ولاية سنار: تدهور الأوضاع الإنسانية وإعادة تموضع عسكري

جسر الدندر - المصدر: وكالة السودان للأنباء

أمستردام:3 يوليو 2024: راديو دبنقا

تراجعت المعارك في ولاية سنار بعد أن كانت هذه الجبهة قد شهدت تصعيدا كبيرا بعد سيطرة قوات الدعم السريع على جبل مويه في 25 يونيو الماضي. ورغم حالة التوتر الحذر التي تسود في مختلف أرجاء ولاية سنار بعد تراجع حدة المعارك، لكن موجات نزوح المواطنين في اتجاه الشرق.

نزوح متكرر

ومن الواضح أن النزوح لم يعد متعلقا بمواطني سنار وسنجة، بل امتد ليشمل سكان السوكي ومايرنو وأبوحجار وكركوج والدندر الذين فضلوا النزوح استباقا لأي محاولة من قوات الدعم السريع لدخول هذه المنطقة. ويأتي ذلك على خلفية عمليات السلب والنهب والواسعة التي تتعرض لها المدن التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع. ورغم محاولات قيادة الدعم السريع طمأنة المواطنين بأنها ستضمن أمنهم وسلامتهم وحماية ممتلكاتهم، إلا أن عمليات السلب والنهب ما زالت متواصلة، كما يشكو النازحون من تعرضهم لعمليات تجريد منتظمة من قبل قوات الدعم السريع من كل الأموال وأجهزة التلفونات والمقتنيات الثمينة التي يحملونها.

غالبية هؤلاء النازحين هذه ليست أولى تجاربهم، فجزء كبير منهم سبق له أن نزح من ولاية الخرطوم إلى ولاية الجزيرة قبل أن يضطر لمغادرة ولاية الجزيرة بعد سقوط ود مدني واتجهوا جنوبا إلى مدن ولاية سنار بعد أن سيطر الدعم السريع على كبري حنتوب، ما دفع الكثيرون لتفادي العبور من هناك. أكثر من ذلك، أن النازحين الذين فروا من سنجة وسنار نحو مدينة الدندر، اضطروا بعد أقل من 24 ساعة إلى مغادرتها في اتجاه القضارف شمالا بعد أن وصلتها قوات الدعم السريع.

وتتفاوت التقديرات بشأن أعداد النازحين من ولاية سنار الذين قررت غالبيتهم حسب تقرير لمصفوفة تتبع النزوح التوجه نحو مدينتي كسلا والقضارف. ويتوقع تواصل تدفق النازحين من ولاية سنار في الأيام القادمة بسبب بطء حركة السير على الطرق غير الممهدة في فصل الخريف وانعدام وسائل النقل بعد أن استولت قوات الدعم السريع على الكثير من السيارات وشح وسائل المواصلات الجماعية بسبب عدم توفر الوقود.

ونقل شهود عيان من القضارف أن النازحين ينتشرون في شوارع المدينة وينامون في العراء حيث لم توفر لهم سلطات الولاية الحد الأدنى من مقومات الاستقبال. كما أن تزامن النزوح مع فصل الخريف وهطول الأمطار بغزارة في ولايتي سنار والقضارف يزيد من معاناة النازحين. ودفع ذلك أعداد كبير منهم إلى مواصلة الرحلة شمالا نحو ولاية كسلا وبشكل كبير نحو مدينة كسلا، عاصمة الولاية، التي تشهد بدورها تزايدا في أعداد النازحين وغياب كامل لأي جهود رسمية لاستقبالهم.

وقد   أهاب تحالف القوى المدنية لشرق السودان بأهالي ولايات القضارف وكسلا مد يد العون العاجل وفتح دورهم لأهلهم النازحين من ولاية سنار. وقال الناطق الرسمي لتحالف القوى المدنية لشرق السودان، صالح عمار، في بيان إطلع عليه راديو دبنقا إنه وحسب افادات شهود عيان تتجمع الآن أعداد ضخمة من النازحين في السوق الشعبي لمدينة القضارف دون أن يعرفوا الجهة التي سيتجهون اليها.  وأضاف يفاقم خطر هطول الامطار من زيادة الأوضاع سوءً، حيث انتشر كثير من الفارين من جحيم الحرب داخل أحياء المدينة المختلفة، وتوجه آخرون إلى ولاية كسلا. وقال صالح عمار: “يستحق منا أهل سنجة والدندر وسنار والسوكي وود النيل المساندة ورد جميل ما قدموه للسودان على مر العصور مع الدعوات الطيبات بأن يردهم الله إلى ديارهم سالمين ويعم السلام كل الديار”.

