لا لقهر النساء

صورة تظهر قيادة مبادرة لا لقهر النساء في دار المحامين بمدني قبل اقامة ندوة جرى منها - 12 اغسطس 2023-صفحة مبادرة لا لقهر النساء على فيسبوك

الأحد: 11مارس2024: راديو دبنقا

تقرير: سليمان سري
استهدفت الحرب في السودان، المرأة بشكل ممنهج ومتعمد وبأنماط مختلفة ووجهت كل أسلحتها عليها برغم أنها ليست طرفًا فيها، فكانت أكثر ضحايا هذه الحرب، التي تعددت فيها أشكال العنف بصورة غير مسبوقة.

مكافحة العنف ضد المرأة يتطلب في المقام الأول وقف الحرب لإنهاء معاناة المدنيين والعمل على حمايتهم من الخطر، هي الأولوية الآن، وخاصة المرأة التي تعيش في أوضاع حرجة، تتحمل أعباء إضافية وتواجه انتهاكات خطيرة ترقى لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، من طرفي الصراع الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بالقصف والحصار وتتفاقم معاناتها داخل وخارج السودان.

استهداف المرأة

أرجعت الخبيرة في قضايا وحقوق المرأة د. نعمات كوكو استهداف هذه الحرب للمرأة بشكل مباشر، لشجاعتها وجسارتها ومشاركتها في ثورة ديسمبر، التي قالت بأنها أطاحت بنظام الإنقاذ وأنهت نظام الحركة الإسلامية ومشروعها الحضاري الديني، الذي أذاقها الأمرَّين.

وقالت د. نعمات لـ”راديو دبنقا” إنَّه ليست صدفة أن 70% من الشارع السوداني كانوا من الشابات اللاتي تعرضن لعنف الدولة في أقبح وجهه، خاصة قانون النظام العام الذي طاردهن حتى في مستوى الحرية الشخصية.

وتؤكد أن هذه الحرب استهدفت المرأة وأخرجتها من منزلها من دون أن يكون هنالك أي تمييز بينها والرجل، لكنها قالت حينما نأتي للسياسات والتشريعات والقوانين، نجد هنالك كثير من القيود على المرأة السودانية بسبب التمييز القائم على النوع الاجتماعي.

ولماذا الإقصاء

تعتقد المديرة التنفيذية السابقة لمركز “الجندر” في حديثها لـ”راديو دبنقا” أنه تم إقصاء المرأة في جميع المحطات الفاعلة ولكن إقصائها في الفترة الانتقالية، كان له الأثر المباشر في ضياع الفترة الانتقالية نفسها.

وترى أنه رغم أقصائها إلا أنها شاركت في مفاوضات السلام بدءًا من أبوجا، نيفاشا، سلام دارفور وسلام الدوحة وأخيرًا سلام جوبا، ومع ذلك لا نجد لها مكانة في المواقع القيادية سواء كان على مستوى الفترة الانتقالية أو حتى على مستوى السياسات وصنع القرارات.

وتؤكد د. نعمات مالك حقيقة أن المرأة هي المتضرر الأول من الحرب بحكم الأدوار الاجتماعية الثلاثة التي تقوم بها فهي كمسؤولة عن الأسرة، عانت من تدني خدمات الصحة الإنجابية، عانت من عدم التحقيق في ملفات العنف الجنسي والاغتصاب، وحتى تقديم الخدمات الصحية المرتبطة بحالات الاغتصاب التي وصلت المستشفيات.

وتعيد التذكير بتضرر ما تبقى من قطاعات انتاجية، سواء كان في القطاع الصناعي أو الزراعي خاصة في إقليم دارفور، وتقول بما إنها المتضرر الأول كانت من أول القوى الاجتماعية التي نهضت بعد الصدمة لإيقاف الحرب وتكونت عدد من المجموعات النسائية بمختلف تبايناتها وتقاطعاتها في ارتفاع صوتها في وقف الحرب وبناء السلام واستعادة مسار الثورة.

كيانات خاصة بالمرأة:

في ردها على سؤال حول ما حققته الكيانات النسوية التي تخص المرأة رغم انتمائها لتنظيمات سياسية، تقول المدافعة عن قضايا المرأة د. نعمات: نعم رغم أن النساء لديهن تنظيمات سياسية على مستوى الأحزاب السياسية أو على مستوى منظمات المجتمع المدني الحقوقية ولكن وجود منظمات نسائية نوعية، تتصدى للقضايا النوعية للمرأة مهم وهذا ما دفع بعدد من التنظيمات والتشكيلات النسائية ليرتفع صوتها ضد الحرب، باعتبارها المتضرر الأول من هذه الكارثة الإنسانية.

