قضية الحصانات تثير الجدل في تعديلات قانون المخابرات (1)لسنة 2024م
الجمعة: 24 مايو 2024م: راديو دبنقا
أثارت التعديلات التي أدخلتها السلطات السودانية على قانون جهاز المخابرات العامة، الجدل من الناحية القانونية والسياسية حيث نص المرسوم الدستوري رقم 3 لسنة 2024 الموقع من قبل رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، على مهام جديدة لجهاز المخابرات العامة خلافا لمهمته التي نصت عليها الوثيقة الدستورية وذلك بإعادة صلاحيات للجهاز لها علاقة بالحريات العامة من تحرٍ وحجز وحصانة خاصة بأعضاء الجهاز والمتعاونين معه، هذه التعديلات كانت محور النقاش في برنامج في الميزان الذي يبث عبر “راديو دبنقا”.
انتكاسة:
في هذا السياق اعتبر المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان أبو طالب حسن الإمام أن التعديلات التي جرت على قانون جهاز المخابرات الوطني بموجب المرسوم الدستوري الرقم 3 لسنة 2024 انتكاسة كبرى وطعنة خاصرة ثورة سبتمبر.
ولخص الأسباب التي أدت إلى قيام الثورة هي الكبت والإرهاب الممارس من قبل حكومة النظام السابق ضد المواطنين وقال إنها كانت تتم عبر جهاز الأمن وبموجب الصلاحيات التي كانت في قانون 2010م.
وأعاد التذكير بأن من بين مطالب الثورة أن جهاز الأمن والمخابرات العامة يصبح جهازًا لجمع المعلومات وتحليلها ومن ثم ورفعها للجهات المختصة وقال إن هذا ورد في الفصل 11 من الوثيقة الدستورية لعام 2019، ولكن مع الأسف هنالك جهات كثيرة متربصة بالثورة.
وأعرب المحامي والحقوقي أبوطالب عن قناعته بأن الإعداد لمشروع حكومة ديكتاتورية يسير على قدم وساق وقال أنهم يستغلون ظروف هذه الحرب، وقال بعد خروج المواطنين من هذه الحرب سنتفاجأ بمجموعة أو بترسانة من القوانين المقيدة للحريات والتي ستحد من عمل المدنيين والثوار، ولم يستبعد أن تكون لتلك التعديلات ارتباط مباشر بمسألة الحريات وقطع بقوله “طبعا بالتأكيد لديها ارتباط مباشر بالحريات.
ملاحقات في الخارج:
وقال أبو طالب بالبحث في التفاصيل المتعلقة بالتعديلات يستشف الهدف الرئيسي منها، فمن ضمن هذه التعديلات الفقرة التي نصت على أن من مهام الجهاز كشف ومكافحة الانشطة التخريبية للمنظمات، او الافراد، او الدول الاجنبية، او الجماعات السودانية داخل السودان وخارجه. وأضاف: انا في تقديري هذه النقطة بالتحديد المعني بها منظمات المجتمع المدني السودانية والسياسية الناشطة في الخارج ودلل على ذلك بما وصفه بالبلاغ الكيدي الذي تم فتحه في مواجهة رئيس الوزراء السابق د. عبد الله حمدوك وأعضاء تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية “تقدم”
وحول تبرير اصدار هذه التعديلات بكونها مطلوبة مع ظروف الحرب لضبط الأمن، عبر ابو طالب عن رفضه لهذا الطرح وقال: انا لا اتفق مع هذا الاتجاه، وعبر عن اعتقاده بأن هذه التعديلات موجهة اساسًا للناشطين السياسيين والمدنيين وقال: لو كان اصلاً القضية تتعلق حرب فبموجب الفصل الثالث عشر يمكن إصدار اوامر طوارئ تساعده في هذه الحرب وتابع: لكن مع الاسف هذه التعديلات سوف تستخدم ضد المدنيين.
