محامون: القضاء السوداني مسيس ، و الدعم السريع لا يمكن أن يؤسس جهازًا قضائيًا مستقلاً
أمستردام: السبت 20 أبريل 2024: راديو دبنقا
قطع محامون وخبراء قانونيون بعدم وجود قضاء مستقل في السودان في ظل الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ عام، مشيرين إلى أن أزمة القضاء السوداني موروثة، واعتبروا أن قرارات المؤسسات العدلية الواقعة في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش تتأثر بالسلطات هناك، ورأوا استحالة قدرة قوات الدعم السريع على إنشاء مؤسسات عدلية مستقلة.
عوامل:
وقال رئيس هيئة محامي دارفور صالح محمود المحامي، الذي استضافه برنامج “في الميزان” الذي يبثه “راديو دبنقا”، أن النظام القضائي تأثر بانهيار الدولة الذي نراه اليوم.
وحدّد عدة عوامل وأسباب أثرت في أداء الجهاز القضائي في السودان، أبرزها فصل وتشريد القضاة المؤهلين والمشهود لهم بالكفاءة بدعاوى الصالح العام، وتسييس النظام القضائي بعملية الإحلال والإبدال، بتمكين الموالين لنظام المؤتمر الوطني والجماعات الإسلامية.
وشدّد على أن حديثه عن ضعف المؤسسات العدلية لم يأت من فراغ، وإنما جاء نتيجة لما حدث من انتهاكات وماوصفه بجرائم فظيعة في مناطق الحروب خاصة في دارفور. وقال إنَّ النظام القضائي بمافيه النيابات لم تحرك ساكنًا في تطبيق العدالة وإنصاف الضحايا في دارفور، ما يجعله في أسوأ حالاته.
وأشار إلى استمرار سريان العمل بقانون الطوارئ في دارفور لمدة 30 عامًا من حكم الرئيس المخلوع وإلى الآن، مما شكل واحدة من العوامل المهمة في مسيرة العدالة في السودان.
ولفت إلى استمرار العمل بقوانين سبتمبر 1983 التي قال أنها موروثة منذ نظام الرئيس السابق جعفر نميري مرورًا بالبشير وما زالت سارية المفعول حتى الآن، مشيرًا إلى أنها تتعارض مع المعايير الدولية.
التنكيل بالخصوم:
اعتبر الخبير القانوني صالح محمود ما يتردد عن انهيار في النظام القضائي بأنه حديث صحيح جزئيًا، وقال هنالك محاكم تعمل في شرق السودان والشمالية ،لكنه أيضًا أشار إلى أنها تعمل كأداة من أدوات التنكيل بالخصوم السياسيين، وأعضاء منظمات المجتمع المدني وأعضاء لجان المقاومة والطوارئ، وأضاف أن هؤلاء يتم وصمهم بأنهم خونة ومعارضين للنظام الحالي .
وقال وفقًا لتلك الحيثيات يستخدم الجهاز القضائي، في تلك المناطق، في تلفيق التهم والاعتقالات التعسفية وما وصفه بالمحاكمات الجزافية. مشيرًا إلى أنها لاتمت للمعايير الدولية بصلة، ونوه إلى أن فرص الدفاع المتاحة للمتهمين معدومة .
ويواصل الخبير القانوني صالح محمود حديثه لـ”راديو دبنقا” بقوله: على الرغم من أن القانون الدولي يلزم طرفي الحرب، في مناطق سيطرتهما، بتوفير العدالة وإنشاء محاكم بالمعايير الدولية كالتزام لسلطات الأمر الواقع، ولكن هذا لم يحدث.
وقال إن الدعم السريع إذا جلبوا قضاة سيأتوا بقضاة موالين لهم.مؤكدًا على أنهم سيستخدموا الأجهزة العدلية في مواجهة الخصوم. وأضاف “المواطن السوداني أصبح بين المطرقة والسندان”.
محاكم أهلية:
وضع الخبير القانوني صالح محمود “وصفة” لعلاج الأزمة لهذه الأزمة في خطوتين، واعتبر أن الخطوة الأولى تتمثل في أن يوثق مدافعو حقوق الإنسان لهذه الجرائم مشددًا على أن ذلك أمر ملح وضروري الآن، وقال أن الهدف من ذلك يتمثل في الاستعداد لاحتمال أن تتاح لهم فرصة في المستقبل لإنشاء محاكم محايدة ومستقلة ويتم تغيير القوانين الحالية.
