عمر الدقير: اختلاف على سرعة القطار .. وعمّال الدريسة !! ..
أنا اختلف مع الأستاذ عمر الدقير في حديثة لقناة “سودانية 24” بالأمس في ذكرى الثورة المجيدة.. ليست الحال في السودان (سيئة جداً) كما كرر أكثر من مرة.. وليست الحكومة فاشلة بالصورة التي صوّرها بها .. والحالة في السودان (مشرقة وواعدة)
بقلم: د. مرتضى الغالي
أنا اختلف مع الأستاذ عمر الدقير في حديثة لقناة "سودانية 24" بالأمس في ذكرى الثورة المجيدة.. ليست الحال في السودان (سيئة جداً) كما كرر أكثر من مرة.. وليست الحكومة فاشلة بالصورة التي صوّرها بها .. والحالة في السودان (مشرقة وواعدة) والناس فرحانة مستبشرة والتعاهد قائم وذكرى الشهداء في القلوب والعيون والثورة حية.. وهذا يعرفه الدقير أكثر مني.. وما تم انجازه بإزالة آثار الطغمة الإنقاذية وبداية مسح آثار الحرامية والمسخ الذي كان يحمل اسم المؤتمر الوطني من وجه السودان ليس بالهيّن.. والدقير بحديثه الغاضب شديد الوقع على حكومة الثورة وإغفاله لبعض الانجازات الرئيسية كاد أن يسحب من سرورنا وبهجتنا بهذا اليوم الأغر وذكرى العام الأول للثورة المجيدة ..وله العتبى..!
والحمد لله إن اختلافنا معه في الفروع (وليس في الأصول) وفي اللهجة والتوقيت وبعض النوافل وليس الفروض..! فقد كان حملته على الحكومة أسخن مما ينبغي (وقد استضعفها بأكثر مما يجب) ولم يستصحب بالقدر الكافي في اعتقادنا المعوقات الموضوعية أو المسؤولية الموازية من جانب الحرية والتغيير وهو كيان فيه تباينات وإن كان ذلك مما لا يعيب تحالفاً بحجم السودان (إلا قليلاً)..! والتباين في الرؤى من طبيعة الديمقراطية وأحوال السياسة..! ولا أحد يرفض النقد ولا عصمة لحكومة أو لأحد.. ولكن كان ينبغي رد بعض المعوقات في وجه الحكومة إلي طبيعة تركيبة السلطة الانتقالية والتحديات الموضوعية.. هذا بالإضافة إلى جانب مراعاة المؤسسية التي ينادي بها الدقير ويذهب فيها إلى درجة المثالية التي لا يرفضها احد ولكنها المثالية التي لا يمكن أن تتحقق بحذافيرها في ظروف الثورات والتغييرات الكبرى؛ وفي مواجهة أعداء لا عهد لهم ولا ذمة ولا أمان..! علاوة على المصاعب الاقتصادية الهيكلية ووجود بقايا الإنقاذ والمتضررين من الثورة في مفاصل القطاع الاقتصادي والخدمة المدنية وحتى في المؤسسات النظامية القومية والقضاء.. وإزاحتهم تستمر مع المعوقات ولكن ليس بالسرعة المرجوّة..بالإضافة إلى الأوضاع العالمية والمؤثرات الخارجية و(فاولات) الحركات والجبهات حاملة للسلاح ..! وكل ذلك عبء ثقيل يشل الحكومة ولكن لها نقائص بطء (من صناعتها ومن عندياتها)..
