عدمية فك الانسداد السياسي الحالي عبر الاحزاب السياسية وطبيعة البديل

الكارثة الحالية في البلاد ناتجة عن إصطفاف الكل في تحالفات او كُتل سياسية و عسكرية مختلفة الاهداف والبرامج، هذه التحالفات تُديرها مصالحها المرحلية المشتركة الخاصة، وأيضا لها تفاهماتها المصلحية مع القوي الاقليمية والدولية، ولديها أهدافها الخاصة التي تبتعد تماما عن الاهداف الوطنية وتكوين أساس الدولة السودانية، وأيضا لديها تناقضاتها التي تقود الي تفكيكها، وإختلاف الأهداف لهذه الكتل يجعل من توحّدها امرا إحتمالاته صفرية.

 

 بقلم: د. عمر خليفة 

 

الكارثة الحالية في البلاد ناتجة عن إصطفاف الكل في تحالفات او كُتل سياسية و عسكرية مختلفة الاهداف والبرامج، هذه التحالفات تُديرها مصالحها المرحلية المشتركة الخاصة، وأيضا لها تفاهماتها المصلحية مع القوي الاقليمية والدولية، ولديها أهدافها الخاصة التي تبتعد تماما عن الاهداف الوطنية وتكوين أساس الدولة السودانية، وأيضا لديها تناقضاتها التي تقود الي تفكيكها، وإختلاف الأهداف لهذه الكتل يجعل من توحّدها امرا إحتمالاته صفرية.

١/التحالف العسكري :

– التحالف العسكري يضم مليشيات الإنقاذ والدعم السريع وبعض حركات الكفاح المسلحة وإختراقات القوات المسلحة، الهدف الحالي والأوحد لهذا التحالف هو إستمراره في السلطة الحالية وتحجيم حراك المقاومة الثوري السلمي بقيادة لجان المقاومة، لكن في ذات الوقت يكون هذا الهدف هو هدف مرحلي ولفترة زمنية ضيقة جداً، ومابعده بكل تأكيد سيحدث صراع الأهداف الإستراتيجية داخل هذا التحالف العسكري نفسه، لإختلاف الأهداف الإستراتيجية لمكوناته.

 هذا التحالف العسكري يدخل في مواجهة تفكيك أدوات الثورة الشعبية (لجان المقاومة – الحراك النقابي) ومواجهة تكسير عظام مع معظم التحالفات السياسية، وهي ليست مواجهة بهدف الإنتصار عليها، فهو يدرك جيدا أن مخرجه الوحيد للوصول إلى هدفه هو التخلص من التمدد  الثوري الشعبي و التحالف المرحلي مع كل أو معظم الكتل السياسية، لذلك فهو سيكون حريصاً على وجود التحالفات السياسية، وأن يُكمل معها عملية المساومة، ولكن يجب أن تكون المساومة بشروطه، وقد نجح أحد مكوناته في هذا، حين وقع علي الوثيقة الدستورية في العام ٢٠١٩، و التي لبت له معظم  شروطه، حتي يظل هو المسيطر علي السلطة مع إضافة بعض الصبغة المدنية لشكلية سلطته، لهذا سيسعي الي إعادة ذات المسار.

– مليشيات الحركة الاسلامية لا يمكن أن تتوافق إستراتيجياً مع حركات الكفاح المسلح أو القوات المسلحة كمؤسسة وطنية ، أو حتي الدعم السريع طالما أن الصراع الحالي هو صراع سلطة وليس تكوين دولة موحدة، فالحركة الإسلامية لا تؤمن إلا بالسلطة المطلقة، وهذا ما دفعها للتخلي عن التحالف الإسلاموي اليميني مع حزب الامة والاتحادي الديمقراطي في فترة مابعد حكم نميري والإنقضاض علي السلطة أحادياً عبر إنقلاب ١٩٨٩، لذلك فإن وجود شركاء حقيقين في السلطة لن يكون مقنعا للحركة الاسلامية.

