منظور نسوي للصراع في السودان
عرض: سليمان سري
امستردام: 3 أغسطس 2024: راديو دبنقا
حذرت دراسة بحثية من أن تداعيات الصراع المباشر بين الجيش السودان وقوات الدعم السري، على النساء سوف تظل باقية في أرواح وأجساد وذاكرة النساء لأجيال وعقود قادمة، وسوف يتواصل تحديثها باستمرار مع اتساع رقعة الصراع وتزايد وتيرة الانتهاكات، مشيرة إلى أن الصراع قد مس النساء بمختلف خلفياتهن، وأقرت بأن مهمة تجاوز الصراع الحالي بأنها شاقة وطويلة، خاصة وإن الصراع مركب ومتعدد الأقطاب، وأعادت التذكير بأن للنساء السودانيات تجارب مع اتفاقيات سلام سابقة توصلن من خلالها إلى قناعة تامة من أن الوصول إلى اتفاقات تحتوي على نصوص دستورية زاهية عن حقوق الإنسان والمرأة لا يعني نهاية الإقصاء المستمر للنساء.
تقول دراسة بحثية أعدتها الكاتبة والخبيرة في مجال حقوق الانسان والنوع الاجتماعي، زنيب عباس بدوي إنّه على الرغم من أن إراقة الدماء الوحشية لم تنحسر بعد، إلا أن هناك إجماع من كل الحادبين على مستقبل السودان بضرورة وأولوية العمل على وقف الصراع.
وتشير الدراسة التي اطلع عليها “راديو دبنقا”على موقع المركز السوداني للشفافية والسياسات، تشير إلى أن تداعيات الصراع المباشر على النساء سوف تظل باقية في أرواح وأجساد وذاكرة النساء لأجيال وعقود قادمة، وسوف يتواصل تحديثها باستمرار مع اتساع رقعة الصراع وتزايد وتيرة الانتهاكات، وتواصل عمليات النزوح واللجوء طويل الأمد والهجرة والشتات وفقدان التماسك والأمن الاجتماعي كذلك مع استمرار تفشي مظاهر الغبن والانقسام الاجتماعي وافساح المجال لتجليات القبلية والعنصرية.
نوعين من أشكال الصراع:
تكتسب الدراسة البحثية أهميتها من كونها من إعداد خبيرة في مجال حقوق الإنسان وقضايا النوع الاجتماعي، وتكاد تكون من أبرز الدراسات إن لم تكن الوحيدة التي رصدت وضع المرأة في أزمنة الحرب وأوردت معلومات نادرة عن أشكال الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة، كما لم تغفل وضع المرأة في الريف، مع رسم توقعات ما بعد السلام والمخاوف من تكرار عملية الاقصاء والمشاركة الرمزية للنساء في تنكر لأدوارهن وتجاهل لتضحياتهن، ويمكن تحديد منطلقات وأهداف الدراسة البحثية التي أرخت لها مقدمة تلخص حجم المأساة والتجارب التي تعرضت لها النساء، كما صنفت أشكال الصراع إلى نوعين.
وتشير إلى أن النوع الأول يتمثل في أن بعض تلك الصراعات مباشرة مثل الصراع المسلح الدائر حاليًا، أما النوع الثاني يتمثل في صراعات خفية وناعمة ضد النساء، تنتجها بنية التمييز القابعة في البنيات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية. مع التأكيد على أن الصراعات والحروب ظلت حقيقة من حقائق الحياة الأساسية في السودان، وحاضرة بقوة في حياة النساء، وإن اختلفت أشكالها.
ويعتقد بأنه رغم جسامة الانتهاكات والتجارب المريرة التي تعرضت لها النساء خلال الصراع المسلح الدائر حاليًا في السودان، إلا أنه يمكن القول إن تجارب النساء مع الصراع لم تُستجلى ولم يُكشف عنها بعد. والقليل من التجارب التي وُثقت تبدو مثل “فيلم تراجيدي” لا يمكن تصور حدوثه على أرض الواقع وتعجز عنها طاقة الوصف. فالنساء في السودان يملكن ملايين القصص والحكايات الصغيرة عن فظائع الصراع، وداخل كل امرأة قصتها الكبيرة الخاصة ومعاناة من شكل مختلف.
صراع قديم يتجدد:
تؤكد الخبيرة زينب عباس بدوي أن حرب 15 أبريل 2023 بين طرفي الصراع، كشف انعدام فعالية الدولة. مشيرة إلى أن هذا البعد يمثل أحد الأسباب الرئيسية وراء الحرب، وهو أعمق بكثير من تقدير معظم المراقبين والمعلقين. وقد زادت هشاشة الدولة وافتقارها إلى الحوكمة الرشيدة من عجزها الاجتماعي والاقتصادي العميق وفاقمت الاستقطاب الاجتماعي. وأدى ذلك إلى انهيار الدولة السودانية واندلاع الحرب.
