قوات سودانية استخدمت أسلحة ثقيلة لقمع المتظاهرين

مع بداية الانقلاب العسكري في السودان في الخامس والعشرين من أكتوبر 2021 ازداد توتر الأوضاع بشدة بين الشقين المدني والعسكري في البلاد. جاء ذلك بعدما أعلن القائد العام للقوات المسلحة السودانية عبد الفتاح البرهان – رئيس مجلس السيادة في السودان – حالة الطوارئ، وحلّ مجلس السيادة المكون من شق مدني وآخر عسكري، كما حل مجلس الوزراء واحتجز رئيس الوزراء المدني عبد الله حمدوك (أُفرح عنه لاحقاً) وعدد من الوزراء والقيادات المدنية في قطاعات مختلفة.

 

 

تحقيق استقصائي أجرته DW عربية 

 

مع بداية الانقلاب العسكري في السودان في الخامس والعشرين من أكتوبر 2021 ازداد توتر الأوضاع بشدة بين الشقين المدني والعسكري في البلاد. جاء ذلك بعدما أعلن القائد العام للقوات المسلحة السودانية عبد الفتاح البرهان – رئيس مجلس السيادة في السودان – حالة الطوارئ، وحلّ مجلس السيادة المكون من شق مدني وآخر عسكري، كما حل مجلس الوزراء واحتجز رئيس الوزراء المدني عبد الله حمدوك (أُفرح عنه لاحقاً) وعدد من الوزراء والقيادات المدنية في قطاعات مختلفة.

خرج الآلاف من السودانيين إلى الشوارع مطالبين بإنهاء الانقلاب العسكري وعودة المدنيين إلى الحكم، لكن قوات الأمن والميليشيات السودانية (وبالأخص قوات الدعم السريع) واجهت التظاهرات ليس فقط بالرصاص الحي العادي، وإنما بأسلحة يمنع استخدامها ضد المدنيين، وكان منها أسلحة مضادة للطائرات وطلقات خارقة للدروع.

وثق عدد من النشطاء السودانيين عدة حوادث مريعة نتج عنها مقتل أكثر من 40 سودانياً وإصابة العشرات بسلاح قوات الأمن السودانية منذ وقوع الانقلاب. ومنذ ذلك التوقيت، استخدمت قوات الأمن السودانية الذخيرة الحية بشكل مفرط، إلى جانب الغاز المسيل للدموع، بهدف تفريق الاحتجاجات التي نظمت اعتراضا على استيلاء الجيش على السلطة.

لكن قيادات الأمن السوداني – وعلى رأسها البرهان وحميدتي – نفت بشكل قاطع تورط تلك القوات في أي عمليات قتل للمتظاهرين، فيما أكدت لجنة أطباء السودان أكثر من مرة في بيانات لها أن قوات الأمن السودانية تستخدم الذخيرة الحية في مواجهة المتظاهرين في الخرطوم. وهو ما أكدته تقارير طبية تلقتها DW عربية من مصادرها بالسودان، حيث أشارت تقارير الصفة الشريحية لعشرة وفيات على الأقل إلى أن سبب الوفاة هو الإصابة بطلق ناري.

التعامل شديد العنف من قبل قوات الأمن وميليشيات الدعم السريع أثار انتقادات دولية، وهو التعامل الذي أشارت إليه منظمة العفو الدولية بوصفه تم باستخدام “القوة المميتة”، إذ قالت ديبروز موتشينا المدير الإقليمي لبرنامج شرق وجنوب إفريقيا في منظمة العفو الدولية “إن التصعيد في استخدام القوة المميتة من قبل السلطات الأمنية في السودان في الأسبوعين الماضيين كان مدروساً لترهيب وقمع الاحتجاجات في الشوارع ضد استيلاء الجيش على السلطة الشهر الماضي”

وقالت المنظمة إن “قتْل العشرات من المحتجين العزل يدعو إلى إجراء تحقيق فوري ومستقل ومحايد لضمان المساءلة عن عمليات القتل، وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي زُعم أن قوات الأمن قد ارتكبتها. ويجب على السلطات التحقيق في عمليات إطلاق النار المميتة للمحتجين العزل، والسماح بمراقبة هذا التحقيق دولياً، ومحاسبة المسؤولين”.