– الدعم السريع، لا يمكن أن يتوافق إستراتيجياً مع حركات الكفاح المسلح أو القوات المسلحة كمؤسسة، وذلك لتكوينه القبلي بالأساس، وطبيعته المليشية، وربما يمكن أن يتحالف مع مليشيات نظام الحركة الاسلامية لانه صنيعتها وإبنها ، ولكن هذا التحالف نفسه لن يكون إستراتيجياً، لان الدعم السريع تحول حاليا إلى قوة عسكرية منفصلة، ولايمتلك الولاء السياسي أو التنظيمي للحركة الاسلامية ، وقد ظهر هذا في الإختلاف بين الدعم السريع وسلطة الحركة الإسلامية في نهايات ٢٠١٨ وبدايات ٢٠١٩، وربما بعد تحول الدعم السريع إلى قوة عسكرية منفصلة، ستبدو عملية السيطرة والسلطة الكاملة هدفا استراتيجيا له؛ خاصة مع دعم دول الخليج لقواته سياسياً.

– القوات المسلحة كمؤسسة وطنية لايمكن أن تتوافق أهدافها أو إستراتيجيتها مع الكتل العسكرية الثلاث المتبقية، لانها مؤسسة دولة وليست مؤسسة تنظيم أو قبيلة ، والمقصود من القوات المسلحة هنا هو الوحدات والافراد الذين يمثلون المؤسسة العسكرية، دون الاختراقات السياسية للقيادات العليا في المؤسسة.

– اما حركات الكفاح المسلح فأن معظمها لا يتوافق استراتيجياً مع كافة الكتل العسكرية، (رغما عن وضوح دعم بعضها للحركة الاسلامية ودعواته للمصالحة معها سياسياً) ، وذلك لادراكها المسبق بطبيعة هذه الكتل القبلية اوالسياسية التنظيمية التي تتبع للحركة الاسلامية ونظامها الذي صارعته بقوة السلاح في الاطراف السودانية منذ عشرات السنين. وما يؤكد ذلك هو حرصها علي إكمال اتفاق السلام في جوبا، وخارج أراضي السلطة العسكرية السودانية و التي تتبع للمجلس العسكري لنظام الانقاذ.  لهذا فان توقيع اتفاق جوبا للسلام لم يكن اتفاق سلام حقيقي، وانما كان تفاوض من اجل الدخول الي سلطة الفترة الانتقالية، ويؤكد هذا تقسيم السودان الى مسارات مناطقية كانت خارج دائرة الصراع المسلح، دون وجود اجسام ثورية او مسلحة او سياسية حقيقية تمثل هذه المناطق، ووجدت بعض الشخصيات الانتهازية مقاعد في السلطة الانتقالية كنتاج لهذا التصنيف المناطقي دون وجه حق، وكونت تحالف سياسي يعتبر الظل لحركات الكفاح المسلح الموقعة علي الاتفاق، ويعتبر داعم لسلطة الحركة الاسلامية حسب تصريحات قادته، وحراكاته السياسية في شرق السودان وامام القصر الرئاسي.

و ربما ما كان ممكناً في حالة وجود اتفاق سلام حقيقي، هو عملية دمج فعلية ما بين قوات حركات الكفاح المسلح وقوات الشعب المسلحة، من اجل انتاج جيش سوداني وطني موحد يستوعب قادتها العسكريين في هياكله القيادية، لذلك متي ما وصل هذا التحالف للحظة تحقيق هدفه المرحلي الاني واللحظي فانه سيدخل بعدها في صراعات داخلية سلطوية ويتفكك . وربما الطبيعة الحالية لهذا التحالف العسكري ، تشابه الي حد كبير طبيعة التحالف السياسي لقوى الحرية والتغيير ماقبل اسقاط البشير، فالاثنين هما تحالفات من اجل السلطة كهدف أول وأخير، وكلاهما تحالفات مرحلية لاتستند علي أهداف إستراتيجية، لذلك بدأ تحالف قوي الحرية والتغيير في مراحل التشتت بعد ١١ ابريل، اي بعد سقوط رأس النظام، ودخل في مرحلة الاختلاف و البحث عن السلطة الانفرادية، دون ان يكون هناك برنامج موحد(وليس ميثاق) لبناء الدولة يلزم كافة مكوناته، وهذا المصير  بالضرورة ما سيؤول اليه التحالف العسكري الحالي.