كل هذا يعلمه الدقير ويعلم الأكثر منه بأفضل مما نعلم..وقد أشار إليه في حديثه..والشعور ببطء الأداء هو إحساس قطاعات ليست قليلة من الشعب المؤيد للثورة ولكنها فرحة بما تم وعلى استعداد لبعض الصبر وكثير من التضحيات.. والنقد والشفافية مطلوبان لكن الكثير مما ذكره الدقير كان مجال بحث في اجتماعات متصلة بين الحرية والتغيير ولجان المقاومة والحكومة ومجلس السيادة وحتى لحظة حديثه للتلفزيون… وفي رأينا كان من الأوفق أن يكون الحديث عن الأداء التفصيلي للحكومة وحتى الاتهامات الدائرة ..بعد الوقوف على ما انتهت إليه الاجتماعات…ولا أحد يملك أن يحجر على الدقير الحديث بما شاء في قضايا المرحلة وان يجعل حديث عيد الثورة الأول شحذاً للهمم وتواثقاً على استمرار الثورة وتنبيها بحجم تآمر الفلول وان يكون الحديث تفاصيل السياسات الاقتصادية أو قضايا التعدين وملفات لجان التحقيق أو إكمال سلطات الانتقال محل المكاشفة والتباحث في منابر الحرية والتغيير ثم إعلام الشعب بالمخرجات وتنويره بالحقائق وإشراكه في المبادرات والرقابة والتقويم.. لأن الحكومة هي حكومة الحرية التغيير.. كما قال وكما هو الأمر في حقيقته..!
أنا مع الذين لا يعتقدون بأن أزمة الخبز والبنزين يمكن أن تهدد الثورة .. الثورة يهددها المتآمرون.. وهذا ما قاله الشارع أن ثورته ليست غايتها وفرة الرغيف والبنزين وإنهم يحتملون الجوع والمسغبة ولا يسمحون بعود حرامية الإنقاذ ومجرميها وأنها ثورة للكرامة والحرية والسلام والعدالة وإنها من اجل قصم الاستبداد وإيقاف ماكينة التدمير ورفع نعال الإذلال من ظهر الشعب؛ ولا جدال أن معيشة الناس لها أهميتها ولكن محاولة الفلول الكيد للثورة من باب صفوف الرغيف لن تجد من الشعب غير الصفعة وراء الصفعة..!
وما أخذناه على بعض حديث الدقير انه زاد قليلاً من قيمة بعض ما يرد في الصحف ومواقع التواصل.. وبطبيعة الحال فان كثير مما يرد في بعض المواقع وفي الصحف -ومعظمها ليس مع الثورة- هو من أحاديث الإفك والترّهات ومنها محاولة الطعن في الحكومة بأنها يمكن أن تسكت على الفساد سواء في عطاءات أو شركات الذهب وغيرها وهي أحاديث لم تثبت على رجل، تقف خلفها مصالح وتخرّصات ومكايدات وقد ردت عليهم الحكومة بأن من يتشكك في فساد وزير أو محاباة شركة عليه أن يذهب إلى القضاء فوراً والطريق مفتوح فصمت أصحاب الدعوات والاتهامات وحبسوا أرجلهم عن البلاغات واتجهوا إلى التغريدات..!
أما بقاء منسوبي عصابة الإنقاذ في السجن لعام أو أعوام تحت التحقيقات فلا نرى إن في ذلك إخلالاً بحقوق جماعة ارتكبت جرائم قتل طالت مئات الآلاف وتشريد طال مئات الآلاف وجرائم تفريط في البلاد ورهن سيادتها وتهديد أمنها وسلامة مواطنيها وتآمر على الدستور وتلاعب بالقانون وتعذيب واغتيالات وخيانة أمانة وتبديد موارد وحيازة مال عام ورعاية إرهاب واستلام رشاوى من جهات خارجية وإراقة دماء أبرياء مما لا يمكن معه إطلاق سراحهم وهم مصدر تهديد حقيقي للثورة.. فهل هذه جرائم يصلح معها إطلاق سراح بالضمانة المالية.. وبعض الجرائم تتعلق بالقتل الجنائي المباشر وفيه حق خاص لأولياء الدم غير الحق العام..فهل يقبل الشعب في عمومه إطلاق سراح من يخشى معهم على العودة للاغتيالات والتفجير وإجهاض الثورة بحجة أن حاكمتهم تأخرت؟ الشعب لم يقتل هؤلاء القتلة ولم يحصبهم حتى بزجاجات مياه.. وما نظن تأخير محاكمتهم – بالإضافة إلى البطء – إلا من باب إتباع القانون وشروط العدالة..!
