مشاهد “إذلال الأسرى” من قبل الطرفين تعود من جديد وتثير ردود فعل غاضبة

صورة من مقطع "فيديو" متداول لأسير من الجيش السوداني تحت قبضة أفراد من قوات الدعم السريع

الأربعاء 10/ سبتمبر/ 2024م: راديو دبنقا
تقرير: سليمان سري

أثارت مقاطع “فيديو” انتشرت على نطاق واسع قبل ايام ردود فعل غاضبة وهي تعكس كيفية معاملة الأسرى من قبل طرفي الصراع، القوات المسلحة وقوات الدعم السريع.

وبعد أن اختفت المشاهد “المرعبة” لقطع الرؤوس على مواقع التواصل الاجتماعي، بدأت تنتشر مقاطع أخرى لجنود من قوات الدعم السريع تحاول إذلال أسرى من جنود الجيش بترديد عبارات خادشة تارة وأخرى بترديد شعار الدعم السريع “جاهزية، سرعة حسم”، في محاولة لانتزاع اعتراف من الأسرى بهزيمتهم.

ويبدو من الفيديو أنه لا خيار أمام هؤلاء الأسرى، إما الانصياع لأوامر من يأسرونهم أو القتل، مثل حالة الملازم أول محمد صديق الذي رفض الانصياع لأوامر من أسروه من قوات الدعم السريع.

كما ترتكب القوات المسلحة نفس الممارسات لدى أسر منسوبي قوات الدعم السريع.
دور الصليب الأحمر

ويقول الخبير العسكري عوض المأمور لـ”راديو دبنقا”: إنَّ ما نشاهده في حرب السودان اليوم يندرج تحت بند “الفعل الشاذ” الذي لا توجد له سوابق لتحكمه.

ويضيف: “لذا لا تجد الصليب الأحمر الدولي يقوم بزيارات لآلاف الاسري من الجيش لدي الدعم السريع، وعلي رأسهم الفريق ركن مبارك كوتي المفتش العام للقوات المسلحة”، مشيرً إلى أن الجيش السوداني لم يهتم أيضًا بأمره، ولم يطلب من الصليب الأحمر التدخل لدي الدعم السريع لضمان سلامته وحسن معاملته.

وتابع قائلًا: “اذًا علي المنظمات الإنسانية الوطنية التدخل لدي الدعم السريع وطلب حسن المعاملة لهؤلاء دون الخوف ممن سماهم بجمهور “الإسلاميين والبلابسة”، ومن أن يوصموا بأنهم الجناح الانساني للدعم السريع كما توصف تنسيقية القوي المدنية ” تقدم ” بأنها الظهير السياسي للدعم السريع.

و”البلابسة” مصطلح شعبي شائع مشتق من “بل بس”، يعني المؤيدين لاستمرار الحرب.

ويرى الخبير العسكري عوض مأمور أن هذه المشاهد مؤلمة ومحزنة لأنها تحدث وسط السودانين، متجاوزة كل الإرث والتاريخ الذي عرفت به الأمة السودانية، ويقول إنَّ هذه الافعال حتمًا ستحدث شرخًا في نسيج المجتمع السوداني يصعب رتقه.

وعبر عن أسفه لعدم التزام الطرفين بما وقعا عليه في منبر جدة، وعزا ذلك إلى أنه ربما يكون بسبب غياب آلية تنفيذ الإعلان لأن الحرب تدور في المدن.

ويضيف قائلا “فلهذا لا بد من وقف إطلاق نار كامل وبمراقبة دولية لكي تتم عملية إخلاء المدن من الطرفين، لأن الجيش يسيطر علي محلية كرري الممتدة مسافة 15 كلم من المطبعة العسكرية وحتي الكلية الحربية وهي وسط المدنيين، فإذا كثف الدعم السريع قصفه لمحلية كرري ومنطقة وادي سيدنا فسنشاهد سقوط ضحايا مدنيين ونزوح كبير”.

ويستبعد الخبير العسكري أن يخرج قادة الطرفين ويدينا أفعال تعذيب الأسري، فكلاهما، كما يقول، يمارس نفس النهج الذي يهدف من ورائه إلى بث الرعب في نفوس مقاتلي الطرف الآخر.

ويرى أن هذا الأمر “فعل مجاز ضمنيًا” في خططهم العسكرية.

القانون الدولي

أما المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان المعز حضرة، فقد انتقد هذه الظاهرة بشدة واعتبرها مخالفة للقانون الدولي الإنساني ولمبادئ حقوق الإنسان واتفاقيات جنيف الأربعة لسنة 1959 بشأن حماية المدنيين في زمن الحرب ومعاملة الأسرى.

ويقول حضرة لـ”راديو دبنقا إنه “بخلاف المواثيق الدولية فإن قوانين هذه القوات نفسها، القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، تمنعهم من التعذيب أو التمثيل بالأسرى أو الجنود”.

