نافع في تركيا .. راديو دبنقا يتحقق
أمستردام: 31 يوليو 2024: راديو دبنقا
ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات وردود الأفعال الغاضبة والساخرة في نفس الوقت بعد تداول مقطع فيديو قصير مدته 11 ثانية يظهر فيه وللمرة الأولى منذ اندلاع الحرب الدكتور نافع علي نافع، القيادي في حزب المؤتمر الوطني ومدير جهاز الأمن في واحدة من أحلك فترات حكم الإنقاذ في ارتباطها بالانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان وظاهرة بيوت الاشباح سيئة السمعة. ويظهر الدكتور نافع علي نافع في مقطع الفيديو وبرفقته ابنه محمد وهو يصافح أفراد أسرة سودانية أخرى كانت متواجدة في ذات المكان. وراجت مع مقطع الفيديو معلومات عن أنه تم تصويره في إحدى المستشفيات في تركيا قبل عدة أيام أثناء إجراء الدكتور نافع علي نافع لفحوصات طبية.
فريق دبنقا للتحقق عمل على مراجعة مقطع الفيديو وسجل الملاحظات التالية:
– من سرعة وزاوية التصوير، يتضح أن المقطع تم تصويره خلسة وبدون علم الدكتور نافع علي نافع أو ابنه.
– مقطع الفيديو جديد ولم يسبق نشره على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل، حيث أجرى فريق دبنقا للتحقق بحثا مكثفا للتأكد من عدم نشره في تاريخ سابق.
– التجهيزات الواضحة في مقطع الفيديو تشير فعلا إلى أنه مصور في صالة الانتظار في أحد المستشفيات خارج السودان.
– ما بين الثانية الأولى من التصوير والثانية الثالثة تظهر إشارة مخرج الطوارئ الخضراء المعتادة، لكنها مكتوبة باللغة التركية acil çıkış، مع العلم أن اللغة التركية تستخدم كلغة رسمية في تركيا فقط وعدد محدود من جمهوريات آسيا الوسطى وهي أوزبكستان، كازخستان، تركمنستان، قرغيزيا وأذربيجان بالإضافة إلى جمهورية قبرص التركية غير المعترف بها دوليا. ويبلغ مجموع الناطقين باللغة التركية في العالم حوالي 250 مليون نسمة.
– في الثانية الرابعة يظهر ملصق على الباب خلف الدكتور نافع علي نافع وابنه مكتوب عليه كلمة sünnet، وتعني باللغة التركية الختان، وعلى الملصق صورة لطفل يلبس الملابس التقليدية التركية التي يرتديها الأطفال في مثل هذه المناسبات وبجانبه عاملة صحية، ما يؤكد أن المقطع مصور في مستشفى في تركيا.
– تظهر عند الثانية الخامسة من المقطع والثانية السابعة سيدتان ترتديان غطاء الرأس وفق تقاليد الزي الإسلامي في تركيا.
هذه المؤشرات تؤكد فعلا أن مقطع الفيديو مصور خارج السودان وتحديدا في إحدى المستشفيات التركية من دون أن يكون فريق التحقق قادرا على تحديد المدينة التي صور فيها مقطع الفيديو.
تصريحات رسمية “مضللة”
ولعل ما أثار غضب السودانيين وسخريتهم في ذات الوقت أن تسريب مقطع الفيديو جاء بعد أقل من أسبوع من تصريحات أدلى بها الفريق شرطة ياسر أبوزيد، مدير شرطة السجون، في 24 يوليو 2024 وكشف فيها تفاصيل إطلاق سراح 18 من رموز النظام البائد من سجن كوبر بعد اندلاع الحرب.
وأكد المسؤول الشرطي الرفيع أن قرار إطلاق سراح قيادات المؤتمر الوطني، ومن بينهم الدكتور نافع علي نافع، جاء على أساس أنهم منتظرين وليسوا محكومين وأن القرار صدر من نائب رئيس القضاء بعد أن تعهدوا كتابة وبصفة شخصية بتسليم أنفسهم متى ما طلب منهم ذلك. ونوه إلى أن إدارة السجون لم يكن لديها خيار سوى إطلاق سراح المسؤولين السابقين أو تركهم يموتون في السجن على يد قوات الدعم السريع بعد تعذر إخلائهم نتيجة للمعارك العنيفة التي شهدتها المناطق المحيطة بالسجن في الأيام الأولى للحرب.
من جانبه، نفى العميد شرطة فتح الرحمن التوم، الناطق الرسمي باسم قوات الشرطة، في تصريح نقلته صحيفة الشرق الأوسط السعودية بتاريخ 30 يوليو 2024 أن يكون أي من قادة البلاد السابقين قد غادر البلاد وأنه تم التحفظ عليهم بواسطة السلطة القضائية ومنعهم من السفر لدى سلطات الجوازات، مؤكدا أن السلطات لن تسمح “إطلاقا” بمغادرة المنتظرين بالسجون والفارين من مناطق النزاعات للبلاد.
وتتعارض هذه التصريحات مع ما ظل يردده الفريق عبد الفتاح البرهان وفي عدد من المناسبات ومن بينها خطابه في الأمم المتحدة أمام الدورة 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة من أن قوات الدعم السريع هي التي تتحمل مسؤولية إطلاق سراح السجناء ومن بينهم قيادات النظام السابق. وهو ما ظلت قوات الدعم السريع تنفيه باستمرار.
