محمد سعيد القدال: أنقذوا جامعة الخرطوم قبل أن تصبح مقبرة أكاديمية ..

نشرت جريدة الصحافة في عدد 5/4/2004مقالاً لاحد اساتذة جامعة الخرطوم رداً على ما نشرته حول الحجاب في الخطاب القرآني. وانهال الكاتب بالسباب على…

جامعة الخرطوم

بقلم: محمد سعيد القدال

 

نشرت جريدة الصحافة في عدد 5/4/2004مقالاً لاحد اساتذة جامعة الخرطوم رداً على ما نشرته حول الحجاب في الخطاب القرآني. وانهال الكاتب بالسباب على مجموعة من رموز الاستنارة في عصرنا فقال عن قاسم أمين صاحب كتاب (تحرير المرأة) انه من اذيال الفرنجة وابواق الغزاة. ثم قال ان محاربة الحجاب دعمها رتل من المهووسين بالحضارة الغربية ومظاهرها امثال سعد زغلول وزوجته صفية زغلول وهدى شعراوي ودرية شفيق وسهير القلماوي وامينة السعيد. ألا يعلم الدكتور ان هؤلاء الذين يستخف بهم، هم جيل الرواد الذي حقق التلاقح الخلاق بين الحضارة الغربية والحضارة العربية الاسلامية؟ انهم جيل يقف في صف طويل بداية من رفاعة الطهطاوي الذي يمثل نموذجاً فريداً للتفاعل الجدلي مع الحضارة الغربية، ثم علي مبارك والافغاني ومحمد عبده، حتى الجيل الذي انهال عليه الدكتور بالسباب. واذا كانوا هم (رتل) كما يقول فهم كُثر . أم كلمة رتل فحشر بها دون أن يكون مدركاً لمعناها.

ثم قال عني إن لغتي سمجة وعباراتي رثة ومفرداتي مخنثة. ووقفت كثيراً عند هذه الالفاظ لأني لم اسمع بمثلها في الحقل الاكاديمي، ولأن معانيها غامضة. فما هو المقصود باللغة السمجة والعبارات الرثة واللغة المخنثة، وما هى الادلة التي ساقها ليوضح بها الكلمات التي قالها. أم هى مجرد كلمات رمى بها فقط من أجل السباب؟ وهذا ليس من الشيم الاكاديمية . فهذه الفاظ لم نألف مثلها فيما يكتب فقلت لاشك ان هذا دكتور معجزة ودكتور خارق لأنه يقف فوق منصة عالية ويحكم من فوقها على شخصيات لها وزنها التاريخي وعلى اساليب الكتابة فأخذت أبحث عن مكانه هذا الدكتور المعجزة وعن انتاجه.

يعمل الدكتور المعجزة استاذاً مساعداً بجامعة الخرطوم في قسم يسمى مطلوبات الجامعة. ولي شأن آخر مع هذا القسم في وقت لاحق. وقد حصل الدكتور المعجزة علي شهادته الجامعية من المدينة المنورة، وحصل على الماجستير 1995 والدكتوراة 1999 من جامعة الخرطوم. فأخذت أقرأ في رسالتيه، وهما عن الشريعة والقانون الجنائى السوداني لسنة 1991.

واسوقفتني فقرة في الصفحة الثانية من رسالة الماجستير قال فيها في التاريخ القريب حكمت السلطة القضائية السودانية على المضل محمود محمد طه الذي تشكك في عصمة الشريعة وزعم عدم صلاحيتها للعصر الحديث. وكان ذلك الحكم الشجاع من اروع انجازات القضاء السوداني عبر تاريخه الطويل، لا يلتفت الى طعن البغاث في ذلك الحكم العادل وإنما حالهم كحال الهر يحكي انتفاخاً صوله الاسد) ـ ص5ـ .

