نص على نظام حكم علماني وتقرير المصير.. إعلان نيروبي يرسم ملامح الدولة السودانية بعد الحرب
أمستردام: الأحد: 19/ مايو/2024م: راديو دبنقا
منذ فترة طويلة ظلت حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور تجري مشاورات مع القوى السياسية السودانية “المدنية” المختلفة، تتوجها بالتوقيع على مذكرات تفاهم على اختلاف المسميات، اتفاق، بيان، مذكرة تفاهم أو إعلان كما جرى بالأمس في العاصمة الكينية نيروبي، وهي تحاول بذلك بناء تحالف سياسي عريض لا يستثني أي جهة عدا الحزب المؤتمر الوطني “المحلول” وحلفاؤه، بحسب بيانات الحركة وتصريحات قادتها.
لكن هذا الاتفاق جاء هذه المرة مختلفًا كونه تم برعاية كينية مباشرة بحضور الرئيس الكيني وليام روتو، ما أعطى الاتفاق طابعًا رسميًا واعترافًا على مستوى الدولة وربما على مستوى الإقليم للدور المحوري الذي تلعبه كينيا، في المنابر المختلفة الاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية للتنمية “إيقاد”، إضافة لاهتمامها بالملف السوداني واستضافتها للحركات المسلحة والقوى السياسية المختلفة ودورها التاريخي في رعاية مفاوضات نيفاشا 2005 ولعب دور الوسيط والميسر بين الحركة الشعبية لتحرير السودان والمؤتمر الوطني.
الجانب الآخر أن توقيع حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد مع الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبد العزيز الحلو، هذا الاتفاق في هذا التوقيت ومواقف الطرفين معروفة وتكاد تكون متطابقة في كثير من القضايا المتعلقة بالسلام ومستقبل الحكم في السودان، خاصة أن الحركتين لم توقعا على اتفاق جوبا للسلام والذي وقعت عليه كل الحركات المسلحة وعادت بموجبه إلى الخرطوم، في أعقاب ثورة ديسمبر، كما تتبنى الحركتين مشروع علمانية الدولة لكن رغم ذلك جاء الاتفاق متأخرًا.
ورغم أن إعلان نيروبي حمل ذات النصوص لكن لم يوقع ثلاثتهم على بيان واحد. فقد وقعوا عليه بشكل ثنائي بين حمدوك وعبدالواحد نور من جانب، وحمدوك ورئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان عبدالعزيز الحلو، من جانب آخر.
ونص إعلان نيروبي على تأسيس دولة علمانية غير منحازة وتقف على مسافة واحدة من الأديان والهويات والثقافات وتعترف بالتنوع وتعبر عن جميع مكوناتها بالمساواة والعدالة. وتأسيس حكم مدني ديمقراطي فيدرالي في السودان، يضمن قيام الدولة المدنية والمشاركة العادلة والمتساوية لجميع المواطنين في السلطة والثروة، وتضمن حرية الدين والفكر وضمان فصل الهويات الثقافية والإثنية والدينية والجهوية عن الدولة.
وفي أواخر مارس من العام 2021 اتفق الحلو مع رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان على فصل الدين عن الدولة وتكوين جيش قومي، موحد في نهاية الفترة الانتقالية، لكن انقلاب البرهان، وقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” في 25 أكتوبر 2021. قوض كل تلك الجهود.
ملاحظات:
الكاتب الصحفي والمحلل السياسي أبو ذر علي الأمين اعتبر في حديثه لـ”راديو دبنقا” أن إعلان نيروبي يستدعي جملة ملاحظات أساسية، الملاحظة الأولى تمثلت في أنه طيلة الفترة الماضية ومنذ اندلاع ثورة ديسمبر لم تنجح قوى الحرية والتغيير بكل مراحل تشكلها والتغييرات التي مرت بها في استقطاب الحلو وعبدالواحد، وقال إن هذه القضية طالت واستطالت، وهذه ليست المرحلة الأولى بل من أول مرحلة كانت أثناء تشكيل قوى الحرية والتغيير، وقبل انهيار هذا التحالف الأول، فشلت في استقطاب القائدين. برغم أنها بذلت مجهودات كبيرة لكن كان واضحًا أن هذا الأمر مستعصٍ ويستدعي وقفة كبيرة.
