انحياز هلال للجيش السوداني ضد الدعم السريع.. جبهة جديدة لمعارك قديمة
أمستردام: الأربعاء 24/ أبريل/ 2024: راديو دبنقا
قبل أيام قليلة من موعد انطلاق مفاوضات منبر جدة السعودي بداية مايو القادم بجهود إقليمية ودولية، وسط ترقب شعبي بوقف الحرب وإنهاء معاناة الناس، خرج رئيس مجلس الصحوة الثوري وزعيم قبيلة المحاميد، الشيخ موسى هلال في مقطع مرئي متداول، الإثنين، بإعلان انحيازه للجيش السوداني والقتال إلى جانبه، ضد قوات الدعم السريع، ويأتي إعلان موقفه بعد عام من الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
وذكرت تقارير إعلامية أن هلال أجرى خلال الأيام الماضية جولة وسط القبائل العربية في ولاية شمال دارفور، أدلى خلالها بتصريحات وسط حشود من المواطنين، حيث خاطب، الاثنين، حشدًا قبليًا في منطقة أم سنط بولاية شمال دارفور أعلن فيه “وقوفه مع مؤسسات الدولة وخلف الجيش”.
وأعلن عن عدم وقوفه مع أيّ مليشيا وقال أنهم ليسوا من ما سماهم بالمرتزقة الذين قال بأنهم يأتون بهم من تشاد والنيحر وأفريقيا الوسطى واريتريا لغزو السودان”.
الخطوة أثارت جدلاً على خلفية الخصومة التاريخية بين هلال وقائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو “حميدتي” الذي قام باعتقاله وتسليمه للخرطوم في نوفمبر 2017 على خلفية أزمة سياسية نشبت بين هلال وحكومة الخرطوم، قبل إطلاق سراحه في مارس 2021.
البعض فسر موقف هلال في إطار تصفية حسابات شخصية مع خصمه حميدتي، وأنه وجدها فرصة مواتية للانتقام منه، بينما اعتبر البعض الخطوة مرتبطة بجاهزية هلال عسكريًا حيث كان يعاني في السابق من ضعف في قواته وعتاده ما ألزمه الصمت طوال هذه الفترة، وهو على مرمى من نيران الحرب بتواجده في مستريحة.
تبرؤ المحاميد:
في أول رد فعل من داخل قبيلة المحاميد من موقف هلال، تبرأت بعض قيادات الإدارات الأهلية لقبيلة المحاميد بولاية غرب دارفور، من تصريحات هلال، وقال أحد أمراء قبيلة المحاميد، مسار عبدالرحمن عسيل، في مؤتمر صحفي عُقد بمدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، الثلاثاء، أن أبناء المحاميد أكثر أبناء الشعب السوداني تضررا من ممارسات الجيش.
وفي ذات الصعيد، أعتبر الأمير حافظ تاج الدين من قبيلة المحاميد تصريحات موسى هلال، حديث من أجل الاستهلاك الإعلامي روجت له بعض القنوات وأخرجته من سياقه، وتابع: “أبناء موسى هلال الآن في الصفوف الامامية مقاتلين مع قوات الدعم السريع، بينما استشهد أحدهم في وقت سابق”.
وفي 15 فبراير الماضي، اتفقت قوات الدعم السريع مع موسى هلال، على تجاوز نقاط الخلافات والتزام كل طرف بعدم الاضرار بالآخر، حيث منح الاتفاق موسى هلال الاحتفاظ بجيشه ومعسكراته.
وأفادت مصادر بأن عناصر من قوات موسى هلال كانت تقاتل مع الجيش في قيادة الفرقة 16 مشاه بمدينة نيالا حاضرة ولاية جنوب دارفور، وقالت المصادر أن قوات هلال كان لها دور كبير في صد قوات الدعم السريع في شهر مايو ما بعده.
تصفية حسابات:
في هذا السياق اعتبر الصحفي والباحث في الشؤون السياسية صديق محيسي، أن إعلان رئيس مجلس الصحوة الثوري موسى هلال بانضمامه للقتال مع الجيش السوداني، في حربه مع قوات الدعم السريع، هو نتاج طبيعي لتصفية حسابات بين موسى هلال وقائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو “حميدتي”. ورأى بأنه أمر طبيعي ومتوقع ولا جديد فيه.