وتزداد معاناة النازحين بسبب الارتفاع الكبير في أسعار السلع الأساسية وانقطاع شبكات الاتصالات في مناطق واسعة من ولاية سنار وعدم قدرة المنظمات الإنسانية الدولية إلى الوصول إلى هؤلاء النازحين من أجل تقديم العون لهم سواء بسبب الأوضاع الأمنية أو بسبب القيود التي يفرضها طرفا الحرب على عمل هذه المنظمات.

موقع الدندر- مصدر الصورة: خرائط قوقل

الجيش يستعيد السيطرة على الدندر

بعد أقل من 48 ساعة من إعلان قوات الدعم السريع دخوله لمدينة الدندر، بثت مواقع موالية للقوات المسلحة السودانية مقطعي فيديو يوم أمس الأربعاء تؤكد استعادتها السيطرة على مدينة الدندر. مقطع الفيديو الأول مدته 46 ثانية ويظهر مجموعة من جنود القوات المسلحة والمستنفرين في منطقة قريبة من جسر الدندر الذي يربط ولاية سنار بولاية القضارف. مقطع الفيديو الثاني مدته 33 ثانية وصور في نفس المنطقة. حيث تظهر في مقطعي الفيديو صفوف المواطنين والسيارات التي تنتظر دورها لعبور جسر الدندر الأحادي المسار. فريق دبنقا للتحقق راجع مقاطع الفيديو واستوثق من أنها مصورة في المكان والزمان المحددين. كما تم تأكيد عودة الجيش للدندر عبر تغريدة للناشط محمد خليفة، وهو من المؤثرين المتابعين بدقة لتطورات الوضع العسكري منذ بداية الحرب الحالية.

ويطرح ذلك تساؤلات عن مسارعة الجيش باستعادة هذه المنطقة وبعد وقت وجيز من سيطرة قوات الدعم السريع عليها. ويشير خبير عسكري طلب منه راديو دبنقا تفسيرا لتغيير الجيش لسلوكه المعهود ومسارعته باستعادة السيطرة على الدندر. وحدد الخبير ثلاثة عوامل مهمة تفسر مسلك القوات المسلحة. أولها أن هذه المنطقة تصنف على أنها منطقة حاكمة وتتيح السيطرة عليها تهديد منطقتين رئيسيتين للجيش تتواجد فيهما قوات كبيرة وهي القضارف شمالا والدمازين جنوبا. مثلما أن سيطرة قوات الدعم السريع عليها ستفتح الطريق أمام وصولها للحدود مع أثيوبيا وفتح خطوط إمداد قصيرة بديلة لطرق الإمداد البعيدة من عبر الحدود الغربية.

وأضاف الخبير العسكري أن هذا الطريق أضحى الطريق الوحيد لإمداد وحدات القوات المسلحة المتواجدة في جنوب ولايتي الجزير والقضارف، كما أنه أصبح طريق بديل للصادرات بعد أن سيطرت قوات الدعم السريع على كبري حنتوب. ونشير هنا، إلى أن القيادة العسكرية في بورتسودان كانت تعد لإنشاء طريق بري بديل يربط القضارف بالدندر ويجري العمل في إنشاء عدد من نقاط عبور الشاحنات على نهر الدندر. كما أنها أكملت في الأسبوع الأول من يونيو عمليات صيانة كبيرة للجسر الذي يربط بين ضفتي نهر الدندر، وهو نهر موسمي يمتلئ بالمياه بين شهري أبريل ونوفمبر وينحدر من الهضبة الاثيوبية في اتجاه الشمال الغربي ليصب في النيل الأزرق عند منطقة الربوة. ونضيف أن كبري الدندر أصبح المعبر الوحيد لحركة الصادر والوارد لولايات الوسط وغرب وجنوب السودان بعد توقف الطرق الاخرى بسبب الحرب مما ادى لتكدس البضائع بالجسر بعد تأثر المعبر من جراء حركة الشاحنات.