لم يكن من الممكن مع الانقطاع المستمر للانترنت في البلاد الوصول إلى ما يكفي من المواد سواء صور أو فيديوهات توثق عمليات إطلاق النيران والقتل أو الإصابات بين صفوف المتظاهرين. لكن تمكن عدد من النشطاء من إرسال ما قاموا بتوثيقه إلى آخرين نجحوا في تحميل تلك المقاطع على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة. وصل عدد كبير من هذه الصور والفيديوهات إلى DW عربية.

أكد النشطاء السودانيون أن قوات الدعم السريع والأمن السوداني يستهدف المتظاهرين العزل بسلاح ثقيل – ومنها المدافع المضادة للطائرات – الأمر الذي نتج عنه إصابات مباشرة أدت لوقوع وفيات. ووثقت التقارير الطبية التي وصلتنا من نشطاء سودانيين حالات وفاة متعددة نتجت عن الإصابة المباشرة بطلقات نارية (لم يحدد نوعها) استهدفت الرأس والصدر بشكل مباشر.

كانت صور القتلى التي وصلتنا شديدة البشاعة – تمتنع DW عن نشرها التزاماً بالمعايير الصحفية – ما أثار الشكوك حول طبيعة السلاح الذي يمكن أن يتسبب في هذا النوع من الإصابات القاتلة ويؤدي لهذه الإصابات المريعة.

 

التحقق من نوعية الأسلحة

 

من خلال الصور والفيديوهات التي تلقتها DW من مصادرها، بدأت تتضح صورة بعض أنواع تلك الأسلحة بشكل تقريبي. لكن لم يتم التمكن من التأكد بشكل جازم من الشركات المنتجة للسلاح أو معرفة الرقم المسلسل لها، نظراً للخطورة الشديدة الذي يمثلها الاقتراب من قوات الأمن على حياة المتظاهرين لتصوير السلاح المستخدم.

تواصلت DW عربية مع معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام SIPRI في محاولة لتحديد نوع السلاح المستخدم في مواجهة المتظاهرين العزل والذي تم تركيبه على سيارات الدفع الرباعي فيما يعرف باسم (التاتشارات). تم حصر الاحتمالات في أربعة أنواع من الأسلحة (جميعها يمكن أن تستخدم طلقات خارقة للدروع):

1) ZPU-4 a towed anti-aircraft gun

وهو سلاح روسي مضاد للطائرات يتم إنتاجه أيضاً بموجب ترخيص في الصين تحت اسم 56 وفي رومانيا باسم MR-4. النسخة الأولى من هذا السلاح كانت المدفع السوفيتي KPV عيار 14.5 × 114 ملم ويصل مداه إلى 8 كيلومترات أفقياً و نحو 5 كيلومترات رأسياً. كما يتم إنتاجه أيضاً في أوكرانيا وبالتحديد من خلال شركة SSSFTF Ukrinmash وهي شركة تابعة لمصدر الأسلحة الأوكراني الرئيسي المملوك للدولة  “Ukrspetsexport”.

2) ZU-23-2 anti-aircraft twin-barreled autocannon

سلاح روسي مضاد للطائرات مزدوج الماسورة بقطر 23 ملم، ويرمز حرفي Z و U إلى (Zenitnaya Ustanovka) أو معدات مضادة للطائرات بالروسية ويصل مداه على نحو 2.5 كيلومتر، وتنتجه أوكرانيا أيضاً من خلال الشركة السابق ذكرها.

3) ZPU-2 14.5 mm anti-aircraft twin guns

يعرف عالمياً باسم “دوشكا”  ويتواصل صنعه في الصين وباكستان وإيران ورومانيا. تم تطوير السلاح لاحقاً وأطلق عليه دي شي كا ام (Dshkm) وينتج في السودان حالياً.

DW عربية تواصلت مع مؤسسة SMALL ARMS SURVEY في سويسرا والمعنية بمراقبة حركة السلاح حول العالم والتي رجحت أن الأنواع الثلاثة الأولى – وفق ما ورد في الصور والفيديوهات التي أرسلتها DW عربية إليها – هي أسلحة روسية، أما الرابع فهو إنتاج سوداني وهو نسخة معدلة من الدوشكا التي يتم إنتاجها في الصين.

