قضية الحصانات تثير الجدل في تعديلات قانون المخابرات لسنة 2024م (2)

رئيس المرصد السوداني لحقوق الإنسان عبدالسلام سيد أحمد - المدير السابق لمكتب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ـ مصدر الصورة ـ خاص راديو دبنقا


السبت: 1/ يونيو/2024م: راديو دبنقا
أثارت التعديلات التي أدخلتها السلطات السودانية على قانون جهاز المخابرات العامة، الجدل من الناحية القانونية والحقوقية والسياسية حيث نص المرسوم الدستوري رقم 3 لسنة 2024 الموقع من قبل رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، على مهام جديدة لجهاز المخابرات العامة خلافًا لمهمته، التي نصت عليها الوثيقة الدستورية وذلك بإعادة الصلاحيات للجهاز والتي لها علاقة بالقبض والتحري ومنحت التعديلات الحصانة لأعضاء الجهاز والمتعاونين معه، هذه التعديلات كانت محور النقاش في برنامج في “الميزان” الذي يبث عبر “راديو دبنقا”.
قبضة أمنية:
وفي هذا السياق اعتبر رئيس المرصد السوداني لحقوق الإنسان، الخبير القانوني عبد السلام سيد أحمد أن هنالك ضرورة للنظر إلى السياق الذي حدث فيه تعديل قانون جهاز المخابرات العامة، يقول لـ”راديو دبنقا” أن هنالك ارتباك شديد في التعديل من ناحية قانونية. وأرجع ذلك إلى أن المادة 37 من الوثيقة الدستورية نصت على تحديد مهام المخابرات في جمع المعلومات وتحليلها وتقديمها للجهات المسؤولة.
واعتبر أن هنالك تعديلات متنوعة أدخلت على القانون القديم لعام 2010 في يوليو 2020 والتي ألغت بعض المواد مثل المادة 25 المتعلقة بسلطة الاستدعاء والتحقيق والتفتيش والمواد 50 و51 المتعلقة بالاعتقال والاحتجاز والتحري والمادة 52 المتعلقة بمنح الحصانات.
وأوضح أن التعديل الراهن أعاد هذه المواد لقانون عام 2010 وأن الارتباك الذي أشار إليه وضح في الصياغة لعدم الإشارة إلى تعديلات 2020 كأنه لم يتم إجراؤها من قبل، وألغى موادًا أصلا كانت ملغية وأعاد نفس المواد القديمة المتعلقة بالاعتقال والتحري.
وخلص إلى أن الهدف من كل ذلك محاولة تشديد القبضة الأمنية ويكون هنالك شئ فاعل بأن يقوم جهاز المخابرات العامة بممارسة نشاطه باعتقال المواطنين واستدعاؤهم هكذا دون أي رقابة قضائية.
ونوه إلى أن الوثيقة الدستورية لم تُلغ كما يجب، لكن رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، عطَّل سبعة مواد ويقول بالتالي يفترض أن تكون الإطار الدستوري الحاكم من ناحية شكلية لكن هم غير ملتزمين بها، وأساسًا معلوم أن الوثيقة الدستورية جاءت نتيجة اتفاق سياسي بين تكتل الحرية والتغيير والمكون العسكري في ذلك الوقت. ويضيف كل الشق السياسي الموقع على الاتفاق السياسي غير موجود، والمواد التي تم تعطيلها عطلت عمليًا الاتفاق السياسي.
مخالف للدستور:
وبرهن الخبير القانوني والمدافع الحقوقي سيدأحمد في الحديث الذي أدلى به لـ”راديو دبنقا” بأنه إذا كان القانون فعلًا يستند على الوثيقة الدستورية فهو مخالف للدستور ومخالف للمادة 37 والتي حددت مهام جهاز المخابرات العامة، ولن يكون لديه سلطات متعلقة بالقبض والاعتقال والتحري وغير ذلك، ويضيف: حتى لو سلمنا جدلًا أنه يستند إلى الوثيقة الدستوري فإنَّ التعديل غير دستوري لأن المادة 37 سارية المفعول ولم تعطَّل كما عطلت المواد السبعة الاخرى.
ووصف الحديث عن اجتماع مشترك بين مجلسي السيادة والوزراء كمرجعية لاتخاذ القرار بانه مثير للغرابة، ويرى أنه حتى هذا النص أدرج في الوثيقة الدستورية على أساس أنه إجراء انتقالي مقصود منه ملء الفراغ التشريعي إلى حين تكوين المجلس التشريعي. مع انه استمر المجلس السيادي في سلطاته دون تشكيل المجلس التشريعي.
ويقول رئيس المرصد السوداني لحقوق الإنسان، رغم أنه المجلس التشريعي لم يتم تشكيله، لكن، كان هنالك قدر من المشروعية السياسية لم يتم تشكل إلا أن المجلسين كانا يعبران عن قوى متنوعة من المكون قوى الحرية والتغيير كان يضم كيانات نقابية ومهنية وسياسية والتي تضم المكون العسكري وبعدها انضمت إليه الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام جوبا، واعتبر أنه كان هنالك قدر من التمثيل بشكل من الأشكال يعطي قدر من المشروعية لاجتماع المجلسين.
غير أنه استدرك بأنه بعد انقلاب 25/ أكتوبر/ 2024م لم تعد هذه المشروعية السياسية موجودة، حيث يرى أنه تم الانقلاب عليها، ويقول لايوجد مجلس وزراء بل هنالك وزراء مكلفين ورئيس وزارء مكلف بالتالي إلى أي مدى ممكن أن يكون هنالك حديث عن مشروعية باجتماع مشترك للمجلسين.

