لعنة الذهب في السودان .. كيف يسمم الزئبق أمة؟

مورس التعدين في السودان منذ العصور القديمة، وكان الذهب يستخرج تقليدياً من خلال عمليات الفصل الفيزيائي باستخدام الماء. وغالباً ما كان التعدين يتم على سطح التربة في الوديان ومجاري المياه الطبيعية. وفي العقد الأول من القرن الواحد والعشرين اُعتمد استخدام الزئبق تدريجياً للحصول على الذهب في السطح وعبر حفر الآبار والخنادق التي تمتد إلى عشرات الأمتار أفقياً..

استخلاص الذهب بواسطة الزئبق في الأحواض بجنوب كردفان

مورس التعدين في السودان منذ العصور القديمة، وكان الذهب يستخرج تقليدياً من خلال عمليات الفصل الفيزيائي باستخدام الماء. وغالباً ما كان التعدين يتم على سطح التربة في الوديان ومجاري المياه الطبيعية. وفي العقد الأول من القرن الواحد والعشرين اُعتمد استخدام الزئبق تدريجياً للحصول على الذهب في السطح وعبر حفر الآبار والخنادق التي تمتد إلى عشرات الأمتار أفقياً، وبأعماق تبلغ أحياناً عشرات الأمتار. ويتم الحفر إما يدوياً أو باستخدام حفارات خفيفة. ومع مرور الزمن أصبح التعدين المهدد البيئي الأول في السودان، ولعدة أسباب في مقدمتها استخدام الزئبق.

ففي الأسبوع الأول من أغسطس الماضي اجتاحت السيول أكثر من 25 قرية بولاية نهر النيل في المناطق الواقعة شمال عطبرة. جرفت السيول آلاف الأطنان من مخلفات التعدين الملوثة بالزئبق إلى النهر، ما يعتبر واحدة من أكبر الكوارث الصحية والبيئية التي طالت المجتمعات المحلية في مناطق التعدين التقليدي في السودان. إن سنوات طويلة من الاستعمال العشوائي لمواد كيماوية خطرة كالزئبق والسيانيد والثيوريا، بدون اتخاذ أي إجراءات عملية لحماية المتعاملين بها والسكان المحليين من حولهم، تعرّض ملايين المواطنين بكل انحاء السودان لمخاطر مميتة.

ويشير تقرير أصدرته (Sudan Transparency and Policy Tracker) إلى أن حمى الذهب في السودان بدأت حوالي 2008-2009 وشهد إنتاج الذهب المعلن في البلاد زيادة حادة من 10 أطنان عام 2008 إلى 32 طناً بحلول عام 2010، ثم وصل إلى ذروة بلغت 107.3 طن بحلول عام 2017 . وحسب إحصائيات وزارة المعادن، جاء 80% من إنتاج الذهب في السودان، خلال فترة النمو المشار إليها، من قطاع التعدين الحرفي والصغير الذي يستخدم الزئبق لاستخراج الذهب من خلال الغربلة والملغمة  (تفاعل الزئبق والذهب). وقد حدّدت إحصاءات التجارة العالمية لواردات وصادرات الزئبق التي سجلتها قاعدة بيانات الأمم المتحدة (كومتريد) السودان بوصفه أكبر مستورد للزئبق في أفريقيا جنوب الصحراء، حيث استورد البلد 38٪ من جميع واردات المنطقة خلال الفترة  2010-2015  .

