اكاد اجزم ان مصر الديمقراطية ادعي للاستقرار والسلام والتعاون الإقليمي والدولي
بقلم: دكتور الوليد ادم مادبو
اكاد اجزم ان مصر الديمقراطية ادعي للاستقرار والسلام والتعاون الإقليمي والدولي. السؤال:هل مصر الديمقراطية بالضرورة هي مصر الإخوانية؟ وهل مصر الاخوانية هي بالضرورة مصر الارهابية (فالحوادث الاخيرة تشير الي ان الاخوان معتدي عليهم وليسو معتدين؛ هذا بالطبع اذا اعلنوا براءتهم مما يحدث في سينا) ؟ واذا كان الامر كذلك، فهل هناك وسيلة ادعي من الحرية لدرء التطرف والاستبداد؟ هل هناك افضل من التجربة العملية اسلوبا للتخلص من الايدلوجيا والاوهام؟ صحيح ان العسكر اختطفوا مصر لفترة طويلة، لكنهم هذه المرة سعوا لاقتلاعها من مرتكزاتها الروحية والفكرية، بيد ان هذا الأمر لن يطول وستجد القوي الليبرالية أنها أولي ضحايا الاستبداد وان عدم تمسكها بالديمقراطية كان بمثابة خيانة للضمير الوطني ونكوصا عن خانة الاعتدال وازورارا عن الطريق المؤدية حتما نحو التقدم والازدهار. ليس من العدل مطلقا ولا من الحكمة بدءا أن نقتبس من التجربة السودانية مثالا نحكم به علي كافة الدول العربية التي انتخبت المجموعات الاسلاموية؛ سيما أن هذا الخضم المرعب قد دفع بالتجربة الي حدودها اللاإنسانية التي جعلت الكل يتوجس من مجرد الالتفات نحوها ناهيك من ان يحذو حذوها.
يخطئ ديكتاتور مصر الصغير ان ظن ان الشعب قد فوضه لقتل بنيه؛ إن الشعب الذي ضحي بالحرية في سبيل الامن والاستقرار يجد نفسه اليوم منزلقا نحو التصفية الجسدية، المواجهات الميدانية والإدانات الدولية. الامر الذي يزيد من حدة الاستقطاب ويعيق من امكانية التخطيط المنبثق من رؤية اخلاقية تري الكل متساويا في حق المواطنة. تظل التنمية والعدالة الاجتماعية هما العنصران الغائبان اللازم ادراجهم في ألمعادلة الحكمية المنوط بها مواجهة التحديات عقلانيا (بعيدا عن اليوتوبيا) وواقعيا (أي دون الإهمال للواقع الإقليمي والدولي المعقد). في هذا يستوي الكل، علماني وغير علماني، من حيث التأرجح والميلان في ميزان الطغيان الفكري والافلاس المادي.
لا يحتاج الكاتب الي إدراج كثير أمثلة عن اضرار مصر الديكتاتورية علي العالم العربي علي المستويين السياسي والعسكري بيد أنه أصبح من الضروري تبيان آفة هذه الدولة (التي باتت منذ وقت غير قريب تدار بخلايا امنية ليس حتي جهاز امني متكامل ومحترف مهنيا)، وضررها علي أمن واستقرار الشعوب المجاورة خاصة السودان، كل ذلك بسبب الاستعلاء العرقي، النظرة التجزيئية وغياب البعد الاستراتيجي من أذهان الجنرالات؛ فقط التعويل علي عنصر الخوف عند الحاكم (من الربيع العربي) والمحكوم (من المجهول)، اعتماد التملقوالالتجاء الي التآمر.
اولا، لا أستطيع المغامرة بالقول أن "الديمقراطيين"في عالمنا سيكونون أكثر تبصرا بالواقع لكنهم سيكونون حتما أقل اعتدادابالإثم وأكثر انفتاحا علي الآخر؛ فهذا التقوقع الوجداني -في شمال الوادي وجنوبه- له خلفية تاريخية:(الخديوية والمهدية)، كما أن التمترس الفكري له خلفية مدرسية (القومية العربية والفكر الاخواني). لا العسكريين استطاعوا ان يغالبوا نزعاتهم الايدولوجية ولا الديمقراطيين استطاعوا ان ينزلوا بالممارسة الي المستوي الجماهيري. ولذا فان التفاوض علي المناهج التعليمية والتربوية (ليس الإملاء كما حدث علي أيام محي الدين صابر – الاغلب ظنا أنه كان مأخوذا وليس متآمرا كما يدعي البعض)ضروري كي تحدث الاستنارة الجماهيرية ليس فقط النخبوية. حتي يحدث ذلك لا يساورني شكا بان الأنظمة المصرية ذات الصبغة الامنية ستحبط أي محاولة سودانية (أو خليجية) للتموضع الاستراتيجي (وهذا ما سيدركه بعض القادة الخليجين الذين اندفعوا في دعم الديكتاتور الصغير دون روية او اولئك الذين اتخذوا خانة بين الخانتين)، التخطيط التنموي، والنهضة الأممية. وكل ما يحدث بين الرؤساء المصريين، خاصة العسكريين، وأولئك السودانيين هي مسائل بروتكوليه زخرفية الغرض منها استتباع الأخير للأول. لك ان تسترجع تجربة الحكم المايوي، المعارضة التي اعقبت نظام الانقاذ، وما امر التنصيب منا ببعيد.
