مؤتمر القاهرة.. علاقات عامة أم اصطفاف جديد!
اديس ابابا: 8يوليو2024: راديودبنقا
تقرير: أشرف عبد العزيز
في تصعيد لافت للأحداث التي تتوالى عاصفة في مضمار الشأن السوداني والأزمات الماثلة التي تحدق بالبلاد جراء الحرب الدائرة منذ الخامس عشر من أبريل 2023، شهدت الساحة تحركات محمومة لطي الصراع وصولاً لإيقاف الحرب، ومن أكثر التطورات لإيقاف حرب السودان التحول في الموقف المصري، إذ نجحت قاهرة المعز في جمع القوى المدنية السودانية في قاعة واحدة تحت شعار (معاً لوقف الحرب) لم يكن التحضير لهذا اللقاء مفروشاً بالورود والرياحين بل كانت محاطاً بالأشواك، وكذلك جاء المخاض عسيراً إذ وقّع على البيان الختامي غالب القوى السياسية المشاركة عدا (مالك عقار – جبريل – مناوي) ليبقى السؤال هل يمثل هذا المؤتمر اصطفافا جديداً أم يصبح مجرد لقاء علاقات عامة تتناوله الألسن وتنساه العقول في ظل مجريات الحرب المتسارعة وموجة الاستقطاب التي تعتريها في كل مرحلة؟
الخلافات نقطة البداية والنهاية
من الواضح أن مؤتمر القاهرة للقوى السياسية السودانية الذي اختتم أعماله أول أمس لم يكن المشاركون فيه على قلب رجل واحد فكل له رؤاه وأفكاره حول كيفية حل الأزمة السودانية الحالية، فتنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) تتبنى وقف الحرب، أما الكتلة الديمقراطية فهي تقف في خط إسناد الجيش، وتشاركها القوى المتحالفة معها ذلك (مبارك الفاضل- التيجاني السيسي).
وكشف مصدر لـ(راديو دبنقا) عن أن الخلافات وجدت ضالتها منذ الاجتماع التحضيري الذي سبق المؤتمر بيوم حيث طالب (عقار- جبريل- مناوي) بمخاطبة الجلسة الافتتاحية فيما رأى قيادات (تقدم) أن تكون هناك كلمة واحدة للقوى المدنية يتلوها دكتور الشفيع خضر.
غضب جبريل ومناوي من المقترح وهددا بمقاطعة الجلسة الافتتاحية وعدم الجلوس مع (تقدم) وبعد تدخلات من الوساطة المصرية تم اقناعهما بالحضور، ليتجدد الاشتطاط مرة أخرى عندما ثار مناوي، واعتبر أن الجهة المنظمة لم تراع (المقامات) في الجلوس ويبدو أنه نسي أن تمثيله في المؤتمر ليس باعتباره حاكماً لإقليم دارفور وإنما رئيساً لحركة تحرير السودان ..ظل مناوي فائراً ووصل به الأمر إلى أن قال: إنه لن يجلس مع الطاهر حجر والهادي إدريس لأنهم قتلوا أخوه في معارك الفاشر.
توتر جديد ولجنة الوساطة
بعد انتهاء الجلسة الافتتاحية شرعت الوساطة المصرية في تقسيم المشاركين إلى لجان لمناقشة ثلاثة قضايا هي القضية السياسية، وقف الحرب، القضية الإنسانية، وبالفعل بدأ الجميع في الانخراط في اللجان بما فيهم حلفاء الكتلة الديمقراطية مبارك الفاضل، التيجاني سيسي وآخرين.
في تلك اللحظة فوجئ الجميع برأي مغاير للقياديين بحركة العدل والمساواة وتحرير السودان، عبد العزيز عشر، نور الدائم طه، حيث ورفضا الجلوس مع (تقدم) في طاولة واحدة.
تدخلت لجنة للتسيير ضمت كل من (السفير نور الدين ساتي، د. الشفيع خضر، د. الواثق كمير، د. مضوي إبراهيم، المحبوب عبدالسلام، نفيسة حجر، عالم عباس وأقنعت اللجنة مجموعة الكتلة الديمقراطية بأن تناقش كل مجموعة القضايا الثلاث ومن ثم يتم التوقيع على بيان ختامي مشترك، وما أن حانت ساعة الختام وبدأت الوساطة المصرية في الترتيبات خاصة بعد موافقة (تقدم) على التوقيع على البيان الختامي ورفض برفض جبريل، مناوي وعقار على التوقيع ولكنها لم تتوقف وبالفعل جرت مراسم التوقيع على البيان الختامي ولم يتحفظ غير الثلاثة الذين غابوا في اليوم التالي عن اللقاء الذي جمع المشاركين في المؤتمر بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
وقال مصدر موثوق أن مبارك الفاضل رئيس حزب الأمة ابدى تحسره لهذه الخطوة واعتبر عقار، مناوي وجبريل قد خسروا آخر حلفائهم.
الأضخم من نوعه
عضو قيادة (تقدم) والأمين السياسي لحزب المؤتمر السوداني شريف محمد عثمان بدأ حديثه لـ(راديو دبنقا) بشكر جمهورية مصر العربية لاستضافتها للقوى السياسية والمدنية في السودان وتقديم دعوات لأطراف عديدة تحت شعار (وقف الحرب في السودان).
وقال عثمان “أعتقد أن هذا الاجتماع طرحت فيه قضايا أساسية متعلقة بقضية وقف الحرب ومواضيع أخرى متعلقة بالقضايا الإنسانية، وأيضاً ناقش الاجتماع القضايا السياسية”.
