يجب عليه تحملها، فالدعم السريع، كما يقال في الإعلام، خرج من رحم القوات النظامية وفي الحقيقة خرج من رحم التحالف مع دولة الإمارات.
ولأول مرة، وافقت الحكومة السودانية على إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود مع تشاد، وأعلنت وزارة الخارجية في بيان بثته عبر وسائل الإعلام، أن الحكومة أبلغت الأمم المتحدة بموافقتها على ذلك.
وعلى الرغم من الموافقة على إدخال المساعدات إلا أن الحكومة لم تلتزم بدعوة مجلس الأمن الدولي إلى وقف القتال في رمضان، وصعدت من عملياتها العسكرية، واستردت مبنى الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون وكل المؤسسات التي حول تلك المنطقة، إلا أن تلك العمليات ستنعكس على الوضع الإنساني ويحد من قدرة المنظمات الإنسانية من الوصول للمتضررين في ظل استمرار العمليات الجوية من قبل الجيش السوداني واستخدام مضادات الطائرات والقصف بالمدافع من قبل قوات الدعم السريع، ما دفع المدنيين من سياسيين ونشطاء حقوقيين للمطالبة بإدخال قوات دولية لحفظ السلام في السودان.
استحالة تدخل دولي:
غير أن الباحثة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، والمتحدثة السابقة للبعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي “يوناميد”، د. عائشة البصري تستبعد إمكانية لجوء مجلس الأمن الدولي للاستعانة بالفصل السابع للسماح بتدخل عسكري في السودان على غرار ما حصل في دارفور2007، في ظل الجرائم الفظيعة التي ترتكب في حق المدنيين. وتضيف “في تقديري، لا أظن أن مجلس الأمن الدولي. قد يفكر حاليًا، أو في المدى القريب، أو حتى المتوسط أو البعيد، في نشر أو إعادة نشر بعثة حفظ سلام في السودان، تحت الفصل السابع الذي يسمح بالتدخل العسكري، وبعقوبات وإجراءات أخرى من هذا القبيل، وذلك لعدة أسباب.”
وتقول الخبيرة الإعلامية أن أولها التجربة المريرة التي عاشها مجلس الأمن والأمم المتحدة عمومًا من خلال تجربة دارفور، بعثة حفظ السلام يوناميد هناك والتي خرجت بشق الأنفس، وبعد أخذ ورد وتجاذب في المواقف.
وتعتقد “البصري” أن تعرض قوة حفظ السلام للقتل على أيدي الجماعات المتمردة من ناحية، وميليشيات الجنجويد لا زالت حديثة، فلذلك الحديث عن رجوع أو إعادة نشر بعثة حفظ سلام غير وارد الآن في الأوساط الأممية على الإطلاق.”
دينامية مجلس الأمن:
وتواصل الخبيرة الإعلامية د. عائشة البصري حديثها لـ”راديو دبنقا” حيث تشير إلى أن السبب الثاني هو تغير دينامية مجلس الأمن، فمجلس الأمن في 2024 ليس كما كان عام 2007، ولم يعد هناك توافق بين أعضائه الدائمين مثل ما كان الأمر عام 2007، حين أنشأ مجلس الأمن بعثتي حفظ سلام مزدوجة من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي. واليوم يغلب على المجلس والمواجهة بين أعضائه الشلل أحيانًا، يمكن أن نقول إنه ينقسم إلى كتلتين تتواجهان باستمرار.
وتضيف “لقد رأينا هذا الانقسام في أكثر من موقف خاصة في حرب أوكرانيا حيث وانقسم إلى كتلتين، شرقية تقودها روسيا والصين، وكتلة غربية تقودها الولايات المتحدة، وحلفائها، ونظرًا لتوتر العلاقات بين الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن يصبح من شبه المستحيل أن يتفقوا على قرار مثل إرسال قوة حفظ سلام إلى السودان ودارفور.
القوات الدولية تحتاج إلى حماية:
وتشير المتحدثة السابقة لبعثة “يوناميد” د. عائشة البصري، أيضًا إلى أن الولايات المتحدة لن تقبل بإرسال قوات دولية للسودان لأن أولوياتها في مواقع أخرى مثل أوكرانيا، وما يجري في غزة، وبحر جنوب الصين، يعني مصالحها الآن تغيرت، كذلك الشأن بالنسبة للدول الأخرى. ولذلك، فإن عامل التوافق الذي كان موجودًا من قبل، لم يعد موجودًا الآن، فلا أمل في قوات تابعة للأمم المتحدة.
لكنها تعتقد بأنه ربما يمكن مخاطبة الاتحاد الأفريقي، وتستدرك قائلة “ولو إني لا أظن أن يستجيب لمثل هذا الطلب نظرا لتجربته المريرة في دارفور. لقد تعرضت قوات بعثة يوناميس ويوناميد لهجمات وقتل وخطف وإذلال، في ظل نظام الرئيس السابق عمر البشير. فبعثة حفظ السلام نفسها تحتاج لحماية أفرادها من الاستهداف من قبل الأطراف.
أما اليوم، كما تقول د. عائشة البصري، فالوضع أخطر بكثير، في غياب الدولة المركزية وتصعيد الحرب وتعقدها، بعد دخول الحركات المسلحة على خط النزاع. أتمنى أن يلعب مبعوث الاتحاد الإفريقي رمطان العمامرة دورًا إيجابيًا، في التواصل بين الأطراف من أجل حوار حقيقي، بدلاً من إصرارهم على حسم المواجهة عسكريًا.
وخلصت بالقول أن كل صراع مختلف عن الآخر، لكنهم يلتقون في نقطة جوهرية: فشل الدولة الوطنية في فترة ما بعد الاستعمار، وهي المعضلة التي تواجه جل دول القارة الأفريقية والدول العربية.