وعامل آخر تشير إليه د. نعمات بأن مقولة أن المرأة تعاني من الاضطهاد المزدوج الاجتماعي، الطبقي والنوعي، هو الذي دفعها إلى قيام هذه التنظيمات النسائية، ولا ننسى أن الاتحاد النسائي السوداني من أوائل التنظيمات النسائية بدأت الدفاع عن حقوق المرأة هي 1952 قبل الاستقلال، ما أعطاها المساحة في أن تتوحد حول قضاياها وأن تطالب بها وأن تنتزعها انتزاع من جملة السياسات التي كانت تقصيها حتى على مستوى المشاركة السياسة والمساواة في الأجور وحق العمل المتساوي.

وتشدد د. نعمات في حديثها لـ “راديو دبنقا” على ضرورة أن يتم تنظيم النساء في مجموعات نسائية قاعدية أغلب التنظيمات النسائية تتشكل وبسرعة شديدة جدًا وعلى مستوى فوقي ولكن المستوى القاعدي مهم. تمكنت نساء دارفور من ان تنظمن انفسهن في اللجان القاعدية داخل معسكرات النزوح، هنالك عدد من التنظيمات النسائية التي قامت في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق. وتقول “بالتالي أصبح المنهج في قيام تنظيمات نسائية قاعدية تتلاقي وتتلاقح مع التنظيمات السياسية والحقوقية ظاهرة جديدة في المجتمع السوداني، ما يبشر بحركة نسائية ديمقراطية اجتماعية سوف تتقدم الصفوف كعادتها من أجل وقف الحرب وبناء السلام واستعادة الديمقراطية ومسار الثورة.

حقوق أم ترضيات؟

وفي ردها على سؤال عن تحول حقوق المرأة إلى ترضيات وحوافز من شاكلة أول وزيرة أول قاضي وغيرها تقول الباحثة في قضايا المرأة لـ”راديو دبنقا”: عندما نتحدث عن هذه الحقوق عن أن هنالك أول قاضية وأول برلمانية ووزيرة، فهذا لا يعني سدرة المنتهى ولكنه انعكاس لمطالبها في أن تشارك على كآفة مستويات وضع السياسات وصنع القرارت.

 وتضيف د. نعمات كم نحن فخورات على شرف 8 مارس 2024، بأننا أوصلنا أول إمراه إلى البرلمان في الوطن العربي والإفريقي، وأول قاضية بل وتبوأت مجلس رئاسة القضاء حتى على مستوى المنطقة العربية والقارة الإفريقية، وهذا يدل على أن ملف المرأة السودانية له جذور تاريخية.

ونأمل من النساء اللائي يصلن إلى هذه المواقع أن يحملن معهن هموم وقضايا المرأة السودانية وكآفة قضايا المجتمع لأن قضايا المرأة لا تنفصل من قضايا المجتمع، وعندما نحرر المجتمع من كآفة أشكال الاضطهاد والقهر وعدم المساواة، بالتأكيد سوف تجد المرأة حظها من سياسات وتشريعات تحرم هذه الانتهاكات ستجد المرأة الفرصة لتحقيق ذاتها من خلال الاستقلال الاقتصادي بقيام وبناء مجتمع العدالة الاجتماعية وهذا ما يمهد الطريقة أمام المساواة بين الرجل والمرأة وهو الهدف الاستراتيجي للحراك النسائي وجميع المنظمات النسائية.

هروب الرجال

أما الكاتب الصحفي والمدافع عن قضايا وحقوق المرأة قرشي عوض فيقول لـ”راديو دبنقا” ردًا على سؤال حول استهداف المرأة في الحروب وإقصائها في فترات السلم، إنَّ المرأة إن شئت الدقة، هي أكثر عرضة للانتهاكات لأن 80% من دخل الأسرة يعتمد على عملها وهي لا تستطيع أن تبقى في المنزل، لابد أنها تتعرض لويلات الحرب، ويرى أن الانتهاكات التي تتعرض لها بسبب أنه لا يوجد عمل أصلًا في ظل الحرب والمرأة تزاول المهن التي لا تحتاج إلى مهارات.