وأضاف شهد الاجتماع مشاركة واسعة من عدد من البعثات الدبلوماسية والمنظمات الإقليمية والدولية أيضاً كانت حضوراً، ويعتبر هذا الاجتماع هو الأضخم منذ انطلاق حرب الخامس عشر من أبريل بجمعه أكبر عدد من القوى السياسية السودانية في منبر واحد.
وأردف بالتأكيد يعتبر هذا المنبر خطوة أولى ومهمة في سبيل تحقيق الغايات الثلاثة التي انعقد من أجلها المؤتمر، وسيشكل اختراقا جديداً في المشهد السياسي السوداني، فالبيان الختامي الذي صدر في نهاية الاجتماع، على الرغم من رفض بعض الأطراف التوقيع عليه بعد مشاركتها في صياغته ممثلة في د. محمد زكريا الذي كان موجوداً ضمن أعضاء اللجنة السداسية التي تشكلت بواقع ثلاثة من كل جانب.. إلا أن البيان في مجمله يوضح أن هنالك إرادة من عدد من القوى السياسية لوقف هذه الحرب.. لهذا اعتقد أن هذا الاجتماع مهماً، وسيكون له ما بعده وسيكون له أيضاً انعكاسات إيجابية على المشهد السياسي.. ويجب أن تعمل القوى السياسية والديمقراطية السودانية التي لها مصلحة في إيقاف هذه الحرب، وفي معالجة القضايا الإنسانية وفي وضع إطار سياسي يعالج الأزمة السياسية في السودان ومسببات الحروب، وأن تعمل مع كل الشركاء الإقليميين والدوليين للبناء على مخرجات هذا المؤتمر.
الدور المصري
ورأى شريف أن الدور المصري سابق لهذا المؤتمر، فمصر لعبت دوراً فاعلاً في مباحثات المنامة مع آخرين من دول الإقليم ما مهد لانعقاد جلسة المباحثات بين قائد ثاني الدعم السريع عبد الرحيم دقلو ونائب القائد العام للجيش السوداني شمس الدين كباشي، والتي كادت أن تخرج بتوقيع إعلان مبادئ ووقف عدائيات ما بين الجانبين، لولا تدخل جهات معلومة للجميع تمثلت في عدد من عناصر النظام البائد منعت إكمال هذا التوقيع، (هي التي أعلنت عن الاجتماع رغم سريته)، وهي التي حشدت طاقات هائلة لترفض هذا الاتفاق الذي كان يمكن أن يسهم في إيقاف هذه الحرب.
وقال شريف “اجتماع القاهرة يعتبر الخطوة الثانية ضمن الجهود المصرية التي تبذلها الحكومة المصرية للمساهمة في إيقاف هذه الحرب، كما استمعنا للكلمات التي قالها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حول جهود مصر لإيقاف هذه الحرب.. وأيضاً حديث وزير الخارجية المصري الذي قال: الآن يجب وقف إطلاق النار.. أعتقد أن كل هذه الجهود سيكون لها تأثير كبير على المشهد السياسي السوداني.”
وأضاف نحن نعلم علاقات مصر مع القوات المسلحة التي ظلت تتردد لأوقات طويلة حول قرار العودة لمنبر جدة التفاوضي، وتتردد في العمل على إنهاء هذه الحرب.. اعتقد أنه إذا حشدت القوى الإقليمية والدولية طاقاتها في سبيل حث الطرفين للعودة لطاولة التفاوض والعمل على إيجاد آليات لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في أوقات سابقة ابتداءً من اعلان 11 مايو وما تلاه من إعلانات في منبر جدة لم يتم الالتزام بها.. ومن ثم إطلاق عملية سياسية واسعة بمشاركة عدد من الفاعلين السودانيين تسهم بشكل مباشر في رسم خارطة للمستقبل تعالج جذور الأزمة في السودان وتنهي قضية تعدد الجيوش والعمل على بناء جيش وطني ومهني واحد، ومعالجة قضايا دستورية ظلت تمثل عقبات وتحديات تواجه السودان على مدى عقود.
ليس اصطفافاً جديداً
القيادي محمد عادل القيادي بحزب الأمة الذي يتزعمه مبارك الفاضل لـ(راديو دبنقا) ” إن مؤتمر القاهرة ليس اصطفافاً جديداً، بل هو مؤتمر لجمع الفرقاء السودانيين، لعصف ذهني حول ثلاثة قضايا، قضية وقف إطلاق النار، قضية توصيل المساعدات الإنسانية، وقضية الرؤى السياسية والعودة للمسار السياسي المدني”.
وأضاف نجح المؤتمر في فصل المسار السياسي عن المسار العسكري، ونجح بالزام طرفي الحرب بتشكيل آليات لتنفيذ مخرجات جدة التي تنص على خروج الدعم السريع من منازل المواطنين والأعيان المدنية والمرافق الحكومية والمستشفيات.
وأردف قائلا إن المؤتمر سيكون له ما بعده من آثار، وسيمكن الفرقاء السودانيين من الضغط على الأطراف العسكرية للاتجاه إلى الحل، ووقف معاناة شعبنا والدفع في اتجاه انهاء هذا الصراع حتى يعود المواطنين إلى ديارهم وبدء عملية البناء.
وأضاف المؤتمر نجح فيما يخص الاتجاه الإنساني بحث المانحين بالإيفاء بالتزاماتهم التي وعدوا بها والتي تقدر بأكثر من 2 مليون دولار، وأيضاً ناشد طرفي الصراع بفتح ممرات آمنة، وفي الجانب السياسي أتاح للفرقاء السودانيين للتحاور لتأسيس دولة سودانية تقوم على الحرية والعدالة والمدنية والديمقراطية والفدرالية.