التزامات اتفاق جدة
الشيء المؤكد أن كل مسؤولي النظام السابق الذين خرجوا من السجون قد احتموا بالمناطق التي تسيطر عليها القوات المسلحة، بل أن بعضهم ظهروا في مقاطع فيديو واجتماعات علنية لدعم القوات المسلحة في القضارف وكسلا وبورتسودان. وظلت وسائل التواصل الاجتماعي تتبادل معلومات حول هروب بعضهم إلى خارج السودان. وجاء مقطع الفيديو الذي يظهر فيه الدكتور نافع علي نافع في تركيا ليؤكد ولو جزئيا هذه المعلومات. علما بأن مصادر متطابقة أكدت لفريق دبنقا للتحقق أن الدكتور نافع علي نافع كان يقيم وحتى وقت قريب في مدينة شندي وأنه غادر المدينة بعد تزايد الضغط العسكري عليها من قوات الدعم السريع في الأسابيع الماضية.
وأعادت هذه التطورات الحديث عن الالتزامات التي اتفق عليها الجيش وقوات الدعم السريع في منبر جدة في 7 نوفمبر 2023 وتم الإعلان عنها عبر بيان مشترك من دولتي الوساطة، المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، وتحديدا البند الخامس الذي يتعلق بإلقاء القبض على الملاحقين والهربين من السجن.
حيث تكرر قيادة القوات المسلحة الحديث عن ضرورة تنفيذ قوات الدعم السريع لالتزاماتها وفق اتفاق جدة، الأمر الذي يفرض عليها أيضا الالتزام بإعادة إلقاء القبض على الملاحقين والهاربين من السجون. ويعتقد أن السماح لقادة النظام السابق، ومن بينهم الدكتور نافع علي نافع، بمغادرة الأراضي السودانية يجعل الجيش في حل من تنفيذ هذه الالتزام ولا يضعه في مواجهة مع مناصريه في الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني.
المطلوبون للمحكمة الجنائية
راديو دبنقا طلب من خبير قانوني موجود داخل السودان، قمنا بحجب هويته لأسباب أمنية، التعليق على هذا التطور. حيث اعتبر الخبير القانوني السماح بهروب المطلوبين للعدالة بأنه امتداد لتاريخ طويل من الإفلات من العقاب سواء أن كان ذلك على مستوى العدالة الداخلية أو العدالة الدولية.
وأشار إلى أن ثلاثة من الذين أطلق سراحهم من قادة النظام السابق وتدور شكوك بشأن أمكان تواجدهم من المطلوبين للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية. حيث يواجه رأس النظام السابق، عمر البشير، وكل من أحمد هارون وعبد الرحيم محمد حسين اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية في إقليم دارفور.
واتهم الخبير القانوني السلطة الانتقالية التي تولت السلطة بعد سقوط نظام البشير وسلطة الانقلاب العسكري التي أطاحت بالحكومة الانتقالية المدنية في 25 أكتوبر 2021 بعدم الشروع في إجراءات تسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية والعمل على التستر عليهم حاليا للحيلولة دون مثولهم أمام القضاء الدولي.
من هو نافع علي نافع
من مواليد قرية تميد النافعاب، ريفي شندي بولاية نهر النيل، في العام 1948، وتخرج من جامعة الخرطوم كلية الزراعة في العام 1971 والتحق بها عضوا في هيئة التدريس. ونال درجة الماجستير ومن ثم الدكتوراة من جامعة كاليفورنيا في الولايات المتحدة الامريكية.
وبعد انقلاب 30 يونيو 1989، برز اسم الدكتور نافع علي نافع باعتباره أحد ركائز النظام الجديد حيث تولى منصب مدير جهاز الأمن العام في الفترة من 1990 إلى 1995، وتعتبر ممارسات الجهاز في هذه الفترة من أسوأ ممارسته حيث انتشرت ظواهر التعذيب في بيوت الأشباح والاعتقالات التعسفية لفترات طويلة والقتل خارج نطاق القانون وهي ممارسات موثقة بشكل واسع من قبل المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان.
انتقل بعده في العام 1996 وزيرا اتحاديا للزراعة ولمدة ثلاثة سنوات، ثم وزيرا لديوان الحكم الاتحادي في الفترة من 2001 إلى 2003 ومن بعدها مستشارا لرئيس الجمهورية لشؤون السلام حتى العام 2005 ومن ثم مساعدا لرئيس المؤتمر الوطني للشؤون السياسية والتنظيمية في الفترة من 2005 إلى 2013.
وعرف الدكتورة نافع علي نافع بتعبيراته المستفزة تجاه القوى المعارضة مثل تعبير “لحس الكوع” الذي ظل يردد لفترات طويلة كدليل على عدم إمكانية إصلاح نظام الإنقاذ من الداخل وكان ينظر إليه باعتباره من تيار الصقور في حزب المؤتمر الوطني الحاكم حينئذ.
أودع الدكتور نافع علي نافع السجن بعد سقوط نظام عمر البشير وقدم للمحكمة ضمن المجموعة التي نظمت انقلاب 30 يونيو 1989 وظل حبيسا في سجن كوبر حتى تم إطلاق سراحه بعد اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023.