الفيضانات وإدارة الكوارث

للأمم الحصيفة المنتبهة مؤسساتٌ لإدارة الكوارث. والسودان أحد البلدان التي أوجدتها يد العناية الإلهية في نطاق جغرافي رحيم. فما تتعرض له بلادنا يعد خفيفًا جدًا مقارنًا بما تتعرض له بلدان كثيرة أخرى. فبلادنا لا تعرف الزلازل والبراكين والأعاصير

بقلم د. النور حمد:

للأمم الحصيفة المنتبهة مؤسساتٌ لإدارة الكوارث. والسودان أحد البلدان التي أوجدتها يد العناية الإلهية في نطاق جغرافي رحيم. فما تتعرض له بلادنا يعد خفيفًا جدًا مقارنًا بما تتعرض له بلدان كثيرة أخرى. فبلادنا لا تعرف الزلازل والبراكين والأعاصير المدمرة. وما يحدث فيها، بصورة متكررة وفي أزمنة متباعدة هو المجاعات والفيضانات. ومع ذلك تبقى حكوماتنا، على الدوام، غير جاهزة بما يكفي، للتصدي لها. ولربما يكون توقع أن تكون حكومتنا جاهزة بما يكفي للتصدي للكوارث ضرب من ضروب التمني. فشؤون حياتنا اليومية نفسها التي يفترض أن تكون معافاة في الظروف الطبيعية، بقيت على مدى عقود مأزومةً ومضطربة، وكأننا نعيش حالة كارثة مستدامة.

يهدد نهر القاش، على سبيل المثال، مدينة كسلا بصورة شبه دورية. لكن تبقى المعالجات منحصرةً في خانة المعالجات الاسعافية التي لا تتعدى طور إنقاذ ما يمكن إنقاذه، لتتكرر ردة الفعل ذاتها في كل موسم جديد. ولو نظرنا إلى فيضانات النيل الأزرق ونهر النيل التي تشكل تهديدًا كبيرًا، نجدها تحدث في دورات متباعدة. ففيضان 1946 وفيضان 1988 فصلت بينهما 42 سنة. وفيضان 1988 وفيضان 2020 فصلت بينهما 32 سنة. هذا الفاصل الزمني كان كافيًا لخلق مؤسسة متخصصة معنية بالدرء الاستباقي للكوارث، إضافةً إلى التعاطي معها بكفاءة حين تحدث. وهذا ما لم يجد منا الانتباه الكافي.

مما يمكن أن تقوم به مؤسسة ثابتة لإدارة الكوارث إجراء البحوث المتخصصة في مراقبة تغير الأنماط المعتادة للطبيعة التي تنتج منها الكوارث. ويتضمن ذلك الرصد المبكر وتوقع مواقيت الحدوث وتقدير وطأة الكارثة القادمة والقيام بالاستعدادات اللازمة لها. ولكي تصبح سرعة التدخل ممكنةً، ينبغي أن يكون لكل ولاية مستودع للمعينات المتعلقة بالكوارث؛ كخيام الإيواء ومعينات الإعاشة من المواد الغذائية الضرورية. وكذلك المواد والأدوات الطبية وقوارب الإنقاذ الصغيرة. يضاف إلى ذلك مولدات الكهرباء وفناطيس مياه الشرب ومعدات الطهي ومستلزماته، وغير ذلك. أما ما ظل يجري منذ عقود من تشكيل لجان للطوارئ بعد أن تقع الفأس على الرأس، فهو عمل إسعافي من شأنه، إن اكتفينا به وحده، أن يُبقي الأمور دائرة في حلقة مفرغة متكررة، سمتها العجز وقلة الحيلة. ولسوف يجعل ذلك مستوى التصدي لأي كارثة جزئيًا وضعيفا، على الدوام. وهو ما يجعلنا تحت رحمة المانحين الأجانب، أعطونا أو منعونا.

تعرضت سواحل سلطنة عمان قبل أعوام إلى إعصار مدمر أدى إلى سيول جارفة. وحين عرضت البلدان استعدادها لمد ليد العون، شكرتها السلطنة وأكدت أنها قادرة على التصدي للكارثة بمفردها. وهذا يدل على أن السلطنة كانت مستعدة مؤسسيًا للكارثة. وقد قدمت السلطنة بذلك، درسًا لجميع حكومات العالم النامي في نهوض الدولة بمسؤوليتها تجاه شعبها. وحقيقة الأمر أن انتظار العون القادم من الخارج يجعل المواطنين المنكوبين عالقين في قلب المعاناة الشديدة لأيام في انتظار أن يصل العون الأجنبي. ولا بأس أبدًا في قبول العون الأجنبي، فالتعاون الدولي مطلوب. لكن لا ينبغي أن يكون هذا هو الأساس. بلادنا بحاجة إلى مؤسسة قومية ثابتة للكوارث لها فروع في كل الولايات، تعمل مع مختلف أجهزة الدولة المركزية والولائية على درء الكوارث أولا، ثم تقديم الإسعاف السريع حين وقوعها. ومع ظاهرة التغير المناخي المتنامية فإن الكوارث الطبيعية مرشحة للازدياد في الوتيرة وفي شدة الوطأة، فهلا انتبهنا؟

 

النور حمد

صحيفة التيار 7 سبتمبر 2020

Welcome

Install
×