مِحور الشر الثُلاثي… جنرالاتٌ باسِطُون أذرُعهم بالوصيد

الذين يظنون أن ثورة ديسمبر المجيدة سوف ترتد على عقبيها، نقول لهم إن كل الظن إثم. والذين يعتقدون أنها ستُجهض نقول لهم إنكم لم تحسنوا قراءة تاريخ هذا الشعب الذي يمهل ولا يهمل. والذين يتوهمون أنها لن تحقق غاياتها النبيلة وقيمها الجميلة، نقول لهم ذلك ما تشيعه فلول النظام البائد فدعوهم في غيهم يعمهون. والذين يسرفون في التشاؤم ينبغي عليهم ألا يتمادوا في إيذاء أنفسهم، فالثورة قد حددت مسارها وستمضي في طريقها لا تلوي على شيء.

بقلم: فتحي الضَّو

الذين يظنون أن ثورة ديسمبر المجيدة سوف ترتد على عقبيها، نقول لهم إن كل الظن إثم. والذين يعتقدون أنها ستُجهض نقول لهم إنكم لم تحسنوا قراءة تاريخ هذا الشعب الذي يمهل ولا يهمل. والذين يتوهمون أنها لن تحقق غاياتها النبيلة وقيمها الجميلة، نقول لهم ذلك ما تشيعه فلول النظام البائد فدعوهم في غيهم يعمهون. والذين يسرفون في التشاؤم ينبغي عليهم ألا يتمادوا في إيذاء أنفسهم، فالثورة قد حددت مسارها وستمضي في طريقها لا تلوي على شيء. أما الذين يقولون إن هناك متربصين بالثورة، سنقول لهم صدقتم. نعم هناك من يعمل بكل همة لحياكة الشائعات وصناعة الأحابيل وزراعة الفتن، ولكن رغم ذلك سوف تظل شعلة هذه الثورة متقدة بعد أن دخلت التاريخ الإنساني من أوسع أبوابه، وبعد أن أصبحت مُلهمة لكل الشعوب التي رزئت بديكتاتوريات بغيضة، مثل ديكتاتورية الحركة الإسلاموية التي جثمت فوق صدورنا ثلاثة عقود حسوما. ولهذا يحتم علينا الواجب الوطني أن نسهر على حراستها ونحميها من كيد الكائدين وحيل المتربصين، سواء كانت دولاً أم جماعات أم أفرادا. وبذات الشفافية تقول الوقائع التي سنذكرها أن هناك ثمة ثلاث جنرالات يشكلون خطراً ينبغي اجتنابه. نميط اللثام عن أولهم الذي يعيش في متاهته وهو صلاح عبد الله محمد صالح الشهير بــ (قوش) وهو موضع هذه الحلقة. وآخر يعيش في منفى اختياري وقد خلعت عليه دوائر عُصبته البائدة لقباً لا ندري إن كان إمعاناً في السخرية أو الغموض وسوف نتناوله في الحلقة القادمة، أما الثالث فهو يقبع في كهفه خشية عواصف هوجاء تهب من حين لآخر، ولهذا آثرنا أن نطلق عليه الجنرال أكس (X) وقد خصصنا له الحلقة الأخيرة. وخطورتهم ليس في قدراتهم، ولكنها تكمن في أنهم تدثروا بأسرار الدولة العليا، وتزملوا بامتدادات خارجية أجنبية. وهذا لعمري هو بيت القصيد!

(2)