ويعتقد قرشي أنه يصعب توفير حماية للمرأة لأنها مجبرة على الخروج للعمل في وقت هرب فيه الرجال أو انضموا للقتال بشكل أو بآخر أو أنهم لا يجدون عمل، ويعزي ذلك إلى أن الاقتصاد متوقف حتى في المهن التي لا تحتاج إلى مهارة. ويشير إلى أنه في دارفور كانت الاغتصابات تحدث اثناء البحث عن الوقود. وقد فكر بعض الناشطين في توفير مواقد تعمل بالجاز للنساء لحل هذه المعضلة، لكنها لم توقف الاعتداء على النساء.

ويقول الكاتب الصحفي قرشي عوض لـ”راديو دبنقا”، إنَّ المرأة التي أقصدها أنا، وهي المرأة الريفية أو الفقيرة فهي أصلا غير معنية بالمشاركة أو الإقصاء في العملية السياسية، لا من قبل الاتفاقيات ولا من بعدها. تمثيل المرأة وعدم تمثيلها محصورة في نخب معينة، بين الناشطات والناشطين.

ويؤكد قرشي بالقول أن المرأة الآن زوجها يهرب منها ويترك لها مجموعة أطفال إلى جانب أمها أو أبيها أو الإثنين معًا ولا تعنيها كثيرًا مسألة المشاركة في أي مستوى من مستويات السلطة.

أما حول تمسك النساء بكياناتهن النسوية برغم مشاركتهن في الأحزاب، يقول قرشي إنَّ النساء يتمسكن بكيانات نسوية لأن هناك انتهاكات نوعية، المرأة تتشارك مع الرجل الاضطهاد على اساس أثنى وديني وطبقي ولكنها تواجه انتهاك على اساس كونها إمراه. ومع ذلك والناشطين لا يركزون على الانتهاكات التي تطال النساء الفقيرات مثل مشاكل الصحة الانجابية.

وحول تحول حقوق النساء إلى ترضيات ومحاصصات يعتقد الكاتب الصحفي قرشي عوض أن الحقوق تحولت إلى ترضيات لتعلقها بما وصفه بترف النخبة في إطار ما وصفه بـ”المؤانسة الرايقة” بين من سماهم بالأفندية والافنديات.

لم يحدث في غزة

تعبر الناشطة في قضايا المرأة الريفية هويدا الطاهر المحامية، عن أسفها لما أوصلتهن إليها الحرب من دمار نفسي ومادي ودمار وطن وهوية وتاريخ كامل شامل، خلال 11 شهر أصبح كل شيء في السودان ذكرى وعبرت عن تطلعها في أن يعود إليهن الوطن وأن يعدن إلى الوطن.

وتقول هويدا لـ”راديو دبنقا” أن ذكرى الثامن من مارس هذا العام مر حزينًا هذا العام لمعاناة النساء من كل أنواع الانتهاكات، وتضيف أعتقد ما تعرضت له السودانيات من قهر واختطاف، إخفاء قسري، اغتصاب وعنف وزواج قسري واسترقاق في هذه الحرب غير مسبوق ولم يسجل التاريخ شيئا مماثلا لها حتى في غزة. والمحزن أكثر من يتولى أمرنا أنه عالم ويشاهد ولا يريد اتخاذ الخطوة التي يمكن توقف هذه الانتهاكات وهي وقف الحرب وعودة الأمن والأمان للسودان.

سد الفراغ

وحول انخراط النساء في كيانات سياسية ومنظمات حقوقية برغم احتفاظهن بكياناتهن، تقول حتى الآن المرأة السودانية رغم تاريخها الطويل في النضال السياسي ووضعها الاجتماعي وضعها الثقافي والتعليمي، تخضع حتى الان للأسف للسيطرة الذكورية حتى في الأحزاب السياسية، رغم أنني غير منتمية لحزب سياسي، لكن النساء داخل الأحزاب في الصفوف الخلفية. وهذا هو ما جعلهن يفكرن في اللجوء لكيانات نسوية من خلالها يحققن ذاتهن وفي داخل هذه الكيانات تظهر ملكاتهن القيادية والإدارية وتظهر شخصياتهن.

الحقوق لا تتجزأ والمرأة السودانية نالت حقوقها من خلال وصلن إليه في المراتب العلمية التي وصلت إليها والعملية، من خلال المناصب التي تولينها، لكنها ترى أن الحقوق تحولت لترضيات، وتقول على مر السينين السابقة خاصة وسط الكيانات السياسية النساء صرن تكملة عدد ويسد بهن الفراغ، “تمومة جرتق” وجودهن ليس حقا لهن داخل أحزابهن ومواقع اتخاذ القرار، لأنها حتى داخل حزبها وداخل الدولة لم تصل إلى مراكز صنع القرار.

Welcome

Install
×