وأوضح أن ماسماها بحكومة الأمر الواقع عليها التزامات بموجب القانون الدولي منها أن تحافظ على حياة الناس، وتمنع وقوع الجرائم على الأفراد والممتلكات، وتقتص للضحايا عن طريق المحاكم، في القضايا الجنائية والمدنية، بشرط أن تستخدم القوانين المتسقة مع المعايير الدولية.ورأى أنها إذا عجزت أو تجاهلت هذا الأمر فإنه يحب مساءلتها .
وخلص محمود لدعوة المواطنين، حال تقاعست “سلطات الأمر الواقع”، باللجوء للمحاكم الأهلية والعرفية، والتي قال بأنها كانت في يوم من الأيام ذات فاعلية ونصح بتشكيلها عبر اللجان والإدارات الأهلية ذات القدرة والحياد.
وأعاد التذكير بأن هذه المجتمعات كانت في يوم من الأيام تعتمد في كثير من الأحيان على المحاكم الأهلية في غياب المحاكم الحديثة، وقال إنَّ أغلب المناطق في السودان لم تعرف المحاكم الحديثة إلا في فترة متأخرة من تاريخ السودان الحديث، مع ذلك كانت هنالك محاكم ذات فاعلية وهي محاكم الإدارات الأهلية والمشايخ، لكنه رهن قيامها بتوفر الظروف الملائمة لكي يكونوا محايدين وينالوا ثقة المواطنين وأضاف” أعتقد يمكن أن يكون هذا بديل للنظام القضائي الحالي”.
سلطة مجزأة:
وفي ذات السياق قال المحامي علي عجب في حديثه لـ”راديو دبنقا”، لحلقة من برنامج “في الميزان” إن الجهاز القضائي في دارفور، وفي وسط السودان، في مدني بولاية الجزيرة وولاية الخرطوم لايعمل، وهذه مناطق خاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع، فأصبحت المناطق الأخرى فنيًا تقع تحت سيطرة الجيش.
وأضاف”وهذا يخلق أوضاع غير واضحة”، مشيرًا إلى أن السلطة القضائية مجزأة ومتنازع عليها بين مناطق سيطرتين عسكريتين مختلفتين ووضع الحرب ووضع السيطرة العسكرية عموماً يجعل أي نظام قضائي غير مستقل.
وأشار إلى أن الدليل على ذلك أن أي جهاز قضائي الآن يقع في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش السوداني أو قوات الدعم السريع، يعمل بأمر السلطة العسكرية التي يوجد الجهاز القضائي في مناطقها. وأكد أن كثير من الأحكام تصدر من الجهاز القضائي المركزي في مناطق سيطرة الجيش توجه فيها الاتهامات لأفراد قوات الدعم السريع. وقال عجب أن العكس كذلك أيضا فقد شهدنا أيضًا بعض المحاولات من الدعم السريع لإقامة جهاز قضائي خاص به، أو يعمل على تشغيل الجهاز القضائي الموجود أصلاً في مناطق سيطرته، ونوه إلى أنه يريد جهاز قضائي لصالحه.
فوضى:
واعتبر أن هذا الوضع هو جزء من أوضاع الحرب، ووصف ما يحدث في السودان بأنه ” فوضى” ، بغياب كامل للدولة في كل مؤسساتها، تنفيذية، سياسية، خدمة مدنية وغياب الشرطة نفسها، وقال بالتالي من غير المتوقع أن يكون هنالك جهاز قضائي فعَّال ويعمل بنزاهة.
وقال المحامي علي عجب لـ”راديو دبنقا”: إذا سألت أي قاضي يعمل في أي منطقة خاضعة تحت سيطرة الجيش أو الدعم السريع، سيرد عليك بأنه لايمكننا العمل باستقلالية في مثل هذه الظروف، وحولهم عساكر يحملون السلاح واللغة المستخدمة كلها لغة عسكرية ولغة حرب وتابع “فبالتالي لا يوجد استقلال للجهاز القضائي”.
