في ذكري مجزرة كسلا

الأستاذ صالح عمار - المصدر الفيسبوك

بقلم : صالح عمار

احكام الاعدام والسجن التي صدرت في فبراير 2022 بحق عدد من الجنود المشاركين في قتل شهداء (15 اكتوبر 2020) بمدينة كسلا لم تكن ادانة للجنود في أشخاصهم، بل الاهم من ذلك انها تأكيد على براءة الجماهير التي خرجت يومها سلمية وهي تطالب بحقها في العدالة والمساواة، وفي نفس الوقت كانت الاحكام ادانة للحكومة الانتقالية الحاكمة في ذلك الوقت ، ومازلنا نطالب قادة تلك المرحلة بمن فيهم رئيس مجلس السيادة (القائد العام الحالي للقوات المسلحة) ورئيس الوزراء بالاعتذار لأسر الضحايا ومعالجة جذور القضية التي يتحمل وزرها الأكبر القادة العسكريون الذين رعوا خطاب الكراهية والصراعات الاجتماعية بغرض تهيئة الاجواء لانقلاب (25 اكتوبر 2021).
وكنت قد اكدت في مرات كثيرة سابقة على ان صراعات الشرق بعد مايو 2019 صنعها العسكريون وغذوها بالمال والاعلام والحماية من أجل تقويض الدولة المدنية، كما ان هناك افرادا داخل مؤسسات الدولة انتهزوا المناسبة لتنفيذ اجندة عنصرية تخصهم، وقد فقد السودان جراء ذلك خيرة ابنائه، فضلا عن خسائر اقتصادية لا حصر لها (ثلاثة مليارات دولار فقط من اغلاق الموانئ والطرق) وكانت نهاية المطاف المنطقية للفشل والمؤامرات في تلك المرحلة وما قبلها من عقود ما نعيشه الآن من انهيار الدولة والانجراف إلى الحرب الاهلية.
ومن حسن الحظ ان صراعات الشرق التي اندلعت في وقت مبكر بعد سقوط نظام البشير استفاد منها أهل الاقليم في ادراك أهمية السلام والتداعي لتنظيم المبادرات الشعبية والتي نجحت في نهاية المطاف في عودة الاستقرار رغم محاولات منسوبي النظام البائد المستميتة والمستمرة في خلق الصراعات.
والان يجني أهل الشرق ثمار حكمتهم امنا واستقرارا، إذ تحول الاقليم إلى موقع ينزح إليه اهلهم من مناطق الحروب. اما الذين اشعلوا الفتنة في الشرق وكانوا يديرونها من الخرطوم فقد اصابتهم لعنة الشهداء وسلط الله عليهم من بينهم من اذاقهم الذلة والعذاب وفرقهم بين هارب من مقر قيادته وآخر يبحث عن النجاة، والمخجل أنهم فروا من بعد جميعا إلى الشرق نفسه!
انحزنا إلى السلم فكان جزاءنا السلام والطمأنينة، اما مدبري الفتن والقتلة فقد سلط الله بعضهم على بعض وبأسهم بينهم شديد ، وندعو الله دائما ان يخرج شعبنا من بينهم سالما.
وطرحنا السياسي الحالي لأهل الاقليم والمتحاربين والمجتمع الدولي وجيراننا هو “شرق آمن”. فالشرق الآن هو المكان الانسب لكل باحث عن السلام وهو معبر المساعدات الإنسانية والتجارة والمغادرة للعالم الخارجي ومن مصلحة الجميع الحفاظ على هذا الوضع.
القوات المسلحة المسيطرة على الاقليم ستستفيد من السلام في الشرق إذا تعاملت بمسؤولية ، والمسؤولية التي نعنيها هي المحافظة على الامن وعدم استفزاز قوات الدعم السريع بفتح معسكرات التجنيد وتوزيع السلاح على المدنيين، والذي لن يؤدي قطعا إلى حماية الشرق بل إلى نشر الفوضى والنزاعات الأهلية فيه، وعلى القوات المسلحة ايضا رفع يدها عن دعم فلول النظام البائد وضبط مؤسسات الدولة وفتح المجال أمام العمل الإنساني والاغاثي.
ولرفاقنا في الشرق نلتمس مجددا الاستمساك بجمر السلام والنظر إلى المشهد بلوحته الكبرى الممتدة وبما يضمن قفل الباب أمام التدخلات الاقليمية الضارة والتفكير في المكاسب الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية الكبرى التي سيجنيها الشرق إذا استمرت حالة السلام وهو الذي بدا يتحول إلى مركز يستقطب العقول والاستثمارات القادمة من الوسط.
ولمن تبقى من ابناء الشرق الذين تصدروا لتنفيذ اجندة العسكريين ولازالوا في نفس المربع، نجدد الرسالة ان حل مشكلة التهميش التي يعاني منها الشرق تكون بوضع اليد مع المهمشين وليس بالتحول إلى اداة من ادوات الذين ينهبون موارد الاقليم ويفرقون بين أهله، ولن يكون هناك حل دون مشاركة كل سكان الاقليم ، وان التعلق بالجنرالات لن يوفر لهم الحماية في الوقت الذي يبحث فيه هؤلاء الجنرالات عن حماية انفسهم واسرهم!
ونجدد دعمنا لمبدأ (لا .. للحرب) وندعو أطراف الصراع إلى حقن دماء الشعب السوداني الذي يستحق حياة أفضل من ذلك بكثير.
ونتمنى ان نرتقي كقوى مدنية إلى تطلعات الشعب بالوحدة خلف قيم السلام والحرية والعدالة التي ضحى من أجلها شعبنا وقدم أغلى الارواح مهرا لها. وتظل غايتنا الاسمى سودان موحد ينعم سكانه بالعدالة والرخاء والكرامة.
رحم الله شهداء (15 اكتوبر 2020) والذين بفضل دمائهم نعيش الآن في سلام بالشرق وستظل ذكراهم ملهمة لأجيال قادمة تذكرهم بان الحرية تستحق ان تبذل من اجلها الدماء والمجد والخلود لشهداء الثورة السودانية وضحايا الحروب جميعا.

صالح عمار
15 اكتوبر 2023

Welcome

Install
×