صلاح قوش.. جنرال في متاهة

لكأنما كان الكاتب العالمي جبرائيل جارسيا ماركيز يعني المذكور حينما كتب روايته ذائعة الصيت التي تحمل العنوان نفسه. فبحسب وقائع تاريخ مضى، دخل مستر ميلتون مندوب وكالة الاستخبارات الأمريكية مبنى جهاز الأمن في الخرطوم في لحظة الصفر في أبريل 1985، التقى عمر محمد الطيب الذي ظن أن ليلة القدر هبطت عليه وهو في عزَّ اضطرابه من هدير المظاهرات في الشوارع، فسأله ما العمل؟ ذرَّ ميلتون على سمعه تلك العبارة التي سارت بها الركبان (انتهت اللعبة) The game Is over ثم مضى في طريقه للخارج. بعد نحو ثلاثة عقود ونصف لكأنما وقائع التاريخ الماثل تعيد وقائع التاريخ الماضي بصورة مقاربة. في الأسبوع الثاني من شهر أغسطس 2019 طلب صلاح قوش وبعض أفراد أسرته تأشيرة دخول من السفارة الأمريكية في القاهرة. شاءت الإدارة الأمريكية أن تُسمع كل العالم الإجابة بما في ذلك الذين في آذانهم وقر، إذ كتب مايك بومبيو وزير الخارجية في حسابه على توتير يوم 14/8/2019 (إن بلاده قررت حرمان المدير الأسبق لجهاز الأمن والمخابرات السوداني صلاح قوش الدخول لأراضيها). وأشار إلى أن (القرار اتُّخذ بسبب تورط قوش في انتهاكات فاضحة لحقوق الإنسان) وتبع ذلك بيان للخارجية بنفس المعاني، وزاد بعقوبات وُقعت عليه ومنعته وزوجه وابنته من دخول الأراضي الأمريكية. في الواقع لا أعتقد أن قوش كان حصيفاً في الشأن الأمني، لأنه لو كان كذلك لأدرك كيفية صناعة القرار في أروقة الدوائر الأمريكية، وانتبه لما قالته سارة جاكسون المديرة الإقليمية لمنظمة العفو الدولية بعد بضعة أيام من سقوط الطاغية وأزلامه (على السلطات السودانية الجديدة أن تحقق في دور صلاح قوش في مقتل عشرات المتظاهرين السودانيين في الأشهر الأربعة الأخيرة). ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا أراد قوش الذهاب إلى أمريكا أصلاً؟ إن وراء الإجابة قصص تستحق أن تُروى!

(3)

نشرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز بتاريخ 29/4/2005 تقريراً مطولاً بقلم كين سيلفرستين، استعرض فيه حجم التنازلات الني قدمها نظام العصبة البائدة بما في ذلك تسليم (المتطرفين الإسلاميين) وكان ذلك تأكيداً لما كتبه تيموني كارني في الواشنطن بوست بتاريخ 30/6/2002 الذي عمل سفيراً لبلاده في الخرطوم بين عامي 1995- 1997 قال فيه: (عرضت الخرطوم لنا أفضل فرصة لجذب الراديكاليين الإسلاميين وتوقيف أسامة بن لادن مبكراً) ولأنه ليس بعد الكفر ذنب، قال مصطفى عثمان إسماعيل وزير الخارجية قبلهما لعدد من المراسلين الأجانب في الخرطوم يوم 19/9/2001 أي بعد أسبوع واحد من أحداث سبتمبر الكارثية (إن فريقاً من وحدة مكافحة الإرهاب الأمريكية ووكالة الاستخبارات الأمريكية ومكتب التحقيقات الفيدرالي موجودون في الخرطوم منذ أكثر من سنة) وعلى هذا المنوال كانت المعلومات تنداح من أفواه سدنة العصبة، بينما الرجرجة والدهماء ينعقون صباح مساء (أمريكا وروسيا قد دنا عذابها) ولكن سؤال المليون.. من يا ترى كان عراب تلك الاتصالات الباطنية؟

(4)

وفقاً لتقرير لوس أنجلوس تايمز برع كين في وصف القادم الجديد حامل كنوز سليمان بين إبطيه (في الأسبوع الثالث من شهر أبريل 2005 وصلت طائرة خاصة إلى مقر الوكالة في قاعدة (لانغلي) بولاية فرجينيا، والتي نُقشت على بوابتها عبارة ذات دلالة عميقة (ستعرفون الحقيقة، والحقيقة ستجعلكم أحراراً من البؤس والجهل والمرض) قال كين (فتحت طائرة وكالة المخابرات الأمريكية السي أي آيه أبوابها لرجل قصير القامة، ممتلئ الجسم، يحمل وجه طفل في قامة رجل Baby Face ذو شارب رفيع، يدخن السجائر من غير أن يحترق بعود الثقاب، إنه الجاسوس قوش مدير المخابرات السودانية، استقل تلك الطائرة وكان هذا آخر عمل سري قامت به حكومة السودان من أجل تحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة، عن طريق استغلال علاقات قوش التاريخية مع المتطرفين لمصلحة الحرب على الإرهاب) ولكن ما لم يقله كين صراحة وكشفت عنه متواليات الأحداث أن الوكالة تركت صواعها عمداً في بعير قوش، وذلك بإغراء مساعدته في الوصول لهرم السلطة، وتلك قصة أخرى!