ويقول التقرير إن الحكومة السودانية فشلت في إحكام السيطرة على عمليات استيراد ونقل وتخزين واستخدام الزئبق والتخلص منه بسبب فشلها في ممارسة الرقابة وفرض الحد الأدنى من معايير حماية صحة مواطنيها وسلامة البيئة، مع ما يترتب على ذلك من عواقب مأساوية على الإنسان والبيئة على حدٍ سواء. وقد نتج هذا الفشل في ممارسة الرقابة عن تضارب المصالح داخل الهياكل والهيئات الحكومية. ولم تحقق المبادرات الدولية الرامية إلى تعزيز بدائل استخدام الزئبق في قطاع تعدين الذهب الحرفي والصغير بهدف الحد من المخاطر الصحية والبيئية زخماً مستداماً، ومنها تلك المبادرة التي قادتها منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو)  في ولاية النيل الأزرق في عام 2007. ويرجع ذلك، إلى حد كبير، إلى غياب متابعة وزارة المعادن للترويج للتقنيات التي جُرّبت ضمن المشروع.

قدّر البنك الدولي، إجمالي الذهب المنتج في السودان في فترة الثماني سنوات بين 2008 و2015 بنحو 346 طناً. وخلال نفس الفترة استورد السودان 336 طناً من الزئبق . وفي حين طابقت كمية واردات السودان المعلنة رسمياً، تقريباً، تقدير البنك الدولي بواقع 36 طناً سنوياً في الفترة من 2014 إلى 2020، توصلت مصادر أخرى إلى تقديرات أعلى لاستخدام الزئبق. واستناداً إلى الملاحظة المباشرة لدورة إنتاج التعدين الحرفي والصغير في العبيدية ومناطق التعدين الأخرى، تقدر، نسبة الزئبق المستخدمة ما يصل إلى 626 طناً سنوياً محسوبة على أساس مقادير إنتاج السودان المعلنة. وربما تأتي الفجوة بين الواردات الرسمية وهذا الرقم من التهريب والواردات غير المصرح بها من البلدان التي لا تعلن عن صادراتها من الزئبق إلى قاعدة بيانات الأمم المتحدة (كومتريد).

ويضيف التقرير أن الإجراءات المتعلقة بالتسهيلات التجارية المتعلقة بمنح تراخيص لشركات استيراد خاصة لاستيراد الزئبق باسمها، إلى زيادة مقلقة في كميات الزئبق التي تدخل السودان بشكل قانوني. وتُظهر السجلات الرسمية أن السلطات صدّقت بين النصف الثاني من عام 2021 وعام 2022 باستيراد كمية من الزئبق تجاوزت الـ 4000 طن، أي ما يقرب من 450٪ من حجم التجارة الدولية الرسمية في الزئبق لعام 2020 المقدرة بـ 891 طن ، أي أربعة أضعاف ونصف حجم هذه التجارة الدولية.

مخاطر بيئية

تهدّد المخاطر الصحية والبيئية المجتمعات المحلية في مناطق التعدين الحرفي للذهب في جميع أنحاء السودان. وقد أدّى استخدام المواد الكيميائية الخطرة مثل الزئبق والسيانيد والثيوريا لزمن مديد وبدون حماية كافية إلى تعريض الملايين من عمال مناجم الذهب والمجتمعات المحلية في جميع أنحاء السودان إلى مخاطر مميتة. وفشلت الحكومات المتعاقبة في الوفاء بمسؤوليتها في إلزام من يستخدمون هذه المواد بتطبيق تدابير السلامة الصناعية اللازمة. كما فشلت هذه الحكومات في توعية المواطنين باتخاذ التحوطات اللازمة لتجنب إيذاء أنفسهم وأسرهم.

الزئبق وخواصه

الزئبق موجود في الطبيعة في أشكال مختلفة وهو من المعادن الثقيلة، ويعتبر المعدن الوحيد الذي يوجد في شكل سائل في درجة حرارة الغرفة. وهو من المعادن شديدة السمية ويمثل واحداً من المخاطر العالمية كونه يؤثر على صحة الإنسان، خاصة الجهاز العصبي والرئتين والجهاز الهضمي والكلى والجلد والعين، وربما يتسبب في الوفاة في حالة التعرض لكميات كبيرة منه،  ويؤثر كذلك بصورة كبيرة على نمو الأجنة في بطون الأمّهات وعلى صحة الأطفال. ويشمل التلوث بالزئبق التربة والمياه والهواء والأسماك، حيث يدخل في السلسلة الغذائية.