وأرجعت جذور الصراع إلى سلسلة طويلة من أعمال العنف والتجاوزات المتأصلة في الهياكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في بلدنا، بما في ذلك العنف السياسي. وقد صعدت معظم حكوماتنا الوطنية إلى السلطة، وبقيت فيها، بفضل العنف والفظائع والجرائم التي تؤثر على المدنيين والعسكريين على حدٍ سواء. واحتفظت بعض تلك الحكومات بالسلطة لعقود من الزمن، لكن هذا لم يغير اعتمادها على القوة والإكراه والهيمنة الأمنية. وعلى هذا النحو، يعد قمع الشرطة جزءًا لا يتجزأ من عملياتها.
وتقول إنَّ هذا ليس بالأمر المفاجئ لأن معظم تلك الحكومات سادتها هياكل إيديولوجية واجتماعية واستبعادية بدل من ا لهياكل الوطنية الجامعة. وحفزت هذه الهياكل النزاعات وجرَّت البلاد إلى حافة التطرف العنيف والإرهاب. وتلجأ معظم تلك الحكومات إلى وسائل القوة من أجل تأكيد سلطتها على المواطنين وإخماد المطالبات بشأن المساءلة والشفافية.
كما تعود أصول النزاع إلى العنف المجتمعي والثقافي، بحسب الورقة البحثية، فالسودان من بين أكثر البلدان تنوعًا عرقيًا أو ثقافيًا ولغويًا ودينيًا في العالم. لكن التجاهل المتعمد للتعددية والتنوع، وارتباط ذلك بخصائص التفوق العنصري والثقافي، أدى إلى تعميق حالة التهميش السياسي والاقتصادي.
وارجعت “بدوي” أيضًا أصول النزاع الحالي إلى ما سمته بـ” أسلمة القوانين” في سبتمبر 1983، إبان إعلان الرئيس السابق جعفر نميري لقوانين الشريعة الإسلامية، التي مهدت الطريق إلى تمكين مجموعات مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بدوائر الإسلام السياسي. ووضعت هذه القوانين أسس المشروع الحضاري الحالي في السودان وما نتج عنه من تطرف وإرهاب وقمع لحقوق المرأة.
عيوب في الوثيقة:
وتقول إنَّ انعدام المشاورات الموسعة والعجلة التي تمت بها صياغة الوثيقة الدستورية لعام 2019 إلى عيوب ونواقص أساسية في الوثيقة، التي لم تذكر الحوكمة الرشيدة أو الإصلاحات الموضوعية لمؤسسات أمن الدولة والمؤسسات العسكرية التي كانت أمور حيوية لتسهيل إقامة انتقال ديمقراطي وعادل.
ورأت أن الأمر نفسه ينطبق على التزامات السودان بموجب الاتفاقيات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان. فرغم كون السودان طرفًا في عدد من هذه الاتفاقيات، إلا أنها لم تطبق وظلت مجرد استعراض دبلوماسي. والسودان لم يصد ق بعد على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة “سيداو” ولا على بروتوكول عام 2003 الملحق بالميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب بشأن حقوق المرأة.
وتشير إلى أن النزاع يرتبط بحقيقة أن ثورة ديسمبر 2018 جلبت إلى السلطة فصائل ذات مصالح مجتمعية واقتصادية وسياسية وثقافية متباينة. ولبعضها روابط وثيقة مع النظام الشمولي القديم. وقد أعاقت هذه الروابط التغيير، وكان ذلك يعني أن انتصار الثورة كان محدودًا وغير مكتمل، ما سهل تقويضه.
وتعتقد أن النزاع أيضًا يرتبط بالدور الذي لعبته قوى الثورة المضادة والإسلام السياسي في كبح جهود بناء دولة الديمقراطية والمواطنة في السودان، خاصة خوفهم من القوة التي أظهرتها ا لنساء في رفض مشروع الإسلام السياسي. وحصلت قوى الإسلام السياسي على ما كانت تتمناه، إذ بالغت قوى الثورة في تقدير قوتها، بينما قللت من قوة خصومها “الدولة العميقة والجيش وحركة المعارضة السياسية ضد التحول الديمقراطي والإسلام السياسي”.
تأثير النزاع على علاقات النوع:
احتل السودان المرتبة 129 من بين 147 دولة في مؤشر المساواة بين الجنسين وتقول الخبيرة في مجال قضايا النوع زينب عباس إنَّ الفجوة بين الجنسين لاتزال واضحة في جميع القطاعات الحيوية، مثل الصحة والتعليم وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والسياسة وغيرها.
وتعزي ذلك نتيجة للحواجز الهيكلية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فضلًا عن الإرث الاجتماعي والثقافي السام الذي لا تزال تغذيه وتديمه سياسات لا تراعي النوع الاجتماعي والفقر والتهميش والنزاع المستمر.