هذه النقطة أيضاً أكدها مصدر سوداني متخصص لـ DW عربية -رفض ذكر اسمه- والذي قال إن أغلب السلاح المستخدم والمثبت على سيارات الدفع الرباعي والذي ظهر في الفيديوهات هو روسي الأصل وأن الباقي يتم انتاجه (أو تجميعه في الأغلب) من خلال هيئة التصنيع الحربي السودانية وهي مؤسسة حكومية خاصة بإنتاج المعدات الدفاعية للقوات الأمنية السودانية ، ومنها السلاح “دوشكا”. غير أن الصين هي المصدر الأكبر لواردات السلاح في السودان وهذا ما أشار إليه أيضاً تقرير معهد بحوث تسليح الصراعات.

والحقيقة أن التوصل لنوعية بعض هذه الأسلحة لم يكن مفاجئاً، ذلك أن قوات الجيش السوداني استخدمت بعضها خلال معاركها مع “الجيش الشعبي لتحرير السودان – الشمال” (SPLA-N) في المعارك التي دارت في جبال النوبة.

وثق تقرير معهد بحوث تسليح الصراعات عدداً من هذه الأسلحة الثقيلة والتي وقعت في أيدي قوات (SPLA-N)، ومنها سلاح “12.7 x 108 mm ‘Khawad’ heavy machine gun وسلاح ZU-23-2 23 x 152B mm ، وذلك رغم الحظر الأوروبي المفروض على واردات الأسلحة للسودان منذ عام 1994 والحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة بسبب أزمة دارفور منذ عام 2005. إلا أنه وبحسب التقرير فإن نتائج البحث تشير إلى أن الحكومة السودانية واصلت الاستفادة من الوصول “غير المقيد نسبيًا” إلى عدد من الأسلحة الثقيلة بعضها معدات غير عسكرية وبعضها ثنائي الغرض من دول في شرق آسيا والشرق الأوسط.

وفي فبراير/شباط من عام 2012 شدد المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية ألكسندر لوكاشيفيتش على أن روسيا الاتحادية تصدر أسلحة للسودان “في إطار التزامها بالقوانين الدولية وقرارات مجلس الأمن الدولي القاضية بحظر استخدامها في إقليم دارفور”. لكن منظمة العفو الدولية كانت قد نشرت قبل ذلك بعدة أيام تقريراً يؤكد أن أسلحة روسية وصينية يجري استخدامها في انتهاك حقوق الإنسان في منطقة دارفور وهو ما يخالف حظراً على توريد السلاح تفرضه الأمم المتحدة. وقالت المنظمة إن روسيا والصين تقومان بتوريد أسلحة إلى حكومة السودان على الرغم من توفر الأدلة على استخدامها في ضرب المدنيين في دارفور .

حاولت DW عربية التواصل مع وزارات الدفاع في كل من روسيا الاتحادية والصين ورومانيا وأوكرانيا، إلى جانب الشركة الأوكرانية المسؤولة عن إنتاج السلاحين ZU-23-2 (23 mm) وZPU-4 (14.5 mm) anti-aircraft guns ووجهت سؤالين محددين هما: هل قامت أي من الوزارتين ببيع أسلحة مضادة للطائرات (وتحديداً هذه الأنواع الأربعة) إلى السودان خلال السنوات العشر الماضية؟ وما الذي يمكن عمله إن علمت الوزارات باستخدام تلك الأسلحة الثقيلة ضد المتظاهرين السلميين؟ لكن وحتى لحظة كتابة التقرير لم نتلق رد من أي من الوزارات الأربع أو الشركة الأوكرانية.

 

من يملك تلك الأسلحة؟

 

أغلب هذه الأسلحة الثقيلة تمتلكها حالياً ما تسمى بقوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو “حميدتي” نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، وذلك بحسب ما يظهر من الصور والفيديوهات على صفحة القوات على موقع فيسبوك بالإضافة إلى التقاريرالدولية وتحقيقات استقصائية سابقة، وهي قوة شبه عسكرية تأسست عام 2013 لمساندة النظام السوداني (نظام البشير) في نزاعها مع المتمردين في إقليم دارفور. وتأتي غالبية أفراد الدعم السريع من الأشخاص الذين كانوا سابقاً أساسا لمجموعات مسلحة أطلق عليها آنذاك اسم “الجنجويد”.

وتتهم قوات الجنجويد/الدعم السريع من جانبمنظمات حقوقية عديدة بارتكاب جرائم ضد الإنسانيّة وجرائم حرب من قتل واغتصاب وسرقة وتعذيب وذلك في الصراع الذي اندلع في دارفور عام 2003، في زمن الرئيس السابق عمر البشير. وبسبب ذلك، وجهت المحكمة الجنائية الدولية تلك التهم بحق 4 أشخاص (أحدهم الرئيس المخلوع عمر البشير).