من جهته اعتبر المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان نصرالدين يوسف عضو هيئة محامي دارفور في حديثه لـ”راديو دبنقا”، أن التعديلات الدستورية التي تم إدخالها على قانون جهاز المخابرات العامة، هدفت لتوسيع صلاحيات الجهاز وإعادة سلطاته التي تم إلغاؤها بموجب مقتضيات التعديلات التي تمت بعد ثورة ديسمبر 2018. والتي حصرت سلطات الجهاز في جمع المعلومات وتقييمها وتقديمها للسلطة التنفيذية وإلغاء سلطة الحجز والاعتقال التي قال بأنها أساسا كانت تشكل انتهاكات واضحة خلال فترة الثلاثين عامًا من عمر نظام الإنقاذ.
ويؤكد المحامي والحقوقي يوسف أن لهذا الأمر دلالات أن كل التعديلات التي تمت بمقتضيات الوثيقة الدستورية يتم إلغاؤها، كذلك ما تضمنها من تعديلات قوانين تمت في زمن ثورة ديسمبر وما بعدها يجب ان تلغى في توهم أو في سعي إلى إلغاء كل مقتضيات الثورة، ويقول أن ذلك هو الهدف إضافة إلى إعادة سلطة الجهاز والذي أيضًا له دلالات.
وأوضح أن جهاز المخابرات كانت لديه سلطات مطلقة ذات طابع سياسي واقتصادي ويقول أن الجهاز كذلك تدخل في كافة مناحي الحياة السياسة والاقتصادية والثقافية والأدبية والرياضية، ومشكل سلطة كبيرة جدا بهذا الوجود والانتشار داخل المجتمع السوداني ما يعكس الطموحات للحكومة الإسلامية والاخوان المسلمين.
لكن، في الواقع، كما يقول يوسف، تلك التعديلات بأنها ليس لها أساس دستوري وغير صحيحة وأرجع ذلك إلى أنها في الواقع هي تستند إلى اجتماع مشترك لمجلسي السيادة والوزراء وتستند على الوثيقة الدستورية، ولكن عمليًا تم إلغاؤها بعد انقلاب 25 اكتوبر/2021م. وأصبحت غير موجودة ولا يمكن الرجوع إليها.
ويشير إلى أن مجلس السيادة بعد الانقلاب تشكيله أصبح غير مشروع بمقتضيات الانقلاب، ويعزي ذلك إلى أن المادة 11 من الوثيقة الدستورية لعام 2020 تعديل 2020 تم التعديل بحيث أنه عدد أعضاء مجلس السيادة بدلاً عن 11 يكونوا 14 عضو خمسة مدنيين من قوى الحرية والتغيير وخمسة من المكون العسكري وآخر مدني بالتوافق مع الطرفين وثلاثة أعضاء تم ضمهم بعد اتفاقية جوبا للسلام وهي أطراف العملية السلمية. وبالتالي هؤلاء 14 عضو.
غير أنه أشار إلى أن هنالك نص يتحدث عن أن الجهة التي قامت بالاختيار لديها حق التعيين والاستبدال وبالتالي، فإنَّ تم أيضاً يكون قد تم بصورة غير صحيحة ومخالفة لنصوص الوثيقة الدستورية وبذا يكون مجلس السيادة نفسه بموجب هذا النص تشكيله الان غير سليم ومخالف لنصوص الوثيقة الدستورية المعدلة 2020.
الحصانات ضرورة
غير أن عضو هيئة الدفاع عن الرئيس المخلوع عمر البشير محمد الحسن الأمين المحامي، دافع عن تلك التعديلات واعتبرها إيجابية لكنه يرى في حديثه لـ”راديو دبنقا” بإمكانية مراجعتها بعد الحرب ويضيف” عندما تقف الحرب يجب إعادة النظر فيها كما ذُكِر لأنها لم تسن في ظروف طبيعية وإنما سُنت في ظروف استثنائية”. بيد أنه لم يستبعد أن تقع بعض التفلتات أو الخروج عن القانون، لكنه يرى أن الطرف الآخر يرتكب التفلتات أكثر من غيره، ويقول إن الخروج عن القانون في معظمه يقع من القوات المعتدية والتي يسعى أفراد الأمن والقوات المسلحة لإيقاف جرائمها.