يستعمل الكاتب نفس الفاظ السباب مثل : المضل والبغاث والهر. واضاف اليها تعابير جانحة مثل : ( كان ذلك الحكم الشجاع.. وعصمة الشريعة) وهذه الفاظ غير علمية وغير متداولة في الحقل الاكاديمي فهل اطلع على كل احكام القضاء السوداني ووجد ذلك الحكم اشجعها، وهل يقصد ان اجتهادات العلماء في أمر الشريعة معصومة. أو أنه يطلق الاحكام دون أن يحفل بدقتها او لعله يستعمل الفاظاً لا يدرك معانيها؟ وكيف اجاز المشرف هذه التعابير، وكيف اجازها الممتحن الخارجي؟ واي شريعة معصومة هذه التي يتحدث عنها الدكتور المعجزة، هل هي القوانين التي صاغها نميري وبطانته والتي تعرف في الادب السياسي السوداني بقوانين سبتمبر؟ وهل الشريعة المعصومة هي قوانين القمع والبطش التي مارسها مرتزقة النظام المايوي، والتي دفع محمود حياته ثمناً لوقوفه ضدها ببسالة ورباطة جأش؟ ألا يدري الدكتور المعجزة ان إعدام محمود كان الشرارة التي فجرت الانتفاضة الشعبية المدوية واطاحت بنظام مايو؟ او لا يدري الدكتور المعجزة أن محمود الذي يسميه المضل هو الذي احتفى اساتذة جامعة الخرطوم عام 1986 في دارهم بمناسبة مرور عام على إعدامه. كان ذلك على ايام الجامعة الزاهيات عندما كانت الجامعة تهز وترز قبل ان تتحول الي مستنقع لحزب سياسي. وليرحمنا الدكتور المعجزة وليرحم نفسه، فالتاريخ لا يكتب بمزاج الافراد وإنما بالافعال. ولو سمح لي الدكتور المعجزة فأنا أشير عليه بالرجوع الى كتاب المستشار محمد سعيد العشماوي: أصول الشريعة الاسلامية الذي صدر عام 1968، وصدرت طبعته الثانية عام 1992 فلعله واجد فيه ما يعيده الى رشده. أم لعله هو ذيل آخر؟
وماذا يقول الدكتور المعجزة في حكم المحكمة العليا التي اعلنت بطلان الحكم الصادر ضد محمود لأنه تجاوز كل قيم العدالة سواء ما كان موروثاً او متعارفاً . والمعروف ان المحكمة التي حكمت على محمود بالاعدام لم تستغرق جلساتها سوى بضعة ايام، بينما ظلت محكمة الاستئناف تتداول لعدة أشهر، فالقضاء العادل يحتاج الى وقت قبل أن يصدر احكامه، خصوصاً اذا كان الحكم يتعلق بحياة إنسان. والأمر شبه المتفق عليه ان تلك المحكمة كانت مهزلة في تاريخ القضاء السوداني بتقاليده العريقة. وقد نشرت مقالاً بجريدة الميدان بتاريخ 5/12/1986 بعنوانمغزى قرار المحكمة العليا ببطلان الحكم الصادر بإعدام محمود محمد طه) ولعله كان وقتها في تابعية لأحد المال في بلاد البترول. ولأن لغتي ركيكة فلا أنصح الدكتورا المعجزة بقراءته.

وعندما بدأت اتصفح الرسائل الجامعية للدكتور المعجزة استوقفتني عدة أمور. فرسالة الماجستير من كلية الدراسات العليا قسم الدراسات الاسلامية والدكتوراه من كلية الآداب قسم الدراسات الاسلامية. ثم استوقفني ان الباحث المعجزة لا يعرف الفرق بين التقديم والمقدمة، وهما مختلفان. وقد شرحت الفرق بتوسع في كتابي الدليل لكتابة الأبحاث الجامعية: فأ رجو أن يغفر لي الدكتور المعجزة لغتي السمجة وعباراتي الرثة ومفرداتي المخنثة ويرجع لهذا الكتاب حتى يتجنب مثل هذه السقطة التي لا تليق بشخص معجزة.

وتنقسم رسالة الماجستير الي مبحث وباب وفصل. ووجدت صعوبة في فهم مبحث هذا ولعله اسم جديد لم ندرك كنهه بعد. وعندما جاء الى رسالة الدكتوراه تخلى عن مبحث وقسم الرسالة الى ابواب وفصول.

ووجدت ان كل الهوامش بلا استثناء في الرسالتين مكتوبة بطريقة خطأ. وأحب ان اؤكد للدكتور المعجزة أن هوامش البحث لها طريقة واحدة متفق عليها من دول الاستكبار الى الدمام. وحتى اذا كان الدكتور المعجزة له طريقة فريدة خارج الاجماع الاكاديمي. فعليه أن يكون متسقاً CONSISTENT، ولا يكتب الهوامش في كل مرة بطريقة تختلف عن سابقتها. وأضاف في أغلب هوامش رسالة الدكتوراه كلمة (أنظر) وسألت نفسي ماذا ننظر اذا كنا نحن نقرأ في الهوامش؟ وربما يرى الدكتور المعجزة أن كتابة الهوامش بطريقة متسقة امر تافه لا يحفل به امام القضايا الكبرى التي يعاجلها. و أنا اسأل في حيرة: كيف اجاز المشرف هذه الرسالة وكيف اجازها الممتحن الخارجي دون تعديلها؟ ام لعل الرسائل الجامعية في جامعة الخرطوم مثل التعيينات الاكاديمية اصبحت مؤخراً تخضع للانتماء السياسي وليس الانتماء الاكاديمي؟ إنها كارثة بحق أن تتحول مؤسسة قومية اكاديمية الى حظيرة خلفية لتنظيم سياسي فيدمرها تدميراً يكاد يكون اسطورياً.