التحالفات السياسية :-
قوي الحرية والتغيير :

– التحالفات السياسية وأولها كتلة قوى الحرية والتغيير ( وهذه منقسمة داخليا الي كتل مختلفة ) ، رغما عن الافتراض الاعلامي والظاهري لوحدتها ككتلة ، ويدحض الواقع السياسي الحالي ومراجعة التحالفات والصراعات  التاريخية المزمنة في السياسة السودانية، مابين اليمين واليسار السياسي هذه الفرضية ، ويأكد عدم صحتها الانشقاقات الحالية في الاحزاب نفسها، و الاختلافات الكبيرة في تصريحاتها وتضاربها فيما يتعلق بوحدة العملية السياسية تجاه الانقلاب علي الثورة، وبالضرورة هو اختلاف مبني علي اختلاف برامج سياسية ومبادئ حزبية.

– توجد الكتلة السياسية للانتهازيين التي افرزتها اتفاقية جوبا للسلام، والتي حاولت إيتغلال إسم ميثاق الحرية والتغيير، فأطلقت مسمى الحرية والتغيير- كتلة ميثاق التوافق الوطني، وهذه كتلة داعمة لتنظيم الحركة الاسلامية، وتعتبر المعبر لعودة الحركة الاسلامية للمشهد السياسي من جديد، ويؤكد ذلك ظهور بعض كوادر المؤتمر الوطني ومنتفعيه ككوادر سياسية تتبع لهذه الكتلة، و هذا يتضح أيضا من دعم كوادر الحركة الاسلامية لهذه الكتلة ، وايضا يتضح من نهجها ومطالبها وتصريحاتها والتي كانت المفتاح لسيطرة المجلس العسكري علي السلطة من جديد، بعد ان طالبته في اعتصام القصر، وفي شرق السودان باسقاط السلطة المدنية الشريكة ، وهذه كتلة تفتقد لاي دعم شعبي او قاعدي، ويرتبط وجودها باستمرار التحالف العسكري، وسقوط التحالف العسكري يعني انهيار هذه الكتلة السياسية ، لان وجودها غير حقيقي ، وانما هي ظل التحالف العسكري الذي صنعه من خيالات اتفاق جوبا للسلام.

-الحزب الشيوعي ويمثل كتلة سياسية منفردة، يمثل اليسار السياسي السوداني ، ويدخل في  صراع ضد كل الكتل السياسية الموجودة بعد خروجه من تحالف ق ح ت، بمحاولة تكوين حلفاء جدد بعيدا عن الاحزاب السياسية ، وربما إستفاد الحزب الشيوعي من دراسة التجارب التاريخية للتحالفات السياسية في السودان ، خاصة بعد الانتفاضات الشعبية ١٩٦٤ و١٩٨٥ ، ولكن في ذات الوقت فأن فكرة ان يكون وحيدا في المواجهة السياسية الحالية، ستقلل من احتمالية نجاحه في هذه المواجهة ، ويمكن في حال نجاح التحالفات اليمينية ان يتعرض لهجمة سياسية وامنية شرسة ،فالتجربة اثبتت ان العقلية السياسية الحالية، هي ذاتها العقلية المجمدة علي العام ١٩٦٤، (فذات الادوات مازالت تُستخدم) ،و بكل تاكيد لن توقفه هذه الهجمات، ولكن  ستحجّم حراكه السياسي، حسب تاريخ وتجارب الصراع السياسي السوداني.

 

الكتلة الثورية :-
لجان المقاومة:

 

