الإطلاق المبكر للماشية في شمال دارفور .. مخاطر أمنية واجتماعية واقتصادية
تقرير: فريق راديو دبنقا
يعد إطلاق الماشية في الأراضي الزراعية، خلال الموسم الزراعي، من أكبر الشواغل التي تؤرق مزارعي ومواطني شمال دارفور، حيث يتسبب في إتلاف مساحات زراعية واسعة سنوياً، ويؤدي إلى احتكاكات تسفر عن مقتل وإصابة العشرات، وتتحول الاحتكاكات إلى صراعات قبلية واسعة النطاق، تخلف ضحايا وحرق قرى ومساكن ونازحين، وتهدد المخزون الغذائي للمواطنين .
ويبدأ الموسم الزراعي سنوياً، في مختلف أرجاء الولاية في اغسطس وينتهي في فبراير، على أن يبدأ إطلاق الماشية رسمياً في السابع من فبراير، ولكن الإطلاق المبكر للماشية سنوياً،ابتداءاً من سبتمبر، و يؤدي لإتلاف مساحات زراعية واسعة، ويهدد حياة المواطنين .
شنقل طوباي .. موسم زراعي بلا حصاد
تقع محلية دار السلام جنوب مدينة الفاشرعلى بعد ٧٥ كيلو متر تقطنها٤٣ قبيلة على سبيل المثال الفلاتت والميما، و التنجر، و الزغاوة، والبرتي، و المسبعات، والبرقو، والتاما.
وتقع وحدة شنقل طوباى الادارية التابعة لمحلية دار السلام بولاية شمال دارفور، على بعد 75 كيلو متر جنوبي الفاشر حاضرة الولاية، يسكنها خليط من قبائل التنجر والبرقد والمسبعات والبرتى، و يعتمد سكانها على زراعة الفول والسمسم والدخن والتمباك والذرة، و تبلغ مساحة أراضيها أكثر من خمسة آلاف فدان صالحة للزراعة، بها معسكرين للنازحين هما معسكر نيفاشا وشدّاد، و غالبية نازحي معسكر نيفاشا من قبائل الفور والزغاوة.
وقال المواطنون إنهم فوجئوا خلال هذا العام بموسم زراعى بلا حصاد، وذلك بسبب انتهاكات الرعاة وإطلاق الماشية المبكر تحت تهديد السلاح، وإدخال مواشيهم التي اتلفت المحصولات تماما.
أمطار مبشرة وإطلاق مبكر
وفي جولة نفذها فريق راديو دبنقا في شنقل طوباي، ذكر المزارعون لراديو دبنقا إن معدلات الأمطار خلال الموسم الزراعي الحالي كانت مبشرة مما دفعهم لزراعة مساحات واسعة بمختلف انواع المحاصيل، التي كانت تبشر بمحصول وفير وانتاجية جيدة إلا أنهم فوجئوا بالإطلاق المبكر للماشية من قبل الرعاة.
وقال العمدة ابراهيم ادم عمدة المسبعات لراديو دبنقا إنه تلقى منذ اكتوبر الماضى حتى ديسمبر الماضي اكثر من 100 بلاغ بشأن دخول الماشية فى المزارع .
واعتبر ذلك إطلاقاً مبكراً للماشية حيث قام بدوره بفتح بلاغات لدى نقطة القوة المشتركة الخاصة بحماية الموسم الزراعي
وابان العمدة زكريا، عمدة نازحي معسكر شداد، الذى تقطنه أكثر من 12 الف أسرة إن مزارعهم تعرضت لإتلاف كامل من قبل الرعاة، وأوضح إنه ظل يتلقى 12 بلاغ إتلاف يومياً حتى ديسمبر، ويتم فتح بلاغات فى القسم وتدوينها ضد مجهول.
نزوح جديد
أما الشيخ إدريس على عبدالله شيخ منطقة (سنقر) فقال إن جميع مواطني المنطقة فروا هرباً من اعتداءت الرعاة إلى مناطق اخرى بسبب تعرضهم لخسائر كبيرة وتعرضهم لتهديد امني فى المناطق الزراعية، حيث أصبحت المنطقة شبه مهجورة و خالية من السكان الذين لاذوا بمناطق أكثر أمناً للعمل وتوفير سبل العيش.وأوضح إنه تلقى أكثر من ألف بلاغ إتلاف، ولم تتحرك الحكومة لحماية المزارعين وطالب الحكومة بتوفير الأمن.