وقال لـ”راديو دبنقا” أن هلال ظل في انتظار مثل هذه الفرصة طيلة الفترة الماضي لينتقم من حميدتي، مشيرًا إلى أن الرئيس المخلوع عمر البشير كان يشكل لحميدتي حماية كبيرة على أيام حكمه.
وأعاد محيسي، التذكير بحادثة اعتقال حميدتي لموسى هلال وقال أنه تسبب في محاصرته بالسلاح واعتقاله بالقوة ومن ثم ترحيله بالطائرة إلى الخرطوم، وذكر بعد محاكمته فضل النظام السابق بأن يتم حبسه في منزله بوضعه في “إقامة جبرية”، واعتبر أن الدافع الأساسي والهدف النفسي والخصوصي وكذلك في العقل الباطني لموسى هلال هو الانتقام من حميدتي.
اعتبر الباحث السياسي أن ذات الموقف ينطبق على الحركات المسلحة من ناحية الاصطفاف القبلي والتحشيد العسكري واستعانة الجيش بالمليشيات، وأرجع ذلك إلى ما وصفه بالنظام غير الشرعي بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، وقال تم جمع هذه الحركات لكي تساعده في القضاء على قوات حميدتي في دارفور، وخلص في هذا الإطار إلى أن التحليل المنطقي والسياسي يؤكد أن موسى هلال يعتبر الاستعانة به أو إعلانه هو الوقوف إلى جانب الجيش بمثابة فرصة اهتبلها ليصفي حساباته مع حميدتي.
ضعف الجيش أم قوة هلال:
وفي رده على سؤال لـ”راديو دبنقا” ان كان هذا الموقف نتاج لاستعانة الجيش بموسى هلال بعد الهزائم التي تلقاها، قال الباحث في الشؤون السياسية صديق محيسي، أن الجيش أصلاً متراجع عسكريًا أمام قوات الدعم السريع، وسخر من الاخبار المتداولة بانتصار الجيش وقال إنَّ كل ما يعلن عنه في الأسافير وفي الإذاعة والتلفزيون السوداني، بتحرير الإذاعة حديث “مضحك” فكيف يتفاخرون بتحرير الإذاعة في الوقت الذي يسيطر فيه الدعم السريع على القصر الجمهوري وعلى كل المواقع الاستراتيجية في الخرطوم وامدرمان وبحري ويسيطر على 80% من المواقع العسكرية في دارفور.
من جهته قال المتحدث الرسمي باسم معسكرات النازحين واللاجئين آدم رجال لـ”راديو دبنقا” إن الخطوة التي اتخذها من وصفه بزعيم المليشيات موسى هلال، غير سليمة ووصفها بالسيئة في اتجاه إطالة أمد الصراع في دارفور خاصة والسودان عامة وانتقال الصراع إلى حرب أهلية شاملة.
غير أن الخبير الأمني والاستراتيجي اللواء أمن دكتور عيسى آدم أبكر، رفض في مقابلة مع “راديو دبنقا”، الحديث عن استعانة الجيش بموسى هلال واعتباره في حالة ضعف، ودافع بشدة بأن الجيش في أحسن وأقوى حالاته من الفترات الماضية وقال أن الجيش كان في أوضاع الدفاع، حيث كان يدافع فقط ولا يهاجم، لكن الآن الجيش هو الذي يهاجم، وكل يوم نسمع بأن الجيش هاجم منطقة من المناطق التي كانت تتواجد فيها قوات الدعم السريع وأكد بأن الآن الجيش هو الذي استلم زمام المبادرة.
وقال طالما أن زمام الأمور في طرف الجيش فلا يمكن القول بأن موسى هلال انضم في ظل ضعف القوات المسلحة بل انضم في ظل قوة الجيش وفي ظل قوة موسى هلال نفسه بعد أن تجمعت حوله هذه القوات، أكد أن لديه كمية كبيرة من السلاح. وإلا ما كان سيصرح بهذه الصورة وبهذه القوة.
لكنه لم يستبعد أن يكون لهلال هدف من وراء إعلانه الانضمام للجيش، وأرجع السبب الرئيسي في هذا التوقيت إلى أن قواته وإمكانياته كانت ضعيفة في السابق. ولم يكن بمقدوره دعم القوات المسلحة في تلك الظروف. لكنه وجد نفسه جاهزًا هذه الأيام لمواجهة أية عدوان عليه، مشيرًا إلى أن ذلك لا يكون إلا بضمان القوة التي يمتلكها بفضل العدد الكبير من المقاتلين والكمية الكبيرة من السلاح.