 – هي اجسام ثورية سلمية، يوجد بها كوادر من الكتل السياسية سابقة الذكر ، وهذا لا يمكن اعتباره اختراقاً ، وانما هو انضمام ، لان لجان المقاومة لم تضع شرطا تنظيمياً بعدم الانتماء الحزبي السياسي لعضوية قياداتها، لذلك تظل القوي السياسية موجودة داخل رؤي لجان المقاومة، و لكن تظل هذه الكتل الثورية ولوجود الاغلبية ككوادر ثورية غير مُسيّسة، ولوضوح طرحها (شعار اللاءات الثلاث) تظل هي الكتلة الاكبر شعبيا، و التي تسعي لتكوين دولة العدالة والقانون، ويتضح رفضها لوجود كافة الكتل الاخري في السلطة القادمة ككتل ذات سلطة، او بمفهوم الحاضنة، وذلك نتاج حسابات تجربة شراكة الحرية والتغيير مع المجلس العسكري لنظام الانقاذ. و لكن اذا لم تتجه قيادة الكتلة الثورية لقيادة الشارع السوداني بكافة أطيافه ، وليس الثوار والمقاومين فقط، ستظل كتلة ثورية معزولة عن الشارع في المواجهة الحالية مع النظام العسكري، وهذا بمفهوم ضرورة أن يشمل خطاب لجان المقاومة- بجانب الخطاب الثوري- خطابا شعبيا، يخاطب الشارع السوداني، ويتناول معاناته اليومية (معيشية، علاج، تعليم) -من بعد قضية العدالة والديمقراطية- بلغة يفهمها الشارع السوداني ، و كأحد أسباب ضرورة التغيير، مع إحتفاظ اللجان بطبيعتها الثورية دون التحول لاجسام سياسية.

تجمع المهنيين السودانيين :

 تجمع المهنيين السودانيين هو الجسم الذي اظهرته ثورة ديسمبر المجيدة كقيادة ثورية نقابية، و قد تعرض لعملية تفكيك تنظيمي، أستخدمت فيه أحزاب قوي الحرية والتغيير الصراع السياسي الحزبي، وذلك لاختلاف المواقف حول دعم سلطة الشراكة او تعديل مسار الثورة، وما يؤكد ان لقوي الحرية والتغيير ضلعا كبيرا في عملية التفكيك التنظيمي  هو اعترافها باحد شقي التجمع ، وتمثيله في كافة اجتماعاتها بأسم تجمع المهنيين السودانيين.

– افقد هذا الصراع تجمع المهنيين كثيرا من ثقة الشارع السوداني الذي كان يعتبره الجسم النقابي الثوري، لذلك افقد الثورة نفسها ركنا مهما وهو قيادة العمل النقابي الثوري، والذي يبدو حاليا  مفقودا تماما، لذلك لايبدو دوره دورا مؤثرا في قيادة الحراك الثوري. ولكنه يظل احد قادة ثورة ديسمبر المجيدة، ويحتاج الي المحاولة الجادة لاعادة ثقة الشارع السوداني.

إنه ونتيجة لاختلاف الاهداف الاستراتيجية مابين الكتل الموجودة حاليا، عسكرياً وسياسياً ، تبدو مهام انجاز وحدة قوى الثورة سياسيا حاليا هو العدمي وصاحب الاحتمال الصفري (وليس شعار اللاءات الثلاث) ، لانه و قبل سقوط البشير، كانت السلطة  في يد تنظيم واحد ويتحالف مع  بعض النفعيين الذين لا يؤثرون علي سلطته فعليا.لذلك وحسب تجربة عامي السلطة الانتقالية، فان وحدة قوي الثورة السياسية في العام ٢٠١٩، كانت وحدة القوي السياسية الهادفة الي اسقاط السلطة الموجودة سلفاً، والوصول للسلطة من بعد ذلك ، ولم تكن وحدة سياسية بهدف بناء الدولة ، لان بناء الدولة من جديد كان يستوجب برنامجاً وطنياً لا حزبياً يتأسس علي تفكيك القديم عبر تفكيك حقيقي لقوانين ومؤسسات نظام الانقاذ، لانه النظام الفاسد الذي كان موجود قبلاً، والذي مارس الافساد السياسي والاجتماعي والاقتصادي، واوصل البلاد لداخل الهاوية (النظام السياسي الحاكم عبارة عن قوانين ثم مؤسسات ثم سياسات)، وهذا التفكيك لم يحدث فعليا في سلطة الشراكة السابقة مع المجلس العسكري، لان التقاطعات المصلحية البرامجية الحزبية موجودة في كتلة قوي الحرية والتغيير نفسها، وان اسقاط نظام الانقاذ لم يكن ليشمل الحركة الاسلامية وحدها، فهو اسقاط لنظام سياسي متوارث عبر تحالفات استراتيجية ومرحلية لاحزاب اليمين، والذي كانت الحركة الاسلامية شريك اساسي و رمزيته الاولي ، وربما كان مفهوم الحضانة السياسية للسلطة يطغى علي مفهوم البرنامج السياسي الوطني لتفكيك نظام الإنقاذ والتغيير نحو الديمقراطية وذلك للتحايل علي تفكيك نظام الانقاذ تفكيكا حقيقيا.

