نزاع السيادي وذوي الإعاقة .. أصل المشكلة ..
كشف نزاع المجلس السيادي والمجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة حول عقار بشارع الجمهورية، مدى ضعف حساسية حكومة ما بعد الثورة لقضايا الأشخاص ذوي الإعاقة.
بقلم: جعفر خضر
كشف نزاع المجلس السيادي والمجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة حول عقار بشارع الجمهورية، مدى ضعف حساسية حكومة ما بعد الثورة لقضايا الأشخاص ذوي الإعاقة.
كان المخلوع عمر البشير قد خصص العقار لمجلس الأشخاص ذوي الإعاقة في مارس ٢٠١٩، وكان وقتها نظامه يترنح، تحت وطأة ضربات الثورة الشعبية التي كانت في شهرها الرابع. وكان هذا التخصيص محاولة منه لاستدرار العطف لنظامه الذي وصلت عزلته عن الجماهير شأوا بعيدا.
وظل النظام البائد يتعامل مع قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة تعاملا ديكوريا، يزين به وجهه الصدئ، دون إرادة حقيقية لتمكين ذوي الإعاقة من حقوقهم المتأصلة.
ولكن لم نشهد في حكومة ما بعد الثورة تغيرا يليق بالثورة في طريقة التعامل مع قضايا ذوي الإعاقة.
يمتلك مجلس الأشخاص ذوي الإعاقة مستندات وشهادة بحث تثبت ملكية العقار، وقد خاطب أمانة المجلس السيادي أكثر من مرة لاستلام العقار، دون جدوى !!
أصدرت الأمانة العامة لمجلس السيادة توضيحا صحفيا أكدت فيه أن المبنى مملوك لمجلس السيادة الانتقالي الذي خصصه لأغراض السكن، ولم يتطرق التصريح الصحفي للمستندات التي تم نشرها على نطاق واسع، والتي تثبت ملكية المجلس للعقار!!
وكان مؤسفا أن المبنى تم تخصيصه تحديدا لعضو مجلس السيادة محمد الفكي سليمان، وهو العضو المدني المعني بحقوق ذوي الإعاقة في المجلس!!
ليست المشكلة في العقار ، وإنما أصل المشكلة في ضعف وعي المسئولين بحقوق ذوي الإعاقة، وهامشية قضاياهم، وقد أبقى ذلك على هامشية إدارية.
إن المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة يتبع لوزارة الرعاية الاجتماعية، وكان ينبغي أن يتبع لمجلس الوزراء مباشرة، وأن يكون أمينه العام بدرجة وزير، وليكون جزءا من اجتماعات مجلس الوزراء، أعلى سلطة تنفيذية في البلاد، حارسا لحقوق ذوي الإعاقة المنسية .
ولا تقتصر المشكلة في الخرطوم بل في كل أنحاء السودان. بالأمس القريب شهدنا حرمان طلاب معهد النور بكسلا من الجلوس لامتحانات شهادة الأساس هذا العام ٢٠٢١م، بسبب التأخر في التحصيل الدراسي، فقد ظلت سيارة ترحيل الطلاب متعطلة معظم السنة ، لم تستطع إدارة التربية الخاصة صيانتها في ظل الأولويات المقلوبة ، ولم يستطع مجلس الأشخاص ذوي الإعاقة صيانتها ، ولا المنظمات العاملة في المجال .
وإذا كُشفت هذه القضية للرأي العام لحلها الخيرون، كالعادة، في برهة من الزمن، إذ أن تمليك الرأي العام الحقائق هو حق، مثلما أن توصيل الطلاب إلى مدارسهم هو حق أصيل.
إن ضعف وعينا الجمعي وضعف حساسيتنا تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة، حكومة كنا، أو منظمات مجتمع مدني، يعني خلق مزيد من الحواجز ، والتعليم هو أحد أهم طرق دمج ذوي الإعاقة، وإزالة الحواجز من أمامهم.
إن المشكلة تكمن في طريقة تفكيرنا المختلة، التي لم تتمثل شعار الثورة حرية سلام وعدالة، الثورة التي كان أول شهدائها في ٢٠ ديسمبر ٢٠١٨ الشهيد محمد عيسى ماكور، وهو من ذوي الإعاقة الذهنية!! أي أن ذوي الإعاقة أصيلون في الثورة، مثلما هم أصيلون في الوطن، وجزء من تنوعه البشري الفريد .
ولمزيد من التدليل على أن المشكلة في عقلنا الجمعي الذي لا يكترث لحقوق ذوي الإعاقة، ويعاملهم على قدم المساواة من الآخرين، نذكر على سبيل المثال، لا الحصر، أن مكتب مجلس الأشخاص ذوي الإعاقة بولاية القضارف، هو الأسوأ مقارنة بكل إدارات وزارة الرعاية الاجتماعية، إذ أنه عبارة عن غرفة مسقوفة بالزنك، لا تتجاوز مساحتها ال١٦ متر مربع. يتعذر استخدام المكتب وقت الظهيرة بسبب الحرارة، ويفترض أن يكون به حوالي ستة موظفين، يصعب استقدامهم في ظل البيئة المتردية الحالية وعدم إجازة هيكلة المجلس حتى الآن .
وليس لمجلس القضارف سيارة رغم أن ذوي الإعاقة أحوج من غيرهم للسيارة لكسر حاجز الحركة، فهل من شك في أولويتهم في هذا الصدد؟ . وأظن أن هذا الواقع متكرر في كل ولايات السودان الأخرى.
إن معظم سياسات الدولة لا تزال متحيزة ضد الأشخاص ذوي الإعاقة، رغم أن المادة ٣ من الوثيقة الدستورية تتضمن أن دولة السودان تقوم على المواطنة بدون تمييز على أساس الإعاقة. كما أن السودان قد صادق على الاتفاقية الدولية للأشخاص ذوي الإعاقة، التي يحتاج الوزراء والمسؤولون إلى ورش توعوية حولها، حتى يعدلوا من سلوكهم ويضعوا حقوق ذوي الإعاقة في قائمة أولوياتهم .
عندما نتحدث عن ذوي الإعاقة فنحن نتحدث عن ملايين. جدير بالذكر أن نسبة الأشخاص ذوي الإعاقة تبلغ ٤.٨ ٪ من إجمالي سكان السودان حسب التعداد ٢٠٠٨. وبناء على هذه النسبة فإن عددهم الآن في السودان أكثر من ٢ مليون نسمة.
والعدد في حقيقة الأمر أكثر من ذلك، إذا وضعنا في الاعتبار أن الأمم المتحدة ترى أن ما يقرب من ١٥٪ من نسبة سكان العالم يعانون من شكل من أشكال الإعاقة. وتتواجد نسبة ٨٠٪ منهم في البلدان النامية.
وإذا وضعنا في الاعتبار الحرب الأهلية التي دارت رحاها في ربوع السودان طوال عهدنا الوطني، لجزمنا أن عدد ذوي الإعاقة في السودان يفوق ال٢ مليون بكثير.
ومعظم هؤلاء خارج التعليم، وبلا عمل، ويفتقرون للرعاية الصحية، ويقعون تحت رحمة مسئولين لا يعي معظمهم حقوق ذوي الإعاقة.
ولا يقع اللوم على المسئولين الحكوميين وحدهم، بل يطال تنظيمات ذوي الإعاقة ومنظمات المجتمع المدني، التي لم تطرق على هذه القضايا،كما يجب، لإزكاء الوعي ونزع الحقوق.