واتهم المتظاهرون في السودان مراراً تلك الميليشيات المسلحة بممارسة العنف ضدهم، ضاربين مثالاً بفضّ اعتصام للمحتجّين أمام القيادة العامة للجيش وسط العاصمة الخرطوم والتي عرفت لاحقاً باسم مذبحة القيادة العامة والتي نتج عنها مقتل أكثر من 100 متظاهر (عثر على جثث 40 منهم وقد ألقيت في نهر النيل) ومئات الجرحي فيما وثق نشطاء وحقوقيون جرائم اغتصاب وتعذيب مروعة نفذتها تلك الميليشيات بحق المتظاهرين.

وتثير قوات الدعم السريع قلقاً عارماً ليس بين المدنيين في السودان وحدهم، بل وعلى مستوى قيادات القوات المسلحة السودانية التي وجدت نفسها مع الوقت على قدم المساواة مع حميدتي وميليشياته المتهمة بجرائم مروعة. وكان قد أُعلن في السودان سابقاً عن مشروع لتأهيل ميليشيات/قوات الدعم السريع ودمجها في الجيش، لكن حتى الآن لم يتم تنفيذه على الأرض نظراً لاعتراضات من الجانبين.

 

استخدام الأسلحة الثقيلة ضد المدنيين في القانون الدولي

 

وفي هذا الإطار، تبذل جهود فردية في عدة دول ومنها الولايات المتحدة الأمريكية بهدف زيادة الضغط على قادة الانقلاب العسكري لعودة المدنيين إلى الحكم، إذ يعتزم السيناتور الديمقراطي كريس كونز طرح قانون يشمل عقوبات فردية بحق المسؤولين عن عرقلة العملية الانتقالية في لسودان، وهو الطرح الذي جاء كتعديل ضمن موازنة الدفاع التي يجب على الكونغرس إقرارها.

أيضاً تضغط عدة مؤسسات دولية تابعة للأم المتحدة على سلطات الانقلاب في السودان خاصة أن عمليات القتل وصلت إلى الأطفال، ما حدا بمؤسسة اليونيسيف في السودان لانتقاد الأوضاع بشدة

تواصلت DW عربية مع عدد من خبراء القانون الدولي والمعنيين بحماية المدنيين خلال النزاعات المسلحة لمعرفة الوضع القانوني وعواقب استخدام تلك الأسلحة الثقيلة ضد المتظاهرين السلميين في السودان.

يرى الدكتور سايمون باغشاو المستشار السابق للسياسات في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) في جنيف ونيويورك والخبير في شؤون حماية المدنيين في النزاعات المسلحة والتهجير القسري، أن الأمر معقد للغاية، “ففكرة رؤية أسلحة ثقيلة من هذا النوع خارج حالات النزاع المسلح هو أمر غير معتاد أبداً، والأكثر مدعاة للقلق أن تُستخدم ضد المدنيين بعيداً عن ميادين الحرب”.

ويضيف باغشاو متحدثاً لـDW عربية من كندا أن “استخدام مثل هذه الأسلحة الثقيلة في سياق إنفاذ القانون سيكون أمر فيه إفراط شديد للغاية مقارنة بما يُراد من استخدم هذه الأسلحة تحقيقه في النهاية، وإذا سألت من فعلوا ذلك، فهم على الأغلب سيقولون إن الأمر يتعلق باستعادة النظام وضبط الأمور في الشارع، لكن المنطق والقانون يقولان إنك لا يمكن أن تستخدم مضادات الطائرات لتنفيذ أمر كهذا”.

 

استخدام غير متناسب بين الفعل ورد الفعل

 

ويقول الخبير السابق لدى الأمم المتحدة أنه “بالنظر إلى طبيعة هذه الإسلحة فإن تأثيرها المحتمل هو القتل، والحقيقة أني لا يمكنني أن أفهم كيف يمكن تبرير استخدام تلك الأسلحة من منظور “إنفاذ القانون”، وحتى في إطار “إنفاذ القانون” فإن ذلك لا يمنحك الحق تلقائيًا في قتل الناس، وإذا ما قيل إن ذلك تم في إطار الدفاع عن النفس فإن هذا يعد نوعاً من المراوغة عندما يتعلق الأمر باستخدام تلك الأنواع من الأسلحة، فهناك أسلحة أخرى مسموح بها في حالات الدفاع عن النفس وإنفاذ القانون ليس منها بالطبع مضادات الطائرات”.