ووجدت كل المراجع في الرسالتين مكتوبة بطريقة غير الطريقة التي تعلمناها منذ أن بدأنا دراسة مناهج البحث في دول الاستكبار والاستعمار عام 1962. ما الذي أصاب جامعة الخرطوم خلال سنوات التيه العجاف منذ عام 1989، حتى اختل منهج البحث بهذه الطريقة؟

ويكتب الدكتور المعجزة محتويات البحث في نهاية الرسائل، وليس في البداية، لماذا، الله أعلم؟ ويستعمل في الرسالتين عنوانين مختلفين في مرة يكتب فهرسة الموضوعات، وفي المرة الثانية فهرست. وفي رسالة الماجستير يعطي عنواناً هو (خاتمة القول) وهو عنوان لا يخلو من غرابة ولكن عندما يأتي للمحتويات يكتب فقط (خاتمة القول) وهو عنوان لا يخلو من غرابة ، ولكن عندما يأتي للمحتويات يكتب فقط (خاتمة) فما الذي حدث حتى اختفت كلمة (القول؟) وربنما لا يهتم الباحث بسفاسف الأمور هذه لأنه يعالج قضايا كبيرة.

ومن المتعارف عليه أن يكتب للرسالة الجامعية خلاصة باللغة الانجليزية ABSTRCT ولكن الدكتور المعجزة لا يكتب هذه الخلاصة. ولعله لا يريد أن يدنس طهارة رسالته بلغة الاستعمار والاستكبار.

واذا انتقلنا لمادة البحث فهذا امر لا علم لي به، وسوف اسعى لدراستها والكتابة عنها مستقبلاً.ولكن الذي استوقفني ان الباحث يخلط بين امرين وهما سبب البلاء في المجتمع الاسلامي. فهو يقول إن كلام الله وما استنبطه الناس من كلام الله شئ واحد مقدس. إن كلام الله الذي انزله في القرآن على لسان نبيه كلام مقدس، ولكننا لا نضفي تلك القداسة على اجتهدات البشر. فاجتهادات البشر تتغير بتغير العصور واختلاف درجات الوعي، وإلا تجمدت المعرفة البشرية في القرون الاولى. أما كلام الله فهو باقٍ لا يتغير بتغير الظروف، هذا المرتكز الذي تقوم عليه دراسة الدكتور المعجزة مرتكز واهٍ. لذلك كانت الدراسة اجتراراً للدراسات السابقة التي هى اجترار للدراسات التي سبقتها. فأين البحث العلمي؟ ويطلق احكاماً لا ادري من اعطاه حق اطلاقها فيقول في مقالاته بجريد الصحافة إن الحجاب عبادة. وهو بهذا القول يريد ان يضفي على استنتاجه قداسة. يقول الاستاذ العقاد الذي اتمنى ألا يكون من أبواق الفرنجة وأذيال الغزاة. إن القرآن ارتفع بالدين من عقائد الكهنة والوساطة والمحاربين الى عقائد الرشد والهداية. ( الانسان والقرآن ص10)
واذا كان هذا ما يكتبه الدكتور المعجزة ، فماذا ياترى يقول لطلابه في المحاضرات؟ انه أمر يقلقني أيما قلق من هو المشرف الذي اجاز الرسالتين وقدمهما للمناقشة؟ اشرف على الرسالتين الاستاذ حافظ الشيخ الزاكي. وأ مر هذا الاستاذ مع جامعة الخرطوم مثير للعجب. فبعد ان تخرج من جامعة الخرطوم عمل بالمحاماة والسياسة، وله انجازه ونشاطه المقدر في هذين المجالين، ولكنه لم يمارس اي نشاط اكاديمي سواء أكان نظرياً او عملياً، إلا حصوله على درجة الماجستير. وفي بداية حكم الجبهة عام 1989 استدعى من منزله وعين عميداً لكلية القانون امام دهشة الوسط الجامعي. ولقى تعيينه معارضة قوية، ولكن السلطة القابضة على زمام الأمور ومدير الجامعة فرضوه فرضاً، وعندما لقيت المدير الذي فرض ذلك التعيين بعد تركه منصبه قال لي بالحرف إن ذلك التعيين كان غلطة، فقلت له لم يكن غلطة وإنما كان كارثة لأنه دمر الاساس الذي يقوم عليه الانضباط الاكاديمي. ثم استدعى الاستاذ حافظ مرة اخرى من منزله ومنح لقب زميل بمخصصات البروفيسور المالية. ولكنه يستعمل لقب الاستاذ ولم يمر الاستاذ حافظ بمعاناة التحضير للدكتوراه ولا بمشقة البحث الاكاديمي. إن اللقب لا يمنح للشخص لدماثة خلقه وحسن معشره، ثم اصبح الاستاذ الزاكي يشرف على رسائل الدكتوراة والماجستير. فما هى النتيجة؟ النتيجة هى هذه الرسائل التي تفتقد اغلب مقومات البحث الاكاديمي. فتحولت الجامعة من مؤسسة قومية اكاديمية الى حظيرة خلفية لحزب سياسي، حيث يتم التعيين والترقيات فيها بالولاء الحزبي. ولنا عودة لهذا الأمر.

[email protected]
//////////////////

 

Welcome

Install
×