ثانيا،إن العسكر رغم التفاوت الكبير في دوافعهم وملكاتهم يتوقون الي رؤية الميري(الزي العسكري) ويتصورون نظاما انضباطيا ينافي الطبيعة التشاكلية لدينامية الشعوب. فحكومة السودان "الاسلامية" لم تستنكف حكم الاعدام والاعمال الشاقة الذي اصدرته حكومة مصر "العلمانية" علي استاذ جامعي، جل ما اجترح من جرم انه مارس حقه الديمقراطي في الترشح والانتخاب، كأنما البلاد اصبحت حكرا لهم.لأنهم هم انفسهم قتلوا زملائهم في الشهر الحرام بحجة انهم علمانيين. إن ما نراه اليوم هو تحالف المستبدين مع شاكلتهم، حتما ليس تحالف الوادعين ضد الارهابيين.
ثالثا، ان النموذج الكولونيالي/الاستعماري الذي يتوخى في الدولة ادارة الاقتصاد، تبني نظام الحزب الواحد لتحقيق الانضباط السياسي، وتحقيق الانصهار/الاندماج الاثني قد فشل بسبب العولمة، الانسنة، الأحادية القطبية، الإعلام الكوكبي، الي اخره من الأسباب التي جعلت الاخير عالة علي الإرث الوطنيكما جعلت معتنقيه من العسكر عالة علي مؤسستهم وعلي مجتمعهم. وكلما أحسوا تغير وتبدل المعطيات كلما أمعنوا في التشبث ممسكين هذه المرة — وقد خانتهم الشعارات الكبرى وخرافة العدو الخارجي –بكل ما تبجحوا إتيانا لنفيه: القبلية، الجهوية، الأخطبوطية الحزبية وشاكلة الشتات الذي تحدثه وزارة الداخلية، الخوصصة، الارتماء في أحضان الشركات العالمية.أخيرا وليس آخرا،ركبوا موجة الإرهاب التي اتخذت مطية لتصفية الخصوم السياسيين ومبررا لتعطيل الدستور والعمل به.
رابعا، ان الرؤساء المنتخبين الذين يكابرون أو لا يدرون واقع هذا التحول يقعون في الفخ نفسسه فيستبدون ويصبحون علي شاكلة الديكتاتور، الذي يستعيض بإلباسالمدني عن البدلة العسكرية. ليس لدينا ازمة مسميات لدينا أزمة وعي وقد نبهني الدكتور محمد عابد الجابري رحمه اللهلذلكفي لقاء شخصي جمعني وإياه بالدار البيضاء عام 2003 (اختلاف المسمي لا يعني اختلاف الدلالة فالعلماني يتغمس سلوك شيخ المسيد والإسلامي يعاني حالة انفصام يداويها بالفصل بين ما هو زمني وما هو روحي)؛ مهمة المثقف لا تقتصر علي الاستماتة في تغيير الحاكم إنما في تعميق الوعي. إن المدنيين يمارسون الحكم بوعي عسكري وليس ديمقراطي(إمكانية الاستعانة بالقرين حال الزنقة)، ولذا فهم لا يسعون لتثقيف السياسة مفاهيما بالتركيز علي السياسات إنما سياسيويا بالتركيز علي الخلافات. كما أن العسكري يحكم باسم المؤسسة متحالفا مع ساسة متسلقين -يفضلون التزلف الي شاويش علي التثاقف مع شعوبهم – لتغويضها وتسريح زملائه. لا غرو، إن المؤسسة العسكرية تضررت من العسكريين أكثر مما تضررت من المدنيين. فهل كان انهيار الحكم في السودان إلا من جراء الاستبداد ومحاولة القفز فوق الواقع؟
خامسا، إن الخبر العظيم والمفرح انهم هم، أي العسكر، اليوم باتوا محاصرين ومنبوذين ومطاردين، الأدهى انهم اضحوا عاجزين، لا يملكون براعة حتي في التخطيط الإستراتيجي الذي دربوا عليه في الأكاديمية العسكرية (انظر تخلي حسني مبارك عن قضية جنوب السودان بل دعم التمرد هو والقذافي وتبني النظرة الداعية للانفصال)، كما أنهم أبعد الناس عن الانضباط الذي كثيرا ما تشدقوا به (كفي بك متأملا في ثروة الشاويش علي أو البكباشا عمر) وأهون في قلوب الآبعدين وقد كانوا يدعون منذ أمد بعيد أنهم الأقدر علي تمثيل السيادة الوطنية. لك ان تتصور إن همسا دار يوما بين المؤتمرين في مؤتمر حوار الحضارات الذي أقيم بالدوحة عام 2012 حول امكانية مجيء الرئيس السوداني مما سبب حرجا جعل المضيف يلتقيه في قاعة جانبية كي يتفادي خروج بعض الرؤساء الغربيين من القاعة، حادثة شبيهة كادت تحدث مع ألسيسي في السوق الأوروبية؛ كلاهما تحسب لتواجده في جنوب أفريقيا، الآخر كان أكثر حصافة فقرر عدم إقحام نفسه في هذا المعترك خاصة أنه لم يدع لنفسه بطولة وجعل البطولة من شأن المتنطعين الذين الفوا الهروب وخبروا الدروب.
ختاما، ليس العبرة بالتبرؤ من الاسلاميين (إخوانا كانوا ام سلفيين)، نبذ العلمانيين(شيوعيين كانوا بعثيين)، او البعد عن المصريين اوالعرب والتوجه حصريا صوب أفريقيا إنما في تحديد استراتيجية تنموية تحقق التكامل الحقيقي اجتماعيا واقتصاديا وتعود علي الكل بالفائدة المستدامة والإستقرار السياسي بعيدا عن المغامرات العسكرية والتحالفات الفوقية والبروتكولات العاطفية/الوجدانية. ولن يتأتى أي من ذلك إلا بالالتزام بشرعة الله الكونية التي تحرم سفك دم المسلم (لزوال الدنيا اهون عند الله من قتل امر مسلم)، احترام حق الانسان في المواطنة واقرار الديمقراطية المعمقة مشروعالنهضة الانسان العربي والافريقي.