(5)

ليس كل الأمريكيين يجهلون ما يدور في العالم الخارجي، في قصة كتبتها منذ سنوات، لدي صديقة أمريكية كانت تعمل في إحدى المنظمات (أقول من قبل ان تشرئب أعناق الفلول، إنها ليست غرَّاء ولا فرعَّاء ولا هيفاء) هي في منتصف العقد السادس، بها مس من ارستقراطية مصطنعة، تبدت في أناقة مظهرها وجزالة عباراتها. تقاعدت مبكراً حتى تستمتع ببقية عمرها كما قالت، فبدأت تقرأ كثيراً، وتشاهد القنوات الفضائية بإدمان، ولديها حب استطلاع جارف في معرفة ثقافات الشعوب. وبعكس غالبية الأمريكيين فهي تحب السياسة حباً جماً، وقد أرهقتني من أمري عُسراً منذ أن قلت لها إنني من ذاك البلد الذي هو كل يوم في حال. وكدأب مُعظم الأمريكيين الذين يتخيرون اهتماماتك حتى يجدوا منفذاً للحديث معك بعد أحوال الطقس، صارت تتابع أخبار بلدي بكثافة حتى بت اشفق عليها. كانت في بادئ الأمر تدهشني عندما تقول لي أخباراً عادية عن أحياء طرفية في العاصمة مثل الدروشاب أو الحاج يوسف أو الكلاكلة ثمَّ بتكرار غير المألوف زالت دهشتي. أذكر في تلك الأيام قالت لي بغتةً دون مقدمات أن السيد صلاح قوش سيصبح رئيساً لبلادكم! قلت لها هازئاً إنها المرة الأولى التي أعرف فيها أنها تحب المِلح والطرائف، وأكثرت لها من تعابيرنا المحايدة في مثل هذه المواقف. ثمَّ سألتها بعد لأيٍ عن أسباب اعتقادها ذاك؟ فقالت لي إنها قرأت في صحيفة (لوس أنجلوس تايمز) تقريراً مطولاً عن العلاقة بين وكالة الاستخبارات الأمريكية وجهاز الأمن السوداني. وأن مديره صلاح قوش حملته طائرة خاصة تابعة للوكالة الأمريكية وحطت به في (لانغلي) وعلمت أنها تقصد تقرير الصحيفة الذي سبق ذكره. لكنها أفصحت عن قناعتها بقولها (هل تعلم أن 90% من رؤساء دول العالم الثالث التعيس مروا من هنا) وبالطبع كانت تقصد الوكالة، فهل كان قوش طابوراً خامساً باع عصبته!؟

(6)

بعد خمس سنوات أقال الرئيس المعزول صلاح قوش في العام 2009 ثمَّ عينه مستشاراً أمنياً له، قيل وقتها إنه يريده أن يكون قريباً منه جغرافياً وليس أمنياً لأنه بات يتوجس منه خيفة. كانت الخطوة التي أصبحت مسار حديث العصبة في الكواليس محط استفسار رئيس تحرير صحيفة الأخبار، الذي كان يتباهى بعلاقته بالمعزول، وذلك في حوار صحفي نُشر في 28/11/2009 سأله المذكور عن سبب نقل قوش من فنن إلى فنن؟ فأجابه المعزول شعراً ونثراً (شوف صلاح دا يتمتع بقدرات أنا شخصياً اعتبرها خارقة.. قدرة على الرصد.. قدرة على التحليل.. قدرة على المتابعة.. قدرة على إدارة الحوار واستخلاص النتائج.. وقدرة على ابتدار المشاريع.. فكل هذه المقدرات تؤهله لشغل موقع متقدم في جهاز الدولة. ولكل هذه الأسباب قررنا الاستفادة منه في موقع سياسي متقدم، وحين يكون الشخص مستشاراً للرئيس فهذا يعني أنه اصبح جزءاً من كابينة القيادة) فهل كان المعزول يعلم أن قوش يخطط لطرحه في سوق النخاسة السياسية؟ تأمل كيف ابتذل أولئك القوم السلطة حتى الديكتاتورية نفسها!