ظهور هلال:
وقال اللواء عيسى لـ” راديو دبنقا” إنَّ موسى هلال كان موجودًا في مستريحة وهي في دارفور. ومعلوم أن دارفور مكان انتشار لمليشيا الدعم السريع وبالتالي لا يمكن بأي حال في ظل هذا الضعف أن يواجه الدعم السريع، لكن أن يعلن في هذا التوقيت بالذات تأييده للقوات المسلحة وهو موجود في مستريحة، هذا يعني بصورة واضحة، أنه استطاع أن يجمع قواته التي كانت تدعمه وتشتت في الفترة الماضية بصورة كبيرة جدًا.
وأشار الخبير الأمني والاستراتيجي إلى أنه من الملاحظ ظهور هلال بهذه القوة الكبيرة والعدد الضخم الذي شاهده الجميع، والاجتماع الكبير الذي ضم أهله وعشيرته وقواته ولم يكن يجمع مثل هذا العدد قبل 6 ـ 7 أشهر، كما لم يكن يستطيع أن يجمع مثل هذا العدد وقوات الدعم السريع في عز قوتها. لكنه، كما قال عيسى، طالما الآن جمع مثل هذا العدد من مناصريه من قوات الصحوة التي كانت منتشرة في ليبيا وتلك التي كانت في صفوف قوات الدعم السريع وعادت إليه بالتالي ظهر بهذه الصورة.
جدة:
وحول مدى تأثير موقف الشيخ موسى هلال على انطلاق مفاوضات منبر جدة السعوي، شكك الصحفي والباحث في الشؤون السياسية صديق محيسي في نجاح تلك المفاوضات، وقال إنه مجرد خبر منشور على الأسافير، واستبعد ذهاب البرهان ومجموعته إلى جدة وقال حتى الآن لا يوجد إعلان رسمي من طرف البرهان ومجموعته، وأضاف كل المعلومات المتاحة في الأسافير أنهم سيشاركون في مفاوضات جدة.
وقال محيسي حتى إذا ذهبوا لن تكون لديهم الكروت العسكرية التي تجعلهم يفرضون شروطهم على حميدتي، وأعاد التذكير بمواقفهم وقال في السابق كانوا يقولون إن الشرط الأساسي لوقف الحرب هو خروج قوات حميدتي من منازل المواطنين والمواقع العسكرية، وقال إنَّ حميدتي لا يمكن أن يكون “مغفلًا” ليقبل مثل هذا الشرط، الذي سيضعفه عسكريًا وهذا يعني كل الانتصارات التي حققها ستذهب مع الريح لذلك أتصور أن مؤتمر جدة سيكون أشبه بالمؤتمرات الماضية.
وربط محيسي عدم نجاح المفاوضات بأسباب اندلاع الحرب وقال إنَّ البرهان أشعلها لأنه كان يهدف من ورائها لخلط الاوراق، لرغبته في السلطة وقال حتى لو مات نصف الشعب السوداني لا يهمه هذا الأمر، وأضاف: طبيعي للذين يقرأون “سايكولوجية” البرهان يعرفون أن هذا الرجل لا يهمه الشعب السوداني ولا عدد الذين يموتون أو الملايين الذين نزحوا ولجأوا للدول المجاورة، لا يهمه ذلك إطلاقًا، فالهدف الاستراتيجي للبرهان ومن خلفه حزب المؤتمر الوطني “المحلول” الذي وعده بعد نهاية الحرب بأنه سيكون البديل للرئيس المخلوع عمر البشير، وقال بالتالي أصبح هدفه الاستراتيجي هو أن يحكم السودان فوق آلاف الجثث.
مواجهة العدوان:
وجدد الخبير الأمني والاستراتيجي اللواء أمن دكتور عيسى آدم أبكر التأكيد بأن موسى هلال يعلم أن قوات الدعم السريع هذه الأيام في أضعف حالاتها لأنها مشغولة بجبهات كثيرة من القتال، التي فتحتها القوات المسلحة، في كل من الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور، مليط، كبكابية، وفي ولاية الجزيرة في ستة محاور مختلفة، وفي ولاية الخرطوم وبحري وقال أمدرمان لوحدها لديها عدة محاور كثيرة وحصار الجيش للدعم السريع في المصفاة.