 أخيرا، أوضح الخبير العسكري أن قوة الدعم السريع التي دخلت إلى منطقة الدندر كانت قوة محدودة وذات تسليح خفيف وقامت بالانسحاب تفاديا للدخول في معركة واسعة مع القوات المسلحة التي يمكنها تلقي امداد من الدمازين جنوبا والقضارف شمالا. ونوه إلى أن قوات الدعم السريع اتبعت نفس النهج عند دخولها لمنطقتي كركوج والسوكي حيث لم تبق فيها لوقت طويل، وامتنعت عن مهاجمة ارتكازات قوات الجيش في مايرنو. بالمقابل، أحكم الدعم حصاره على مدينة سنار بسيطرته صباح الأربعاء 3 يوليو 2024 على جسر دوبا الواقع لجهة الشرق من سنار.

فيديوهات نشرها مؤيدون للجيش حول سيطرتهم على الدندر
فيديوهات نشرها مؤيدون للجيش حول سيطرتهم على الدندر

إعادة تموضع لقوات الجيش

في مقابل استعادة الجيش لمنطقة الدندر، تداولت مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لمجموعة من مواطني المزموم، الواقعة إلى الجنوب الغربي من مدينة سنار، يعلنون فيه انسحاب الجيش من المدينة. وتم تصوير المقطع الذي يصل طوله إلى 1 دقيقة و50 دقيقة أمام مقر اللواء 66 مشاة، التابع للفرقة 17 مشاة ومقرها في مدينة سنجة. فريق دبنقا قام أيضا بالتدقيق في هذا المقطع المصور وأجرى اتصالات بعدد من أبناء منطقة المزموم خارج السودان لصعوبة التواصل مع المنطقة مباشرة، حيث تم التأكد من صحته. ويبلغ المسلحون عبر مقطع الفيديو قوات الدعم السريع بأنه لم تعد هناك قوة للجيش في المدينة وأن مواطني المنطقة سيتولون بأنفسهم حمايتها.

تطور آخر رصده المراقبون بعد معركة جبل مويه، هو مبادرة قوات الجيش بالخروج من معاقلها الحصينة لمقاتلة قوات الدعم السريع في مناطق مفتوحة. هناك قوة خرجت من مقر الفرقة 18 مشاة بمدينة كوستي وعبرت كبري النيل الأبيض الذي يربط كوستي بمدينة ربك ونجحت في استعادة السيطرة على منطقة جبل الدود القريبة من جبل مويه من جهة الغرب.

انسحاب الجيش من منطقة المزموم

الدمازين في مرمى النيران

رغم الدعاية الواسعة لقوات الدعم السريع والتوقعات بأن تكون شندي أو كوستي أو القضارف الهدف القادم، لكن المعطيات على الواقع تؤشر جميعها نحو مدينة الدمازين. حيث تواجه عاصمة إقليم النيل الأزرق اليوم خطرا مزدوجا: قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان شمال بقيادة عبد العزيز الحلو وقوات الدعم السريع من الشمال.

حيث تتردد معلومات عن استعدادات لقوات الجيش الشعبي شمال بتوجيهات من القائد المحلي جوزيف توكا للسيطرة على عدد من الحاميات العسكرية للجيش السوداني في جنوب النيل الأزرق وفي مقدمتها الكرمك. ويعتقد أن الاستراتيجية التي سيتبعها جوزيف توكا هي استراتيجية مماثلة لتلك التي اتبعها عبد العزيز الحلو في جنوب كردفان وجبال النوبة بالاستفادة من ظروف الحرب الحالية لتعزيز مواقعه وتوسيع نفوذه دون الدخول في تحالف مع أي من طرفي الحرب.

كما أن تحركات المك عبيد سليمان أبوشوتال من أجل استمالة القيادات المحلية في ولاية النيل الأزرق وإقناعهم بأن الطريق الوحيد لتجنب وصول الحرب إلى الدمازين يكمن في سحب الجيش لقواته من المدينة وبغرض عزل الجيش وتحميله نتائج الكارثة القادمة مقدما. ومن المستبعد، ومن واقع متابعة تطورات الحرب الحالية، أن يستجيب الجيش لمثل هذا النوع من “الابتزاز” وفق الخبير العسكري الذي تحدث لراديو دبنقا. ففي كل المدن وآخرها الفاشر، رفض الجيش أي عروض بالانسحاب من مواقعه في مقابل سلامة قواته وسلامة المدن والمواطنين. واختار دائما أن يقاتل حتى في أصعب الظروف حتى ولو اضطر في آخر الأمر لاتخاذ قرار الانسحاب من المنطقة المحددة بشكل منفرد.

Welcome

Install
×