يبدو حاليا ان هدف الوصول للسلطة (وهو الهدف المرحلي الحالي للكتل المختلفة)  في وجود المجلس العسكري، يتخذ مسارات مختلفة المسافات والاتجاهات والمواقف، باختلاف مصالح واهداف ومبادئ الكتل سابقة الذكر ، لذلك لايمكن ان يتم توحيد هدف الوصول للسلطة بين الكتل العسكرية والسياسية المختلفة سلفا (فكرياً و برنامجاً استراتيجياً) ،وذلك لوجود السلطة الحالية تحت سيطرة الشريك العسكري للمكون المدني في السلطة الانتقالية السابقة، وهذا ما يجعل الامر – بين القوي السياسية- اقرب الي الازمة السياسية من الثورة ، واقرب الى الاختلاف بين شركاء سلطة من انقلاب على الثورة، هذا ما كانت ق ح ت  تحاول طرحه علي الراي العام السوداني حينما كانت مطالبها هي العودة لما قبل ٢٥ اكتوبر، اي العودة لوضعية الشراكة وانهاء الاختلاف ، وربما بعض الكتل السياسية الحالية، تمتلك أضلعاً في السلطة العسكرية الحالية نفسها، و لديها تفاهماتها مع العسكر، من اجل الوصول الي حلول بين فرقاء الشراكة حسب ما تسميه بعض وسائل الاعلام العربي.

كذلك تبدو التدخلات الاقليمية والدولية مانع صد امام وصول الثورة الي اهدافها، والي التغيير الفعلي، مالم تحصل علي ضمانات لتحقيق مصالحها، وذلك يتضح من تحكمها في قرار الكتل العسكرية والسياسية سابقة الذكر، وهي بكل تاكيد لاتضع مصلحة وطننا الحبيب كمصلحة أولى، وإنما تضع مصالحها العسكرية والاقتصادية واللوجستية اساساً لسعيها لايجاد الحلول، وإن أي نظام قادم-دون إستثناء – يحقق هذه المصالح فهو ما ستدعمه، دون النظر الي طبيعة أو أهداف هذا النظام، ودون وضع قبول أو رفض الشارع السوداني  كمحدِّد أساسي ( ولكن يظل الرفض أو القبول أحد العوامل الهامة المحددة لإستمرار أو نهاية النظام المعني) ، فدعمها لنظام البشير قبل العام ٢٠١٩ وخلال ثورة ديسمبر المجيدة ضد إرادة الشعب السوداني يؤكد ذلك.

لذلك حسب الواقع السياسي الحالي؛ يجب أن نخرج من حتمية ضرورة تشكيل هيكل تنظيمي موحد يضم جميع قوى الثورة السياسية والثورية في كتلة تنظيمية سياسية ثورية واحدة، وربط تشكيل هذا بوحدة قوى الثورة ، وربطه كشرط أساسي لإنجاح الثورة والوصول لأهدافها والتغيير المنشود ((لانه ببساطة أساس الثورة هو مفاهيم وبرامج تعتبر إطار ملزم للهيكل التنظيمي للجسم الثوري الموحد وليس بناء هيكل تنظيمي اولا،ثم يؤكل إليه وضع أساس برنامج الثورة الوطني )) وبتبسيط أكثر لأن تجربة ق ح ت كتحالف سياسي موحد وشراكته مع العسكر، علمتنا أن توحيد قوي ثورة سياسية مختلفة سلفاً – برامجياً وفكرياً – في هيكل تنظيمي واحد، دون برنامج سياسي وطني ملزم مسبقا ، سيفرز مفهوم صراعات أحقية الحضانة السياسية من جديد (و كان هذا من أهم سلبيات السياسات المدنية لسلطة الفترة الانتقالية، والتي ساهمت بشكل فعلي في إنهيارها وضعفها ، لوجود تحالف سياسي هدفه الوصول للسلطة عبر إنجاز إسقاط حكومة ماقبل، مع إختلاف مكوناته في طبيعة تكوينها فكريا وفي التفاصيل البرامجية للاحزاب نفسها حول طبيعة الدولة السودانية وحول شكليتها ،والتي بالضرورة تسقط علي إختلاف برنامج التغيير لكلٍ، لذلك كانت تعج بالانشقاقات والتفكيك والضعف ).