وأشار الدكتور باغشاو إلى أن هناك الكثير من إرشادات الأمم المتحدة فيما يتعلق باستخدام الأسلحة النارية من قبل مسؤولي إنفاذ القانون، وأيضاً ما نصت عليه الخطوط التوجيهية للأمم المتحدة فيما يتعلق باستخدام الأسلحة الأقل خطورة في حالات إنفاذ القانون.

وبحسب المنصوص عليه في المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية – الذي يعتبر السودان طرفًا فيه – يشير باغشاو إلى الفقرة 13 والتي ورد فيها أنه “يُتوقع من الدول الأطراف أن تتخذ جميع التدابير اللازمة لمنع الحرمان التعسفي من الحياة من جانب مسؤولي إنفاذ القانون لديها ، بمن فيهم الجنود المكلفون بإنفاذ القانون”.

وتشمل هذه التدابير وضع تشريعات مناسبة للتحكم في استخدام القوة المميتة من قبل مسؤولي إنفاذ القانون ، وتشمل أيضاً إمداد القوات المسؤولة عن السيطرة على الحشود بوسائل فعالة وأقل فتكًا ومعدات حماية كافية لهم من أجل تجنب اللجوء إلى استخدام القوة المميتة (انظر أيضًا الفقرة 14) مع وجوب امتثال جميع عمليات مسؤولي إنفاذ القانون للمعايير الدولية ذات الصلة ، بما في ذلك مدونة قواعد السلوك للموظفين المكلفين بإنفاذ القانون والمبادئ الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من قبل الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون (الفقرة 34) ، كما تشير الفقرة أيضًا إلى وثيقة إضافية وهي مدونة قواعد السلوك لموظفي إنفاذ القانون.

ويختتم خبير النزاعات المسلحة السابق في الأمم المتحدة إلى أن الأسلحة التي يتم الحديث عنها في السياق السوداني ليست ممنوعة – بحد ذاتها – وفق القوانين الدولية، “لكن إن قلنا إن هناك أسلحة يمنع استخدامها من جانب قوى إنفاذ القوى لوجود احتمال أن تؤدي للوفاة، فإنه بالتالي ومن باب أولى ينبغي ألا تستخدم تلك الأسلحة الثقيلة ضد المدنيين، وفي حال استخدمت فإن هذا خرق للقانون المتعلق باستخدام القوة ضد المدنيين .. الأمر ليس متعلق بالسلاح نفسه بقدر ما هو متعلق بكيفية وحدود وأطر استخدامه، وهنا وفي حالة السودان يمكن أن يكون الحديث بشكل قانوني عن “الاستخدام المفرط للقوة” لأن  هذه الأسلحة بطبيعتها يحتمل بشكل كبير للغاية أن تسبب الوفاة بين المدنيين، فالأمر هنا خرج عن استخدام الرصاص المطاطي مثلاً أو الغاز المسيل للدموع إلى استخدام الذخيرة الحية ضد المدنيين وهذه ليست أي ذخيرة حية.. هذه مضادات للطائرات الحربية”.

 

أسلحة للمناطق المفتوحة فقط

 

ويرى اللواء مامون مأمون أبو نوار الخبير العسكري من عمان أن القوات المسلحة السودانية تمارس قدراً قليلاً للغاية من الضبط فيما يتعلق باستخدام الأسلحة الثقيلة، مؤكداً أن مصادر هذه الأسلحة المضادة للطائرات وحتى بعض أنواع الأسلحة الرشاشة ثنائية الاستخدام (ضد الأفراد والمروحيات القريبة) متعددة ومنها الصين وروسيا وبيلاروسيا ورومانيا وأن هذه الأسلحة تتعاون في إنتاجها عدة شركات من هذه الدول بحسب نوع كل سلاح على حده، إلى جانب السلاح الذي تقوم بتجميعه المصانع السودانية”.

وقال الخبير العسكري إن “استخدام هذه الأسلحة يجب أن يكون في المناطق المفتوحة فقط وليس داخل المدن خاصة أنه يصنف كسلاح عشوائي ويلحق ضرراً كبيراً”، وأضاف أن “من الواضح تماماً من حجم الوفيات والإصابات ونوعيتها أن هناك عدم التزام من جانب قوات الأمن السودانية المختلفة بمبدأ التناسب، بمعنى أن الضرورة العسكرية لاستخدام هذه الأسلحة وهذا الحجم من القمع والعنف لا يقارن بالمقتضيات الإنسانية أو القانون الدولي ولا بحجم ما يسببه المتظاهرون من ضرر… هناك خلل كبير في هذا الشأن فلا ضرورة عسكرية ابدا تقضي باستخدام مضادات الطائرات ضد المتظاهريين المسالمين غير المقاتلين والذين لا يشكلون تهديدا من أي نوع.