وفي ذات السياق، أضافت فاطمة أحمد عبد الله، وهي مزارعة بمعسكر شداد، إن الرعاة هاجموا مزرعتها بحضورها وعندما طلبت منهم المغادرة أبلغوها بأنهم اشتروا المزرعة وطلبوا منها المغادرة .
ووصفواالوضع بأنه مأساوي و فقدوا محصولاتهم، مثلما فقدوا فى السابق قراهم وبعض ذويهم بسبب الحرب والترهيب .
وفي محلية طويلة اكد العمدة ادم بوش لراديو دبنقا ان الإطلاق المبكر للماشية من قبل الرعاه في المزارع يمثل مشكلة كبيرة ويؤدي إلى في انهيار الموسم الزراعي وقال انهم اقترحوا ان يتم طلق المواشي في شهر فبراير حتي يتمكن المزارعون من حصاد محاصليهم.
دار السلام ..تحديات ومبشرات
مواطنو المحلية أكدوا إن الموسم الزراعى الماضي اعترضته العديد من التحديات، وقال أحمد ابكر محمد أحد مزارعي المنطقة إن الموسم الزراعى هذا العام ناجح نسبياَ بالمقارنة مع العام الماضي إلا أنه تعرض لإطلاق مبكر من قبل الرعاة .وأضاف إن الخريف كان مبشراً، ونادى بضرورة فتح المسارات، وتوفير التقاوى المحسنة، بجانب تكوين لجنة حماية موسم زراعي تضم قوات مشتركة حتى تقوم بحماية اللجنة من أجل القيام بدورها، مشيرا الى ان الموسم الزراعى هذا العام واجهته بعد التحديات منها ظهور الفات الزراعية مما أدى إلى تدني نسبة نجاح هذا الموسم لأنه تعرض للإطلاق المبكر من قبل الرعاة وأضاف إن الخريف كان مبشراً وناجحاً مشيرا الى تدفق منتجات الخريف فى سوق دار السلام الفول والسمسم والبطيخ وبأسعار فى متناول اليد متمنيا إن يعم الأمن والسلام ربوع البلاد
أما المزارع ادم سليمان إدريس فقد اشتكى في حديث لراديو دبنقا من انتشار الآفات الزراعية مما أدى إلى إتلاف المحصول بالإضافة إلى الاعتداءت من قبل الرعاة على المزراع واتلافها جزئيا مطالباً وزارة الزراعة بتوفير التقاوى المحسنة والمبيدات لانجاح الموسم الزراعى القادم. وأكد المزارع ابكر عبد الله عثمان في استطلاع أجراه راديو دبنقا إن الإطلاق المبكر أدى إلى إتلاف المزارع وقلل من نسبة نجاح الموسم الزراعى بكافة وحدات محلية دار السلام.
القوات النظامية ..شكاوى من ضعف الإمكانيات
اشتكى المواطن الفاضل أحمد إسحق من دخول مواشى الرعاة فى مزرعته ال١٤ [مخمس] منذ اوائل سبتمبر الماضي وسارع بتدوين بلاغات فى قسم الشرطة، وقال لراديو دبنقا إن الضابط اعتذر لعدم تمكن الشرطة من الذهاب معه للقبض على الرعاة بحجة عدم توفر الامكانيات اللازمة، وطالبه بتوفير الوقود والنثريات للشرطة، ولما لم يتمكن المواطن من توفير المطلوبات، وأضاف الفاضل ( تم تدوين البلاغ فقط، خرجت صفر اليدين من موسم الحصاد).
من جانبه، أوضح العمدة ابراهيم ادم عمدة المسبعات لراديو دبنقا إن قائد المنطقة طالب بفرض رسوم على المزارعين من أجل سداد تسيير ونثرية للقوة حتى تتمكن من القيام بدورها، وأكد العمدة فرض 300 جنيه على كل مزارع حيث قام بدوره بتسليم المبلغ لقائد الحامية.
محكمة دار السلام ..ضرورة ملحة
قال العمدة هاشم حسين، رئيس المحكمة الاهلية بدار السلام، إن المحلية تعيش حالة من التوترات وذلك بسبب الاحتكاكات التى تحدث بين الرعاة والمزارعين بسب الإطلاق المبكر للماشية مبينا انه كقاضى محكمة أهلية تلقى اكثر من ست عشرة بلاغاً خلال الموسم الزراعي حتى ديسمبرحيث حل اغلب الشكاوى (بالجودية) ، ولم تدون كبلاغات فى المحكمة، مطالباً الحكومة بضرورة فتح مسارات الرعاة، وتوفير التقاوى المحسنة، بجانب تكوين لجنة لحماية الموسم الزراعى تضم قوات مشتركة حتى تقوم بحماية اللجنة من أجل القيام بدورها، مشيراً الى بعض التحديات منها ظهور الأفات الزراعية مما أدى إلى انخفاض نسبة نجاح هذا الموسم.