فلهذا؛يجب أيضا ان نخرج من ربط نجاح الثورة بحتمية تكوين هيكل تنظيمي موحد لكافة قوي الثورة وذلك لعدم امكانيته حسب اختلاف الاهداف الاستراتيجية ، ويجب ان نذهب الي الاتجاه الممكن، وهو ربط نجاح الثورة بحتمية وضع برنامج ثوري باهداف ومطالب واضحة ومفصلة لطبيعة واهداف ومهام وهيكل السلطة الانتقالية، كمشروع وطني ، ويظل هو قيادة الثورة فعلياً، وينضم اليه كل من يتوافق معه ثورياً وسياسياً ونقابياً ، بانضمام مشروط ، يتجاوز أسباب فشل التحالف السابق، ويتجاوز مفهوم الحاضنة السياسية للسلطة الانتقالية، اي كانت هذه الحاضنة – سياسية، عسكرية او ثورية – لان الخلل كان في مفهوم السيطرة المزدوجة  للحاضنة علي السلطة الانتقالية نفسها، وليس في( من سيكون هذه الحاضنة) .
يبقي السوال التلقائي، من سيضع برنامج المشروع الوطني الملزم ؟

بكل تأكيد لا تستطيع الاحزاب السياسية وضع برنامج مشروع تغيير ثوري سياسي او مشروع تغيير وطني متوافق عليه من كل الكتل السياسية،وذلك للاختلاف المبدئي البرامجي الاستراتيجي، خاصة مع تضارب مصالح القوي الاقليمية والدولية مع اهداف التغيير الفعلي وتحالفاتها مع بعض الكتل السياسية ، لذلك يجب تجاوز ضرورة الرؤية السياسية الموحدة من الاحزاب، (العسكر بالضرورة لايمتلكون الشرعية او القدرة علي وضع برنامج سياسي، لان طبيعة المكون العسكري هي طبيعة عسكرية قتالية، وليست طبيعة سياسية، واي محاولات منها لوضع برنامج سياسي فذلك سيكون من باب (اللعب علي الدقون، بتناقض أن يضع مجلس عسكري انقلب علي مبادئ الديمقراطية للثورة السلمية ، ان يضع برنامج سياسي يدعو الي الدولة الديمقراطية ).

لذلك ونسبة لغياب وإستحالة وحدة البرنامج  السياسي من الاحزاب الحالية ، فان المكون الذي يقع علي عاتقه هذه المهمة، والمكون الحريص علي تكوين الدولة المدنية وفق المشروع الوطني للتغيير هو المكون الثوري والاجسام الثورية والقوى المدنية ، وقد إبتدر تجمع المهنيين السودانيين وضع إعلانه السياسي، ثم لجان مقاومة مايرنو التي وضعت رؤيتها السياسية الثورية حول شكلية الحكم المحلي، وتبعتها لجان مقاومة ود مدني منفردة برؤيتها السياسية حول تعريف و مهام وطبيعة وهياكل السلطة الانتقالية، وربما في الطريق بقية لجان مقاومة المدن والاحياء، لكن يظل هذا الفعل هو فعلاً مشتّت لانه بالضرورة لن يوحد رؤية العمل الثوري ، لانه ربما يكون هناك أكثر من مائة لجان مقاومة احياء  ومدن لها الحق في إخراج رؤيتها السياسية الفردية حول السلطة الانتقالية. لذلك لايمكن أن تضع  الأجسام الثورية هذا البرنامج مالم تمتلك قيادة ثورية مركزية(يراعي فيها الجانب الأمني الحالي والإختراقات الحزبية) يتم فيها تمثيل لكل لجان المقاومة في السودان، فتوافق الأهداف المرحلية والإستراتيجية للجان المقاومة هو الموجود و الممكن والأقرب، ويؤكد ذلك وحدتها حول شعار اللاءات الثلاث والذي يعتبر أساس رؤيتها ويجب ان يُبنَي عليه المشروع الوطني، متضمنا حيادية القوات المسلحة في الصراع السياسي، وقيامها بدورها العسكري الوطني دون إقحامها في معارك  السياسة والسلطة.