وأضاف أن القانون الجنائي السوداني يمنع التعذيب أو التمثيل بالأسرى أوبالجنود.

وعبر حضرة عن أسفه لكون طرفي الحرب ظلا يضربان عرض الحائط بكل هذه الاتفاقيات، مضيفا أن التعذيب والإخلال بهذه القوانين لم يقتصر على طرفي الحرب فقط، بل امتد حتى للمدنيين.

ويقول حضرة لـ”راديو دبنقا “إن الجنود من طرفي الحرب ظلوا يعذبون المدنيين الذين ينطلقون من منطقة إلى أخرى وكل طرف يتهم المدنيين بأنهم ينتمون إلى عدوهم”.

ويشير إلى أن هنالك حالة أشبه بالتهجير القسري بالقبض على المواطنين على أساس عرقي، وحذر من أن تلك الظاهرة تقود السودان إلى وضع أكثر تعقيدًا.

سقوط النظام العدلي

واعتبر أن كل تلك المخالفات دفعت بالمجموعات الحقوقية السودانية، من محامين وغيرهم، إلى أن يطالبوا مجلس حقوق الإنسان بالتدخل لتكوين لجنة لتقصي الحقائق، مشيرًا إلى أن النظام العدلي سقط سقوطًا مريعًا ولم يقم بواجبه القانوني.

ويعتقد بأن المجموعة العدلية الموجودة الآن في بورتسودان أصبحت مطية في يد العسكر، يفعلون بهم مايريدون.

وانتقد حضرة، اللجنة التي سُمِّيَتْ باللجنة الوطنية بالتحقيق في جرائم الحرب، مشيرا إلى أنها كونت من قبل من أحد طرفي الحرب، وبالتالي لايمكن أن تكون محايدة.

واتهم الجيش وكتائب الإسلاميين بارتكاب جرائم حرب، وأضاف أن الشعب السوداني يطالب بتكوين لجنة قانونية دولية للتحقيق.

تقصي الحقائق

وأوضح حضرة أن مجلس حقوق الإنسان أصدر قرارًا بتكوين لجنة لتقصي الحقائق، غير أنه رأى أن اللجنة لم تقم بدورها كاملاً.

وتابع قائلًا “بالتالي نحن كسودانيين نطالب بأن يمدد لهذه اللجنة وتعطى صلاحيات أكثر لتكون لجنة للتحقيق وليست لتقصي الحقائق”.

ويقول إنَّ الطرفين المتقاتلين ارتكبا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ويضيف: “طالما أن النظام العدلي منهار فإن ذلك سيقود للجنة لتقصي الحقائق التي ستقوم بالكشف عن هذه الجرائم وسيتم تقديم هؤلاء المتهمين للمحكمة الجنائية الدولية”.

وتوقع حضرة أن يحقق هذا الامر مبدأ مهما من مبادئ العدالة الدولية والمتعلق بعدم الافلات من العقاب، واعتبر أن طرفي الحرب لم يتلزموا بالقوانين الدولية ولا الداخلية ولاحتى اتفاقيات جدة وجنيف التي وقعا عليها.

وأضاف قائلا إن دور القضاء الجنائي الدولي يأتي هنا للتدخل، لأنه لايتدخل إلا عندما يفشل القضاء الداخلي أو عندما لا تتوفر له الرغبة أو الجدية.

عدم المحاسبة والاستنكار

واعتبر أن عدم استنكار قيادات الأطراف المتحاربة لهذه الجرائم يؤكد أنها لاتحترم القوانين، كونها لم تردع أي من منسوبيها منذ اندلاع هذه الحرب.

ويقول حضرة أنه “رغم تأكيدات الدعم السريع والجيش بتوجيه منسوبيهم بعدم الاعتداء على المواطنين، إلا أننا لا نسمع أي استنكار لما يحدث من أفراده الذين يرتدون زي القوات المسلحة ويقطعون الرؤوس”.

ويضيف “لم نر أي لجان للتحقيق من الطرفين قدمت هؤلاء للمحاكمة، لا القوات المسلحة ولا قوات الدعم السريع”، مشيرًا إلى أن قائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو يصدر تصريحات ربما للاستهلاك الإعلامي، حسب وصفه.

ويشير إلى أن تصريحات حميدتي الأخيرة بإصدار أوامر مستديمة لحماية المدنيين، غير مفعلة على أرض الواقع، مؤكدا أنه يريد كسب الرأي العام العالمي ليظهر أنه مع حقوق الإنسان ويحترم القانون الدولي الإنساني.

ويعتقد حضرة أن الواقع يقول غير ذلك، مشيرًا للجرائم التي ترتكبها قوات الدعم السريع، وإلى أن أي منطقة دخلتها ارتكبت فيها انتهاكات واسعة أبرزها القتل خارج نطاق القانون، كما لم يقدم الدعم السريع أي نماذج لمحاكمة أي شخص من هؤلاء الذين اعتدوا على المدنيين، حسب قوله.

Welcome

Install
×