من جانبه، طالب عبد الله يونس عبد الله، كاتب محكمة دار السلام، الحكومة بضرورة إنشاء وتأسيس محكمة دار السلام حتى تقوم بدورها في إعمال القانون.
الزراعة وقام المفوض بمرافقة لجنة حماية الموسم بزيارات والجلوس مع الرعاة وتكلل الأمر بإخراج المواشى من المزارع مشيرا الى انه تم فى منطقة شنقل طوباى غرامة تصل إلى ألفا جنية للابل الواحد واللجنة باشرت عملها فى حماية الموسم الزراعى فى كل محلية دار السلام وحدة شنقل طوباى معددا التحديات التى جابهة المفوضية خلال هذا الموسم إغلاق المراحيل والمسارات بالإضافة إلى الطليق المبكر فى المناطق الشرقية وذلك من خلال الاحتفال الذى نظمه المدير التنفيذى لمحلية كتم اعلن خلاله نهاية الموسم الزراعى وسحب القوات المشتركة لحماية الموسم الزراعى مما أدى إلى الطليق المبكر بتلك المناطق وقامت المفوضية بالوصول إلى الرعاة واخراجهم من المزارع
لجنة حماية الموسم ..إقرار رسمي
قال صلاح على ابراهيم مدير القطاع الزراعى، مقرر اللجنة العليا لحماية الموسم الزراعى بولاية شمال دارفور، إن اللجنة تكونت برئاسة المدير التنفيذى وعضوية العمد والمشائخ فى كل من وحدتي شنقل طوباى وابو زريقة، بجانب محلية طويلة، مبيناً إن اللجنة تلقت العديد من الشكاوى من قبل المزارعين حول تعدى الرعاة على مزارعهم، وأشار إلى أن وحدة شنقل طوباى بها ارتكازات تتكون من لجنة حماية الموسم والقوات النظامية الأخرى تقوم بفض الاحتكاكات التى تحدث بين الرعاة والمزارعين.
وحول مراحيل الرعاة، قال إن اللجنة قامت بفتح ثلاثة مراحيل الشرقى والغربى والوسط لعبور الرعاة، إلا أن الرعاة يدخلون مواشيهم فى المزارع، مبيناً إن خريف هذا العام كان مبشراً إلا أن هناك الاحتكاكات تحدث بين الحين والآخر بسبب الإطلاق المبكر تهدد الموسم الزراعي.
مفوضية الرعاة .. فتح المراحيل
وفيما يتعلق بدور مفوضية الرعاة والرحل بولاية شمال دارفور، قال احمد عبد الله عمر بهية مفوض الرعاة والرحل بولاية شمال دارفور، في مقابلة أجراها فريق راديو دبنقا في ديسمبر، إن المفوضية وقفت على أماكن الخلل، وسعت لحل المشاكل التى تحدث بين الرعاة والرحل، وذلك بتنظيم ورش عمل للجانبين لتحديد المسارات، مشيراً إلى أن أربعة مراحيل كانت مغلقة نسبياً فتحتها المفوضية، واشار الى أن المرحال الغربى الرابط بين مدينة الفاشرو منطقة وانا، و مرحال قرويد مرفعين تم توزيعهما كمخطط سكنى مما أدى إلى المزيد من العقبات.
وأضاف المفوض إنه شكل ثلاثة لجان، الأولى لحماية المسارات والمراحيل، تتكون من الادارات الاهلية، الشراتى والنظار والملوك، اضافة إلى المدراء التنفيذيين للمحليات مهمتها ايجاد المرجعية التاريخية الخاصة بالمسارات والمراحيل للجلوس مع وزارتي البنى التحتية والزراعة من أجل أعادة الخارطة والبحث عن المراحيل القديمة.
كما نظمت المفوضية رسائل إرشادية بالأسواق في كل من كورما وتابت فتا برنو، وأضاف إن المفوضية تلقت العديد من الشكاوى فيما يخص بتعدى المواشى على الزراعة، وقال إن المفوض رافق لجنة حماية الموسم في زيارات إلى المناطق المتضررة والجلوس مع الرعاة، وتكلل الأمر بإخراج المواشى من المزارع.