مناطق استخدام الزئبق في السودان

ينتشر التعدين حالياً في 15 ولاية من ولايات السودان الـ 18، حسب التقديرات الرسمية.  وتنتشر عمليات التعدين في مساحات واسعة من أراضي السودان في مئات المناجم. وتعتبر ولايات نهر النيل والشمالية والبحر الأحمر وغرب كردفان أعلى الولايات انتاجاً للذهب في السودان ولا يُوجد حصر دقيق لأعداد العاملين في قطاع التعدين، وعلى وجه الخصوص التعدين التقليدي، لكن يقدر عدد المنخرطين في عمليات الحفر وطرق الحصول على الذهب بأشكالها المختلفة بأكثر من 2 مليون عامل. ويرتفع هذا العدد إلى حوالي 5 مليون إذا أضفنا العاملين في المهن المصاحبة وعمليات المعالجة، وهو ما يعادل 13% من إجمالي سكان السودان .

كميات الزئبق التي تدخل البلاد

ويقول التقرير إن السودان – وفقاً للبنك الدولي- أحد أكبر مستوردي الزئبق في أفريقيا جنوب الصحراء، حيث تم استيراد ما يقدر بـ 346 طناً بين عامي 2008 و2015، ما يشير إلى متوسط 43.25 طناً من الواردات سنوياً . ورغم ذلك، أشارت السجلات الرسمية إلى أن السودان استورد رسمياً بين عامي 2014 و2020 ما متوسطه 36 طناً من الزئبق.

كما تشير السجلات الرسمية إلى أنه اعتباراً من انقلاب أكتوبر 2021 وحتى الآن، تمت الموافقة على تراخيص لاستيراد أكثر من 4000 طن من الزئبق، بما في ذلك تلك الـ 2000 طن المعتمدة للشركة المرتبطة بشخصية سياسية بارزة.

بالإضافة إلى الواردات الرسمية من الزئبق هناك كميات غير معروفة من المادة تهرّب إلى السودان عبر الحدود الغربية والشمالية مع تشاد وليبيا.

طرق استخدام الزئبق

يستخدم العاملون في التعدين الزئبق للحصول على الذهب في جميع مواقع التعدين التقليدي في السودان. ويُستخدم الزئبق بالعديد من الطرق حسب عوامل مختلفة من ضمنها نوع الذهب وطريقة الحصول عليه. وأهم الطرق التي يستخدم فيها الزئبق هي الغسل في الاحواض وهي الطريقة الأكثر شيوعاً.

  حيث يُطحن الحجر، بعد الحصول على الخام من الآبار أو التعدين السطحي، باستخدام طواحين هوائية للحصول على الخام في شكل مسحوق يُغسل مباشرة باستخدام الزئبق. ويتعرّض العمال للزئبق مباشرة (قد يستنشقونه حيث يتبخّر الزئبق في درجة حرارة الغرفة). كذلك يتسرب الزئبق عبر تربة الأحواض، ويظل جزءٌ منه عالقاً في حبيبات الخام (الكرتة)ويضع المعدنون الزئبق آنية معدنية (طشت) ويغمرونه في بركة ماء صغيرة مخلوطاً بالزئبق. وأثناء هذه العملية يجلس العمال على حافة بركة الماء الملوثة بالزئبق ويقومون بالغسل يدوياً بدون أي نوع من الحماية. ويُلاحظ في أغلب مناطق السودان انتشار العِمالة من النساء والأطفال بكثافة في مهن تعدين الذهب في جنوب كردفان والنيل الأزرق. وتتأثّر النساء والأطفال بالزئبق والملوثات الأخرى المصاحبة للذهب، وهو ضار بشكل خاص بالأجنة وبالحوامل.