الإجراءات المدنية:
وفي رده حول بعض الآراء التي اعتبرت أن التعديلات على قانون المخابرات ماهي إلا محاولة لملاحقة النشطاء السياسيين والمدنيين، وقال أبو طالب انا اتفق تمامًا مع هذا الرأي وقال ان الهدف المدنيين وبالأخص الفاعلين الذين شاركوا في ثورة ديسمبر. ودلل على حديثه بمقتل المحامي صلاح الطيب القيادي بالمؤتمر السوداني تحت التعذيب واعتبر ذلك البداية وحذر أن القادم أسواء.
وحول موضوع الحصانات، جاء رد أبو طالب مختلفًا بقوله أن الغرض من منح هذه الحصانات لأعضاء الجهاز هو البطش بالمواطنين، وقال بالإضافة للحصانات في الاجراءات الجنائية، يمنح القانون حصانات في الاجراءات المدنية واعتبر أن هذا يعني حتى في المسائل المدنية في التعاملات العادية المعروفة في عمليات البيع والشراء إذا حدثت خلافات يمكن أن لا تأخذ حقك إلا بإذن من رئيس جهاز المخابرات العامة، وعبر عن أسفه لهذه التعديلات وقال لا يمكن أن تحدث في دولة محترمة تتطلع الى حكم مدني.
بدون قيود:
اعتبرت نائبة رئيس هيئة محامي دارفور نفيسة حجر المحامية أن تلك التعديلات تتعلق بالحصانة وسلطة التفتيش والاعتقال، وقالت: إن التعديلات تتحدث عن أخذ الاذن من مدير جهاز المخابرات وهذا يعني انه تم منح الجهاز كامل السلطات المتعلقة بالاعتقال والتفتيش بدون الالتزام بأي قيود.
وقالت بالعودة للوثيقة الدستورية نجدها قلصت سلطات جهاز المخابرات وحددت مهامه في جمع المعلومات وتحليلها وتقديمها للجهات ذات الاختصاص، إلا أنه بتلك التعديلات يكون قد أعاد وضع الجهاز لفترة ما قبل الوثيقة الدستورية وأطلقوا يد الجهاز في أن يقبضوا كما يشاؤون ومن يريدون.
ورأت أن المشكلة تكمن في أن التعديلات منحت أفراد الجهاز حصانات وقالت أن هذا يعني بالتجربة إطلاق يد أفراد الجهاز، في ممارسة البطش والتنكيل والتجاوزات التي كان يمارسها أفراد الجهاز.
واعتبرت إضافة نشاط خارجي للجهاز الهدف هو الملاحقة السياسية لأصحاب الرأي المختلفين معهم أو الخصومة السياسيين في الخارج، ودللت على ذلك بأوامر التوقيف التي صدرت بحق رئيس الوزراء السابق د. عبد الله حمدوك والقادة السياسيين في تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية “تقدم” وقالت إننا موعودين بمزيد من البطش والتنكيل.
النظام القديم:
وفي ذات السياق قالت المحامية والراصدة لانتهاكات حقوق الانسان، رحاب المبارك، إن ما حدث أعاد كل الصلاحيات التي كانت موجودة في قانون جهاز الأمن والمخابرات الوطني للعام 2010م، وتم تفعيل المواد التي كان عليها اعتراض في حق المدنيين والمتعلقة بإعادة الضبط الاحضار وسلطة التفتيش. وسلطة تفتيش الأشخاص والحجز على الأموال.
وقالت إن تلك الصلاحيات كانت أصيلة كان يقوم بها وكلاء النيابات عبر قانون الإجراءات الجنائية، منحوها لجهاز المخابرات وأعادوا له الصلاحيات والحصانة من أجل أن تحميه، ورأت أن ذلك يعني باختصار عودة النظام القديم برمته ولم يتبق إلا عودة الرئيس المخلوع عمر البشير الذي يجلس في مكانه رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان.