وأيضا يوكد ذلك وحدة لجان المقاومة حول الحراكات الثورية المركزية، ولكن يجب اشتراط استبعاد قيادات لجان المقاومة الذين ينتمون تنظيمياً الي احزاب سياسية في عملية تكوين الجسم المركزي ، لان وجود المنتظمين حزبياً داخل الجسم المركزي للجان المقاومة يعني نقل الصراع السياسي المصلحي الحزبي للجان المقاومة مركزياً، وهذا ما سيعيد تجربة تفكيك تجمع المهنيين السودانيين ، وسيكون نتاج ذلك هو تحجيم كامل للثورة السودانية الي حين، فما تبقي من ثورة ديسمبر ٢٠١٨، والاكثر حرصا علي التغيير نحو دولة العدالة و الدولة المدنية والديمقراطية حاليا هو لجان المقاومة.

ولكن لابد من  الانتباه الي بعض النقاط الهامة، وهي ان وضع لجان المقاومة لبرنامج سياسي للفترة الانتقالية او مشروع وطني للسودان، يجب ان يكون متزامناً مع احتفاظ لجان المقاومة بطبيعتها الثورية الرقابية ، وان هذه المهمة (مهمة وضع برنامج سياسي) فرضها الواقع السياسي المختل، وان الدور الرقابي الثوري للجان المقاومة علي المشروع الوطني هو الاهم عن الدور التنفيذي او التشريعي، فدخول لجان المقاومة في الادوار  التنفيذية او التشريعية هو بالضرورة نهاية الدور الثوري الرقابي للجان المقاومة ، او بمعني اكثر دقة هو إحداث فراغ ثوري رقابي، فليس من المنطق ان تراقب السلطة نفسها، وهذا التناقض هو ما عاشته ق ح ت في السلطة الانتقالية السابقة، وذلك عبر استحداث مفهوم الحاضنة السياسية، وهو مفهوم مسخ ضائع مابين مفهومي السلطة والرقابة، فهي لم تكن تلعب دور السلطة التنفيذية الفعلية بشرط الكفاءات اللاحزبية ، وهي ايضا لم تكن تلعب دور الرقيب علي السلطة التنفيذية، وانما دور صاحب الفعل التنفيذي نفسه ، وذلك لتدخلاتها المباشرة علي بعض سياسات ومناصب الجهاز التنفيذي على الاساس الحزبي.

و ايضا ما يؤكد ذلك هو تجربة تجمع المهنيين  بعد ١١ ابريل ٢٠١٩، و انحسار دوره النقابي بعد ان تغيرت طبيعته الي الطبيعة السياسية التنفيذية ، ففقدت الثورة ركنا مهما، وهو الحراك النقابي المركزي، والذي ان كان موجودا لتغيرت معادلات كثيرة في المشهد السياسي الحالي، لتصب في نجاح الثورة والوصول لاهدافها.

وما يجب ان ننتبه له ان اي مشروع وطني سياسي او ثوري،لايضع شرط اسقاط او اقالة المجلس العسكري الحالي كارضية تفاوض سياسي، ولا يضع عملية تفكيك نظام الانقاذ كأساس لتكوين دولة الانتقال الحقيقي، ولا يضع مراجعة اتفاق جوبا للسلام كخطوة ضرورية لسلام عادل وشامل ، ولا يضع ارجاع مؤسسة قوات الشعب المسلحة للشعب السوداني، ولا يمنع مفهوم الحضانة علي السلطة الانتقالية التنفيذية والتشريعية كخطوة مُعالِجة لاخطاء سابقة اضرت بسلطة الثورة المدنية وفككتها، فان لم يضع كل ذلك في تفاصيله سيكون اعلان سياسي تصالحي مع نظام الانقاذ ومجلسه العسكري و استمرار الوضع الحالي مع تأجيل المواجهة الفعلية معه.
ولنا متسع من وطن نحلم به، سياتي سيأتي.

Welcome

Install
×