وكذلك تعتبر الطواحين الرطبة واحدة من الطرق الحديثة نسبياً لاستخلاص الذهب. وتُستخدم للقيام بعمليات الغسل والطحن  آلياً في مقدار متحكم فيه من الماء الجاري عبر حوض تختلط فيه الماء مع قدر ثابت من الزئبق في كل دورة. وينتج عن العملية مدموج (ملغم) الزئبق، ويتم بعدها إعادة الغسل اليدوي للمدموج للحصول على الذهب على نحو ما أوضحنا أعلاه. وتُستخدم الغرابيل غالباً في التعدين السطحي للحصول على  رواسب الذهب. وتُنصب الغرابيل على قيعان الأنهار ومجاري المياه الجافة التي تتصرف مياهها خلال موسم الأمطار إلى ولاية نهر النيل والولاية الشمالية، خاصة في السنوات ذات الأمطار الغزيرة. وتُستخدم الآلات لتجريف التربة للحصول على الخام الذي يُعالج بالغربلة ثم يُغسل باستخدام الزئبق للحصول على الذهب.

تُنقل الغرابيل من موقع إلى آخر لتقوم بعمليات الحفر والمعالجة بدون أي رقابة من قبل الدولة. وتتم عمليات الغسل بصورة عشوائية في جميع مناطق الإنتاج، حسب مواقع وجود الخام. لذا فإن هذه الطريقة في المعالجة شديدة التأثير على البيئة، حيث يغير التجريف مسارات مجاري المياه الطبيعية ونظم التصريف، ويمكن أن يتسبب في انتشار الزئبق على نطاق واسع. وفي المواقع التي تجري فيها الخيران الموسمية يمكنها أن تنقل الزئبق إلى مواقع بعيدة، ما يضاعف من آثار الزئبق على بيئة نهر النيل والزراعة والبشر والحيوانات التي تعيش أسفل المجرى. و العامل المشترك بين جميع مناطق التعدين استخدام من 10 إلى 12 جرام من الزئبق مقابل كل جرام واحد الذهب. وباستخدام التقدير الأقل البالغ 10 جرامات من الزئبق لكل جرام من الذهب، يمكننا تقدير كميات الزئبق التي ربما تكون تسربت إلى البيئة. خلال الفترة من 2014 إلى 2020 أنتج السودان 438.4 طناً من الذهب وفقاً للإحصاءات الرسمية – أي أن هذا الرقم لا يشمل الكميات التي هُرّبت. ويشير هذا إلى أن متوسط 626.2 طناً من الزئبق سنوياً، أو 4384 طناً خلال فترة السبع سنوات، ربما تكون تسربت إلى الجو.

كارثة مستمرة في نهر النيل

تعتبر ولاية نهر النيل أكبر ولايات السودان انتاجاً للذهب وتوجد فيها أكبر أعداد المناجم والعمال. مؤخراً انتشرت طريقة جديدة للمعالجة العشوائية للمخلفات بواسطة الأهالي فيما يعرف محلياً بالخلاطات. وانتشرت هذه العمليات داخل المنازل في القرى والمنازل القريبة من النيل، بالإضافة الى المزارع ومجاري المياه الطبيعية. ويستخدم فيها المعدنون مادة الثيوريا التي تحتوي على نسبة من السيانيد المعروف بتسببه في القتل السريع الذي استخدم بشكل واسع في جرائم الإبادة الجماعية التي اُرتكبت في الحرب العالمية الثانية. وتُستخدم الثيوريا في استخلاص الذهب حيث تمتاز بكفاءة عالية في الاستخلاص رغم سميتها العالية. ورغم صدور قرار رسمي من قبل حاكم الولاية بمنع تشغيل الخلاطات التي تستخدم الثيوريا في ولاية نهر النيل،  لم يجد القرار طريقه إلى التنفيذ. بل على العكس من ذلك زاد استخدام الثيوريا، وتسببت هذه الممارسات في انتشار التلوث بالزئبق بصورة كبيرة داخل المواقع السكنية وبالقرب من النيل، مما زاد من آثارها البيئية، على نحو ما وثّقته دراسة حديثة أجرتها الجمعية السودانية لحماية البيئة وجامعة النيلين والمجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية.