(7)

الذي حدث من قبل أن يصبح غزل المعزول ذاك هشيماً تذروه الرياح، أي بعد نحو أقل من عامين وتحديداً في وقت متأخر من يوم 26/4/2011 وصمت القبور يخيم على العاصمة التي تغلق أبوابها في الهزيع الأول من الليل، استدعى قوش لمقابلته في بيت الضيافة، ومؤكد أن المذكور الذي رضع البصاصة قد ذهبت به الظنون كل مذهب في لقاء لم يكن ضمن أجندته، زاد من تفاقمه صراع كان متأججاً بينه وبين نافع علي نافع، تفاقم حينها حتى مضغته أفواه المدينة التي لا تعرف الأسرار. عندما وصل قوش وجد ثلة من الأولين مع المعزول.. ضمهم مجلس خماسي.. عبد الرحيم محمد حسين، بكري حسن صالح، محمد عطا، إبراهيم أحمد عمر، وقطبي المهدي. لم يطل به المقام عندما انضم لذاك الرهط، فقال له المعزول دون سابق تمهيد إنه قرر اعفائه من منصبه كمستشار له، ثم راح يروي في قصصه التي لا تنقطع. بعدئذٍ ران على مجلس الشهود صمت مريب، ثم أنفض السامر كأنهم كانوا في حفل شواء آدمي دأبوا عليه مع عصبتهم كلما أدلهم ليل أحدهم. الوحيد الذي كاد يصيب كبد الحقيقة هو قطبي المهدي الذي قال لصحيفة الوطن 4/5/2011 (التمدد والتضخم والطموحات الزائدة وراء إقالة قوش) وزاد (إن ملاحظات عديدة أحاطت بنشاطه ودفعت إلى تقييم تصرفاته، مؤكداً أن الرجل كان يرتب نقسه لرئاسة جمهورية السودان) ونذكر بأن القائل كان أحد حاضري حفل الشواء. بيد أن المتابعين قالوا إن الإقالة جاءت في إطار الصراع الذي احتدم بين (إخوة يوسف) ولكن العارفبن بخبايا قصر غردون علموا أن جنرال المنفى أوغر صدر المعزول ونقل له تنصت قوش على هاتفه وانتهاك حرمات بيوته. وبرغم أن ادعاء المعزول غضبة مُضرية، أعاد قوش إلى حياضه في فبراير 2018 في ذات منصب (وكالة البلح) وكانت العودة هذه المرة إثر نصيحة (أخوية) دفع بها الفاتح عورة رجل الكواليس المُظلمة، بحسبه أن المذكور هو من يستطيع السيطرة على الأوضاع بعد تفاقم معاناة النظام. وهل براعة قوش في القمع تحتاج تزكية؟

(8)