وأشارت “المبارك” إلى أن التوقيت له تفسيراته وقالت إنَّ هذا يدلل على أن البرهان غير متحكم في النظام ولا يمتلك قراره وأن القرار في يد الإسلاميين وهو ينفذ كل طلباتهم وأوامرهم، وقالت إن ذلك يعني مزيد من البطش والطغيان والظلم والدليل على ذلك مقتل المحامي صلاح الطيب بقرية العزازي بولاية الجزيرة وهو ذات السيناريو الذي حدث للأستاذ أحمد الخير وغيره الذي تم القبض عليه وتعذيبه حتى الموت.
ولم تستبعد الناشطة الحقوقية أن تتكرر تلك الممارسات التي ارتكبت في حق أحمد الخير وصلاح الطيب في ولاية الجزيرة وقالت سنشاهد سيناريو مماثل بشكل يومي، بحق المدنيين في الولايات وقالت أن قوات السريع تمارس نفس السلوك والدليل على ذلك مقتل طبيب في بركات في ولاية الجزيرة والذي تمت مداهمة عيادته من أجل نهبه وحين رفض وتصدى لهم تم قتله. ورأت أنه إذا كان الجيش يبطش بالمواطنين عبر جهاز الأمن وكتائب الإسلاميين فالدعم السريع يمارس نفس الممارسات عبر عناصره واستخباراته المنتشرة في الولايات ووصفت كل ذلك بأنه زمن الفوضى.
العهد الدولي:
غير أن المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان، وجدي صالح أعتبر أن الحرب الدائرة هدفها قطع الطريق أمام ثورة ديسمبر، وقال إن كل الذي يتم الآن من قبل ما سماها سلطة الأمر الواقع في بورتسودان هو محاولة لإعادة إنتاج النظام القديم بقوانينه وكل سلوكياته وصلاحيات أجهزته الأمنية.
واعتبر أن ثورة ديسمبر جردت جهاز الأمن والمخابرات من سلطة التحقيق والتحري والاعتقال، من الحصانات الممنوحة لأفراد جهاز المخابرات، وقال إنّ هذا المرسوم غير دستوري لأنه لا يستند على أي أساس دستوري، مشيرًا إلى أن هذه السلطة أيضاً سلطة انقلابية لا تمتلك أي سند شعبي.
وقال وجدي إن البرهان الآن يعيد مرة أخرى من خلال المرسوم لجهاز الأمن والمخابرات العامة الصلاحيات التي حجبتها عنه الوثيقة الدستورية وشدد بقوله أن اسمه القانوني جهاز المخابرات العامة والقانون الجديد يعيد إعطائه سلطة الاعتقال ولمدير الجهاز الحق في التمديد لمدة 45 يوماً وقال أيضًا أعطاهم سلطة التحقيق.
ونوه وإلى أنه سبق هذا التعديل أيضاً عودة هيئة العمليات عبر بوابة الحرب مرة ثانية وقال إنَّ هذه الهيئة كانت ترتكب هذه الممارسات الخارجة عن القانون، وغير المتوافقة مع حقوق الإنسان وغير متفقة مع كرامة الإنسان ومع كل المعايير الدولية، التي صادق عليها السودان سواء كان في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية أو الاتفاقيات التي صادق عليها السودان والتي تمنع التعذيب ولا تبيحه وتجرم التعذيب.
ووصف المحامي والمدافع الحقوقي كل تلك الإجراءات بقوله إن الذي يتم تحت مظلة الحرب هو ردة على كل قيم ثورة ديسمبر وردة فعلية على كل القوانين التي تحكم حقوق الإنسان في السودان، أو في العالم أو حتى على المستوى الإقليمي.
واعتبر أنه مناهض تماماً للشرعة الإقليمية والدولية لحقوق الإنسان وللميثاق الإفريقي أو الإعلان الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب ومنافٍ للإعلان العالمي الحقوق الإنسان ومخالف مع العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وأيضاً للعهد الدولي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وخلص إلى أن الذي يتم الآن مناف لكل ما هو سوي وصحيح وكل ما هو مرفوض من قبل الشعب السوداني وأيضاً مرفوض من كل قيمة الإنسانية والفطرة الإنسانية.