آثار بيئية وخيمة

حذرت العديد من الجهات من كارثة محتملة تسببها المخلفات المشبعة بالزئبق، وأبدت تخوّفها من أن تجرف السيول التي يتكرر  حدوثها هذه الكيماويات الخطرة . أجرى فريق بحثي مشترك من جامعة الخرطوم، وجامعة النيلين، والجمعية السودانية لحماية البيئة، والمجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية خلال عام 2021 بحثاً متعدد التخصصات في ولاية نهر النيل بين مدينتي عطبرة وبربر. وأشار تقرير البعثة الصادر في يناير 2022 إلى معدلات تلوث البيئة مقلقة، ونسب عالية من الزئبق في الدم والبول والشعر وأنسجة الجلد التي جُمعت من عينات عشوائية من المعدنين الحرفيين وأفراد المجتمع في منطقة الدراسة. كما أظهر تحليل حليب الأبقار والماعز والمنتجات الزراعية ارتفاع معدلات التلوث بالزئبق في المنطقة .

وتوصّلت الدراسة باستخدام الاستشعار عن بعد إلى وجود 700 كوم من المخلفات أو النفايات المعدنية تتوزع على المسافة القصيرة بين عطبرة والعبيدية البالغ طولها 64 كيلومتراً. وقدرت الدراسة حجم المخلفات في المواقع الزراعية والسكنية بـ 450 ألف طن، تحتوى على زئبق يقدر بـ 1.91 طن. قام المزارعون وسكان البلدات الصغيرة والقرى في هذه المنطقة بنقل أكوام الخام إلى أراضيهم الزراعية وساحات منازل عائلاتهم، حيث أقاموا عدداً مذهلاً من الخلاطات بلغ 7000 خلاط معالجة يستخدم الثيوريا المحظورة رسمياً لاستخراج الذهب. وكانت الأكوام تقع مباشرةً على مجرى تصريف مياه الأمطار الموسمية إلى نهر النيل. كما وثّقت الدراسة زيادة معدلات الإجهاض بين النساء الحوامل. كما وردت تقارير صحفية عديدة عن حالات الشلل والعمى وزيادة الأمراض في المناطق التي تتركز فيها النفايات شديدة السمية .

وقعت الكارثة التي كان يخشاها أهالي المنطقة والمختصين والناشطين البيئيين في أغسطس 2022، حيث جرفت مياه السيول أكوام المخلفات (الكرتة) وألقت بها في النيل . وقد تضررت 25 قرية، من ضمنها قرى المكايلاب والسعدابية والنبوية ودار مالي ومناطق غرب بربر وغيرها من القرى القريبة من النيل على طول المسافة الواقعة شمال عطبرة وجنوب العبيدية . وفقدت 25 ألف أسرة المأوى.  ولن يقتصر تأثير هذه الكارثة على هذه القرى، وإنما سيمتد إلى القرى الواقعة على النيل شمالاً بدرجات متفاوتة.