ويضيف الأمين إنَّ ظروف الحرب استثنائية تطبق فيها حالة الطوارئ والقوانين الاستثنائية لحفظ الأمن، ويعزي ذلك إلى أن الجرائم قد أصبحت سائدة في كل موقع يكون فيه وجود لقوات الدعم السريع ولما سماه بقوات المرتزقة والقوات الغازية.
ويرى الأمين أن الوقت ليس مناسباً لتطبيق المعايير الدولية لحقوق الإنسان ويعزي ذلك بقوله إن أفراد الدعم السريع والقوات التي جاءت من مختلف أرجاء إفريقيا، لا يعرفون قاعدة واحدة لحقوق الإنسان وإنما يقومون بالاعتداء بكل الوسائل ويرتكبون جرائم بشعة في حق المواطنين المدنيين العزَّل كما تشهد بذلك كثير من اللقطات التي يصورونها هم ولا يصورها أحد غيرهم.
ولفت إلى أهمية النظر في ظروف الحرب ليس إلى الإجراءات العادية في القوانين وفي حقوق المدنيين وفي حقوق الإنسان وانما ينظر إلى ما يهدر من أموال وما يزهق من أرواح وما يتم من اغتصابات وجرائم في حق المدنيين وفي حق المواطنين بصورة عامة تقوم بها هذه الفئات المعتدية على الشعب السوداني.
واعتبر أن منح الحصانات لأفراد جهاز المخابرات العامة والقوات المسلحة في مثل هذا الظرف، ضرورة حتى يتمكنوا من أداء واجبهم دون أن يخشوا أي ملاحقات أمنية.
مخالفة للمواثيق:
من ناحيته يرى المدير التنفيذي للمركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام مساعد محمد علي التعديلات التي أدخلت على قانون جهاز المخابرات أنها تشكل تراجعًا، عما حققته ثورة ديسمبر ويقول لـ”راديو دبنقا”: عندما اندلعت الثورة، كان أحد المطالب الأساسية هو إلغاء قانون الأمن المخابرات العامة. يضيف: بطبيعة الحال، كانت هناك العديد من الممارسات المخالفة للقانون، وللدستور، وحتى مواثيق حقوق الإنسان.
الافلات من العقاب:
ويؤكد المدافع عن حقوق الإنسان مساعد محمد علي، أن عودة الحصانات لمنسوبي جهاز الأمن والمتعاونين معهم يكرس لسياسة الإفلات من العقاب، ويعمل على تقييد فرص العدالة لأي ضحية قد تعرض لانتهاك حقوقه بواسطة أفراد جهاز الأمن والمخابرات. ويعتقد أن هذه الحصانات ستزيد من خطر الاعتقال.
وينوه إلي أن عودة الحصانات مرة أخرى أيضاً من شأنه أن يفتح الباب واسعًا لممارسات التعذيب، إساءة المعاملة، التنكيل، بل ويمكن أن يفتح الباب، للقتل خارج نطاق القضاء، أمام جرائم الاختفاء، من غير أن يكون عضو أو أي فرد من أفراد جهاز الأمن، ومدير الجهاز الأمني، والمتعاونين، عرضة لأي نوع من الاستجواب، وعبر عن اعتقاده بأن هذا يمكن أن يكون تهديدًا خطيرًا جداً، بالنسبة للمساءلة، والاستجواب، في الإطار الجديد، الذي بموجبه تمت التعديلات المذكورة.
وحول ما اذا كانت هذه التعديلات قد تكون أملتها ضرورة الحرب الدائرة الآن بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، يرد مساعد على ذلك بقوله: حتى لو أمنَّا على أنها ضرورية في ظل الحرب، فإنَّ المعالجة تتم في إطار فرض قوانين الطوارئ، أو مثلاً منح صلاحيات إضافية لبعض الأجهزة.
ويشترط تطبيق تلك الاستثناءات في إطار القانون، والدستور، وفي الإطار الذي تسمح به كافة المواثيق الدولية، التي تعمل من أجل القضاء على التجاوزات، والتي تعمل على ضمان مساواة الجميع، أمام القانون، وتمنع كافة الممارسات، التي يكون فيها حجر على حرية الأفراد. ويقول إنَّ الدفع بمثل هذه الحجج هنا ليس مكانه.

Welcome

Install
×