وأشار أحمد بهية إلى فرض غرامة فى منطقة شنقل طوباى تصل إلى ألف جنية عن البعير الواحد، وقال إن اللجنة واصلت عملها فى حماية الموسم الزراعى فى كل محلية دار السلام وحدة شنقل طوباى معدداً التحديات التى جابهت المفوضية خلال هذا الموسم إغلاق المراحيل والمسارات بالإضافة إلى الطليق المبكر فى المناطق الشرقية وذلك من خلال الاحتفال الذي نظمه المدير التنفيذى لمحلية كتم، أعلن خلاله نهاية الموسم الزراعى، وسحب القوات المشتركة لحماية الموسم الزراعى، مما أدى إلى (الطليق المبكر) بتلك المناطق وقامت المفوضية بالوصول إلى الرعاة واخراجهم من المزارع.
الشرطة تدافع
وأضاف الرائد شرطة عمر قاسم أحمد، مدير شرطة محلية دارالسلام، ان الشرطة تلقت بعض البلاغات من قبل المزارعين بإطلاق الماشية داخل مزارعهم حيث تمت ملاحقة الرعاة وإخراج الماشية، بالإضافة إلى بعض البلاغات فى محكمة العمدة يتم حلها بالجودية دون تدخل الشرطة.
وبخصوص شكاوى مواطني شنقل طوباى، وصف الرائد إن المشاكل التى تحدث بين الرعاة والمزارعين فى وحدة شنقل طوباى بأنها قبلية وبسبب الحواكير والأرض، ودافع عن دور الشرطة مؤكداً إنها تقوم بدورها كاملاً فى حماية وتأمين الموسم بنسبة 90 فى المائة فى جميع وحدات دار السلام الثلاث.
والي شمال دارفور .. تنسيق وتحديث قانوني
وكان والي ولاية شمال دارفور، نمر محمد عبدالرحمن، أكد خلال اجتماع موسع بالفاشر مع لجنة حماية الموسم الزراعي في منصف يناير على أهمية استمرار التنسيق والتعاون بين الأجهزة الحكومية ولجنة حماية الموسم الزراعي ووكالات الأمم المتحدة و المنظمات الدولية ذات الصلة للاستمرار في تنفيذ البرامج التي من شأنها تأمين المواسم الزراعية و تفادي الاحتكاكات بين الرعاة والمزارعين.
ولفت نمر، بحسب وكالة السودان للأنباء، الانتباه إلى أهمية تحديث قانون المزارع والراعي بما يواكب متطلبات المرحلة الحالية، داعيآ إلى الإستمرار في تنظيم ورش عمل مشتركة بين المزراعين والرعاة لترسيخ معايير العيش المشترك بينهم، مؤكداً سعي وعزم حكومته على المضي في تنفيذ خطط عملها لزيادة مصادر المياه و زيادة أفراد الشرطة المجتمعية في مختلف المناطق.
و أكد الاجتماع نجاح الموسم الزراعي الماضي وأمن على أهمية الإستمرار في تنفيذ الخطط التي أدت إلى نجاح ذلك الموسم بما يمكن من تفادي الاحتكاكات والمشكلات التي شهدتها المواسم الزراعية السابقة.
مشاريع أممية
وكشف المدير القطري للمفوضية السامية للاجئين توبي هاورد ، خلا الاجتماع مع الوالي، عن حزمة من البرامج والمشروعات التي نفذتها المفوضية في مختلف محليات الولاية والتي هدفت المفوضية من خلالها إلى تعزيز جهود الاستقرار المجتمعي، موضحاً أن مفوضيته قد تمكنت مؤخراً من تشييد عدد من المدارس والمرافق الصحية علاوة على حفر عدد من آبار المياه وتشييد المرافق الصحية و صيانتها.
توصيات
خلص الاجتماع إلى عدد من التوصيات والتي تضمنت ضرورة حفر المزيد من آبار المياه، وتأمين قرى العودة الطوعية للنازحين واللاجئين، وحماية مراحيل ومسارات الرعاة، وزيادة أعداد الشرطة المجتمعية في المناطق الريفية، وتفعيل وتحديث قانون الراعي والمزارع والمضي قدماً في بسط سيادة حكم القانون بالتعاون مع الإدارة الأهلية والمنظمات والحكومة.
جملة القول إن المزارعين يطالبون بإطلاق الماشية بعد حلول شهر فبراير وانتهاء فترة الحصاد تجنباً لإتلاف المزارع.