ورأى أبو ذر أن الملاحظة الثانية تتعلق بأن تنسيقية “تقدم” لم تنجح كذلك في استقطاب القائدين الحلو وعبدالواحد نور، وهذا ما استدعى أن تتعامل حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبدالواحد، هذا التعامل مع عبدالله حمدوك كرئيس للوزراء مستقيل وليس عبر كتلة “تقدم”.
وأشار الكاتب الصحفي إلى أن هنالك تسريع لهذا الاتفاق وتزامن مع الحوار الذي يجرى بين نائب رئيس مجلس السيادة الفريق شمس الدين الكباشي، وعبدالعزيز الحلو، حول كيفية إيصال المساعدات الإنسانية.
وقال إنَّ الملاحظة الثالثة تفسيرية أكثر من كونها تحليلية، واعتبرها محاولة لمحاكاة تجربة رئيس الحركة الشعبية الراحل د. جون قرنق في تمرير قضية تقرير المصير والانفصال، بقبول كل القوى السياسية وهو لم ينجح فيها إلا بالجلوس منفردًا مع كل حزب على حدا.
ووقع د. غازي صلاح الدين ونائب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان وقتها، سلفاكير ميارديت على برتكول مشاكوس في 20 يوليو 2002 الذي نص على حق تقرير المصير لشعب جنوب السودان قبل الانفصال.
ونص إعلان نيروبي على حق الشعوب السودانية في حق تقرير المصير في حال لم تُضمن هذه المبادئ في الدستور الدائم والتي شملت أيضًا تأسيس حكم مدني ديمقراطي فيدرالي.
وأوضح أبو ذر أنه في النهاية لا يمكن طرح قضية تقرير المصير لأي جزء إلا مع من هو في السلطة وبالتالي أنجز قرنق هذه المرحلة، وحينما وصل لمرحلة التفاوض استطاع أن يفرضها على السلطة وهي لم تكن تستطيع أن تناور برفض القوى السياسية الأخرى، باعتبار أن الأحزاب تعبر عن الجماهير في الشكل الذي ورثناه من الاستعمار الانجليزي. وبالتالي بذات الطريقة التي وقع بها جون قرنق القوى السياسية منفردة على القبول بحق تقرير المصير وقع مع السلطة في اتفاقية نيفاشا 2005م.
توقيعات حمدوك:
أثار الاتفاق أو إعلان نيروبي الذي وقعه عبد الواحد منفردًا مع دكتور حمدوك انتباه الرأي العام السوداني وطرح تساؤلات حول ظهوره كرئيس وزراء سابق وهو ما اعتبره الكاتب والمحلل السياسي أبوذر على الأمين أن هذا الأمر مثير للجدل مشيرًا إلى أن شخصية حمدوك نفسها تتطلب ملاحظات تقييمية حول الدور الذي يلعبه لأنه ظهوره الأول كان آخر فترة الإنقاذ كمرشح لتولي وزارة المالية وهو رفض الترشيح بعد فترة.
وقال: لكن الغريب في الأمر حينما نجحت الثورة رغم أنها رفضت كل من ينتمي للإنقاذ أو تعامل معها لكنها جاءت بحمدوك كرئيس للوزراء كفلتة في التاريخ، رغم اتصالاته بالإنقاذ ورفضه المنصب بعد جدل حول موافقته.
ونوه إلى أن حمدوك لم يقدم اعتذارًا فيما يلي انقلاب 25 اكتوبر/2021م، في الوقت الذي قدمه قائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو “حميدتي”، وقال رغم أن الانقلاب استهدفه وتم سجنه وبعد أن خرج من السجن وقع اتفاقا مع البرهان، وعاد لمنصبه كرئيس للوزراء وبقي في منصبه قرابة الشهرين حتى تقدم باستقالته، ولم يقدم اعتذار أيضًا عن مشاركته في السلطة في تلك الفترة. وقال إن قوى التغيير التي اتهمته بأنه شرعن للانقلاب قبلته في رئاسة “تقدم”.