عندما اندلعت المظاهرات في ديسمبر 2018 كان قوش يواصل الليل بالنهار في الكيفية التي ينجو بها النظام من انهيار مؤكد. وكل ما اشتد أوار المظاهرات زاد القمع، بات قوش ينسج في تبريرات مضحكة مثل كشف خلية لحركات دارفورية مكونة من 280 شخصاً تدربوا في إسرائيل، ومثل الفتاة التي أخرجت من حقيبة يدها خرطوش مورس قتلت به الشهيد طبيب بابكر عبد الحميد. وكان تضارب تفسيراته دليلاً على فقدانه الصواب وتضعضع ثقة المعزول فيه. وتمثل ذلك في اطلاعه المعزول فكرة مقابلة السيد الصادق المهدي بواسطة القيادي في حزب البعث محمد وداعة. وكان قوش قد أعلم الاثنين معاً بمكان وزمان المقابلة، وأنه سوف يأتي وحده. تلك خطوة أدخلت الريبة في نفس المعزول الذي فرض عليه اصطحاب أحمد هارون، تمَّ ذلك اللقاء في الزمن الضائع في شقة يقطنها عبد الرحمن الصادق المهدي في ضاحية نمرة (2) كان قوش صامتاً طيلة اللقاء الذي لم يستمر طويلاً في حين أن هارون تمادي في العنجهية والمكابرة والاستعلاء. كانت تلك بداية تفكير قوش في سيناريو يفارق به الجماعة ويلجأ إلى أصدقائه القدامى في وكالة الاستخبارات الأمريكية، ففي اللحظات الحاسمة تنصل من اللجنة الأمنية وعين مكانه أبو بكر دمبلاب ورسم طريقة هروبه بالتواطؤ مع رفاقه في الجهاز وما تبقى من اللجنة الأمنية بواسطته سيناريو فطير لا ينطلي إلا على الأغبياء، ثمَّ يمم وجهه صوب مصر عبر الطريق البري.

(9)

حمل قوش الدولة وأسرارها وحط رحاله في دولة مهما قيل عن أزلية العلاقة معها فهي بالمنظور الآخر تعد أجنبية. ثمَّ صار يمارس حياته الطبيعية، ويتواصل مع أجهزتها الأمنية، والقنوات بينه وبين من تركهم في الخرطوم سالكة، ويتحدث للصحافيين بل يتخير من يروق له. رجل مثقل بآثام عظام عوضاً عن أن يُطلب بواسطة الشرطة الدولية (الانتربول) ففي سيناريو فطير آخر حضر خلسة قبل عدة أيام إلى الخرطوم عبر الطريق البري نفسه، وذلك بعلم اللجنة الأمنية في المجلس السيادي، وبعلم من نصبه مكانه في الجهاز، وكان مصحوباً بحراسة من كوادرهم وقوات الدعم السريع الذين استلموه من المخابرات المصرية، وذهب مباشرة إلى مباني جهاز الأمن، وتحدث إلى بعض أفراد العمليات الخاصة (الذين تردد رفضهم الانضمام لقوات الدعم السريع) حديثاً حميماً (شدوا حيلكم يا شباب الوضع تحت السيطرة) ومثل أي مغترب عاد بعض معارفه مُعزياً، وعاد أدراجه بذات الطريق حتى معبر أرقين حيث تسلمه أفراد المخابرات المضيفة. أما في قصر غردون (فيستمر الضحك على الدقون) إذ يصدر قرار بسحب جوازات سفر قوش الدبلوماسية بعد عدة أيام!

(10)

في الختام لكم وددت أن أسال قوش: كيف ينام كل ليلة وفي صدره أطنان من أسرارنا، ربما بدءاً من سياسي انفصل عن زوجه، مروراً بحملة الأنفال التي قال إنها دحرت جند حركة العدل والمساوة، وانتهاءً بلقائه فوق طيات السحاب مع الاستخبارات الأمريكية التي يرتعب لذكرها الشجعان. تلك والله مقدرة فائقة لرجل يتكنز الأسرار في جوفه ويزدردها كما يزدرد الجمل طعاماً مخزوناً في سنامه. غير أني أدخرت مفاجأة لقوش آن أوان كشفها في ختام مقالي هذا، فأنا عندما بخسَّت حسه الأمني فأنا أعني ذلك بشواهد سر أبوح به للمرة الأولى، ويسمعه قوش للمرة الأولى وكذا القراء الكرام.

فأشهدوا أيها الملأ أنه برغم ادعاء قوش امتلاكه ناصية الأمن، وبرغم الأموال الطائلة التي تصرف على هذا الجهاز الكرتوني، وبرغم الحصون والأسوار والبروج المشيدة، أقول إن مصدر كتابي الأول في سلسلة الكتب الأمنية التي أرقت مضاجع النظام، والموسوم بعنوان (الخندق/ أسرار دولة الفساد والاستبداد في السودان) كان مصدري صلاح قوش نفسه!!

آخر الكلام: لابد من المحاسبة والديمقراطية وإن طال السفر!

Welcome

Install
×