وأشار اللواء ابو نوار إلى أن “الاختلال بالتوازن بين استخدام السلاح والأسباب الداعية إلى استخدامه يؤدي إلى وقوع جريمة حرب، فهذا عنف غير مبرر يسلتزم المحاسبة بشأنه في إطار اتفاقيتي جنيف وروما، فلا يوجد أي معنى لنصر عسكري على مدنيين بسطاء عزل من السلاح”.

بدوره، يرى الدكتور انطوان سعد الخبير في القانون الدولي من بيروت أن هناك أزمة أساسية تسبق الحديث عن استخدام الأسلحة الثقيلة ضد المدنيين في السودان، وهو أن “السلطة الحاكمة كانت سلطة انتقالية لحين إجراء انتخابات ونقل السلطة إلى حكومة مدنية منتخبة لكن ما حدث أنه تم اغتصاب السلطة وتحولت إلى سلطة قمعية ترتكب على ما يبدو نوعاً من الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة، لأن إطلاق النار بهذا الحجم لم يكن متناسباً أبداً مع التظاهرات السلمية”.

ويتفق سعد مع باغشاو في أنه “وفق آخر القرارات الدولية إن كان إطلاق الغاز المسيل للدموع لم يعد من المسموح استخدامه لوجود مواد ضارة للغاية في مكوناته تؤذي المخ والقلب والجهاز التنفسي، فكان بالأحرى أن يتوقف استخدام الرصاص الحي ويستخدم فقط في حالة ما كانت اعتداءات المتظاهرين تتجاوز خطورة إطلاق الغاز المسيل للدموع، أي أنه يجب دائماً تحقيق مبدأ التناسب بين التحركات الشعبية وبين ردة فعل الأجهزة الأمنية والعسكرية”.

ويؤكد الخبير القانوني اللبناني أن “استعمال السلاح الثقيل كمضادات الطائرات والآليات نزولاً إلى الرصاص الحي العادي يشكل جريمة إبادة وجريمة ضد الإنسانية، خاصة إذا اتخذ هذا الفعل نمطاً جماعياً، أما إذا كانت الوقائع هي لحالات فردية فيخرج الأمر من دائرة التوصيف للجريمة الدولية”.

 

عقوبات دولية

 

وعن العقوبات الدولية التي يمكن أن تطبق على القيادات العسكرية السودانية يقول الدكتور انطوان سعد إنها “قد تبدأ بحصار للسطات التي ترتكب مثل هذه الجرائم اقتصادياً ومالياً وقد يتصاعد الأمر إلى قطع علاقات أو أن يتخذ مجلس الأمن موقفاً حاسماً من الحالة السودانية بأن يلجأ إلى وضع السودان تحت أحكام الفصل السابع لاتخاذ تدابير ذات طابع عسكري بغرض حفظ الأمن والسلم الدوليين، وهذا قد يحدث إذا لم يكن السودان موضوعا لصراع المصالح بين الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن” .

ويقترح الدكتور سعد أن يقوم النشطاء السودانيون بتجهيز ملف قانوني يشمل أدلة كاملة موثقة حول وقائع قتل وإصابات محددة ومحاولة معرفة الأشخاص الذين قاموا بالعدوان وتحديد السلطات القضائية التي امتنعت عن معاقبة هؤلاء وكذلك القيادات السياسية التي أشرفت على هذه الأحداث ليكتمل الملف الجرمي ويحال كما هو إلى مكتب المدعي العام الدولي، وهذا هو الحد الأدني من التحرك كتدبير احترازي انتظاراً لتدخل مجلس الأمن والتصرف في الملف السوداني ككل .. ويجب وقتها عمل مذكرة تفصيلية بحق هؤلاء باتهامات محددة كما حدث مع عمر البشير الذي انتهى الأمر به إلى صدور مذكرة توقيف دولية بحقه، وهذا هو أسرع التدابير التي يمكن أن يتخدها مكتب المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية”.

Welcome

Install
×