كذلك، ترى “عباس”، أن هناك نقص مذهل في الإحصاءات المصنفة حسب الجنس في السودان، لذلك من الصعب الحصول على معلومات دقيقة عن ظروف ا لنساء. ولاتزال النساء في السودان يواجهن تمييزًا عميق الجذور في مجتمعاتهن.
وتؤكد على أنه لا توجد إحصاءات دقيقة عن مستويات الفقر بين النساء. وقد لا تكمن المشكلة في عدم دقة هذه الإحصاءات فحسب، بل في فشلها في شمول النساء اللاتي يساهمن في الاقتصاد بوصفهن مقدمات رعاية أو ربات بيوت أو عاملات في دعم المجتمع ومن هنا لا تحظى القيمة الاقتصادية للعمل الذي تقوم به النساء بالتقدير، فتغفل مساهمتهن الاقتصادية في قوة العمل عن المعادلة.
ومع ذلك، كما تضيف، فإن الحقيقة التي لا جدال فيها هي أن النساء في جميع أنحاء المناطق الحضرية والريفية في السودان ما زلن يقمن بالقدر الكبير من العمل، غير مدفوع الأجر ويتحملن المسؤولية الرئيسية عن رعاية الأطفال والمسنين بالإضافة إلى المهام المنزلية ا لأخرى. وعلاوة على ذلك، وفيما يتعلق بالنوع الاجتماعي، هناك فجوات أساسية في التشريعات والسياسات السودانية المتعلقة بالعمل.
المرأة في الريف.. فقر متعدد الأبعاد:
أبرزت الورقة قضية النساء في المناطق الريفية وقالت إنَّهن يعانين من فقر متعدد الأبعاد، ورغم أنهن يستطعن المشاركة في الانتاج إلى جانب أقرانهن الذكور، فإن الحواجز الهيكلية والمعايير الاجتماعية التمييزية تجعلهن أقل قدرة على الوصول إلى الموارد وتحد من تمتعهن بتكافؤ الفرص.
وتقول: رغم أن مبادئ عدم التمييز، من حيث الحقوق القانونية، هي مبادئ منصوص عليها في الدساتير السودانية المتعاقبة منذ استقلال البلاد، إلا أنها لا تجد الاحترام في الممارسة العملية. ورأت أن التشريعات تتجاهل حقوق المرأة بحجة التمسك بالقيم الدينية والتقاليد والعادات. وتقيم الحواجز بين الجنسين عازلًا بين المرأة والقانون.
وتعتقد الباحثة أن القانون نفسه يمثل آداة قمع إضافية للمرأة وتقول إنَّ العنف ضد المرأة لا يزال منتشرًا على نطاق واسع في جميع أنحاء السودان؛ لعبت الدولة نفسها دورًا رائدًا في مفاقمة هذا العنف من خلال سن قوانين تمييزية ومن أمثلة ذلك استخدام الجيش والمليشيات المتحالفة معه، الاغتصاب بوصفه سلاحًا في دارفور.
وتقول إنَّ النزاعات المسلحة أصبحت حقيقة من حقائق الحياة في السودان، بعواقبها الوخيمة على النساء. وحتى عندما تم التوصل إلى اتفاقات سلام، فشلت الحكومات المتعاقبة في تضمين وجهة نظر تحمي النوع الاجتماعي، ما أدى إلى إدامة الصراعات المسلحة. وبالمثل، غابت الإرادة السياسية فيما يتعلق بمحاكمة مرتكبي الجرائم ضد المرأة.
وكشفت الدراسة أنه طوال تاريخ السودان الحديث لم يكن هنالك برامج أو خطط فعالة لتحسين المساواة بين الجنسين، أو تمكين المرأة، على الإطلاق. ولم تكن هناك مؤسسة فعالة لتعزيز حقوق المرأة مثل وزارة أو مجلس أعلى للمرأة.
في المقابل لم تغفل الدراسة دور منظمات المجتمع المدني، وتقول: إنَّ الجماعات المدنية السودانية تواصل، العمل بثبات من أجل حقوق النساء، مستندة إلى تاريخها وخبرتها الأوسع، ومعتمدة على المنظمات الجماهيرية التاريخية. ورأت، أيضًا، أن الثورة لعبت دورًا في زيادة وعي الناس، خاصة الفتيات، بحقوقهن، ووفرت لهن منصات وحرية أكبر لتنظيم أنفسهن. وتضع الحركات الاجتماعية الجديدة المطالب بحقوق النساء في صدارة جدول أعمالها.
لكن برغم ذلك، رأت أنه في مجال السياسة، لاتزال الحواجز التي تعيق المشاركة السياسية للنساء قائمة حيث يواجهن الصعوبات عند العمل في ا لأحزاب السياسية التي يهيمن عليها الذكور. ورغم الاختلافات بين ا لأحزاب وتباين مواقفها بشأن حقوق النساء، لتتبنى معظمها سياسات تدعم خلق مناخ داعم للنساء.