نسبة تلوث عالية

كشفت الدراسات التي أجريت  أن الناس في مناطق التعدين معرضون للتلوث بالزئبق بمعدلات أعلى كثيراً من أولئك الذين يعيشون في مناطق أخرى. وأُجريت دراسة في ولاية نهر النيل ونشرت في العام 2015 ووجدت أن متوسط تركيز الزئبق في عينات الدم التي جُمعت من المعدنين تبلغ 23.6 ± 30.5 مليجرام/لتر بينما بلغ متوسط تركيز الزئبق في  العينات المرجعية 1.4± 0.6 مليجرام/لتر. ووجدت أن تركيز الزئبق في عينات الشعر التي جُمعت من المعدنين بلغت 2.99± 1.7 مليجرام/جرام وهي أعلى من نسبة تركيز الزئبق في العينات المرجعية التي سجلت تركيزاً قدره 0.7± 0.9 مليجرام/جرام  .  وأُجريت دراسة أخري في منطقة أبو حمد بولاية نهر النيل بين عامي 2012 و2014 ووجدت أن تركيز الزئبق في عينات الدم وسط عمال التعدين يتراوح بين 24.9 – 32.24 مليجرام/لتر، بينما بلغ تركيزاً يتراوح بين 1.4_ 0.94 مليجرام/ لتر في العينات التي جُمعت من مناطق أخرى  .

 وكذلك أجريت دراسة في منطقة وادي حلفا شملت منطقة بحيرة النوبة أقصي شمال السودان على الحدود السودانية المصرية،  ووجدت أن تركيز الزئبق في التربة في منطقة صرص يبلغ 58.4 جزءاً في المليون؛ وفي منطقة مك الناصر 37.5 جزءاً في المليون؛ وفي منطقة سمنة 22.2 جزءاً  في المليون، مقارنة بالحد المسموح به من قبل الوكالة الأمريكية لحماية البيئة وهو 0.2 جزءاً في المليون. توصلت دراسات أخرى إلى أن معدلات الزئبق أعلى في التربة والمياه في هذه المناطق تتجاوز الحد البالغ 0.001 الذي حددته منظمة الصحة العالمية. وعلى المستوى المحلي تعتمد الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس (2015) ووزارة المعادن أعلى حد مسموح به عند مستوى 0.004 جزءاً في المليون . وفي العام 2017 أُجريت دراسة شملت منطقة وادي حلفا والمناطق الواقعة جنوبها، وتوصلت إلى أن تراكيز مختلف المعادن الثقيلة في زيادة مستمرة في بحيرة النوبة وأسواق التعدين وعلى نهر النيل وفي مناطق التعدين .أُجريت دراسة أخرى في العام 2016 فوجدت أن تركيز الزئبق في المياه الجوفية في الآبار حول مناطق التعدين مرتفعة.وفي صواردة وُجد أن المياه التي وصلت القرية بواسطة السيول الطبيعية جرفت معها ملوثات عديدة من ضمنها الزئبق ،وفي العام 2022 أجرى المجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية والجمعية السودانية لحماية البيئة وجامعة النيلين ونشروا دراسة مهمة توصلت الى أن 20% من عينات مياه الشرب، و2 من 7 عينات من البول وواحدة من 14 عينة دم جُمعت من ولاية نهر النيل احتوت على نسب عالية من الزئبق. وكانت معظم العينات قد أخذت من أطفال تتراوح أعمارهم بين 4 الى 11 سنة. كما وثّقت الدراسة حالات إجهاض، إلى جانب نفوق الطيور والحيوانات التي شربت من الماء الملوث. وكشفت، علاوة على ذلك، أن المخلفات الملوثة التي تبلغ حوالي 450 ألف طن منتشرة بكثافة في 700 موقع في ولاية نهر النيل .في العام 2018 كشفت دراسة أن منطقة دار مالي بولاية نهر النيل تعاني من تلوث عالٍ بالزئبق. وقد بلغ معدل التلوث في الماء حوالي 29 مرة أعلى من المعدلات المسموح بها عالمياً.  أثبتت دراسة أخرى نشرت في العام 2019 وجود معدلات تلوث عالية في التربة والمياه في منطقة العبيدية، ويشتكي سكان مواقع التعدين، في مناطق عدة من السودان، من تزايد حالات الإجهاض، وحالات نفوق الطيور والحيوانات. كما يشتكي سكان مناطق مختلفة من ولاية جنوب كردفان، من ضمنها محليتي الترتر والدلنج ، من تزايد حالات تشوه الأطفال حديثي الولادة. 

Welcome

Install
×