وقال عيسى أن هنالك انتشار ضخم للقوات المسلحة وهي التي فتحت هذه الجبهات واختارت الزمان والمكان للمعارك، وبالتالي قوات الدعن السريع في أضعف حالاتها ولا تستطيع مواجهة القوات المسلحة والدليل إحساس الشيخ موسى هلال بضعف قوات الدعم السريع ومقدرته على مواجهتها هذه المرة، وإذا لم يمتلك السلاح والقوة المناسبة لما استطاع أن يجاهر بمثل ما قال بأنه يدعم القوات المسلحة ويقف إلى جانبها ويقف مع الوطن.
وأوضح أن هذا يعني أن هلال يمتلك القوة التي يمكن أن يتصدى بها لقوات الدعم السريع، وقال افتكر أن موسى هلال الآن في أقوى حالاته ويعلم أن القوات المسلحة قامت بأدوار كبيرة بفتح الجبهات الكبيرة في مختلف ولايات السودان، وقوات الدعم السريع لا تستطيع أن تواجه موسى هلال لأن ماهي فيه يكفيها “الفيها مكفيها” والآن المعارك في شمال دارفور في أشدها ومستريحة تقع في شمال دارفور، ولا تستطيع قوات الدعم السريع أن تضرب موسى هلال ولا الجيش.
انتاج المليشيات:
وفي رده على سؤال حول استمرار الجيش في انتاج المليشيات، رفض الخبير الأمني والاستراتيجي اللواء أمن دكتور عيسى آدم أبكر، وصف من يقاتلون إلى جانب الجيش السوداني بلفظ المليشيات وقال إن الذين يحاربون مع الجيش ليست مليشيات هي قوات منظمة تتبع للقوات المسلحة، وقال إذا أشرنا إلى الحركات المسلحة ليست مليشيات، باعتبار أنها تحارب مع القوات المسلحة وإلى جانبها وتعمل معها تحت إمرتها وحتى المهام العسكرية تأخذها من القوات المسلحة، وتعمل وفق الانفتاح العسكري الذي تقوم به القوات المسلحة.
وجدد التشديد بأنه ليس هنالك ثمة مليشيات حتى نقول ستكون مثل ما ربى الجيش، قوات الدعم السريع، لكن القوات التي تحارب تحت راية وإمرة وقيادة الجيش لا تعتبر مليشيات، مستبعدًا من أن يحدث تحشيد واصطفاف قبلي أو جهوي وقال ليس هنالك من تخوف باعتبار ان كل ما يتم تحت سيطرة القوات المسلحة.
واستبعد اللواء عيسى أي شكوك في القوات التي تحارب الآن مع القوات المسلحة بأنها يمكن تكون مثل مليشيا الدعم السريع، التي قال بأنها استطاعت أن تتحصل على كميات ضخمة جدًا من الأسلحة والذخائر والتجنيد القبلي بمساعدة دولة الإمارات ودول أخرى كثيرة جداً
معاناة:
وقال آدم رجال أن الأهل في دارفور عانوا ودفعوا ثمن هذا الصراع كثير جدًا ومازالوا يدفعون الثمن بالقتل والاغتصاب والجوع والتشريد، واعتبر أن هذه الخطوة التي قام بها هلال من شأنها أن تطيل فترة الحرب وحذر من انتقال صراع إلى أهلي دموي، مبيناً إن أطراف الصراع يستخدمون الغذاء للتجويع للنازحين في دارفور والسودان عمومًا ويعرقلون وصول المساعدات الإنسانية واعتبر أن هذا الأمر في حد ذاته جريمة حرب.
وأشار إلى أن في مدينة الفاشر لوحدها هنالك أكثر من 800 ألف معرضين للخطر وفق إحصائيات المنظمات الدولية، وهو سبب كافٍ لدفع الأطراف لايقاف الحرب ووقف اطلاق النار دائم وفوري لإيصال المساعدات الإنسانية وإيجاد مخرج لهذه الأزمة بإقامة حوار سوداني، سوداني يجمع كل أطياف الشعب السوداني دون فرز عدا المؤتمر الوطني وواجهاته، الذين أشعلوا الحرب وهم الذين ارتكبوا جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والابادة الجماعية في دارفور، مع زعيمهم سابقاً موسى هلال الذي يريد أن يساند الجيش اليوم وعلي كوشيب والرئيس المخلوع.