“نحن لا ماشين جدة ولا ماشين جدادة”.
من النادر أن تتحول خطابات القيادات السياسية السودانية إلى ترند في وسائل التواصل الاجتماعي السودانية. لكن خطاب نائب رئيس مجلس السيادة في حكومة بورتسودان، مالك عقار، أمام مؤتمر للصلح المجتمعي في بورتسودان خرق هذه القاعدة وتم تداوله بشكل واسع على منصات التواصل الاجتماعي ومن مؤيدي مختلف الأطراف السياسية والعسكرية.
فبينما كانت عيون السودانيين وآمالهم تتجه نحو نهاية نفق الحرب المظلم، عسى أن يروا ضوءً “في نهاية النفق” كما يقول المثل، جاءت تصريحات الرجل الثاني في الدولة من بورتسودان لتخمد هذا الضوء الخافت.
بدأ مالك عقار، نائب رئيس مجلس السيادة حديثه أمام مؤتمر للصلح المجتمعي في بورتسودان، بأنه لا يجيد لباقة الحديث، وقد كان بالفعل صريحا جدا بعيدا عن العبارات الدبلوماسية المعتادة، حيث أكد بصورة قاطعة أن السودان لن يعود إلى طاولة المفاوضات في جدة.
وبلغ درجة قصوى من النفي القاطع، حتى أنه قال “نحن لا ماشين جدة ولا ماشين جدادة”.
أثار حديث عقار موجة من التصفيق والتهليل والتكبير، ومن ثم كررها مرة أخرى “نحن لا ماشين جدة لا ماشين جدادة”.
وتساءل عقار مستنكرا “أمشي جدة أعمل ايه؟ وأنا ما مشيت جدة قبل كدة عملت ايه؟”
وتأتي تصريحات عقار بعد نحو أسبوع من تأكيدات المبعوث الأمريكي الخاص إلى السودان توم بيريللو عن قرب استئناف المفاوضات بين وفدي الجيش والدعم السريع. وقال عقار إن وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكين اتصل بقائد الجيش، رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان وطلب منه العودة إلى مفاوضات جدة، مضيفا أنهم لن يعودوا إلى هناك، وأن من يريدهم عليه أن يأتي إليهم، حسب قوله.
واستنكر عقار طلب بلينكين العودة إلى جدة خلال اتصال هاتفي مع البرهان، حيث قال “اتصل عليه (قوم أمشي جدة)”، مضيفا أن الاب لو أراد أن يرسل ابنه للسوق سيقول له “يا ولدي ممكن تمشي السوق؟”
وتابع قائلا إن الأمر لا يمكن أن يسير بهذه الصورة، مضيفا “هذا استحقار واستخفاف ما في زول بقبله”.
وبينما اعتبر مؤيدو الجيش أن هذا الخطاب يعبر عن رفض الشعب السوداني الخضوع للإملاءات الخارجية وأن القوات المسلحة وحلفائها سيواصلون القتال حتى هزيمة التمرد، رأي المنادون بوقف الحرب في هذه التصريحات تهربا من قيادة الجيش من إعلان موقفها بوضوح وترك الأمر لنائب رئيس مجلس السيادة لتكون هناك فرصة للتراجع عنه مستقبلا إذا اقتضت الضرورة. أما المشفقون على مالك عقار، فقد اكتفوا بالحسرة ومقارنة موقفه السابقة والحالية وما بينهم من فرق شاسع.