ومن جانب آخر نرى إن التمكين الذي تم في عهد الإنقاذ كان أمراً فادحاً لعب منذ اليوم الأول لانقلابها المشؤوم الدور الأكبر في استباحة الوطن وتفكيك مؤسسات الدولة وتحويلها إلى مزرعة خاصة لحزب واحد.. والتعامل مع تفكيك هذا التمكين واجب سياسي ولا يمكن تحويل أمر كهذا إلي مماحكات بدعوى المظلومية.. فالتمكين قضية سياسية ولكن لا يعنى ذلك أن تترتب عليه مظالم للأفراد ولا يرضى أحد بالظلم، ولكن التمكين من القنابل المفخّخة التي خلفتها الإنقاذ ولا ينبغي التهاون في تفكيكها؛ ولا نرى إن لجنة موّسعة وبهذه التشكيلة والكيفية يمكن أن تتفق على ظلم الناس وفصلهم بالباطل.. وليكن الاستئناف مشتركاً بين الهيئة المختصة به مع تمثيل عدلي حتى لا يُظلم احد من الناس..وبشرط ألا يفلت تمكيني خبيث جاءت به الإنقاذ باسم الموالاة أو المحاباة أو الشراء والبيع أو الترغيب والترهيب أو كان له (إجرامه الذاتي).. وغير ذلك من الأعيب الإنقاذ التي فاحت نتانتها في كل أوجه الحياة السودانية..! وبالله عليك ماذا يعني فقدان وظيفة فرد مقابل ضياع وطن؟!
أما ما جاء في بعض الأسافير والصحف من محاولة تجريم الدقير أو الحرية والتغيير بلقاءات أو ترتيبات مع قوش.. فهذا من الحديث الذي لا معنى له.. ولا يمكن أن يحاور السجان مسجونين في زنازينه (فولسطوب)..! ومن يحاول أن يسند فضلاً في الثورة المجيدة لقوش أو غيره فهذا من باب الإساءة للثورة التي مهرها الشباب بدمائهم العزيزة..فلا قوش ولا غيره كان يستطيع أن يمنع الثورة.. إنما كل ما بدر منهم أنهم أدركوا زوال سلطانهم وغروب نحسهم ونحس الإنقاذ ومحاولة (مخارجة) أنفسهم ..ولا يمكن لقوش أن يتحول خلال يومين.. من البطش والقمع إلي ثائر في جانب الشعب..فالشيطان لا ينهي عن الإثم.. كما إن صياح الديك فجرا لا يعني انه السبب في طلوع الفجر.. ولا أحد يقبل بمن يتصدّق من سرقة (تمر المسجد)..!
بعض ما ذكرنا أعلاه ليس رداً على الدقير إنما حديث إقتضاه حديث..! ويشفع لنا – ولا نبرئ أنفسنا من الخطأ في الأحكام- أن ما قلناه هنا هو اتصال لمناقشات نعلم علم اليقين إن الدقير لا يضيق بها.. فهو رجل صادق مع نفسه ومع الآخرين، ولم يكن مثلنا على الشاطئ بل كان في قلب معمعة الثورة في أيامها العصيبة بين النار والدخان..وقد أتاحت لنا السنوات معرفة الرجل من قرب ومعرفة مدى استقامته إلى درجة الأولياء الصالحين.. ووطنيته إلى ما لا يمكن ان يقاس بدرجة مئوية؛ وأمانته ونزاهته بأقصى ما تحتمل كرائم الفضائل ومكارم الأخلاق ..وعلى المستوى الشخصي كان الرجل يشرّفني بحضور اجتماعات حزبهم الباسل وهو يعلم إنني لست في عضويته ولا في عضوية غيره من الأحزاب.. إحساساً منه هو ورفاقه في المؤتمر السوداني بأن العمل العام من أجل الوطن جميع أهله والدقير قبل ذلك وبعده من أصحاب الهمم العليا والنفوس الكبار وممن يعوّل عليهم الوطن في مستقبله الزاهي الذي بدأ للتو .. ولا نامت أعين الفلول..!