وأخيراً ، هل آن أوان الانتداب الدولي
في الأخبار أن الممثل الخاص للأمم المتحدة في السودان ، السيد فولكر بيتس ، قد أصدر بياناً دعى فيه إلى مشاورات بين الأطراف السودانية(كافة) برعايةٍ وتيسيرٍ من الأمم المتحدة حول الوضع السياسي في السودان ..
محمد عتيق
بقلم: محمد عتيق
في الأخبار أن الممثل الخاص للأمم المتحدة في السودان ، السيد فولكر بيتس ، قد أصدر بياناً دعى فيه إلى مشاورات بين الأطراف السودانية(كافة) برعايةٍ وتيسيرٍ من الأمم المتحدة حول الوضع السياسي في السودان ..
المؤكَّد أن السودانيين لا يرفضون أية وساطة أو مبادرةٍ تنظر في خلافاتهم وتبايناتهم وتعمل على تذليلها، فهم جزءٌ من هذا العالم ، يؤثرون ويتأثرون في وبما يدور حولهم أخذاً وعطاءاً وتفاعلاً ، ولكنهم ، في نفس الوقت ، قادرون على التمييز بين الغث والسمين ولا يريدون إضاعة المزيد من الوقت على شعبهم في تَوْقِهِ الجارف المُزْمِن للاستقرار والتنمية وتأسيس العدالة والسلام بين مُكَوِّناتِه والسعادة لكل مواطنيه … ولم يكن الوقت الذي أضاعوه وهم يتأمَّلون تجاربهم وتجارب غيرهم مع التدخلات الأجنبية في الشأن الداخلي هباءاً بل دروساً تحثَّهم على قبول المبادرات وفق شروطهم ورؤاهم الوطنية ، ومواعظ تُنجِيهم من تكرار التجارب الفاشلة التي قد توقعهم في براثن الانتداب الدولي عليهم وعلى وطنهم ..
وإذا تركنا أحداث الماضي وتجارب الشعوب الأخرى وألقينا نظرةً على التجربة القائمة في بلادنا الآن ، فإنّ السؤال الأول الذي يتبادر إلى الذهن هو : هل قامت البعثة الأممية المعنية برئاسة السيد فولكر بريتس بواجباتها المنصوص عليها في أمر تأسيسها ؟ (( تحَوُّل البلاد إلى حكم ديمقراطي – دعم حماية وتعزيز حقوق الانسان والسلام المستدام – سيادة القانون)) مثلاً :
– ماذا بخصوص الذي حدث في ٣ يونيو ٢٠١٩ وأوقف أول حوار سوداني/ سوداني بعد ١١ أبريل ٢٠١٩ والذي تمثَّلَ في مجزرة فض إعتصام القيادة العامة وما رافقها من قتلٍ واغتصابٍ وسحلٍ وإلقاءٍ في النهر ؟ والذي حدث بعد إستئناف نفس الحوار وتشكيل المجلس السيادي والحكومة؛ أليس هو المكون العسكري (البرهان ورفاقه) ألذي نفَّذَ انقلاب ٢٥ أكتوبر ضد المدنيين وأسقط حكومة حمدوك ووضعه قيد الإقامة الجبرية ؟؟ وعندما رفض شعبنا الانقلاب ونتائجه وذهبت لجان المقاومة (تقود شعب السودان) في مسيراتها السلمية العارمة ، ألم يكن رد السلطة العسكرية هو قتل الشباب وتمزيقهم بالدوشكا وضربهم بالغاز المسيل للدموع مع قطع خدمات الإنترنت والإتصالات ؟ ، ماذا كان موقف البعثة الأممية ورئيسها فولكر بريتس من كل ذلك ؟ ، كان ، ببساطة، هو استقطاب الدعم الدولي لإضفاء الشرعية على إنقلاب البرهان (٢٥ أكتوبر ٢٠٢١) واتفاق الذل والإذعان الذي وقع عليه حمدوك مع البرهان في ٢١ نوفمبر ٢٠٢١ .. من هنا نقول بملء الفم : أنّ تدخُّل البعثة الأممية والمجتمع الإقليمي والدولي في الشأن السياسي الداخلي في السوداني الآن لا يعني الا فرض الهيمنة والانتداب ، وذلك مرفوض من شعبنا تماماً ..
من ناحية أخرى ، يفهم شعبنا تماماً معنى الجندية وقيمة القوات المسلحة والنظامية الأخرى في السودان ، ويعلم أن الإسلامويين خلال حكمهم الممتد لثلاث عقود قد انتهجوا سياسة التمكين لأنفسهم في كافة المؤسسات العسكرية والمدنية ، وبالتالي أن القيادات العليا للقوات المسلحة والنظامية الأخرى والمليشيات المتحالفة معها هي قيادات ذات ولاء وإخلاص للنظام الساقط (نظام الإسلامويين وحلفاءهم) إمَّا بالانتماء المباشر لتنظيمهم (الحركة الاسلاموية) أو بتشابك المصالح الطبقية الانتهازية ، وذلك ارتباط لا انفكاك له .. بهذا المعنى ، فإنّ الإشارة ، حالياً ، للقوات المسلحة والنظامية الأخرى في السودان تعني القيادة العسكرية ذات العلاقة الوثيقة بالنظام الساقط (لجنته الأمنية) ؛ تعمل على المحافظة عليه “وعلى إستمراره” بأسماء ورموز أخرى وعلى مصالحه الاقتصادية وهي اقتصاد البلاد الزراعية والصناعية والتجارية التي تهيمن عليها القوات المسلحة والدعم السريع في صيغة الشركات والمؤسسات العسكرية والأمنية وشركات التعدين التابعة للدعم السريع ..
رغم أهمية الشراكة المدنية والعسكرية في قيادة المرحلة الانتقالية الحالية في السودان فإن هذه الإشارة (أعلاه) تحول دون إهدار مزيد من الوقت بوضع الثقة في غير موضعها .. “القوات المسلحة والنظامية الأخرى” تعني المؤسسات ولا تعني القيادات القائمة فعليّاً الآن ، ولما كانت هذه القوات على تراتبيَّة وعلى ولاءات عميقة للقائد وصولاً إلى القائد العام ، فإن أمر الشراكة في الوقت الحالي أمر غير مرغوب فيه لدي شعب السودان بشبابه ونسائه وكهوله وأجياله الجديدة ..
والحديث عن “عملية سياسية بين الأطراف السودانية” يعني أن “الإسلامويين” ، بأطيافهم المختلفة ، وحلفاءهم حتى ١١ أبريل ٢٠١٩ ، معنيُّون !! فهل بقى من ثورة ديسمبر العظيمة شيء ؟؟ لهذه الثورةُ ربٌّ وشبابٌ يحمونها بقوة الشرعية الثورية التي تتسلَّح بها ، وبموجبها ، ووفقاً لقوَّتها ، يتم تحديد الفترة الانتقالية بمهامها في إعادة تأسيس القوات النظامية والأجهزة العدلية وتصفية المليشيات مع إحداث التحول الديمقراطي وتوطيد السلام وأركان الاستنارة ودولة الرعاية الاجتماعية ..
إذا كانت للعجول عقولٌ تفهم وتتّعظ لما استطاعت قوةٌ في الكون أن تقودها إلى المسالخ ..