وشدّد على أن خطورة هذا الوضع على المواطنين تتمثل في أنه سيؤدي لتوجيه اتهامات جزافية من كلا الطرفين إلى المواطنين، وسيكونون عرضة لتقديمهم أمام أجهزة نيابة وأجهزة قضائية وسلطة تعمل في ظروف غير مستقلة.
أيهما أفضل
ونوه علي عجب المحامي إلى أن هذا الأمر يضيف عبئاً جديداً بطرح سؤال مفاده هل الأفضل توقف الجهاز القضائي عن العمل أم استمراره في ظل الظروف الحالية ، لكنه رأى بأن وجوده مثل عدمه، وقال هذا وضع لا يمكن السيطرة عليه، لأن القوة العسكرية الموجودة في كل منطقة هي التي تسيطر على الأوضاع.
وقال إن المدنيين سيعانون لأن كل من القوات المسلحة، الدعم السريع، المليشيات والاستخبارات، كل طرف يمارس أشكالاً من القبض والقمع حتى من غير محاكمات، والمواطنون يمكن أن يكون حظهم أفضل إذا تعرضوا لمظالم عن طريق الجهاز القضائي لأنها ستكون أحكام غير مستقلة. لكن في حال “عدم وجود محاكم” يمكن أن يتعرضوا لمحاكمات عسكرية واحتجاز غير مشروع، وكل هذا متوقع في ظل ظروف انعدام الدولة.
ورأى من غير المتوقع أن يكون هنالك جهاز قضائي مستقل يعمل في منطقة حرب أو منطقة تسيطر عليها هيئة عسكرية في حالة حرب، وقال بالتالي المؤسسات المكملة للدولة غير موجودة والمؤسسات المسيّرة لعمل الجهاز القضائي نفسها غير مستقلة وغير موجودة. وأضاف “من غير المتصور أن يكون في شكل من أشكال العدالة”.
وقف الحرب:
ورأى علي عجب المحامي، أن الجهاز القضائي في الظروف الراهنة سيرتكب المزيد من المظالم، وسيكون إضافة إلى آثار الحرب وما تفرزه من معاناة على المواطنين والنازحين والمشردين في مناطق سكنهم والذين فقدوا مصادر دخلهم وممتلكاتهم. وعبر عن أمله في أن تتوقف الحرب، معتبرًا أن ذلك هو السبيل الوحيد للنظر في إمكانية بناء مؤسسات الدولة من جديد لكن الحديث عن مؤسسات الدولة في ظل هذه الحرب يصبح تحصيل حاصل، على تعبيره.
عدالة ناجزة:
من جهته اعتبر المحامي محمد المصطفى سعد في حديث ل”راديو دبنقا” أن المحاكمات التي تنعقد في المناطق الواقعة تحت سيطرة الجيش السوداني، فيها تجاوز كبير في حق المتهمين، والمنصوص عليه في كل الاتفاقيات والدساتير باعتباره حق من حقوق الإنسان التي لا يمكن إسقاطه تحت كل الظروف.
واعتبر أن بعض القضايا يتم الفصل فيها بشكل إيجازي، وهي إلى حد كبير تشبه فكرة محاكم العدالة الناجزة التي تمت في فترة الرئيس السابق جعفر نميري بقوانين سبتمبر 1983.
وأشار إلى أن كلا الطرفين، الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، أخرجوا عدداً من المحكومين من السجون، واستعانوا بهم في القتال إلى جانب كل طرف منهما، وهذا الأمر يجعل أي من الطرفين يسيطر على المؤسسات العدلية في المناطق الواقعة تحت سيطرته، ويوجهها وفق الشكل السياسي الذي يرغب فيه.
وقال إنّ قوات الدعم السريع يمكن أن تقدم على خطوة أن تؤسس محاكم في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، وتبدأ في أن تجري محاكمات سياسية حتى في حق الأشخاص المؤيدين للقوات المسلحة، مشيرًا إلى أنه حالياً هنالك انهيار شبه كامل للمؤسسة القضائية في السودان لأنها تعمل في مناطق معينة، وهذا الأمر يجعل الإجراءات المتعلقة بدرجات الاستئناف والتقاضي الأخرى، أن لا تمضي بالطريقة المعروفة.